سدوا الخلل وتراصوا

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2022-09-09 - 1444/02/13 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/الأمر بإقامة الصلاة المقصود وحقيقة إقامتها 2/وجوب تسوية الصفوف ووسائل تسويتها 3/تقارب الصوف في الصلاة بعد عامين من تباعدها بسبب جائحة كورونا

اقتباس

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِقَامَةُ الصَّلاةِ أَمرٌ مِنَ اللـهِ، وَاجِبٌ عَلَى العِبَادِ امتِثَالُهُ، بَل هُوَ رُكنٌ مِن أَركَانِ الإِسلامِ لا يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ، وإِقَامَةُ الصَّلاةِ أَمرٌ أَوسَعُ مِن مُجَرَّدِ أَدَائِهَا فَحَسبُ، فَهُوَ يَشمَلُ فِعلَهَا وَالمُحَافَظَةَ عَلَيهَا، وَحِفظَ أَوقَاتِهَا بِلا تَقَدُّمٍ عَلَيهِا وَلا تَأَخُّرٍ عَنهَا، وَالإِتيَانَ بِأَركَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا، وَالطُّمَأنِينَةَ فِيهَا وَالخُشُوعَ للـهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَشُهُودَهَا في بُيُوتِ اللـهِ مَعَ الرَّاكِعِينَ، إِلى...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للـهِ البَّرِّ الرَّحِيمِ، فَارِجِ الْهَمِّ وَهُو العَفُوُ الكَرِيمُ؛ أَشْهَدُ أنْ لا إلِهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ هَدَانَا إلى الصِّرَاطِ الْـمُسْتَقِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ النَّاصِحُ الصَّادِقُ عَظَّمَ أَمْرَ الصَّلاةِ فِي قَولِهِ وَفِعْلِهِ، وَخَتَمَ حَيَاتَهُ وَهُوَ يُوصِي بِقَولِهِ: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ"، صَلَّى اللـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

أما بعد: فأوصيكم...

 

عن أنس -رضي الله عنه-: "أنَّ المُسْلِمِينَ بيْنَا هُمْ في الفَجْرِ يَومَ الِاثْنَيْنِ، وأَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّـهُ عنْه- يُصَلِّي بهِمْ، فَفَجِأهُمُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-  قدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا- فَنَظَرَ إليهِم وهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَنَكَصَ أبو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّـهُ عنْه- علَى عَقِبَيْهِ، وظَنَّ أنَّ رَسولَ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ أنْ يَخْرُجَ إلى الصَّلَاةِ، وهَمَّ المُسْلِمُونَ أنْ يَفْتَتِنُوا في صَلَاتِهِمْ، فَرَحًا بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَوْهُ، فأشَارَ بيَدِهِ: أنْ أتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ، وأَرْخَى السِّتْرَ، وتُوُفِّيَ ذلكَ اليَومَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِقَامَةُ الصَّلاةِ أَمرٌ مِنَ اللـهِ، وَاجِبٌ عَلَى العِبَادِ امتِثَالُهُ، بَل هُوَ رُكنٌ مِن أَركَانِ الإِسلامِ لا يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ، قَالَ جَلَّ وَعَلا في آيَاتٍ كَثِيرَةٍ: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)[البقرة: 43]، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : "بُني الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ"، ومنها: "وَإِقَامِ الصَّلاةِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

وَمِمَّا مَدَحَ تَعَالى بِهِ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ الَّذِينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ أَنَّهُم: (يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ)[الأنفال: 3]، وَأَنَّهُم: (أَقَامُوا الصَّلَاةَ)[الحـج: 41].

 

وإِقَامَةُ الصَّلاةِ أَمرٌ أَوسَعُ مِن مُجَرَّدِ أَدَائِهَا فَحَسبُ، فَهُوَ يَشمَلُ فِعلَهَا وَالمُحَافَظَةَ عَلَيهَا، وَحِفظَ أَوقَاتِهَا بِلا تَقَدُّمٍ عَلَيهِا وَلا تَأَخُّرٍ عَنهَا، وَالإِتيَانَ بِأَركَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا، وَالطُّمَأنِينَةَ فِيهَا وَالخُشُوعَ للـهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَشُهُودَهَا في بُيُوتِ اللـهِ مَعَ الرَّاكِعِينَ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يَلزَمُ لإِقَامَتِهَا وَإِتمَامِهَا، مِنَ التَّبكِيرِ إِلَيهَا، وَالإِتيَانِ إِلَيهَا بِنَشَاطٍ وَسَكِينَةٍ، وَكَثرَةِ ذِكرِ اللهِ فِيهَا، وَالاهتِمَامِ بِأَمَاكِنِ إِقَامَتِهَا وَتَنظِيفِهَا وَتَهيِئَتِهَا.

 

أَلا وَإِنَّ مِمَّا هُوَ مِن إِقَامَةِ الصَّلاةِ: تَسوِيَةَ الصُّفُوفِ فِيهَا، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : "سَوُّوا صُفُوفَكُم فَإِنَّ تَسوِيَةَ الصَّفِّ مِن تَمَامِ الصَّلاةِ"، وَفي لفظ: "فَإِنَّ تَسوِيَةَ الصُّفُوفِ مِن إِقَامَةِ الصَّلاةِ"(رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: كانَ رَسولُ -صلى الله عليه وسلم-  يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ، ويقولُ: اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنكُم أُولو الأحْلَامِ والنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قالَ أبو مَسْعُودٍ: فأنْتُمُ اليومَ أشَدُّ اخْتِلَافًا"(رواه مسلم).

قال النَّوَوِيُّ: "اخْتِلَافُ الْقُلُوبِ بِمَا يَقَعُ بَيْنَها مِنْ الْعَدَاوَةِ، كَمَا يُقَالُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ عَلَيَّ، فَمُخَالَفَتُهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ، وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ".

 

عباد الله: تَسوِيَةُ الصُّفُوفِ المَأمُورُ بها تَشمَلُ عِدَّةَ أُمُورٍ؛ مِنهَا: تَسوِيَةُ المُحَاذَاةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى المُصَلِّينَ، يُؤجَرُونَ عَلَى فِعلِهَا، وَيَأثَمُونَ بِتَركِهَا أَوِ التَّقصِيرِ فِيهَا، وَهَذِهِ التَّسوِيَةُ تَكُونُ بِالتَّسَاوِي بَينَ المـُصَلِّينَ في وُقُوفِهِم في الصَّفِّ، فَلا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ مِنهُم عَلَى أَحَدٍ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنهُ، وَالمـُعتَبَرُ في هَذَا هُوَ المَنَاكِبُ في أَعَلَى البَدَنِ، وَالأَكعُبُ في أَسفَلِهِ.

 

وَمِمَّا تَشمَلُهُ تَسوِيَةُ الصُّفُوفِ: التَّراصُّ في الصَّفِّ، فَإِنَّ هَذَا مِن كَمَالِهِ، وَكَانَ النَّبيُّ -r- يَأمُرُ بِهِ، وَنَدَبَ أُمَّتَهُ أَن يَصُفُّوا كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا، فَعَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: "أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟" فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيفَ تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟! قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفُ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ"(رواه مسلم).

 

وَلَيسَ المُرَادُ بِالتَّراصِّ في الصَّفِّ التَّزَاحُمَ الشَّدِيدَ المُؤذِيَ الَّذِي قَد يَشغَلُ المُصَلِّيَ عَن صَلاتِهِ، أَو يُوقِعُ في نَفسِهِ عَلَى أَخِيهِ شَيئًا، وَلَكِنَّ المُرَادَ بِهِ تَقَارُبُ المُصَلِّينَ وَتَلاصُقُهُم، حَتى لا يُترَكَ لِلشَّيطَانِ فُرَجٌ يَدخُلُ مَعَهَا وَيُشَوِّشُ عَلَيهِم صَلاتَهُم؛ وَلِهَذَا كَانَ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَينَ المَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيدِي إِخوَانِكُم، وَلا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيطَانِ، وَمَن وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللـهُ، وَمَن قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللـهُ"(رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-  : "رُصُّوا صفوفَكمْ وقارِبوا بينَها وحاذوا بالأعناقِ، فوالذِي نفْسي بيدِهِ إني لأَرى الشيطانَ يدخلُ مِنْ خَللِ الصفِّ كأنَّها الحَذَفُ"(أحمد وغيره).

 

وَمِمَّا تَشمَلُهُ تَسوِيَةُ الصُّفُوفِ: إِكمَالُـهَا الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَلا يُشرَعُ في صَفٍّ حَتى يَكمُلَ الصَّفُّ الَّذِي أَمَامَهُ، وَقَد نَدَبَ -صلى الله عليه وسلم- إِلى التَّقَدُّمِ وَالتَّبكِيرِ وَتَكمِيلِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَقَالَ: "لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لم يَجِدُوا إِلاَّ أَن يَستَهِمُوا عَلَيهِ لاستَهَمُوا، وَلَو يَعلَمُونَ مَا في التَّهجِيرِ لاستَبَقُوا إِلَيهِ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا في العَتَمَةِ وَالصُّبحِ لأتوهما وَلَو حبوًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)، وَمَعنى: "يَستَهِمُونَ" أَيْ يَجعَلُونَهُ قُرعَةً بَينَهُم وَيَتَشَاحُّونَ عَلَيهِ لِعِظَمِ فَضلِهِ وَأَجرِهِ، وَمَعَ هَذَا الفَضلِ وَذَاكَ الأَجرِ إِلاَّ أَنَّ الشَّيطَانَ قَد لَعِبَ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ اليَومَ، فَصَارَ أَحَدُهُم يَرَى الصَّفَّ الأَوَّلَ لَيسَ فِيهِ إِلاَّ نِصفُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يَشرَعُ في صَفٍّ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ، زُهدًا مِنهُ في الأَجرِ وَرَغبَةً عَنِ الثَّوَابِ.

 

وَمِمَّا تَشمَلُهُ تَسوِيَةُ الصُّفُوفِ: التَّقَارُبُ فِيمَا بَينَهَا، وَفِيمَا بَينَهَا وَبَينَ الإِمَامِ؛ لأَنَّهُم جَمَاعَةٌ، فَكُلَّمَا قَرُبَتِ الصُّفُوفُ بَعضُهَا إِلى بَعضٍ وَقَرُبَت إِلى الإِمَامِ، كَانَ ذَلِكَ أَفضَلَ وَأَكمَلَ وَأَجمَلَ.

 

وَمِمَّا تَشمَلُهُ تَسوِيَةُ الصُّفُوفِ وَهُوَ مِن كَمَالِهَا: أَن يَدنُوَ المَرءُ مِنَ الإِمَامِ؛ لِقَولِهِ -صلى الله عليه وسلم-  "لِيَلِنِي مِنكُم أُولُو الأَحلامِ وَالنُّهَى"(رواه مسلم)، وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رضي الله عنه - قَالَ : رَأَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  في أَصحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُم: "تَقَدَّمُوا وَائتَمُّوا بي، وَلْيَأتَمَّ بِكُم مَن بَعدَكُم، لا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللـهُ"(رواه مسلم).

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "خَيرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"(رواه مسلم).

 

عباد الله: من السنةِ: لينُ المؤمنِ مع إخوانِه إذا كان في الصفِّ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-  "خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلاَةِ"(رواه َبُو دَاوُدَ)، ومَعْنَاهُ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الصَّفّ وَأَمَرَهُ أَحَدٌ بِالِاسْتِوَاءِ أَوْ بِوَضْعِ يَده عَلَى مَنْكِبه يَنْقَاد وَلَا يَتَكَبَّر.

 

ومن السنة: عدمُ الاصطفافِ بين السواري (الأعمدة)؛ لأنها تقطعُ الصفوف، ولأنها موضعُ صلاةِ إخواننا من الجن عند بعض أهل العلم؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- أَنْه قَالَ فِي الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِى: كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَسَاطِينِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- : "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِى، وَنُطْرَدُ عَنْهَا"، وَقَالَ: "لَا تُصَلُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَأَتِمُّوا الصُّفُوفَ"(ابن ماجه)، وأجاز بعضُ العلماءِ الصلاةَ بين السواري عند الضيقِ، وعدمِ سعةِ المسجدِ للمصلين.

 

أيها الإخوة: إن الواجبَ عَلَى المُصَلِّينَ أَن يُسَوُّوُا صُفُوفَهُم بِأَنفُسِهِم مِن حِينِ إِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَأَن يَستَجِيبُوا لإِمَامِهِم إِذَا أَمَرَهُم بِذَلِكَ، وَلا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِنهُ أو ضجرا، فَهُوَ وَاجِبٌ شَرعِيٌّ بِهِ تَتَحَقَّقُ إِقَامَةُ الصَّلاةِ المَأمُورُ بها، وَبِهِ يَكُونُ ائتِلافُ القُلُوبِ، وَاجتِمَاعُ الكَلِمَةِ بِفَضلِ اللـهِ وَرَحمَتِهِ وَبِتَركِهِ، وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ يُخَالِفُ اللـهُ بَينَ القُلُوبِ، وَتَكُونُ الفُرقَةُ.

 

فَاتَّقُوا اللـهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاستَوُوا في صُفُوفِكُم، وَاستَقِيمُوا وَتَرَاصُّوا وَلا تَختَلِفُوا: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران: 132].

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

أما بعد: عباد الله: بَعْدَ عَامَيْنِ عُدْنَا لِتَرَاصِّ صُفُوفِنَا كَمَا كَانَتْ بِحَمْدِ اللهِ -تَعَالَىَ-، فحقَّ لنا الفرح، وكَيْفَ لَا نَفْرَحُ وَهُوَ إِشَارَةٌ عَلَى اِنْحِسَارِ الجَائِحَةِ، وَقُرْبِ زَوَالِهَا بِإِذْنِ اللهِ -تَعَالى-، وكَيْفَ لَا نَفْرَحُ لِعَمَلٍ كَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللـهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَحْرِصُ عَلَيْهُ وَأَصْحَابُهُ والْـمُؤمِنُونَ؟ فعَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللـهُ عَنهُمَا- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَد عَقَلنَا عَنهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَومًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلاً بَادِيًا صَدرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: "عِبَادَ اللَّـهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُم، أَو لَيُخَالِفَنَّ اللَّـهُ بَينَ وُجُوهِكُم"(رواه مسلم)، قَاَل الشَّيخُ ابن عثيمين: "القَولُ الرَّاجِحُ: وُجُوبُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ، وَأَنَّ الجَمَاعَةَ إذَا لَمْ يُسَوُّوا الصَّفَّ فَهُمْ آثِمُونَ".

 

عِبَادَ اللـهِ: كُلُّ مَا سَبَقَ يَدُلُّ عَلى عِنَايَةِ الشَّارِعِ الحَكِيمِ بِالصَّلاةِ وَإِقَامَتِهَا، وَجَمَاعَتِهَا، وَتَسْوِيَةِ صُفُوفِهَا، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمَصْلَحَةِ الْمُصَلِّي فِي دِينِهِ وَقَلْبِهِ وَدُنْيَاه، فَأقِيمُوا صَلاتَكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ، وَكُونُوا مِمَّنْ عَنَاهُمُ اللـهُ بِقَولِهِ تَعَالى: (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنعام: 72]، فلا لِلخَوفِ والتَّهْوِيلِ فَقَدْ يَلْعَبُ الشَّيطَانُ بِبَعْضِ الْـمُصَلِّينَ، وَيَجْعُلُهْمْ يَعِيشُونَ فِي خَوفٍ وَقَلَقٍ مُسْتَمِرٍّ، فَيَخَافُونَ مِن التَّرَاصِّ والْتَقَارُبِ، فَالحَمْدُ للـهِ قَدْ زَالَتِ الحَاجَةُ، وَذَهَبَتِ الضَّرُورَةُ، وَخَفَّتِ الْجَائِحَةُ، وَتُرِكَتِ الاحتِرَازَاتُ بِتَوجِيهٍ مِن وَليِّ الأَمرِ.

 

ثم صلوا...

المرفقات

سدوا الخلل وتراصوا.pdf

سدوا الخلل وتراصوا.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات