سلسلة أركان الإيمان - خامسا: الإيمان باليوم الآخر (رقم 9) بقية علامات الساعة الكبرى

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2025-01-17 - 1446/07/17 2025-02-02 - 1446/08/03
عناصر الخطبة
1/وجوب الإيمان بالغيب 2/من أشراط الساعة الكبرى 3/وقوع ثلاثة خسوف 4/ظهور الدخان في آخر الزمان 5/من أشراط الساعة الكبار خروج الدابة 6/ طلوع الشمس من المغرب 7/ آخر الآيات الكبرى والعلامات العظمى.

اقتباس

هَذَا الْحَشْر فِي آخر الدُّنْيَا قبيل الْقِيَامَة؛ لما فِيهِ من ذِكْر الْمسَاء والصباح، ولانتقال النَّار مَعَهم، وَهِي نَارٌ تحْشرُ النَّاس من الْمشرق إِلَى الْمغرب. فينجفل الناس إلى المحشر قبل قيام الساعة أحياء إلى الشام، وحينئذٍ يُنفخ في الصور فيُصعَق من في السماوات ومن في الأرض...

الخطبةُ الأولَى:

 

أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي وصيتُه للأولين والآخرين؛ فقد قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].

 

واعلموا أَنَّ مِن علم الغيب الذي لا مجال للعقل فيه، علاماتُ الساعةِ التي لم تقع سواء منها ما أشار الله -تعالى- إليها في كتابه، أو أخبر بها النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- في سُنته، والواجب علينا أن نُسَلِّمَ بها تسْلِيمًا كاملاً، وأن نأخذَ بظاهر النص الوارد فيها، ولا نتعرضُ لشيءٍ مما دلَّ عليه، ولا نسألُ عن شيء، بل نقول: سمعنا وآمنا وصدقنا، ونُعْرِض عن كُلِّ شيءٍ من شأنِهِ ردّ مثل هذه النصوص.

 

فمن أشراطِ السّاعةِ الكبرى الدالةِ على قُربِ قيامِها ثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، ‌وَخَسْفٌ ‌بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ. والخُسُوفُ جمعُ خسفٍ وهو: ذهابُ مكانٍ من الأرضِ، وغيابُه فيها.

 

وقد جاء ذِكْرُها في حديثِ حُذَيْفَة بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ؛ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ؛ فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم-، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، ‌وَخَسْفٌ ‌بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِر ذَلِكَ: نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ"(رواه مسلم).

 

وعن أُمَّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "‌سَيَكُونُ ‌بَعْدِي ‌خَسْفٌ ‌بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ يُخْسَفُ بِالْأَرْضِ وَفِيهِمِ الصَّالِحُونَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ، إِذَا كَانَ ‌أَكْثَرُ ‌أَهْلِهَا ‌الْخَبَثَ"(رواه الطبراني).

 

وهذه الخسوفُ الثّلاثة لم تقع بعدُ على الصحيحِ من قولِي أهلِ العلم كغيرِها من الأشراط الكبرى الّتي لم يَظْهَرْ شيءٌ منها، أما ما وقع في أماكنَ متفرِّقة، وأَزْمِنَةٍ متباعدة، من خُسوفِ فهو من أشراط السّاعة الصغرى.

 

أما هذه الخُسُوفُ الثّلاثة، فستكون عظيمةً وعامةً لأماكن كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها وفي جزيرة العرب؛ قال ابن حجر: "وقد وُجِدَ الخسفُ في مواضعَ، ولكن يُحْتَمَلُ أن يكون المراد بالخسوف الثّلاثة قَدْرًا زائدًا على ما وُجد، كأن يكون أعظم منه مَكَانًا أو قَدْرًا". ويؤيد هذا ما جاء في الحديث أنّها إنّما تقع إذا كَثُر الخبث في النَّاس، وفشت فيهم المعاصي. والله أعلم.

 

أيها الإخوة: ومن علامات الساعة الكبرى ظُهور الدُّخان في آخر الزّمان، وهو من علاماتها وأشراطها العُظمى، وظهور الدخان سيكون قبل قيام الساعة، وقد دَلَّت على هذه العلامة السُّنَّة. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ تَقُومَ -أي: السَّاعَةُ- حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: وَذَكَرَ الدُّخَانَ، وذكر بقية العشر"(الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه-).

 

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- عن الدخان: أنَّ الأقربَ للصواب أنه دُخانٌ يرسلُه اللهُ -عز وجل- عند قيامِ الساعةِ يملأُ الأجواءَ فيغشى الناسَ كلَّهم. والله أعلم بكيفية هذا الدخان، فنحن إنما نعرف أَنَّهُ دُخانٌ، لكن لا نعرفُ كيف يأتي الناس، ولا من أين يأتي، فهذا أمره إلى الله -عز وجل-. (انتهى ملخص كلامه -رحمه الله-، من شرح العقيدة السفارينية).

 

ومن أشراط الساعة الكبار خروج الدابة: وهي الدابة المذكورة في قوله -تعالى-: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ)[النمل:82]؛ وهي أمْرٌ مبهمٌ صحت بها الأحاديث عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ولكن لم تُبيّن الأحاديثُ الصحيحةُ صفاتَها، قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "وما ورد من صفاتها ورد في أحاديثَ ضعيفة وليست بالأحاديث التي تُبْنَى عليها العقيدة، وحسبُنا أن نؤمنَ بما قال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- الدابة فقط، وأما الصفات الواردة فإنه لا يلزمُنا اعتقادُها؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها" اهـ من شرح العقيد السفارينية.

 

أيها الإخوة: ومن أشراط الساعة الكبرى: طلوع الشمس من المغرب؛ قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "فالشمس الآن تشاهدها تطلع من المشرق، وتغرب في المغرب، منذ خلقها اللهُ إلى اليوم، لكن في آخر الزمان تسجدُ تحت عرش الله -عز وجل-، وتستأذن أن تخرج فلا يؤذن لها، فترجع من حيث جاءت".

 

ولعل شيخنا -رحمه الله- يُشيرُ بهذا إلى ما رَاوَهُ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، ‌هَلْ ‌تَدْرِي ‌أَيْنَ ‌تَذْهَبُ ‌هَذِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا"(رواه البخاري ومسلم).

 

وفي رواية مسلم "فَيُقَالُ لَهَا: ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَاكَ حِينَ (لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)".

 

ثم قال -رحمه الله-: وكيف التصور لو أصبحنا والشمس قد خرجت من المغرب لحصل انزعاجُ الناس، ولعلموا أن هذا هو الحق المبين، فيتوبوا إلى الله، فيتوب العصاةُ ويؤمن الكفارُ، ولكن الله قال: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[الأنعام: 158].

 

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ ‌حَتَّى ‌تَنْقَطِعَ ‌التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"(رواه أبو داود وصححه الألباني). إذًا خُرُوجُها من مغربها يعني نهاية الدنيا. فيختل سَيْرُها وتخربُ الأفلاكُ بإذن الله -عز وجل-؛ لأن اتجاه الأفلاك كلها للغرب، فإذا انعكست القضية فمعنى ذلك أن نظام الكون قد تغيَّر، وآن انقضاؤه. اهـ

 

أيها الإخوة: وهنا تنبيه مُهم نبَّه له الخطابي -رحمه الله-؛ فقد قال في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مستقرُّها تحت العرش": "لا ننكر أن يكون لها استقرار تحت العرش؛ من حيث لا ندركه، ولا نشاهده، وإنّما أُخْبِرنا عن غَيْبٍ، فلا نُكذِّب به، ولا نُكيِّفه؛ لأنَ علمنا لا يحيط به". اهـ.

 

وأقول: الإيمان بالغيب من أخص صفات المتقين؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ)[البقرة: 2- 3]؛ فقدَّم الإيمان بالغيب على الصلاة مع عِظَمِ مَكانِها في الإسلام، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: "‌لَا ‌حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ تَرَكَ الصَّلَاةَ"(رواه عبد الرزاق في مصنفه).

 

جعلنا الله ممن يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، وثبَّتنا حتى نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة: وآخِر الآيات الكبرى والعلامات العظمى لأشراط الساعة وأول الآيات المؤذنة بقيام القيامة: خُرُوجُ نَارٍ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ؛ ففي حديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ.. ثم ذكرهن، ثم قال: "وَآخِرُ ذَلِكَ: نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ". وفي رواية "وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ ‌قُعْرَةِ ‌عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ"(رواه مسلم).

 

 وقال النووي: "وَمَعْنَاهُ مِنْ أَقْصَى قَعْرِ أَرْضِ عَدَنٍ، وَعَدَنُ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْيَمَنِ". "تَرْحَلُ النَّاسَ": أَي تحملهم على الرحيل وتزعجهم لَهُ". والمقصود بمحشرهم أي مكان حشرهم وهي بلاد الشام.

 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "فأمّا شرار النّاس فتخرج نار في آخر الزّمان ‌تسوقهم ‌إلى ‌الشّام ‌قهرًا، حتّى يجتمع الناسُ كلُّهم بالشّام قبل قيام السّاعة"(لطائف المعارف).

 

وقد ورد أنها تمشي مع الناس تسير بسيرهم، وتقيل بمقيلهم، وتبيت بمبيتهم؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، ‌وَتَقِيلُ ‌مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا"(رواه البخاري ومسلم).

 

قَالَ الْكرْمَانِي: "قَالُوا: هَذَا الْحَشْر فِي آخر الدُّنْيَا قبيل الْقِيَامَة، لما فِيهِ من ذكر الْمسَاء والصباح، ولانتقال النَّار مَعَهم، وَهِي نَارٌ تحْشرُ النَّاس من الْمشرق إِلَى الْمغرب.. فينجفل الناس كلهم إلى المحشر قبل قيام الساعة أحياء إلى الشام، وحينئذٍ يُنفخ في الصور فيُصعَق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يُنفَخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. فهذه آخر الآيات.

 

اللهم وفِّقنا لعملٍ صالحٍ يرضيك. وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

وصلّوا وسلّموا على نبيكم.

 

المرفقات

سلسلة أركان الإيمان - خامسا الإيمان باليوم الآخر (رقم 9) بقية علامات الساعة الكبرى.pdf

سلسلة أركان الإيمان - خامسا الإيمان باليوم الآخر (رقم 9) بقية علامات الساعة الكبرى.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات