سرية عبدالله بن جحش

عبد الرحمن بن صالح الدهش

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أحداث سرية نخلة 2/ استجابة الصحابة لأوامر رسول الله 3/ حكم الاعتداء في الأشهر الحرم 4/ حرص المشركين على تشويه صورة الإسلام وإظهاره بمظهر الاتهام 5/ أبرز الدروس والعبر المستفادة من سرية عبد الله بن جحش 6/ مخاطر الهزيمة النفسية للمسلمين 7/ شهر رجب بين الاتباع والابتداع.

اقتباس

ولكن الرزية كل الرزية أن نظن في ديننا ظن الجاهلية! وأن نقبل ما يُملَى علينا في عيب ديننا، والتنكر لعدله، ثم نتشكك في صلاحيته، ويكتب سفهاؤنا ثلباً في أمجادنا، وعيباً في سلفنا، ويغرد آخرون نقداً لموروثنا، وطعناً في تراثنا العلمي والحضاري بما لم يسبق له نظير، وربما جبن عن بعض ما يكتبونه في جرأته بعض من تسنَّم العداء الصريح لهذا الدين من اليهود والنصارى والملحدين. حينها يحمد سعيَهم كلُّ عدو شامت، وتقر عين كل خائن لأمته وهو متكئ صامت...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحَمْدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا..

 

أما بعد:

ففي مثل هذا الشهر شهر رجب المحرم من العام الثاني من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل ابن عمته أميمة بنت عبد المطلب: عبد الله بن جحش -رضي الله عنه-، وهو أخ لأم المؤمنين زينت بنت جحش بعثه إلى مكانٍ يسمَّى نخلة بين مكة والطائف ليرصدوا عيراً لقريش، وأرسل معه اثني عشر رجلاً من المهاجرين، كلُّ اثنين يعتقبانِ بعيراً، وكتب معه كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره.

 

فلما سار المدة التي أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بسيرها فتح الكتاب الذي معه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا، فامضِ حتى تنْزل نخلة بين مكة والطائف، فنرصد بها قريشاً، واعرف لنا خبرها"، فلما قرأ الكتاب قال: "سمعاً وطاعةً".

 

وكان قد أمره -صلى الله عليه وسلم- ألاَّ يستكره أحداً من أصحابه، فمن أحَبَّ الشهادةَ فلينهضْ، ومَن كره الموتَ فليرجع.

 

فمضوا كلهم محقِّقين رغبةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، محتسبين ما عند الله.

 

فمرَّت بهم عيرٌ فيها تجارة لقريش فتشاوروا بينهم، فاستقرَّ رأيهم على قتالهم فقتلوا واحداً منهم، وأسروا اثنين، فقدموا بالعير والأسيرين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

قال ابن هشام: "هي أَوَّلُ غنيمةٍ غنمها المسلمون، وفيها أول قتيل قتله المسلمون، وأوَّل أسيرين أسرهما المسلمون".

 

فلما قدموا على رسول -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليهم صنيعهم، وقال: "ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام"، ووقف التصرف في العير والأسيرين.

 

حتى أنزل الله -تعالى- حكمه فيهم منهياً القضية، مبيناً أنَّ ما عابه المشركون على نفرٍ من الصَّحابة قَدْ فَعَلَتُم معاشر المشركين أعظم منه؛ يقول الله -تعالى- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217].

 

فالقتال في الشهر الحرام كبيرٌ لا يحلُّ، إلا أنَّ ما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبرُ مِن القتلِ في الشهر الحرامِ، حَين كفرتم بالله، وصددتم عنه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وإخراج أهل المسجدِ الحرام منه، حين أخرجوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- أكبر من القتل في الشهر الحرام في ميزان الله وحكمه.

 

إن هذه القصة على قلة أحداثها، ووجازة حديثها فيها من الدروس الشيء الكثير فالطاعة التامة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضحةٌ في خبر هؤلاء النَّفر، وتتَّضِح أكثر في موقف أميرهم عبد الله بن جحش حينما قرأ كتاب رسول فقال : سمعاً وطاعةً، ثم في موقف أصحابه معه، وفي خطاب رسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه لا يستكره أَحَداً على المضي إلا أنَّ القوم مضوا كلُّهم طاعة لله ورسوله.

 

ومن دروس هذه القصة أَنَّ الإرجاف بالمسلمين والدعاية الكاذبة طريقة قديمة لأعداء الدين؛ حيث وجد المشركون فيما حدث من عبد الله بن جحش فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرَّم الله، وكثر في ذلك القيل والقالُ، حتى نزل الوحي حاسماً هذه الأقاويل ومؤيداً مسلك عبد الله تجاه المشركين.

 

ومن دروسها أيضاً: الإنكار على المجتهد لا يعني ذلك تأثيمه، ولا يبيحُ الوقوع في عرضه، ولا التزهيد في عمله، فالعمل الصالح لا ينقلب عملاً سيئاً إنْ أخطأ مخطئ فيه، أو تجاوز مجتهدٌ في تحقيقه.

 

فهل نعي هذا وقد فرغ قوم أنفسهم للبحث عن أخطاء الآخرين من رجال الدولة أو مسؤوليتها أو أهل العلم والمصلحين، ورجال الحسبة أو حتى من عامة الناس؟

 

هل نعي هذا؟ ولو سئل أحد هؤلاء عن حجته أمام الله حينما وقع في عرض فلان! لما وجد إلا أن يقول: وجدت الناس يقولون شيئاً فقلته، وتداول الناس كلاما ومقطعاً فأرسلته.

 

فماذا أعددت لقوله -تعالى- (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام: 116]؟ (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [القيامة: 14- 15].

 

قال ابن القيم: "إنَّ الله –سَبحانَه- حَكَم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يبرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبيرٌ، وأنَّ ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحقُّ بالذمِّ والعيبِ والعقوبةِ لاسيما وأولياؤه كانوا متأولين في قتالهم ذلك. أو مقصرين نوع تقصير يغفره الله لهم في جنبِ ما فعلوه من التوحيد والطاعات".

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله... أما بعد:

 

فإن تشويه صورة الإسلام وإظهاره بمظهر الاتهام، وإلحاق كل نقيصة فيه مسلك قديم، ومكر للكافرين كبير.

 

وحدود الله ومحارمه ثابتة لا يجوز أن تُغيَّر حتى وإن تغير الناس عليها، فالاستخفاف بالدماء المحرمة لا يجوز أن تجعلنا نغيِّر قناعاتنا في هذه العظائم؛ لأن فئاماً من الناس وقعوا فيها، وصار يعملون سلاحهم في أبناء أمتهم، ويقتلون في أقاربهم. وهو عدوان قديم، وسُنة قد مضت في أمم قد خلت، وأول دم سفك في هذه الأرض دم أخ قتله أخوه؛ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 30]، (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة: 31].

 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجريمة الأولى حينما قتل قابيل هابيل: "لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهِا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أول من سَنَّ الْقَتْلَ ".

 

بل الواجب أن يزيد تمسكنا، وأن يشتد تحذيرنا حتى لا يكثر المتساهلون فيتحول المنكر معروفاً لوقوع فئام من الناس فيه.

 

إذن أين الذين يضللون الشعوب، ويتهمون الإسلام بالإرهاب، ويستغلون وقائع لا تزال على شناعتها هي قضايا معدودة، ومقدور عليها بإذن الله.

 

ولكن الأهم والأعظم أين هم من قضايا شعوب بأكملها؟! تقتل بشتى طرق القتل، وتشرد وتخرج من ديارها، ثم الباقون نصيبهم الحصار الطويل، والموت البطيء.

 

ثم وساطات، ومفاوضات ليصل للمحاصرين بعض الطعام؛ خدمة إنسانية كما زعموا !!

يتعاقبون الأدوار في إيصال كل هوان للمسلمين وإذلالهم فـ(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً) [التوبة: 10].

 

وإلا فمتى نصر أعداء المسلمين المسلمين؟ ومتى تحركت دول الكفر حمية لدول الإسلام؟!

ولكنها مصالح يقرب من أجلها ويُقصى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].

 

ولكن الرزية كل الرزية أن نظن في ديننا ظن الجاهلية!

وأن نقبل ما يُملَى علينا في عيب ديننا، والتنكر لعدله، ثم نتشكك في صلاحيته، ويكتب سفهاؤنا ثلباً في أمجادنا، وعيباً في سلفنا، ويغرد آخرون نقداً لموروثنا، وطعناً في تراثنا العلمي والحضاري بما لم يسبق له نظير، وربما جبن عن بعض ما يكتبونه في جرأته بعض من تسنَّم العداء الصريح لهذا الدين من اليهود والنصارى والملحدين.

 

حينها يحمد سعيَهم كلُّ عدو شامت، وتقر عين كل خائن لأمته وهو متكئ صامت؛ فاللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.

 

أيها الإخوة: بين أيديكم شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة؛ وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

 

وقد قال الله فيها: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]، فالظلم يعظم إثمه في هذه الأشهر الأربعة لعظمها عند الله، كما أن الطاعة معظَّمة فيها.

 

ولكن ليُعلم أيضًا أنه ليس هناك عبادة بخصوصها تُشرع في شهر رجب لا من صلاة ولا صيام ولا ذِكر ولا عمرة، وما يظنه بعض الناس وربما سمعه في بعض وسائل الإعلام من فضيلة العمرة الرجبية التي يحرص بعض الناس عليها في شهر رجب، فهذا غير صحيح، ولم يأت عليها دليل، ولم يعتمر النبي -عليه والصلاة والسلام- في رجب، وإنما عُمَرُه كلها كانت في ذي القعدة.

 

والدعاء المتداول عبر وسائل التواصل "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" حديث ضعيف لا يشرع الدعاء به ولا التواصي بنشره.

 

والإنسان يدعو الله أن يبارك له في كل الشهور، بل في كل أيامه، بل لحظات عمرك لا خير فيها إن خلت من بركة الله وتوفيقه.

 

فنسأل الله أن يبارك لنا في أعمارنا، وأن يحسن عاقبتنا.

 

 

المرفقات

عبدالله بن جحش

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات