عناصر الخطبة
1/حقيقة الحياة الدنيا 2/مندوحة الترفيه والانبساط في الشريعة 3/جواز الترويح والترفيه بضوابطه 4/استغلال الفراغ في أنشطة مفيدة 5/التحذير من ضياع الأعمار في غير طائل.اقتباس
الاستجمام والتنزه والترويح لا يعني السير بلا هدف، وإهدار زهرة العمر في الترف والترفيه، وإنما ساعة وساعة.. اجعل لنفسك ساعات ترتقي بها في منازل الأبرار، وأوقات ترفع من قيمة نفسك، ومن اتكل على غيره، ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يستشرف علواً، ولا يتطلع إلى ما يسمو ويرتفع....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي منَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وأسبغ علينا من النعم وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو حسُبنا ومولانا، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: حقيقة يقررها ربّ العزة والجلال يغيب مفهومها عن الأذهان (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت:64].
هذه هي حقيقة الحياة الدنيا لهو ولعب حينما تكون هي الغاية العليا للناس، حينما يكون متاعها هو الغاية في الحياة، هذه هي الحياة في عمومها حينما لا ينظر فيها إلى الآخرة.. (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ).. حياة دائمة باقية (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)[الرعد:35].
إذا كان اللعب والترفيه هو الغاية، وكانت المتعة واللهو هي أكبر الطموح واعلاه.. فما يكون نصيب الآخرة؟ وما لحوادث الزمان ومنتهى المقام؟
كَمْ لابنِ آدَمَ من لهوٍ، وَمن لَعبٍ *** وللحوادِثِ من شدٍّ وإقدامِ
يا ساكِنَ الدّارِ تَبْنيها، وَتَعمُرُها *** والدارُ دارُ منيَّاتٍ وأسْقامِ
لا تَلْعَبَنّ بكَ الدّنيا وَخُدْعَتُها *** فكَمْ تَلاعَبَتِ الدّنْيا بأقْوامِ
لا يُعاب الإنسان أن يستمتع مما أحلَّ الله له، أو أن يترفّه بما يُجمّ به نفسه مما له في الشريعة مندوحة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32]؛ قال حنظلة: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً"(أخرجه مسلم).
هذه هي ميزان الحياة، وهذه مندوحة الترفيه والانبساط في الشريعة "سَاعَةً وَسَاعَةً".. ساعة في الترويح والترفيه، لكن لا تكون أسيرة له، ولا مكبّلة بأبوابه، ولا حديث أيامه وكل اهتمامه، وإنما ساعة، لتفرغ لساعة الآخرة..
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أجمّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرق الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان".. وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يمازح أصحابه، ويسابق عائشة.
ترويح وترفيه لا يخدش حياءً ولا ينزع حجابًا، ولا يصد عن ذكر أو يضيع حقّا،
ترويح وترفيه لا يكون غاية المُنى، أو يأخذ بعقول ذوي الحِجى.
لا تقبلوا الضيم واحموا منه محارمكم *** إن المحارم مما تمَنع العرب
إني أرى أمم الغبراء يشغلها *** جد الأمور فلا لهوٌ ولا لعب
لا إمعةً إن سمع هيعة طار لها، عين على كل منشور، وأذن لك دعاية مأكول.
حَجَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ".. دعوة ودعاء لكل مسافر يقول: "اللهم سفرةُ لا إثم فيها ولا مراءاة ولا تضييعًا لصلوات".
يا أيها الناس (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد: 20].
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ودود.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ المُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أَمَّا بَعْدُ: الاستجمام والتنزه والترويح لا يعني السير بلا هدف، وإهدار زهرة العمر في الترف والترفيه، وإنما ساعة وساعة.. اجعل لنفسك ساعات ترتقي بها في منازل الأبرار، وأوقات ترفع من قيمة نفسك، ومن اتكل على غيره، ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يستشرف علواً، ولا يتطلع إلى ما يسمو ويرتفع، الذي لا يرجو رقياً سينزل.
إذا كنتَ لا تُرْجَى لدفعِ مُلِمَّةٍ *** ولا كان للمعروفِ عندكَ مطمعُ
ولا كنتَ ذا جاهٍ يعاش بجاهِه *** ولا أنت يومَ الحشْرِ فِيمنْ يَشْفَعُ
فعَيْشُكَ في الدُنيا وموتُكَ واحِدٌ *** وعُوْدُ خِلالٍ عَن وِصَالِكَ أنْفَعُ
استغل ساعات من فراغك وشارك أهلك ومن حولك في برنامج قرآني أو دعوي أو اجتماعي .. تهيب من سؤال عصيب يقال يوم القيامة: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115]، واحذر من حياة فئام رحلوا دون أن يكون لهم تأثير يذكر، أو خير يؤثر.
والعاقل الحصيف الذي يتأمل بنظرٍ حكيمٍ ويشعر بأنه لا بد أن يجعل له طموحاً يقوده إلى خير الدنيا وينفعه في الآخرة.
إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى *** وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا
نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ *** وأنكَ لمْ ترصدْ لما كانَ أرصدا
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم