سلسلة التفقه في الصلاة (1)

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ عظم شأن الصلاة ورفعة منزلتها 2/ وجوب الوعي بأخطاء الصلاة ومبطلاتها 3/ من أعظم مبطلات الصلاة عدم الطمأنينة فيها 4/ ما معنى الطَّمأنِينَةِ في الصَّلاةِ؟ 5/ حكم الجهر بالنية في الصلاة 6/ السنة في رفع اليدين في الصلاة ومواضعها.

اقتباس

إنَّ مِن أجَلِّ العِبَادَاتِ التي يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّمَ أَحكَامَهَا وأَركَانَها ومُبطِلاتِها، الصَّلاةُ المَفرُوضَةُ، كيفَ لا وهيَ أوَّلُ مَفرُوضٍ، وأَعظَمُ مَعرُوضٍ وأجلُّ طَاعةٍ وأرجى بِضَاعَةٍ، هيَ رأسُ الأَمَانَةِ، قالَ عنها: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ، فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ".. وإنَّ نَظْرَةً فَاحِصَةً في مَسَاجِدِنَا، وَتَفَقُّدَاً بَسِيطاً لِحالِ المُصَلِينَ، يَجعَلُكَ تُدرِكُ كم نَحنُ بِحاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى تَذكِيرِ أنفُسِنا وإخوانِنِا بِبَعضِ أخطَائِنا وتَقصِيرِنا في حَقِّ ما افتَرَضَ اللهُ علينا من الصَّلاةِ. ولَستُ مُبالِغاً إنْ قُلتُ لَكم: إنَّ الحَدِيثَ عن الأخطاءِ لا تَكفيهِ الجُمُعَتَانِ ولا الثَّلاثِ! وذلِكَ لِتَشَعُبِها وتَنَوُّعِها وكَثرَتِها!...

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ جعلَ الصلاةَ عمادَ الدِّينِ, وكِتَاباً مَوقُوتَاً على المؤمنينَ، حثَّنا عليها في الذِّكرِ المُبينِ فَقالَ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].

 

ونَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، خَشَعَتْ له القُلوبُ وَخَضَعت، وَعنَت له الوجوهُ وَذَلَّت، ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرسولُهُ، النَّاصِحُ الصَّادِقُ الأمينُ، آخِرُ وَصِيَّةٍ لَهُ: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ الأَمِينِ، إمَامِ الخَاشِعينَ، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ المَيَامِينِ والتَّابِعينَ لَهم وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ إلى يومِ الدَّينِ.

 

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها المسلمونَ، اتَّقوا اللهَ تعالى، وَحَافِظُوا على أَوَامِرِ رَبِّكم كَمَا أَمَرَ، وَتَحَرَّوا الصَّوابَ فِي اتِّبَاعِ سَيِّدِ البَشَرِ، حتى تُقبَلَ عِبَادَاتِكم، فَكُلُّ عَمَلٍ لَيسَ على أمْرِ اللهِ ولا أمْرِ رَسُولِهِ فَصَاحِبُهُ قدْ خابَ وخَسِرَ!

 

أَلا وإنَّ مِن أجَلِّ العِبَادَاتِ التي يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّمَ أَحكَامَهَا وأَركَانَها ومُبطِلاتِها، الصَّلاةُ المَفرُوضَةُ، كيفَ لا وهيَ أوَّلُ مَفرُوضٍ، وأَعظَمُ مَعرُوضٍ وأجلُّ طَاعةٍ وأرجى بِضَاعَةٍ، هيَ رأسُ الأَمَانَةِ، قالَ عنها: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ، فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ" (صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ).                

 

أيُّها المُؤمنونَ باللهِ وَرَسُولِهِ: وإنَّ نَظْرَةً فَاحِصَةً في مَسَاجِدِنَا، وَتَفَقُّدَاً بَسِيطاً لِحالِ المُصَلِينَ، يَجعَلُكَ تُدرِكُ كم نَحنُ بِحاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى تَذكِيرِ أنفُسِنا وإخوانِنِا بِبَعضِ أخطَائِنا وتَقصِيرِنا في حَقِّ ما افتَرَضَ اللهُ علينا من الصَّلاةِ.

 

 ولَستُ مُبالِغاً إنْ قُلتُ لَكم: إنَّ الحَدِيثَ عن الأخطاءِ لا تَكفيهِ الجُمُعَتَانِ ولا الثَّلاثِ! وذلِكَ لِتَشَعُبِها وتَنَوُّعِها وكَثرَتِها! حتى صِرنا نَشَهَدُ أخطَاءً انطَبَعَتْ بِنا لا شُعُورِياً! كَكَثْرَةِ الحَرَكَةِ فَمُصَلٍ يَسحَبُ شِمَاغَهُ يَمِينَاً وشِمالاً لِيعتَدِلَ مِرزَامَهُ، وآخَرُ يَرفَعُ كُمَّهُ عنْ سَاعَتِهِ لِيَعْرِفَ الوَقتَ! ومُصَلٍ عَينُهُ على سَاعَةِ الحَائِطِ! وآخَرُ تَسمَعُ صَفِيرَ فَمِهِ يَلُوكُ بِلِسَانِهِ بَقَايَا طَعَامِهِ!

 

أمَّا الانتِقَالاتُ بَينَ أَركَانِ الصَّلاةِ فَكَثِيرٌ مِن المُصَلِّينَ يَقُومُونَ بِحَرَكَاتٍ خَاطِئَةٍ، لا يُدَارُونَ سُنَّةً ولا سَكِينَةً وإِخبَاتَا.

 

وإنْ أردَّتَ تَأكِيدَ ذَالِكَ فَتَأمَّل أَنَّنَا نَنشَغِلُ في صَلاتِنَا أَكثَرَ مِن مَجَالِسِنَا!  فلا نَتَفَطَّنُ لِبُقعَةٍ فِي ثِيَابِنا إلاَّ في صَلاتِنَا! والوَاحِدُ مِنَّا يَبدَأُ بِالتَّكبِيرِ وَقَدْ فَسَّرَ كُمَّهُ للوُضُوءِ، ولا يَستَكمِلَهُ إلاَّ في صَلاتِهِ!  أَليسَ فِينَا مَنْ يُخرِجُ جَوَّالَهُ وَيَستَرِقُ نَظَرَهُ لِيَعرِفَ المُتَّصِلَ! كُلُّ هَذا في وَقتٍ أُمِرْنَا فِيها بالخُشُوعِ والخُضوعِ والسَّكينَةِ بَينَ يَدَيْ مَنْ ذَلَّتْ لِكبرِيَائِهِ السَّمَواتُ والأَرضُ. الذي وَصَفَ المُؤمِنينَ أنَّهم في صَلاتِهم خَاشِعُونَ!

 

رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: "مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا عَلَيْهَا". (أَخرَجَهُ البُخَاريُّ).

 

إخوانِي وأَخطَاؤنا فِي الصَّلاةِ بَعضُها يُبْطِلُها، وبَعضُها يُنقِصُ أَجرَهَا، ويُخِلُّ بِها. وأستَعِينُ باللهِ بِذكرِ بِعضِها مَعَ ذِكرِ الصَّوابِ فِيها بِإذنِ اللهِ –تَعالَى-، فَأَعِيرُونِي قُلُوبَكُم وتَعَلَّمُوها وَعَلِّمُوها مَنْ خَلفَكُم:

 

فَأشهَرُهَا وأظهَرُها وأكثَرُها وأعظَمُ مُبْطِلٍ لَها عَدَمُ الطُّمَأْنِينَةِ فِيها، فَكم نَرَى يَومِيَّا ليسَ مِنْ أطفالٍ وَشَبَابٍ فَحسْبُ بَلْ مِنْ رِجَالٍ كِبارٍ مَنْ لا يَطمَئِنُّ فِي رُكُوعٍ ولا سُجُودٍ ولا جُلُوسٍ، فَيَنْقُرُها نَقْرَ الغُرَابِ والدِّيكِ، لا يَذْكُرُ اللهَ فِيها إلاَّ قَلِيلاً ! ولا يَخفَاكُم أنَّ الطُّمَأنِينَةَ رُكنٌ مِنْ أَرْكَانِ صَلاتِنا، لا تَصِحُّ إلاَّ بِها، دَخَلَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ بَعدَهُ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ–صلى الله عليه وسلم-، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". أَيْ: صَلاتُكَ بَاطِلَةٌ! فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ له: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".

 

فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ له : "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا". (رواه البخاريُّ).

 

هَلْ تَصَوَّرتُم يا رَعاكُمُ اللهُ: الرَّسُولُ الأعظَمُ يُبطِلُ صَلاةَ صَحابِيٍّ ثلاثَ مَرَّاتٍ! ذلِكَ لأجلِ أنْ يُعطِيَهُ ويُعطِيَنا دَرسَاً عَمَلِيَّا عن معنى الطَّمأنِينَةِ حَقِيقَةً التي لا يُحسِنُها كَثِيرٌ مِن المُصَلِّينَ! أتَدرونَ يا كِرامُ: ما معنى الطَّمأنِينَةِ في الصَّلاةِ؟ معناها السُّكُونُ بقَدْرِ الذِّكْرِ الوَاجِبِ لِذَاكِرِهِ. بِأن تَستَقِرّ الأَعضَاءُ فِي الرُّكُوعِ أو السُّجُودِ استقرَاراً تَامَّاً. فَهِيَ بِمعنى التَّأَنِّيَ وإِعطَاءِ كُلِّ رُكنٍ حَقَّهُ مِن الصَّلاةِ، فَإذَا رَكَعْتَ فَأَعْطِ الرُّكُوعَ حَقَّهُ مِن اعتِدَالِ الظَّهٍرِ ومِنْ التَّسبِيحِ، وكُلِّ أركانِ الصَّلاةِ كَذَالِكَ.

 

أيُّها المُسلِمُونَ: الصَّلاةُ لَيسَت مُجَرَّدَ حَرَكَاتٍ نُؤَدِيَها لا نَفْقَهُ فِيها قَولاً ولا نُحسِنُ فِيها دُعَاءً،  ألم تَسَمعوا أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم-قال: "لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى صَلاَةِ رَجُلٍ لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ". (رواهُ الإمامُ أحمَدُ).

 

أتعلَمونَ كَمْ يَفرِقُ مِن الوَقتِ بينَ مَنْ يَطمَئِنُّ وبينَ مَنْ يُخِلُّ بِها؟!  إنَّها واللهِ بِضْعُ دَقائِقَ فقَط! فَلِمَ العَجَلَةُ والإخلالُ؟! هل تَأمَّلتم يومَاً كَمْ بينَ المُصَلِّينَ مِنْ الفُرُوقِ؟! استَمِعوا إلى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وهو يَروي عنْ رَسُولِ اللهِ قَولَهُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ فَمَا يُكْتَبُ لَهُ إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا"(رواه أبو دَاودَ وغيرُهُ).

 

وبَعضُهم والعِياذُ باللهِ تُلفُّ وتُرمى في وجهِهِ كالخِرقَةِ البَالِيَةِ.

فاللهمَّ زِدنا مِن فضلِكَ ولا تَنقُصنا. وأَسعِدنَا بالقَبُولِ ولا تَحرِمنا. واغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أنتَ أعلمُ بِهِ مِنَّا. وأستَغفِرُ اللهَ لي ولكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.                        

 

 

الخطبةُ الثانية:

 

الحمدُ للهِ غافرِ الزَّلاتِ، مُقيلِ العَثَرَاتِ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ الأرضِ والسَّمواتِ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه، شَهادةً نَرجو بِها النَّجاةَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عليهِ، وعلى آلِهِ وَصحبِهِ ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَمَاتِ.

 

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ وأَطِيعُوهُ، وراقِبُوهُ ولا تَعصُوهُ، الصَّلاةُ يا مُسلِمونَ: عَمُودُ الإسلام وفَرِيضَةُ اللهِ على الأَنَامِ، مَنْ حافَظَ عليها وأقامَهَا كما يُحِبُّ اللهُ ويَرضَاهُ، حَفِظَهُ اللهُ ورَعاهُ،  وأكرَمَ نُزُلَهُ ومَثواهُ.

 

عبادَ اللهِ: خَطَأٌ يُوجَدُ عِندَ شُعُوبٍ إسلامِيَّةٍ ذالِكَ أنَّهم يَتَلَفَظُونَ بِالنِّيَّةِ سِرَّاً أو جَهْرَاً عندَ ابتِدَاءِ الصَّلاةِ، وهذِهِ بِدْعَةٌ لم يَفْعَلْها رَسُولُ اللهِ ولَمْ يَأمُرْ بِها، وقالَ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِ امْرِئٍ مَا نَوَى".

 

فَلَمْ يَكُنْ يَنطِقُ بِشَيءٍ قَبلَ الصَّلاةِ غَيرَ التَّكبِيرِ، كَما قالَت أُمُّنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عنها-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَستَفْتِحُ الصَّلاَةَ، بِالتَّكْبِيرِ. (رواه مسلم).

 

ثُمَّ إنِّي سَائِلُكَ أَخي يا مَنْ تَقُولُ: نَويتُ أنْ أُصَلِيَ الظُّهرَ أو العصْرَ، لِمَنْ تَقُولُ هَذا القَولَ؟ تُرِيدُ أنْ تُسمِعَ مَنْ؟ اللهُ تَعَالَى؟ الذي يَعلَمُ السَّرَائِرَ ومَا تُخفِي الضَّمَائِرَ، فَاعلَمْ يا عبدَ اللهِ أنَّ كُلَّ العِبَادَاتِ تَقتَصِرُ على نِيَّةِ القَلْبِ، مِن صَلاةٍ ووُضُوءٍ وَصَومٍ وَزَكاةٍ وحجٍّ. فاللهُ تَعَالَى هُوَ القَائِلُ: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحجرات:16].

 

وَعَكْسُ ذالِكَ يا مُؤمِنُونَ: وتَنَبَهوا لَها جيداَ، عَدَمُ تَحرِيكِ المُصَلِّيَ لِسَانَهُ فِي التَّكبِيرِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وسَائِرِ الأَذْكَارِ، والاكتِفَاءُ بِتَمْرِيرِها عَلى القَلبِ، فإنَّكَ أحيانَاً تُشَاهِدُ مُصَلِيَّا وَاقِفَا صَامِتا بِدُونِ أنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ أو شَفَتَيهِ! عِلمَاً بَأَنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ أكَّدَت على النُّطقِ وإسمَاعِ النَّفْسِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ)[المزمل:20]، وقالَ النَّبِيُّ لِلمُسيءِ صَلاتَهُ: "ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ".

 

عبادَ اللهِ: ولا تَكُونُ القِرَاءَةُ مُعتَبَرَةً إلاَّ بِتَحرِيكِ الِّلسَانِ، وقَد اشتَرَطَ جُمهُورُ العُلَماءِ أنْ يُسمعَ القَارِئُ أو المُصلِّي نَفسَهُ.

 

قالَ ابنُ العُثيمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا بُدَّ مِن تَحريكِ الشَّفَتَينِ فِي قِرَاءَةِ القُرآنِ فِي الصَّلاةِ، وفي الأَذْكَارِ الوَاجِبَةِ كالتَّكبِيرِ والتَّسبِيحِ والتَّحمِيدِ والتَّشُهدِ لأنَّهُ لا يُسمَّى قَولاً إلَّا مَا كَانَ مَنْطُوقَاً بِهِ، ولا نُطْقَ إلَّا بِتَحرِيكِ الشَّفَتَينِ والِّلسَانِ، ولهذا كَانَ الصَّحَابَةُ يَعلَمُونَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ  بِاضطِرَابِ لِحيَتِهِ أيْ: بِتَحرُّكِهَا".انتهى.

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: وبالمُقابِلِ كَذَالِكَ يَحرُمُ على المَأمُومِ رَفعُ الصَّوتِ بالقِراءَةِ والتَّسبِيحِ والتَّحمِيدِ والتَّشُهدِ والدُّعاءِ أثنَاءَ الصَّلاةِ لِما فِي ذالِكَ مِن أذيَّةِ المُصلِّينَ. وإشغَالٍ لهم.

 

وفي حدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضيَ اللهُ عنهُما أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ "(رواهُ أحمدُ).

 

وأنتُم تَرونَ أنَّ بعضَ المُصلِّينَ قد يُغَيِّرُ مَكَانَهُ لِهذا السَّبَبِ، فاحذر أن تَكونَ سَبَبَاً لِلأَذِيَّةِ والنُّفرَةِ مِنكَ! ويُشرَعُ لِلإمَامِ بَعضَ الأَحيَانِ أَنْ يَجهَرَ بِبَعضِ الآيَاتِ أو الأدعِيَةِ بِقصْدِ تَعلِيمِ النَّاسِ وتَذكِيرِهم.لِقَولِ أَبِي قَتَادَةَ : "كَانَ النَّبِيُّ يُسمِعُنَا الآيَةَ أَحيَانَاً".

 

عبادَ اللهِ: وَمِنْ أَخطَائِنا في الصَّلاةِ تَرْكُ رَفْعِ اليَدَينِ عِندَ تَكبِيرَةَ الإحرَامِ وعِندَ الرُّكُوعِ والرَّفعِ مِنهُ وعندَ القِيَامِ إلى الرَّكعَةِ الثَّالِثَةِ، مَعَ تَواتُرِ هَذِهِ السُّنَّةِ عن رَسُولِنا وصَحابَتِهِ مِن بعدِهِ إلى يَومِنا هذا إلاَّ أنَّكَ تَجِدُ مِن إخوانٍ لنا من المُصلِّينَ مَن يَزهَدُ بِهذه السُّنَّةِ الفاضِلَةِ والتي تُعتَبَرُ حِليَةً لِلصَّلاةِ وزِينَةً لَها، وبعضُهم لا يُحسِنُ تَطبيقَها! فَيَعضُهمَ يَرفَعُ يَدَيهِ حَذوَ الفَخِذَينِ أو البَطْنِ.

 

والسُّنَّةُ كما قاَلَ مَالِكُ بنُ الحُوَيٍرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذَنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، فَعَلَ مثْلَ ذَلِكَ. (رَوهُ مُسلِمٌ).

 

 وروى أيضا عن ابْن عُمَرَ -رضِيَ اللهُ عنهُما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ.

 

أتَعلَمُونَ أيُّها الإخوَةُ: ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلاً لا يَرفَعُ يَدَيهِ في الصَّلاةِ إِذَا رَكَعَ وإِذَا رَفَعَ رَمَاهُ بِالحَصَى. (أخَرَجَهُ البُخَارِيُّ).

 

كُلُّ ذالِكَ تَربِيَةً للنَّاسِ على تَعظيمِ السُّنَّةِ وحسنِ الاقتدَاءِ بالنَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم-القائِلِ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".

 

 وقَالَ الإمَامُ الشَّافِعُيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-: "لا يَحِلُّ لأَحَدٍ سَمِعَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ فِي رَفْعِ اليَدَينِ فِي افتِتَاحِ الصَّلاةِ وعِندَ الرَّكُوعِ والرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ، أنْ يَتْرُكَ الاقتَدَاءَ بِفِعلِهِ ".

 

وإتْمَامَاً لِلفَائِدَةِ إخوتِي الكِرام: فَإنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- كانَ يَرفَعُ يَدَيهِ مَمْدُودَةَ الأَصَابِعِ مَضمُومَةً، وَيَجْعَلُهُمَا حَذْوَ مَنكِبَيهِ وَرُبَّما حَاذَى بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيهِ، وكانَ يَرفَعَهُما مَعَ التَّكبِيرِ تَارَةً، وبعدَهُ تَارَةً، وَقَبْلَهُ تَارَةً.

 

فيا أخي المُسلِم: احرص على سُنَّةِ نَبِيكَ  فَهديُهُ خيرُ الهدي وأكمَلُهُ وصدَقُ المَولى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:33].

 

فاللهمَّ ارزقنا الفِقهَ في الدِّينِ واتِّباعِ سيِّدِ المُرسلَينَ، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

 

اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المُسلِمينَ،  اللهمَّ وفِّق ولاتَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى أعنهم على البرِّ والتَّقوى أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

 

 

 

 

المرفقات

التفقه في الصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات