عناصر الخطبة
1/ فضائل سعد بن أبي وقاص 2/ مناقب سعد وبطولاته 3/ تأملات في سيرة سعد بن أبي وقاص 4/ من الأعمال الجليلة التي قام بها سعد.اقتباس
صحابي جليل، أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الذين شهدوا بدرًا والحديبية، سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- القائدة المحنك والفارس المجرب، بطل القادسية وفاتح العراق والمدائن، هو أول من أراق دمًا في سبيل الله وأول من رمى بسهم في سبيل الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ الحمد لله الولي الحميد المبدئ المعيد الفعال لما يريد، أحاط بكل شيء علمًا وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لا ضد ولا نديد شهادةً أدخرها ليوم يشيب من هوله الوليد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد العبيد.
صلوا على المبعوث فينا رحمةً *** تكتب لكم عشرًا لدى الرحمن
صلى عليك الله يا خير الورى *** ما ضجت الآفاق بالأذان
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون، صحابي جليل، أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الذين شهدوا بدرًا والحديبية؛ سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- القائدة المحنك، والفارس المجرَّب، بطل القادسية، وفاتح العراق والمدائن، هو أول من أراق دمًا في سبيل الله، وأول من رمى بسهم في سبيل الله؛ وذلك عندما انضم إلى كتيبة عبيدة بن الحارث حين بعثه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى رافع ليلقى عير قريش فتراموا بالنبل، وكان سعد أول من رمى بسهم –رضي الله عنه- وقال:
ألا هل أتى رسول الله أني *** حميت أصحابي بصدور نبلي
أذود بها أوائلهم زيادًا *** بكل حزونة وبكل سهل
فما يعتد رام في عدو *** بسهم يا رسول الله قبلي
من مناقبه –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سهر ذات ليلة فقال: ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة، فإذا بخشخشة سلاح، فإذا بسعد –رضي الله عنه-، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ما جاء بك؟، فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله، فجئت أحرسه، فدعاء له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم نام".
وفي معركة بدر أبلى سعد بلاءًا حسنًا، وفي أُحد ظهرت شجاعته لما نزل الرماة، وأحاط المشركون برسول الله –صلى الله عليه وسلم- يريدون قتله، فوقف شامخًا كالجبل يدافع وينافع تلك الهجمات، ويحمي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فنثل له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كنانته، وقال: "ارم سعد، فداك أبي وأمي". قال علي –رضي الله عنه-: ما سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجمع أبويه لأحد غير سعد، هذا الفخر والله، وليست الأوسمة التي يمنحها الملوك والرؤساء.
ولم يتوقف عطاء سعد –رضي الله عنه-؛ فقد شهد الخندق، وبايع تحت الشجرة واخترق حصن خبير مع علي –رضي الله عنهما-.
ولما توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتولى الخلافة أبو بكر وارتد من ارتد من العرب قاتلهم الصديق –رضي الله عنه-، وكان سعد جنديًّا من جنود الإسلام، ولما جاء فاروق الإسلام عمر كانت الفتنة قد خمدت، وعاد الجميع إلى ساحة الإسلام، فخرج بالفتوحات إلى خارج الجزيرة العربية، وعلى رُبى الشام كان أبو عبيدة وخالد يطويان الأرض طيًا لنشر الإسلام.
وعلى مشارف العراق كان المثنى بن حارثة يجابه الألوف الزاحفة حاملين معهم أقوى ما وصلت له البشرية من أسلحة في ذاك الوقت، واستعانوا بأعتى الحيوانات ضراوةً؛ إنها الفيلة المدربة الفتاكة، ويجيء رسول المثنى لعمر يطلب المدد، ويحدثه عن أحوال جنود الإسلام على مشارف العراق، فقال الفاروق –رضي الله عنه-: "والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب".
فجمع الناس واستشارهم في المسير إلى العراق فقال الناس: سر وسر بنا معك، فأخذ برأيهم –رضي الله عنه- لله أنت من خليفة! يتقدم الجيوش ويسير إلى أبعد البلاد، فقرر عمر الخروج إلى العراق، ثم جمع نجوم الإسلام؛ أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فاستشارهم وهو المحدَّث المكلَّم والعبقري الملَهم، فاجتمع الصحابة على أن يبعث رجلًا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يرمي به جنود الكفر، ويبقى في المدينة يحمي حوزة الإسلام –رضي الله عنه وأرضاه-.
فقال عمر، وقد استحسن رأيهم: أشيروا برجل، فقال ابن عوف –رضي الله عنه وأرضاه-: وجدته، إنه الأسد في براثنه، قال: من؟ قال: سعد، فأحضره وأمَّره على حرب العراق، ثم وصَّاه، وقال له: "لا يغرنَّك من الله أن قيل خالُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصاحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، وليس بين الله وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده"؛ هكذا يوصي عمر سعدًا، لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-!!
ومن الآباء والعوائل من يربون أولادهم على التعالي على الناس، والترفع عليهم، ويغرسون في نفوسهم أنهم ليسوا كباقي الناس؛ فهو ينتمي للأسرة الفلانية؛ الأسرة التي فتحت بيت المقدس! ألا ساء ما يفعلون.
وصل سعد العراق ثم عبَّأ الجنود وعين القادة وسار حتى وقف على مشارف القادسية، علم رستم بوصول سعد فزحف بجيشه ومعداته وأفياله، ثم أرسل إلى سعد أن ابعث لنا رجلًا نكلمه؛ فأرسل سعد ربعي بن عامر، فلما قدم أدخل على رستم فإذا به على سرير من ذهب، وقد بسط النمارق والوسائد التي نسجت بالذهب.
فدخل ربعي بفرسه وربطها بوسادتين ثم أخذ سلاحه، فقالوا: ضع السلاح، ضع سلاحك، فأبى إلا أن يأخذ السلاح أو يرجع، فأخبروا رستم، فقال: ائذنوا له، فأقبل يشق الفراش برمحه، فلما دنا من رستم جلس على الأرض وركز رحمه بجانبه، فقال رستم: ما جاء بكم؟
قال: "الله جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"، فأعجب رستم بكلامه ولما خلا برؤساء قومه قال: هل رأيتم كلامًا قط أعز وأوضح من كلام هذا؟! فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى دين هذا الكلب، هم الكلاب والله، هم الكلاب والله، أما ترى إلى ثيابه؟! فقال: ويحكم، لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الكلام والرأي والسيرة.
لقد كانت الأمة لا تعرف المظاهر لأنها اهتمت بالباطن فلا قيمة للظاهر عندها أما اليوم فعمرنا الظاهر وخربنا الباطن، لذا تسلط علينا الأعداء.
ثم أرسل سعد في اليوم الثاني حذيفة بن حصن، وفي اليوم الثالث أرسل المغيرة بن شعبة فرجع المغيرة إلى سعد، وقال: إنها الحرب، فقام سعد فصلى بالناس الظهر، ثم أمر الناس أن يقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم كبر أربعًا: الله أكبر، الله أكبر، وحمل المسلمون على الفرس وأوشكت الفيلة أن تعمل عملها بالمسلمين فنادى القعقاع في أبناء عمومته: ماذا نفعل يا أتباع محمد؟ ماذا نفعل يا أتباع محمد –صلى الله عليه وسلم- فلم تمض إلا لحظات حتى خرجت الإبل مجللةً مبرقعةً وعليها فرسان ملثمون يحملون لهبًا ومشاعل من نار، فلما رأت الفيل هذا الشيء المهور فرت هاربةً تحطم صفوف الفرس.
وكان سعد يقود المعركة ويوجّه سيرها، ويشعل الحمية في قلوب رجالها قائلًا: يا أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- يا أهل بدر، يا رجال موقعة اليمامة، تقدموا تقدموا، فإن الله معكم. ورفع سعد أكفّ الضراعة إلى ربه: "اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم امنحنا رقابهم، اللهم امنحنا أكتافهم".
وتقدم الأبطال يزيلون الركام المتعفن، ويطهرون الأرض من عبدة النار، وارتفع صوت يهز الكون: الله أكبر، إن هذا الصوت يعرفه سعد! إنه صوت هلال بن علقمة يبشر الناس بقتل رستم، قتلت رستم، قتلت رستم ورب الكعبة، إليَّ إليَّ، فأقبلوا عليه وطافوا به وكبروا معه عندها انهز الفرس، وانهزموا وانتهت المعركة بنصر المؤمنين.
اللهم انصر المؤمنين، اللهم كن للمستضعفين في كل مكان، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فيا معاشر المسلمين، وبعد القادسية بقرابة عامين تأتي موقعة المدائن، ولم يكن أمام المسلمين إلا أن يخوضوا النهر بخيولهم؛ فأمرهم سعد أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم اقتحم بفرسه نهر دجلة، واقتحم الناس وراءه وساروا على وجه الماء بخيولهم كأنهم يمشون على أرض يابسة، الله أكبر، هل سمع التاريخ بمثل هذا؟!
الله أكبر، ساروا على وجه الماء بخيولهم كأنهم يمشون على أرض يابسة لما خافوا الله ولم يخافوا أحدًا سواه، لما كان الدين عزيزًا في قلوبهم كانوا أعزةً، لما صدقوا مع الله، لما وضعوا الدنيا تحت أقدامهم، جاوز المسلمون النهر ثم دخلوا المدائن فاتحين ونزل سعد القصر الأبيض واتخذ إيوان كسرى مصلًى، ولا دخل الإيوان قرأ قول الله: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الدخان: 25 - 28]، إنها نهاية التمرد على الله – جل وعلا-.
وتمر الأيام ويشكو أهل الكوفة سعدًا إلى عمر، فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي، فقال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، صلاتي العشي لا أخرم منها أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر: "ذاك الظن بك يا أبا إسحاق؛ فبعث رجالًا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدًا من مساجد الكوفة إلا قالوا خيرًا حتى أتوا مسجدًا لبني عبس، فقال رجل يقال له أبا سعدة: أما إذا أنشدتمونا بالله فإنه لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبًا فأعمِ بصره، وأطل عمره، وعرِّضه للفتن. قال الراوي: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك قد سقط حاجباه على عينيه، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد. هذه عاقبة الظلم وهذه دعوة المظلوم، تكفل الله بنصرها ولو بعد حين.
وتمر الأيام، ويقتل عمر –رضي الله عنه-، ويتولى عثمان –رضي الله عنه- وتشتعل الفتنة بين المسلمين في خلافة علي –رضي الله عنهم-، فيعتزلها سعد –رضي الله عنه- وبعد مشوار حافل بالتضحيات وتاريخ مليء بالفتوحات تأتي لحظة الوداع ويجود سعد –رضي الله عنه- بنفسه وهو في حجر ابنه مصعب، فبكى ابنه، فرفع سعد رأسه إليه وقال: "أي بني! ما يبكيك؟ فقال: لمكانك ولما أرى بك، فقال: لا تبك، فإن الله لا يعذبني أبدًا، وإني من أهل الجنة".
قال الذهبي: صدق والله، نعم، صدق الله؛ فقد بشَّره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالجنة مع العشرة المبشرين –رضي الله عنهم وأرضاهم- يوم قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"؛ إنها شهادة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا تغير ولا تبدَّل، فهم والله ثم والله، ثم والله ينعمون الآن في نعيم الجنة –رضي الله عنهم وأرضاهم- رضي الله عن سعد ورفع درجته وجزاه عن الإسلام خير الجزاء، وجمعنا به في دار كرامته.
عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا، يا قوي يا قادر.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم قوِّ عزائهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، اللهم أعدهم غانمين منصورين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين واكتب الصحة والهداية والتوفيق لنا ولكافة المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقي عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، يا رب العالمين.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم