عناصر الخطبة
1/خطر الدجال وعظم الفتنة به 2/ وسائل النجاة من فتنة الدجال.اقتباس
أيها المؤمنون: إن أشدَّ الفتن وأعظمها والتي الناس كلهم منها على خطر: فتنة الدجال، وهو شرُّ غائب يُنتظر، فتنة هي أعظم الفتن وأشدها وأكبرها وأخطرها، ما بعث الله من نبي إلا وأنذر قومه من فتنة الدجال. عباد الله: وفي هذه الوقفة بيانٌ لأمورٍ عظيماتٍ منجيات من فتنة الدجال، جديرٌ بكل واحد منا أن يفقهها وأن يعيَها لتكون نجاةً له بإذن الله -جل في علاه-. ومن أعظم هذه المنجيات: كثرة....
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخِرين، وقيوم السماوات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، لا رب سواه ولا معبود إلا هو جل في علاه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه ولا شرًا إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنين عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، فإنَّ تقوى الله نجاةٌ للعبد وفلاحٌ في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون: إن أشدَّ الفتن وأعظمها والتي الناس كلهم منها على خطر: فتنة الدجال، وهو شرُّ غائب يُنتظر، فتنة هي أعظم الفتن وأشدها وأكبرها وأخطرها، ما بعث الله من نبي إلا وأنذر قومه من فتنة الدجال، بل قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين مبينًا عظم خطورة فتنة الدجال: "مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّال"، ورواه الحاكم، ولفظه: "فِتْنَةٌ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الدَّجَّالِ"، فهي أكبر الفتن وأعظمها وأشدها، وينبغي على كل مسلم أن يكون منها على حذر.
عباد الله: وفي هذه الوقفة بيانٌ لأمورٍ عظيماتٍ منجيات من فتنة الدجال، جديرٌ بكل واحد منا أن يفقهها وأن يعيَها لتكون نجاةً له بإذن الله -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: ومن أعظم هذه المنجيات: كثرة الاستعاذة من فتنته والعناية بهذه الاستعاذة عناية شديدة، فقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الاستعاذة منه، ويأمر بذلك، وأعظم ما تكون هذه الاستعاذة في أدبار الصلوات فرضها ونفلها، روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"، ومن أهل العلم من يرى وجوب هذا التعوذ بعد التشهد وقبل السلام في الصلاة فرضها ونفلها.
أيها المؤمنون: ومن المنجيات من فتنته: حرص المرء على البُعد عن الفتن وأسبابها ومظانها، ولهذا جاء في المسند للإمام أحمد وغيره عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَالِ فَلْيَنْأً مِنْهُ" أي ليبتعد، وهذا الابتعاد -عباد الله- لابد فيه من رياضة للنفس قبل ذلك على البعد عن الفتن والبعد عن الدجاجلة؛ لأن من قبل الدجال الأكبر يخرج في الناس دجاجلة كثيرون يروِّضون للدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ"، وجاء في هذا المعنى أحاديث. فوجب على المسلم أن يتجنَّب الفتن وأسباب الفتن ومظانِّها، فإنه ما اتقيت الفتن بمثل البعد عن أسبابها ومظانها.
أيها المؤمنون: ومن أعظم المنجيات من فتنته: الحرص على تجديد الإيمان وتقويته؛ لأن الإيمان عصمةٌ من الفتن ونجاةٌ لصاحبه، ولهذا تأمل ما جاء في صحيح مسلم عندما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مجيء الدجال إلى المدينة وأنه يجد على أنقابها ملائكة يحرسونها فلا يتمكن من دخولها، قال صلى الله عليه وسلم: "فَيَنْزِلُ -أي الدجال- بِالسَّبخَةِ -مكان قريب من المدينة-، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا -أي المدينة- كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ" والحديث في صحيح مسلم.
أما المؤمن فإيمانه عصمةٌ له ونجاة ووقايةٌ من شر فتنة الدجال ومن الشرور كلها، ولما ذكَر النبي -عليه الصلاة والسلام- صفة الدجال وأنه مكتوب بين عينيه كافر، قال صلى الله عليه وسلم: "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ"؛ أما غير المؤمن ولو كان من أحدِّ الناس بصرًا وأتقنهم قراءةً لا يقرأ ذلك لعمى بصيرته، أما المؤمن فقد أنار الله بصيرته بالإيمان فيقرأ بين عيني الدجال ما يكون سببًا للسلامة منه وعدم الانخراط في فتنته.
أيها المؤمنون: ومن المنجيات من فتنة الدجال: الحرص على الأعمال الصالحة، والطاعات الزاكية، وحسن التقرب إلى الله بالعبادة قبل مجيء الفتن وحلولها، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيِّصَةَ أَحَدِكُمْ"، ومعنى بادروا أي سارعوا إلى الأعمال وسابقوا إليها؛ لأن الأعمال الصالحة في رخاء الإنسان وعافيته أمَنَة له بإذن الله في الفتن والشدائد من التلوث بأوضارها والافتتان بباطلها، ولهذا جاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ"، يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ" أي أن الصلاة والعمل الصالح والفزع إلى الطاعة والعبادة نجاةٌ وسلامةٌ للمرء ووقاية من الفتن.
أيها المؤمنون: ومن الأمور المنجيات من فتنة الدجال: أن يعرف المرء صفته وحاله في ضوء ما بيَّن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء عنه في هذا المعنى أحاديث، منها ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ"، وقال عليه الصلاة والسلام في هذا المقام مقام التحذير من فتنة الدجال قال: "وَإِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا".
وذلك -عباد الله- أن الدجال عندما يخرج في آخر الزمان يأتي وقد مكَّنه الله من أمور عظيمة وفتنٍ كبار تغُر كثيرًا من الناس إلا من عصمه الله ووقاه، فيمُر بالقرية أو البلدة فيدعو أهلها إلى الإيمان به وتصديقه، فإن صدَّقوه قال للسماء أمطري فتُمطر، وقال للأرض أنبتي فتُنبت، وإذا مر بآخرين فكذبوه قال خرج منهم وأرضهم مُمحلة لا زرع فيها ولا نبات؛ ابتلاءً من الله -عز وجل- وامتحانًا للعباد؛ ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.
نسأل الله -جلا في علاه- أن يثبتنا أجمعين على الإيمان، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح لنا شأننا كله، إنه جل وعلا سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: عباد الله: اتّقوا الله -تعالى-.
عباد الله: ومما يعصم من فتنة الدجال: حفظ العشر الآيات الأوَل من سورة الكهف، ففي صحيح مسلم عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ"، وفي صحيح مسلم أيضا من حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر فتنة الدجال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ".
وإذا تأملت -أيها المؤمن- أوائل سورة الكهف متدبرًا متفقهًا في معانيها وجدتَ من معاني الإيمان والمعرفة بالله وعظمته ما يكون معونةً لك على السلامة من الفتن، فتنة الدجال أو غيرها، ولهذا -عباد الله- لابد مع الحفظ من فهم المعاني وتدبر دلالات هذه الآيات ليكون ذلك قوةً للمرء في إيمانه ويقينه ومعرفته بربه، ليكون ذلك له عصمةً وأمانًا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن بمنِّ الله -عز وجل- وتوفيقه جل في علاه.
أيها المؤمنون: صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على النبي المصطفى والرسول المجتبى -صلى الله عليه وسلم- كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا.
اللهم أعذنا والمسلمين أينما كانوا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك، وسدِّده في أقواله وأعماله، اللهم وفقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجله، أوله وآخره، علانيته وسرَّه.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم