عناصر الخطبة
1/من أسماء الله تعالى السميع وسمعه سبحانه نوعان، 2/من أثار الإيمان باسم الله السميع ومدلولاته.اقتباس
فهو السَّميع الَّذي قد كمل في سمْعِه، فاستوى في سَمْعِه سرُّ القول وجهره، وَسعَ سمعُه الأصواتَ، فلا تختلف عليه أصوات الخلْق، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرَّم بإلحاح الملحِّين...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: إن الله -جل جلاله- له الأسماء الحسنى والصفات العلى، التي لا يشاركه فيها أحد في كمالها وحسنها وعلاها، قال الله -تعالى- (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف: 18].
ومن تأمل فيها أورثه ذلك التأمل في قوة الإيمان، وزيادة في المحبة، وراحة وطمأنينة لا يستطيع وصفها أحد، ولهذا رتب النبي -صلى الله عليه وسلم- على من تعلم أسماء الله وعمل بمضمونها أن يدخل الجنة، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة" وفي رواية: "من أحصاها".
معاشر المسلمين: إن من أسماء الله الحُسْنى الَّتي وردتْ في كتابه ك"السَّميع"، ورد ذكر اسم الله "السَّميع" خمسًا وأرْبعين مرَّة؛ قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة: 127]، وقال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة: 1].
وسمْعُه تعالى نوعان:
الأول: سمْعُه لجميع الأصْوات الظَّاهرة والباطنة، الخفيَّة والجليَّة، وإحاطته التَّامَّة بها.
الثَّاني: سمع الإجابة منْه للسَّائلين والدَّاعين والعابِدين، فيُجيبُهم ويُثيبهم، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)[إبراهيم: 39]؛ أي: مجيب الدُّعاء، ومنه قول المصلّي: "سمع الله لِمَن حمِده"؛ أي: أجاب الله حمْد مَن حمِدَه، ودعاءَ مَن دعاه، فالسَّماع هنا بِمعنى الإجابة والقبول.
عباد الله: وإذا آمن العبد بهذا الاسم ومدلولاته، استنار قلبه بآثار ذلك الاسم، فمن آثاره أوَّلاً: إثبات صفة السَّمع له -سبحانه- كما وصف الله نفسَه بذلك؛ قال تعالى: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1].
وإن سألت عن سمْعِه، فهو السَّميع الَّذي قد كمل في سمْعِه، فاستوى في سَمْعِه سرُّ القول وجهره، وَسعَ سمعُه الأصواتَ، فلا تختلف عليه أصوات الخلْق، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرَّم بإلحاح الملحِّين على الدَّوام، يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللُّغات، على تفنُّن الحاجات، بل هي عنده كلها كصَوْت واحد، كما أنَّ خلق الخلق جَميعهم وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة؛ قال ابن القيّم - رحِمه الله -:
وَضَجِيجُ أَصْوَاتِ العِبَادِ بِسَمْعِهِ *** وَلَدَيْهِ لا يَتَشَابَهُ الصَّوْتَانِ
قال تعالى: (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
ثانيًا: أنَّ سمع الله ليس كسمْع أحدٍ من خلْقِه، فإنَّ الخلق وإنْ وُصفوا بالسَّمع والبصر كما في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)[الإنسان: 2]، إلاَّ أنَّ سمْعَهم وبصرهم ليس كخالقِهم، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]، أخرج البخاري في صحيحه تعليقًا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الحمدُ للَّه الَّذي وسِع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النَّبيّ -صلَّى الله عليْه وسلَّم- تكلِّمُه وأنا في ناحية البيْت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله -عزَّ وجل-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا).
وروى البخاري ومسلم في صحيحَيْهما من حديث أبي موسى الأشْعري قال: كنَّا مع النَّبي --صلَّى الله عليْه وسلَّم- في سفَر، فكنَّا إذا علوْنا كبَّرنا، فقال النَّبيّ -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: "أيُّها الناس، ارْبَعُوا على أنفُسِكم؛ فإنَّكم لا تدْعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا".
اللهم فقهنا في الدين وارزقنا الإنابة إليك، أقول قولي هذا ......
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: فمن آثار الإيمان باسم الله (السميع).
ثالثًا: أنَّ الله قد أنكر على المشْركين الَّذين ظنُّوا أنَّ الله لا يسمع السِّرَّ والنَّجوى؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسْعود قال: اجتمع عند البيت قرشيَّان وثقفي، أو ثقفيَّان وقرشي، كثيرةٌ شحم بطونِهم، قليلة فقْه قلوبهم، فقال أحدهم: أتروْنَ أنَّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرْنا، ولا يسمع إن أخفيْنا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرْنا، فإنَّه يسمع إذا أخفيْنا، فأنزل الله – عزَّ وجل-: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ)[فصلت: 22]، وكذا قوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ)[الزخرف: 80].
رابعًا: إذا علِم العبد أنَّ ربَّه يسمع كلَّ شيء، لا تَخفى عليه خافية، فيسمع حركاتِه وسكَناتِه، حمَله ذلك الاعتِقادُ على المراقبة لله -سبحانه- في جَميع الأحوال، وفي جميع الأمكِنة والأزمِنة، فيُمسك عن كلِّ قولٍ لا يُرْضي ربَّه، ويَحفظ لسانه فلا يتكلَّم إلاَّ بِخير، قال تعالى: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)[طه: 7].
خامسًا: أنَّ الله هو السَّميع الَّذي يسمع المناجاة، ويُجيب الدُّعاء عند الاضطِرار، ويكْشِف السُّوء، ويقبل الطَّاعة، وقد دعا الأنبِياء والصَّالحون بهذا الاسم؛ ليقبل منهم طاعتهم، ويستجيب دعاءهم، فإبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- قالا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة: 127]، ودعا زكريا عليه السلام أن يرزُقَه الله ذرّيَّة صالحة: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آل عمران: 38]؛ فاستجاب الله دعاءه، ودعا يوسف -عليه السَّلام- أن يصرف عنه كيْدَ النسوة؛ (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34].
عباد الله: تعرفوا على ربكم بأسمائه وصفاته، فهي من أسباب جلب المحبة، وزيادة الإيمان، وفعل الطاعة وترك المعصية، والعيش براحة وطمأنينة، وهذا مبتغى كل مؤمن.
اللهم ارزقنا خشية لك تردعنا عن معاصيك ....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم