عناصر الخطبة
1/ دلالات حديث حنظلة 2/ أهمية الترويح عن النفس 3/ ضوابط الترويح عن النفس في الإسلام 4/ الفهم الخاطئ للترويح عن النفس 5/ وجوب الالتزام بالشرع في جميع الأحوال.اقتباس
لقد ضل أولئك الذي يريدون أن يعيشوا ساعةً مع القرآن وساعةً مع الغناء، ساعةً في المسجد وساعةً في المرقص والمسرح والملهى، ساعةً أمام المحاضرة، وساعةً أمام الأفلام والمسلسلات، ساعةً لله وساعةً للشيطان، لقد ضل أولئك الذين ظنوا أن ساعة الطاعة تقابلها ساعة عصيان، لقد ضل أولئك الذين يظنون أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا بالمحرمات، لقد ضل أولئك الذين ظنوا أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا بالغناء والرقص والأفلام والمصارعة وغيرها؛ أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا على الطريقة الغربية التي لا تعرف القيود ولا تلتزم بالشرع، أولئك الذين يريدون أن يتاجروا بدين المجتمع وأخلاقه؛ لأجل الدرهم والدينار.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، عن حنظلة الأسيدي –رضي الله عنه- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما ذاك؟ قال: قلت يا رسول الله: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، أن لو تدومون على ما تكونون عندي أو في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعةً، ساعةً وساعةً، ساعةً وساعة" رواه مسلم. ساعةً وساعةً؛ لأن النفس البشرية من طبيعتها الملل، فلو واصل الإنسان العبادة بلا انقطاع مل وربما ترك العبادة.
عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها امرأة، فقال: من هذه؟ قال: فلانة تذكر من صلاتها، وفي رواية لا تنام الليل. قال –عليه الصلاة والسلام-: "مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا" (رواه البخاري).
ساعةً وساعة؛ لأن لله حق وللنفس حق وللآل حق، فأعط كل ذي حق حقه، في قصة سلمان –رضي الله عنه- لما زار أبا الدرداء –رضي الله عنهما- فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه.
فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أي أبو الدرداء، فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق سلمان" (رواه البخاري).
فالنفس له حق أن تروح عنها، فإن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فألزم نفسك الطاعة وجاهدها على فعل الواجبات والمستحبات ثم روِّح عنها لتعود للعبادة بنشاط.
عباد الله، إن الترويح عن النفس مطلوب لذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أعبد الناس يمازح أصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، فقال – عليه الصلاة والسلام-: "إني لا أقول إلا حقًا" وكان -عليه الصلاة والسلام- يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وكان يلاعب الحسن والحسين ويداعبهما، وكان يدلع لسانه للحسن فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه. (رواه ابن حبان وحسن الألباني).
وسابق عائشة –رضي الله عنها- فسبقته، فلما حملت اللحم سابقها فسبقها، فجعل يضحك وهو يقول: "هذه بتلك"، ولما قالت له عجوز: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، قال: "يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز" فولت تبكي، فقال: "أخبروها لا تدخل وهي عجوز" إن الله تعالى يقول: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) [الواقعة: 35، 36]، (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وكان الصحابة –رضي الله عنهم- يمتازحون، قال بكر بن عبد الله المزني: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبادحون أي يترامون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال، وقد ذكر أحد التابعين أنه رأى من الصحابة أنهم كانوا يضحكون ويتمايل بعضهم على بعض لكن إذا جاء الليل كانوا رهبانًا.
عباد الله، هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام –رضي الله عنهم- كانوا يعطون النفس حظها من الترويح وهم خير الخلق، والقرآن ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غضًا طريًا، فترويح الإنسان عن نفسه وأهله أمر محمود؛ مع أن الناس لا يوصون على ذلك، فقد أصبح الترويح عن النفس ضرورةً من الضرورات وليس من الكماليات، لذا نرى الناس يعدون العدة له من وقت ويدفعون لأجله الأموال الطائلة، فهم يتركون البيوت ويأكلون في المطاعم بدافع الترفيه، ويتركون بيوتهم ومجالسهم ويذهبون للديوانيات بدافع الترفيه، ويذهبون للمقاهي لا لأجل أن يشربوا كوبًا من الشاي أو القهوة بل ليروحوا عن أنفسهم، وهذا لا حرج فيه ولا مانع منه إذا خلا من محرم.
عباد الله، إن الترويح عن النفس بالحرام قتلٌ للإيمان، وتدمير له، واتباع لخطوات الشيطان، إن الترويح عن النفس ليس معناه أن تطلق بصرك في الحرام، إن الترويح عن النفس ليس معناه أن تطلق سمعك بالحرام، إن الترويح عن النفس ليس معناه أن تتفسخ المرأة أو تتساهل في الحجاب أو تلبس الألبسة المحرمة، إن الترويح عن النفس ليس معناه أن تتمرد على الدين وتتخلى عن العادات والتقاليد وترمي بالحياء تحت قدميك، إن الترويح عن النفس يجب أن لا يتعدى الحلال، وفي الحلال كفاية لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد الله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحنظلة –رضي الله عنه-: "ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة" أخذ بعضهم هذه الكلمة وقال: ساعة لربك وساعة لقلبك، وأراد ساعةً للطاعة وساعةً تفعل فيها ما تشاء من مباح أو حرام، وهذا كلام باطل وفهم خاطئ.
لقد ضل أولئك الذي يريدون أن يعيشوا ساعةً مع القرآن وساعةً مع الغناء، ساعةً في المسجد وساعةً في المرقص والمسرح والملهى، ساعةً أمام المحاضرة، وساعةً أمام الأفلام والمسلسلات، ساعةً لله وساعةً للشيطان، لقد ضل أولئك الذين ظنوا أن ساعة الطاعة تقابلها ساعة عصيان، لقد ضل أولئك الذين يظنون أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا بالمحرمات، لقد ضل أولئك الذين ظنوا أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا بالغناء والرقص والأفلام والمصارعة وغيرها؛ أنه لا ترويح ولا ترفيه إلا على الطريقة الغربية التي لا تعرف القيود ولا تلتزم بالشرع، أولئك الذين يريدون أن يتاجروا بدين المجتمع وأخلاقه؛ لأجل الدرهم والدينار.
عباد الله، لقد منَّ الله علينا بدين عظيم، رفع الله به عنا الأصفاد والأغلال التي كانت على الأمم السابقة ومنَّ علينا بمجتمع محافظ يرعى الفضيلة ويأبى الرذيلة، يقبل الحلال ويرفض الحرام، فاحفظوا هذه النعمة، ولا تتركوا المجال لمفسد، وقفوا صفًّا واحدًا أمام المفسدين، واحفظوا دينكم والزموا أوامره ونواهيه يفتح الله لكم أبواب الخيرات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96].
عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم انتصر للمستضعفين من المسلمين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا، يا قوي يا قادر.
اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا، اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا، اللهم وأعدهم سالمين غانمين منصورين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرِّج هم المهمومين، اللهم نفِّس كرب المكروبين، اللهم اقضِ الدَّيْن على المدينين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، واكتب الصحة والهداية والتوفيق لنا ولكافة المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا.
نسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك لسانًا ذاكرًا وقلبًا سليمًا.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا ضحوكًا دلوقًا، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا أرحم الراحمين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم