اقتباس
ولكن إرادة الله -عز وجل- تسري فوق الجميع، ومهما يمكر أعداء الأمة بها فمكر الله -عز وجل- بالكافرين والمجرمين أعظم، فلقد هلك ألبوكيرك فجأةً كما قلنا سنة 921هـ، وكان هذا الشيطان مهندس هذا الحلف الآثم، وبمهلكه؛ فشلت كل الخطط والأحلاف، وما استفاد لا هذا ولا ذاك بشيء إلا الذم والويل وكشف حقيقة الروافض وخطرهم على العالم الإسلامي.
فتح المسلمون شبه الجزيرة الأيبيرية (أو الأندلس) سنة 92هـ، وأقاموا دولة عظيمة للإسلام هناك، وكانت منطقة غرب الأندلس ـ أو الغرب كما يسميه المسلمون ـ من أوائل ما فتحه المسلمون بالأندلس، وكانت تلك المنطقة فقيرة -نوعًا ما- عن باقي الأندلس، لذلك لم يهتم بها المسلمون كثيرًا، وحدثت في المنطقة مجاعة سنة 123هـ؛ دفعت كثيرًا من القبائل البربرية المسلمة للرحيل منها، فجاءت جماعات نصرانية وحلت محل المسلمين وأسسوا إمارة صليبية في شمال غرب الأندلس، وهي الإمارة التي أصبحت بعد ذلك مملكة البرتغال صاحبة التاريخ الطويل في محاربة المسلمين.
كان لسقوط دولة الإسلام في الأندلس سنة 897هـ أكبر الأثر في نقل ميادين القتال بين العالم الإسلامي والصليبي إلى قلب العالم الإسلامي وسواحله الواسعة والممتدة عبر قارات العالم القديم، ونظرًا لكون البرتغال دولة بحرية في المقام الأول، كانت أسبق من غيرها من دول أوروبا في ركوب البحر والإغارة على العالم الإسلامي وذلك حتى قبل سقوط الأندلس، وبوحي ومباركة من كرسي البابويه أطلقت البرتغال حملاتها الصليبية الشهيرة على العالم الإسلامي، والمعروفة تاريخيًا بحركة الكشوف الجغرافية، وذلك أيام ملك البرتغال هنري الثالث الملقب بهنري الملاح.
وكان الهدف الحقيقي من هذه الحركة هو نشر النصرانية في أرجاء المعمورة، والسيطرة على التجارة العالمية بهدف إضعاف المسلمين، وذلك الرأي ليس من عند أنفسنا أو قلناه بهوى وتعصب بل هو مأخوذ من كتبهم وتاريخهم ورسائلهم المتبادلة، وهذه طائفة من أمثال هذه المكاتبات: ما كتبه البابا نيقولا الخامس إلى أمير البرتغال مهنئًا ومباركًا حركة الكشوف الجغرافية فقال: "إن سرورنا العظيم إذ نعلم أن ولدنا هنري أمير البرتغال إذ يترسم خطى والده العظيم الملك يوحنا، وإذ تلهمه الغيرة التي تملك الأنفس باعتباره جنديًا باسلاً من جنود المسيح، قد دفع -باسم الله- إلى أقاصي البلاد، وإبعادها عن مجال علمنا كما أدخل بين أحضان الكاثوليكية الغادرين من أعداء الله وأعداء المسيح مثل العرب الكفرة". ثم كتب له حقًا بتملك كل ما يكتشفه جغرافيًا حتى بلاد الهند. في هذه الأجواء المضطرمة والمشحونة بالروح الصليبية العميقة ولد شيطان البرتغال الأكبر، وأشهر قادتهم البحريين، والذي صار رمزاً من رموز العداء الصليبي ضد العالم الإسلامي، وهو " ألفونسو دي ألبوكيرك ".
نشأته وتدرجه العسكري:
ولد ألبوكيرك في مدينة الإسكندرية (بالبرتغالية:Alhambra) عام 1453 بالقرب من لشبونة عاصمة البرتغال. وهو الابن الثاني لجونزالو دي ألبوكيرك، وهو أحد اللوردات البرتغاليين وكان يعمل في البلاط الملكي في وظيفة هامة بالقصور الملكية، الأمر الذي هيأ له فرصة العيش في القصور. درس ألفونسو الرياضيات واللغة اللغة اللاتينية في قصر ملك البرتغال ألفونسو الخامس، وقد كان صديقاً للأمير جواو الذي سوف يصبح ملكاً على البرتغال بعد ذلك. ثم انتقل في مقتبل شبابه للعمل في شمال أفريقيا لمدة عشر سنوات، حيث اكتسب فيها الخبرة العسكرية. وفي سنة 1471م شارك في حملة قادها الملك ألفونسو الخامس لغزو طنجة في المغرب، حيث خدم عدة سنوات كعسكري. وفي سنة 1476م رافق الأمير جواو في حربه ضد قشتالة (إسبانيا القديمة)، ثم ساهم في حملة بحرية أرسلت إلى شبه الجزيرة الإيطالية؛ لإنقاذ ملك أرغون فرناندو الثاني في سنة 1480م ضد الغزو العثماني للسواحل الإيطالية. بعد عودته عينه ملك البرتغال الجديد وصديقه القديم "جواو الثاني" كبير ياورات القصر الملكي. هذه العلاقة مكنته من الوصول إلى البحرية البرتغالية. وفي سنة 1489م عاد مجدداً للخدمة في شمال أفريقيا، كقائد للمجموعة المدافعة عن حصن جراسيوسا المقام في جزيرة في نهر واد لوكوس بالقرب من مدينة العرائش المغربية، ثم أصبح جزء من حرس الملك جواو الثاني سنة 1490م، وعاد إلى أزيلال بالمغرب سنة 1495م حيث قتل أخوه الأصغر مارتم، مما جعله شديد العداوة والحقد على المسلمين.
ألبوكيرك وحركة الكشوف البحرية:
إن الدافع الحقيقي لحركة الكشوف الجغرافية للبرتغاليين كان صليبيًا محضًا وهو نشر النصرانية ومحاربة المسلمين، وأن الدافع الاقتصادي يأتي في الدرجة الثانية وكعنصر مساعد في محاربة المسلمين بالقضاء على مواردهم المالية ولتحقيق الأهداف البرتغالية الشريرة رأى كبار القادة الصليبيين -أمثال: (ألبوكيرك) و(فاسكو دي جاما) و(روي جوميز)، ومن قبلهم مليكهم (هنري الملاح)- ضرورةَ التحكم في مضيقي (هرمز) و(باب المندب)؛ لإحكام السيطرة على العالم الإسلامي من ناحية الخلف، وضرب اقتصادياته في مقتل. وكان أنشطهم في ذلك هو ألبوكيرك وكان في رأيه أن الوسيلة الوحيدة لدرء خطر المسلمين على نفوذ العالم الصليبي هو إخضاعهم بالقوة؛ ليضمن تثبيت سيطرته على المنطقة، وتحقيق أهداف البرتغال. ولهذا وجد ضرورة إنشاء قلاع في مواقع استراتيجية يضمن من خلالها حماية طرق التجارة البحرية والمصالح البرتغالية على البر، وقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في منطقة الخليج وعمان. واستطاع عام 1510م احتلال مدينة جوا الهندية الأمر الذي مكنه -تدريجياً- من إحكام السيطرة على معظم الطرق البحرية بين أوروبا وآسيا وكذلك بين الهند ومنطقة الشرق الأقصى. وقد حاول ألبوكيرك إغلاق جميع المنافذ إلى المحيط الهندي؛ لتثبيت ملكية البرتغال له، أو حسب تعبيره الصليبي "بحرنا"، ومنع النفوذ العثماني والإسلامي على المضايق البحرية.
ارتبطت الحملات الصليبية البرتغالية على جنوب الخليج والهند باسم هذا الشيطان البحري الشهير (ألبوكيرك)، الذي أثبتت الأيام والوقائع أنه واحد من أشد وأعتى الصليبيين الذين حاربوا الإسلام والمسلمين عبر التاريخ المعاصر، وكان هذا الداهية يفيض حقدًا وكراهية للمسلمين، ويضطرم بنفسية صليبية عميقة وعلى يديه وتحت قيادته وقعت المجازر الصليبية الرهيبة لأهل جنوب الخليج والهند، وهو الذي وضع الخطة الخبيثة للاستيلاء على منافذ البحر الأحمر والخليج العربي واقتحام الأماكن المقدسة للمسلمين، وكان هذا الشيطان يفكر في احتلال المدينة وسرقة الجثمان النبوي المطهر، ومساواة المسلمين عليه مقابل التنازل عن بيت المقدس، وقد شرع بالفعل في خطته الشيطانية بإرسال ثلاثة جواسيس برتغاليين لتحسس الأخبار بالمدينة في زي تجار أتراك، فارتاب فيهم حراس المسجد فقبضوا عليهم، وأمر السلطان المملوكي قنصوه الغوري بضرب رقابهم بمنى يوم النحر. ولم تهدأ حدة الحملات الصليبية البرتغالية إلا بعد هلاك هذا الطاغية الصليبي (ألبوكيرك).
حملات ألبوكيرك على سواحل الهند:
بدأ ألبوكيرك حملاته الصليبية على العالم الإسلامي عام 1503م، حيث أبحر حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند، ونجح هناك في تثبيت ملك "كوتشين" الهندوسي بالسواحل الغريبة للهند على عرشه، وسُمح له -بالمقابل- ببناء أولى قلاع البرتغاليين فيها، واضعاً بذلك حجر الأساس للإمبراطورية البرتغالية في الشرق. ونظراً لنجاحاته البحرية؛ قرر ملك البرتغال مكافأته بتنصيبه الحاكم العام للمستعمرات البرتغالية بالهند، ولكنه اصطدم بصراعات مريرة مع الحاكم السابق " فرانسيسكو دي ألميديا " الذي رفض قرار عزله، فآثر ألبوكيرك السكوت حرصاً على وحدة الصف البرتغالي بالخارج، ومنعاً للفتن التي تذهب المكتسبات، حتى أرسل ملك البرتغال قوة عسكرية كبيرة أجبرت " ألميديا " على النزول لصالح ألبوكيرك، وصار -من يومها- الحاكم العام في الهند. الجدير بالذكر أن التواجد البرتغالي اقتصر على بعض المراكز بالسواحل الغربية فقط من أجل أغراض التجارة والهيمنة على الحركة البحرية، ولم يتعداه إلى الداخل حيث سلطنة مغول الهند الضخمة.
أراد ألبوكيرك السيطرة على العالم الإسلامي والسيطرة على شبكة تجارة التوابل بالكامل التي كانت وطوال قرون من الزمن للتجار العرب والمسلمين. وفي الوقت نفسه، كان الملك عمانويل الأول ومجلسه في لشبونة يحاولون تقسيم نفوذ القادة الفاتحين في المحيط الهندي، فمنحوا دي سكويريا جنوب شرق آسيا، على أمل أن يستطيع التوصل إلى تحالف مع سلطان ملقه "محمود شاه"، لكنه فشل وعاد إلى بلاده، وأعطيت المنطقة الممتدة من رأس الرجاء الصالح إلى عدة قادة ولكنهم فشلوا جميعاً حتى استلمها الشيطان ألبوكيرك.
خلال يناير من عام 1510م، هاجم ألبوكيرك مدينة كاليكوت الهندية على سواحل ولاية كيرلا، بناءً على أوامر من الملك، لكن الهجوم قُدّر له الفشل، إذ أن قائد العملية المدعو "فرناندو كوتينهو"، خالف الأوامر المعطاة له، ودخل المدينة طمعًا في الحصول على كنوزها، فوقع في فخ أعده السكان وقتل كثير من جنوده، فاضطر ألبوكيرك إلى الدخول مع فرقة عسكرية لإنقاذه، فأصيب بجراح بليغة، وآثر الانسحاب. بعد فشل الهجوم، سارع ألبوكيرك إلى تشييد أسطول قوي من 23 سفينة و1200 رجل، وتفيد التقارير المعاصرة أنه رغب بمهاجمة الأسطول المملوكي في البحر الأحمر، أو العودة إلى هرمز، غير أن أحد القراصنة الهندوس واسمه "تيموجي"، أعلمه بأنه سيكون من الأسهل عليه قتال المماليك في جوا، حيث احتموا بعد خسارتهم في معركة "ديو" وأن الظروف تميل لصالح البرتغاليين في هذه الحرب، لاسيما وأن السلطان يوسف عادل شاه، حليف المماليك في المنطقة، يعاني من المرض. وبعد معارك حامية مع إسماعيل بن السلطان عادل شاه، وبعد استبسال أهل جوا في الدفاع عنها ضد الغزو الصليبي، وبعد استشهاد ستة آلاف مسلم في الدفاع عن مدينتهم، استولى ألبوكيرك على جوا وذبح آلاف المسلمين من الرجال المدافعين عنها، ثم جعل حاكماً عليها القرصان "تيموجي" مكافأة له على دعمه.
بعد جوا، وضع ألبوكيرك خطة للاستيلاء على الجزر الأسيوية في أرخبيل الملايو والمعروفة بإنتاج البهارات والتوابل، وبدأ حملته بالهجوم على ملقا (أكبر وأغني الجزر الأسيوية)، وكانت أولى الجزر الماليزية دخولاً في الإسلام، وبعد معارك دموية مع المسلمين استولى البرتغاليون على الجزيرة بسبب بدائية السلاح لدى المسلمين، وقوة المدافع البرتغالية، فأمر ألبوكيرك ببناء حصن فيها، واستخدم في ذلك حجارة المساجد وشواهد القبور، ووزع رجاله ليقوموا بحراسة المدينة في نوبات، أمر ألبوكيرك بنصب حجر كبير نُقشت عليه أسماء كل المشاركين في الحملة، ونقش على الجهة المواجهة للناظر عبارة من الإنجيل، ثم أمر ألبوكيرك بعد ذلك بذبح جميع السكان المسلمين في المنطقة إرهابًا للجميع، وأملاً بأن يتحول المسلمون والهندوس في المنطقة إلى المسيحية. ثم وقف يخطب في جنوده خطبة النصر قائلاً لهم: "إن إبعاد العرب عن تجارة الأفاوية ـ الجزر الأسيوية ـ هي الوسيلة التي يرجو بها البرتغاليون إضعاف قوة الإسلام، والخدمة الجليلة التي سنقدمها لله بطردنا العرب من هذه البلاد، وبإطفائنا شعلة شيعة محمد بحيث لا يندفع لها هنا بعد ذلك لهيب وذلك لأني على يقين أننا لو انتزعنا تجارة (ملقا) هذه من أيديهم (يقصد المسلمين)؛ لأصبحت كل من القاهرة ومكة أثرًا بعد عين".
بعد هذه الفتوحات الكبيرة 1512م، وصل إلى جوا مبعوث من قبل ملكة الحبشة "هيلانة"، وكان قسيسا يُدعى "متّى"، يحمل رسالة من ملكته إلى ألبوكيرك؛ ليوصلها إلى ملك البرتغال، بهدف الحصول على الدعم من المملكة لمواجهة النفوذ العثماني المتزايد في القرن الأفريقي. فاستقبله ألبوكيرك بالترحاب، ثم أرسله إلى البرتغال، حيث أعلن الملك عمانويل الأول عن وصوله إلى البابا ليو العاشر، اعترافًا بمدى أهميته، ورغبة المملكة الشديدة في مقاومة النفوذ الإسلامي، مما يؤكد على البعد الصليبي لحركة الكشوف البحرية التي تزعمها البرتغاليون والأسبان بعد سقوط الأندلس.
حملات ألبوكيرك على جنوب الخليج:
هاجم البرتغاليون بقيادة ألبوكيرك سواحل عمان -أولاً- سنة 913هـ، وبدءوا الحرب الصليبية باستيلائهم على (سوقطرى)، وحاولوا بعدها الاستيلاء على (عدن)؛ للسيطرة على باب المندب، ولكنهم فشلوا لحصانة المدينة، واستبسال أهلها في الدفاع عنها، فعادوا إلى سواحل عمان ودمروا جزيرة (المصيرة) و(رأس الحد) و(صور)، وذبحوا أهلها وذلك لإدخال الرعب على باقي سكان الخليج، وبالفعل أثمرت هذه الوحشية المرعبة في سهولة السيطرة على العديد من المدن بساحل عمان، إذ قام حاكم (قلهات) بتسليم المدينة للبرتغاليين خوفًا من مجازرهم المشهورة، ثم انتقلوا إلى مدينة (قرياط) فحاول أهلها الدفاع عنها فقصفهم بالمدافع حتى أذعنوا بالتسليم فقبض ألبوكيرك على المجاهدين ومثل بهم، فجدع الأنوف وقطع الآذان واغتصب النساء، ثم توجهوا بعد ذلك إلى مسقط، وكانت مدينة حصينة، فتفاوض البرتغاليون مع حاكمها على التسليم، فوافق رغم حصانة المدينة وقدرتها على الصمود، ولكنه أبى إعلان الخضوع لملك البرتغال، فاعتبر ألبوكيرك ذلك سببًا للهجوم على المدينة، وشدد من قصفه للمدينة حتى استولوا عليها وفعلوا بأهلها ما تعجز الأقلام وتقصر العبارات عن وصفه، ثم توجهوا إلى مدينة صحار التي أعلن أهلها مباشرة خضوعهم للصليبيين وملكهم، ثم اتجهوا بعدها إلى (خورفكان)، فقاوم أهلها البرتغاليين مقاومة مجيدة، ولم يستطع البرتغاليون فتحها رغم تفوقهم الكبير، فانتقلوا إلى مدينة (هرمز) الإستراتيجية وحاصروها واستمات أهلها في الدفاع عنها وجاءتهم مساعدات من أهل (قلهات)، فصب ألبوكيرك جم غضبه على المدينة وشعر أن سمعته -كصليبي مشهور- ستهدد إذا فشل في فتح هرمز حيث سيكون قد فشل في الاستيلاء على مدينتين متتاليتين خورفكان ثم هرمز، فشدد القصف والهجوم حتى استولى عليها، ولكن قواده وجنوده ثاروا عليه بسبب مواصلة القتال والإرهاق الذي نالهم من متابعة الحرب طوال السنة، فرفع ألبوكيرك الحرب؛ ليستريح جنوده قليلاً في جزيرة سوقطرى.
رجع ألبوكيرك سنة 914هـ من سوقطرى؛ لمواصلة حربه وخططه في السيطرة على جنوب الخليج، وبدأ بقلهات؛ للانتقام من أهلها الذين ساعدوا أهل هرمز أثناء حصارها، فنهب المدينة وأمعن في مصادرة الناس، ثم سار إلى هرمز وضرب عليها حصارًا شديدًا وقبل أن يشفي غليله وحقده الصليبي من أهلها جاءته الأوامر الملكية من البرتغال بالتوجه إلى الهند؛ لمواجهة الأساطيل التي أرسلتها الدولة المملوكية سنة 914هـ، والتي انتصرت على الأسطول البرتغالي، فأسرع ألبوكيرك إلى الهند، وقاد الأسطول البرتغالي للانتصار على الأسطول المصري بقيادة (حسين الكردي) في معركة (ديو) الشهيرة في التاريخ وذلك سنة 915هـ والتي قضت على القوة البحرية للمماليك وخلا الجو تمامًا للبرتغاليين.
رجع ألبوكيرك الطاغية مرة أخرى إلى جنوب الخليج وفي عقله هدف واحد الاستيلاء على مدينة هرمز والتي استعصت عليه مرتين، وجعلها قاعدة الوجود البرتغالي بالمنطقة وبالفعل وبعد حصار شديد سقطت المدينة سنة 921هـ، فجعل ابن أخيه -وكان لا يقل عنه حقدًا وصليبية- حاكمًا على هرمز ونائبًا عنه في المنطقة.
ألبوكيرك والصفويون الرافضة:
من الأمور الثابتة تاريخيًا والتي تضاف إلى السجل المخزي والحافل بالمواقف المشابهة للشيعة الروافض أن البرتغاليين الصليبيين قد تحالفوا مع الدولة الصفوية الشيعية، وذلك منذ سنة 920هـ وبعد الهزيمة المريرة التي نالها الصفويون على يد العثمانيين في معركة جالديران، حيث دفع الحقد والعمى المذهبي عند الصفويين الروافض؛ للتعاون مع البرتغاليين ألد أعداء الإسلام، على الرغم من علم الصفويين اليقيني بطبيعة وحقيقة المخططات الصليبية عند البرتغاليين، وما يسعون إليه من اقتحام مكة والمدينة، فلقد أرسل ألبوكيرك برسالة ود وصداقة للشاه إسماعيل الصفوي سنة 915هـ يعرض فيها عقد المحالفة والاتفاق على العالم الإسلامي، وقد جاء في هذه الرسالة ما يلي:
"إني أقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة؛ لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد".
وهذه الرسالة توضح -جليًا- علم الصفويين المسبق بخطط ونوايا البرتغاليين ضد العالم الإسلامي، ولكن لم يمنعهم ذلك من التحالف معهم، ومن أجل هذا الحلف الصليبي ـ الرافضي؛ تخلى الصفويون عن مساعدة سكان جنوب الخليج، وتركوهم نهبًا للعدوان البرتغالي، وأقروا استيلاء البرتغاليين على هرمز نظير مساعدة البرتغاليين لهم في الاستيلاء على البحرين والقطيف والأحساء، ونظير مساعدة الأسطول البرتغالي للشاه إسماعيل الصفوي على قمع الثورة السنية في مكران، كما تضمن الحلف مسألة تقسيم البلاد العربية بين الحليفين، فيحتل الصفويون مصر ويحتل البرتغاليون فلسطين.
ولكن إرادة الله -عز وجل- تسري فوق الجميع، ومهما يمكر أعداء الأمة بها فمكر الله -عز وجل- بالكافرين والمجرمين أعظم، فلقد هلك ألبوكيرك فجأةً كما قلنا سنة 921هـ، وكان هذا الشيطان مهندس هذا الحلف الآثم، وبمهلكه؛ فشلت كل الخطط والأحلاف، وما استفاد لا هذا ولا ذاك بشيء إلا الذم والويل وكشف حقيقة الروافض وخطرهم على العالم الإسلامي.
مهلك الشيطان:
كانت نهاية ألبوكيرك مريرةً وتتماشى مع حجم الجرائم التي فعلها بحق المسلمين بالهند والخليج، فقد غضب عليه ملكه بسبب تجاوزه المتكرر لقرارات الملك، فأمر بعزله وتجريده من جميع ألقابه، وفي نفس الوقت غرقت سفينته الشهيرة "زهرة البحار"، وكانت تحمل جميع كنوزه وسائر ما نهبه طوال حياته من حملاته الصليبية، فصفي بلا منصب ولا مال، فأصيب بالهم والحزن، ثم تكاملت العقوبة الإلهية بإصابته بداء عضال صار يتساقط لحمه منه على جسده حتى هلك سنة 923هـ ـ 1515م، دُفن ألبوكيرك في مدينة جوا في الهند بكنيسة "سيدة التل" بناءً على وصيته، وكان قد بنى هذه الكنيسة في سنة 1513م. نُقلت رفات ألبوكيرك إلى كنيسة سيدة النعمة في لشبونة، بعد 51 سنة من وفاته، أي في سنة 1566م، ويصدر قراراً بترسيمه قديساً يحتفل البرتغاليون بأمجاده كل عام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم