عناصر الخطبة
1/إكمال في حال النبي صلى الله عليه وسلم في بيتهاقتباس
لازِلْنَا فِي هَدْيِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَقَدْ كَانَ لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، فَمَا قُرِّبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الطَّيِّبَاتِ إِلَّا أَكَلَهُ،...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ صَاحِبِ العَطَايَا وَالكَرَمِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَاسِعُ الْهِبَاتِ وَالنِّعَمِ، نِعَمٌ تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ، العَلِيُّ الأَعْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَكْرَمُ الْخلقِ فِي العَالَمِينَ، لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُو إلَّا وَحيٌ يُوحَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِه، وَالسَّائِرِينَ مَعَهُمْ عَلَى دَرْبِ الْهُدَى.
أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَتِعْدَادِ نِعَمِهِ فَقَدْ امْتَنَّ عَلينَا فَقَالَ جَلَّ فِي عُلاهُ: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ). فَالْمُسْلِمُ دَئِمًا يَتَذكَّرُ نِعَمَ اللهِ عَليهِ، في دِينِهِ وَإيمَانِهِ، وَبَلَدِهِ وَأَمْنِهِ وَأَمَانِهِ، وَبَدَنِهِ وَمَسَكَنِهِ، وَولدِهِ وَرِزْقِهِ، فَذِكْرُ النِّعَمِ يُورِثُ الْحُبَّ والتَّعْظِيمَ والشُّكْرَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
عِبَادَ اللهِ: حين تَحدْثنَا عن حَيَاةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْكَنَهِ وَمَأْكَلِهِ وَأَثَاثِ بَيتِهِ تَبيَّنَ لَنَا حَقًّا أَنَّ الدُّنْيَا مَتَاعُ الْغُرُورِ، وأَنَّ نَبِيَّنَا الأَكْرَمَ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا وَزُخْرُفِهَا، فَقَدْ كَانَ مَلْبَسُهُ مُتَواضِعًا، كَانَتْ لَهُ عِمَامَةٌ تُسَمَّى: السَّحَابَ، وَلَبِسَ الْقَمِيصَ وَكَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَيْهِ، وَلَبِسَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ. وَكَانَ أَحَبَّ الْأَلْوَانِ إِلَيْهِ الْبَيَاضُ، وَقَالَ: “هِيَ مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ فَالْبَسُوهَا وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ”. وَكَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ قَالَ: “اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ”. وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْخُيلاءِ والكِبْرِ فِي الْمَلبَسِ وَغَيرِهِ، فَقَال -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ ثُمَّ تَلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ”(رَواهُ أَبُو دَاودَ). وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، وَعَنْ أبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنْهُ- أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزار فَفِي النَّار”(رواهُ البُخَارِيُّ).
عِبَادَ اللهِ: وَحِيَن نَتَحَدَّثُ عَنْ عِيشَةِ أَكْرَمِ بَيْتٍ بَشَرِيٍّ، فَتَحَمَّلُوا مَا سَتَسْمَعُوهُ مِنْ عَيشِ خَيرِ البَرِيَّةِ وَنَبِيِّ الْثَّقَلَينِ بِأَحَادِيثَ وَقَصَصٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيحِهِ. فَإنَّهُ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَولادِنَا قَدْ لاقَى -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن الْجُوعِ والنَّصَبِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ وَقَدْ صَبَرَ وَصَابَرَ وَلَمْ يتَشَكَّ وَلَمْ يَتَسَخَّطَ على قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ! وَصَفَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، -رَضِيَ اللهُ عنْهُ- أَنَّهُ كَانَ سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُهُمْ. وَوَصَفَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عنْهَا-، فَقَالَتْ: “تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ”.
عِبَادَ اللهِ: تَصَوَّرُوا حَالَةَ رَسُولِ اللهِ وَصَحَابَتِهِ فِي مِثْلِ أَجْوَائِنَا هَذِهِ، شِدَّةُ حَرَارَةٍ، وَمَعَهَا عِنْدَهُمْ شِدَّةُ جُوعٍ وَمَسْغَبَةٍ؛ فَفِي ذَاتَ يَوْمٍ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَائِمًا عَلى وَجِهْهِ فِي طُرُقَاتِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: “مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟” “مَا أَقْعَدَكُمَا هَاهُنَا؟” قَالَا: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَخْرَجَنَا الْجُوعُ مِنْ بُيُوتِنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا”، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَيْنَ فُلَانٌ؟” قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، _ يعني وَهُمَا في مَنْزِلِهِ _ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، يعْنِي السِّكِينَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ”، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ".
يَا اللهُ أَيُّ نَبِيٍّ هَذَا لَقَدْ كَانَ حَقًّا لَقَدْ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. فَالاعْتِرَافُ بنِعَمِ اللهِ يَا مُؤمِنُونَ مِفْتَاحُ كلِّ خيرٍ، وَيَجْعَلُ لِسانَكَ يَلْهَجُ بِحَمْدِ اللهِ وَشُكْرِهِ، فَيَا عَبْدَ اللهِ: رَدِّدْ دَائِمًا: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
فَالَّلهُمَّ اجْعَلْنَا جَمِيعًا لَكَ مِنَ الشَّاكِرينَ الْذَّاكِريَن. أوزِعْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ.
وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِن كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ وَتَقْصِيرٍ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الْرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ أَشْهَدُ الَّا إلهَ الَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلكُ ولهُ الحَمدُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ السِّرَاجُ الْمُنيرُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابهِ وَمَنْ اهتدى بهمْ إلى يَومِ الْمَصِيرِ.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاجْعَلُوا تَقْوى اللهِ شِعَارًا لَكُمْ وَدِثَارًا. وَتَأَمَّلُوا قَولَ اللهِ -سُبحَانَهُ-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
عِبَادَ اللهِ: لازِلْنَا فِي هَدْيِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَقَدْ كَانَ لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، فَمَا قُرِّبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الطَّيِّبَاتِ إِلَّا أَكَلَهُ، “وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ”. فَكَانَ هَدْيُهُ أَكْلَ مَا تَيَسَّرَ، فَإِنْ أَعْوَزَهُ صَبَرَ حَتَّى إِنَّهُ لَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ! وَكَانَ مُعْظَمُ مَطْعَمِهِ يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّفْرَةِ، وَكَانَ يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَيَلْعَقُهَا إِذَا فَرَغَ، وَلَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا، وَكَانَ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عَلَى أَوَّلِ طَعَامِهِ، وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهِ فَيَقُولُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا”. وَكَانَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهِ قَاعِدًا، وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ الْقَصَصِ التي تَدُلُّ عَلى شَظَفِ عَيشِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُعَيْبٍ، رَأَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: اصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخَمْسَةِ نَفَرٍ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَاهُ فَقَبِلَ! وَقَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عنْهُ-، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ خَمَصًا؛ أي خَالِيًا بَطْنُهُ مِن الْجُوعِ فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ.
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: أَمَا قِصَّةُ رَسُولِنَا الأُخْرى فَهِيَ تَبْدَأُ حِينَ رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، قَدْ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَى زَوجَتَهُ أُمَّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ، رَضِيَ اللهُ عنْهَا فَقَالَ لَهَا: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ! فَأَرْسَلُوا أَنَسًا -رَضِيَ اللهُ عنْهُ-، إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أَقْبَل عَلَى رَسُولِ اللهِ قَالَ لَهُ: “أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ”، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: “أَلِطَعَامٍ؟”، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لِمَنْ مَعَهُ: “قُومُوا”، فَانْطَلَقُوا مَعَهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟” فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، فَمَسَّهَا رَسُولُ اللهِ وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: “ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ”، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ! ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا.
اللهُ أَكْبَرُ -عِبَادَ اللهِ-: هَذِهِ لِمْحَةٌ عَنْ حَيَاةِ خَيرِ الْبَشِرِ وَحَيَاةِ صَحَابَتِهِ خَيرِ الْقُرُونِ وَأَزْكَاهُمْ الذين عَرَفُوا حَقِيقَةَ الدُّنيَا، وجَعَلُوا هَمَّهُمُ الآخِرَةَ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ في عُلاهُ: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
فَيَا أَيُّها الْمُؤمِنُ: أَكْثِرْ مِنْ تِعْدَادِ نِعَمِ اللهِ عَليكَ، فَإنَّ ذِكْرَهَا شُكْرُهَا. وَلا تَكُنْ مِن الْمُتَسَخِّطِينَ دَومًا وَأَبَدًا فَبَعْضُ النَّاسِ لا يَرَى إلَّا مَا عِنْدَ الْغَيرِ وَلا يَرى نِعَمَ اللهِ عَلَيهِ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نِعَمَ اللهِ عَلَيهِ إلَّا في مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَحَضَرَ عَذَابُهُ. وَلَمَّا قَرَأَ اَلْحَسَنُ الْبَصْرِيُ رَحِمَهُ اللهُ قَولَ اللهِ: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ). قَالَ: هُوَ الذي يَعُدُّ الْمَصَائِبَ، وَيَنْسَى نِعَمَ اللهِ عَلَيهِ.
يَـا أَيُّهَا الظَّـالِمُ فِي فِعْلِهِ *** وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمَ
إلى مَتَى أَنْـتَ وَحَتَّى مَتَى *** تَشْكُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ
فَالَّلهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا، وَقَنِّعْنَا بِما آتَيتَنَا، وَأَغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، فَالَّلهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحولُ بِه بَينَنَا وبينَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلُّغُنَا بِه جَنَّتَكَ، الَّلهمَّ لا تَجعلِ الدٌّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مَبلَغَ عِلمِنا، ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن بَرَّ واتَّقى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَيَسَّرتَهُ لليُسرَى.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَحِّدِ َّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ الْمُؤمِنِينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَوَفِّقْ وَلِيَّ أمْرِنا لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا وَاحْفَظْ عَلينَا دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَحُدُودَنَا وَأَخْلاقَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في أَرزَاقِنَا، وَأَغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ. عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَّمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمعينَ.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم