سلامة التوحيد

أحمد طالب بن حميد

2024-08-09 - 1446/02/05 2024-08-10 - 1446/02/06
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/كل شيء بيد الله الواحد القهار 2/عقيدة المسلم الصحيحة في التفاؤل والتشاؤم 3/وجوب التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب 4/يمن الطاعة وشؤم المعصية

اقتباس

اعْلَمْ -عبدَ اللهِ- أنَّ كلَّ زمان شغلتَه بطاعة الله فهو بركةٌ ستجد أنوارَها، وكلَّ زمانٍ شغلتَه بمعصيةِ اللهِ فهو شآمةٌ ستذوق مرارَها؛ وفِرَّ من مَواطِن الآثامِ، ومواقعِ الحرامِ فِرَارَكَ من سيِّئ الأسقامِ؛ وكمَا أنَّه لا يَمنَع حذرٌ مِنْ قَدَرٍ، فإنَّ الله يمحو بالدعاء ما يشاء...

الخطبة الأولى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ في الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فَاطِرٍ: 1-2]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّرَه تقديرًا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، توكَّل على الله، ودعا إلى هُدَاهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيدنا محمد؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ: 33-34].

 

وبعد عبادَ اللهِ: فيقول الله جل وعز: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الزُّمَرِ: 62-63]، فكلُّ خَلْقِ اللهِ بأمرِه، وتحتَ سُلطانِه وقهرِه، وبمقتضى علمِه وقدرِه؛ فلا الأسبابُ تَخلُق، ولا الأعمالُ تَرزُق، ولا الأدواءُ تُعدي، ولا الأهوالُ تُردِي، ولا الأقواتُ تُغذِي، ولا الطبيبُ يَشفِي، ولا العائلُ يَكفِي؛ فالطير طير الله، والخير خير الله، ولا إله إلا الله.

 

وهو -سبحانه- شرَع الأسبابَ رحمةً بخلقه، وأقام حياتَهم على مقتضى سُنَنِ حكمتِه وحُكْمِه، وعلَّق بها آثارَها، وأجرى في البرية أسرارَها، وبثَّ في الخَلْق عُلُومَها، وأورثَهم فُهُومَها، فمَنْ أخَذ بأسباب الخير وَرِثَ خيرًا، ومَنْ أخَذ بأسبابِ الشرِّ وَرِثَ شرًّا؛ (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصَّافَّاتِ: 96].

 

وصح الخبر عن سيد البشر -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا نوء ولا صَفَرَ"؛ فلا العدوى تَخلُق الأدواء، ولا مع حركة الطير شرٌّ ولا خيرٌ، ولا البُومُ والغرابُ تأتي بالخراب، ولا الأنواءُ والنجومُ تَنزِل بِسَيْبِ الغيومِ، ولا حلولُ شهرِ صفَر يُحِلّ مشؤومَ الأثر؛ وصحَّت الأخبارُ عن النبي المختار -صلى الله عليه وآله وسلم- في اجتناب أسباب الأذى والهلاك؛ كمقارَبة المجذوم، والورود على بلد الوباء، فالفِرار من القَدَر بالقَدَر، والتوكلُ على الصمد البَرّ، ومَن انقبَض عن شيء أقبَل عليه لحالٍ شَهِدَه، أو قَالٍ سَمِعَهُ، فلا يصدَّنَّه، ولْيَتَوَكَّلْ على مولاه، وعليه بلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله؛ فإنَّها رأسُ التوكلِّ، وكنزُ العبدِ في الجنةِ، ولْيَقُلْ: "اللهمَّ لا طيرَ إلا طَيرُكَ، ولا خيرَ إلَّا خَيرُكَ، ولا إلهَ غيرُكَ"، فإن قعدتَ ولم تمضِ فقد طَعِمَ قلبُكَ طعمَ الإشراكِ.

 

بارَك اللهُ لي ولكم في وحيه، وألهمنا حسن الفَهْم لشرعه، وتحقيق التفويض إليه، وصِدْقَ التوكل عليه، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إن ربي رحيم ودود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)[الْأَنْعَامِ: 1-2]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أخَذ بالأسباب واستوهَب الوهَّابَ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْمَائِدَةِ: 35].

 

واعلموا أن من أطاع الله وتوكل عليه هداه، وحمله إلى مبتغاه، ومن ركن بقلبه إلى الأسباب وُكِلَ إليها، وخذل عمَّا أمله ورجاه، ولو نال شيئًا من لعاعة عاجلة فقد خاب في الآجلة، وأمَّا المصائب والخطوب فلا تضاف عند ذوي البصائر إلا إلى الذنوب؛ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشُّورَى: 30]، فلا رافع لها إلا صادق التوبة، وخالص الأوبة، ولا ينفع اتقاء الأضرار مع انعقاد أسباب سخط الجبا؛ (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)[الزُّخْرُفِ: 55].

 

واعلموا أن مِنْ مشروع الأسباب أن يتحوَّل المرءُ عن دارٍ، أو زوجٍ، أو دابةٍ، أو تجارةٍ، أو حالٍ، لا يجد خيرَها، ولا يأنس بركتَها، أو وجَد معها النقصَ والمحقَ والضررَ، مع استقامة الأسباب ظاهرًا.

 

واعْلَمْ -عبدَ اللهِ- أنَّ كلَّ زمان شغلتَه بطاعة الله فهو بركةٌ ستجد أنوارَها، وكلَّ زمانٍ شغلتَه بمعصيةِ اللهِ فهو شآمةٌ ستذوق مرارَها؛ وفِرَّ من مَواطِن الآثامِ، ومواقعِ الحرامِ فِرَارَكَ من سيِّئ الأسقامِ؛ وكمَا أنَّه لا يَمنَع حذرٌ مِنْ قَدَرٍ، فإنَّ الله يمحو بالدعاء ما يشاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البِرُّ".

 

فاللهمَّ يا وليَّ الإسلامِ وأهلِه، صلِّ على سيدنا محمد وأهل بيته، وأزواجه وذريته وأصحابه وأتباعه وأمته، وارض اللهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهُمَّ أحينا على الإسلام، وأمتنا على الإيمان، واحشرنا تحت لواء سيد الأنام، اللهُمَّ أطفئ الفتن، وأظهر الحسن، وأمت البدع وأحي السنن، اللهُمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وانصر بالحق إمامنا وسدد قوله وعمله، وارزقه بطانة الخير وأعوان السير، اللهُمَّ وولي عهده وكل من أقمته في مصالح العباد والبلاد، من خاص أو عام، في قليل أو كثير.

 

اللهُمَّ وانصر المسلمين في كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهُمَّ وانصر أهل فلسطين على اليهود الغاصبين، الصهاينة المعتدين، اللهُمَّ طهر المسجد الأقصى من رجزهم يا عزيز يا مقتدر.

 

عبادَ اللهِ: إن الله يأمر بالإسلام والإيمان والإحسان، وينهى عن الكفر والفسوق والعصيان، فالتزِموا أمرَه، واجتنِبوا نهيَه، واذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبحوه بكرةً وأصيلًا، واشكروه وعلى تكفروه، إنه كان بِعِبَادِهِ خبيرًا بصيرًا.

 

المرفقات

سلامة التوحيد.doc

سلامة التوحيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات