زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين

 

موقع صحابة رسولنا

 

زينب بنت جحش بن رئاب، وقيل: بنت جَحْشَ بن رِيَاب الأسدية، زوج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

ذكر أَبُو عُمَرَ: كان اسمها بَرَّة، فلما دخلت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سماها زينب، وتكنى أمَّ الحكم، هي أخت عبد الله بن جحش. وأمها أمية، وقيل: أميمة بنت عبد المطلب، عمة النبي صَلَّى الله عليه وسلم. وتزوّج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، زينب بنت جَحْش لِهِلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي يومئذٍ بنت خمس وثلاثين سنة، وسُئلت عائشة متى تزوّج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، زينب بنت جحش؟ قالت: مرجعنا من غزوة المريْسِيع أو بعده بيسير، وقال ابن إسحاق: تزوجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد أم سلمة، قيل: تزوَّجها النبي صَلَّى الله عليه وسلم سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قَبْلَه عند مولاه زَيْد بن حارثة، وفيها نزلت: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]. وكان زَيْد يدعى ابن محمد، فلما نزلت: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] قال ابن حجر العسقلاني: وتزوَّج النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم امرأته بعده، وانتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أنَّ الذي يتبنّى غيره يصير ابْنَه، بحيث يتوارَثان إلى غير ذلك.

 

وروى عمر بن عثمان الجحشي عن أبيه قال: قدم النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة وكانت زينب بنت جحش ممّن هاجر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة وكانت امرأة جميلة فخطبها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على زيد بن حارثة فقالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسي وأنا أيّم قريش، قال: "فإني قد رضيته لك". فتزوّجها زيد بن حارثة(*).

 

ولما أُخبرت زينب بتزويج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لها سجدت، وقالت: لما جاءني الرسول بتزويج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إيّاي جعلت لله عليّ صوم شهرين، فلما دخل عليّ رسول الله كنت لا أقدر أن أصومهما في حضر ولا سفر تصيبني فيه القرعة، فلمّا أصابتني القرعة في المقام صمتهما، وقالت زينب بنت جحش يومًا: يا رسول الله إنّي والله ما أنا كأحدٍ من نسائك، ليست امرأة من نسائك إلاّ زوّجها أبوها أو أخوها وأهلها غيري، زوّجنيك الله من السماء(*). وذكرت أمُّ سلمة زينبَ بنت جحش فرحّمت عليها وذكرت بعض ما كان يكون بينها وبين عائشة فقالت زينب: إنّي والله ما أنا كأحدٍ من نساء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إنّهُنّ زُوّجَهَّن بالمُهُور وزوّجهنّ الأولياء وزوّجني الله رسوله وأنزل فيّ الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدّل ولا يغيّر: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ} الآية. قالت أمّ سلمة: وكانت لرسول الله مُعْجِبة وكان يستكثر منها، وكانت امرأة صالحة صوّامة قوّامة صنعًا تتصدّق بذلك كلّه على المساكين.

وفي رواية: عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو زينب إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجك". فنزلت: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللهُ مُبْدِيهِ} قال عارم في حديثه: فتزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما أولم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة(*). وروى حمّاد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: نزلت في زينب بنت جحش: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} قال فكانت تفخر على نساء النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، تقول: زوّجكنّ أهلكنّ وزوَّجني الله من فوق سبع سموات.

 

وروى حمّاد بن زيد عن عاصم الأحول أنّ رجلًا من بني أسد فاخر رجلًا فقال الأسدي: هل منكم امرأة زوّجها الله من فوق سبع سماوات؟ يعني: زينب بنت جحش. وروى ثابت عن أنس بن مالك قال: لما انقضت عدّة زينب بنت جَحْش قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لزيد بن حارثة: "ما أجد أحدًا آمن عندي أو أوثق في نفسي منك، ائْت إلى زينب فاخطبها عليّ". قال: فانطلق زيد فأتاها وهي تخمّر عجينها، فلمّا رأيتها عظمت في صدري فلم أستطع أن أنظر إليها حين عرفت أنّ رسول الله قد ذكرها، فوليّتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أبشري، إنّ رسول الله يذكرك، قالت ما أنا بصانعة شيئًا حتى أُؤَامِرَ رَبِّي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} قال فجاء رسول الله فدخل عليها بغير إذن(*).

 

وقال ثابت البناني: قلت لأنس بن مالك: كم خدمت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: عشر سنين فلم يغيّر عليّ في شيء أسأت ولا أحسنت، قلت: فأخبرْني بأعجب شيء رأيت منه في هذه العشر سنين ما هو؟ قال: لما تزوّج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، زينب بنت جحش وكانت تحت مولاه زيد بن حارثة قالت أمّ سليم: يا أنس إنّ رسول الله أصبح اليوم عروسًا وما أرى عنده من غداء، فهلمّ تلك العكّة، فناولتها فعملت له حَيْسًا من عجوة في تَوْرِ من فخّار قدر ما يكفيه وصاحبته وقالت: اذهب به إليه، فدخلت عليه وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب، فقال: "ضعه". فوضعته بينه وبين الجدار، فقال لي: "ادعُ أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا". وذكر ناسا من أصحابه سمّاهم، فجعلت أعجب من كثرة من أمرني أن أدعوه وقلّة الطعام، إنّما هو طعام يسير وكرهت أن أعصيه، فدعوتُهم فقال: "انظر مَن كان في المسجد فادعه" فجعلت آتي الرجل وهو يصلّي أو هو نائم فأقول: أجب رسول الله فإنّه أصبح اليوم عروسًا، حتى امتلأ البيت، فقال لي: "هل بقي في المسجد أحد"؟ قلت: لا، قال: "فانظر من كان في الطريق فادعهم". قال: فدعوت حتى امتلأت الحجرة، فقال: "هل بقي من أحد؟" قلت: لا يا رسول الله، قال: "هلمّ التور". فوضعته بين يديه فوضع أصابعه الثلاث فيه وغمزه وقال للناس: "كلوا بسم الله". فجعلت أنظر إلى التمر يربو أو إلى السمن كأنّه عيون تنبع حتى أكل كلّ من في البيت ومن في الحجرة وبقي في التور قدر ما جئت به، فوضعته عند زوجته ثمّ خرجت إلى أمّي لأعجبّها ممّا رأيت، فقالت: لا تعجب، لو شاء الله أن يأكل منه أهل المدينة كلّهم لأكلوا، فقلت لأنس: كم تراهم بلغوا؟ قال: أحدًا وسبعين رجلًا، وأنا أشكّ في اثنين وسبعين(*).

 

وروى ثابت عن أنس قال: لمّا تزوّج رسول الله زينب بنت جحش أطعمنا عليها الخبز واللحم حتى امتدّ النهار وخرج الناس وبقي رهط يتحدّثون في البيت، وخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وتبعته فجعل يتتبّع حجر نسائه ليسلّم عليهنّ، فقلن: يا رسول الله كيف وجدتَ أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أنّ القوم قد خرجوا أو أُخبر، فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل، فقال بالباب بيني وبينه، ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به(*).

 

وروى أبو قِلاَبة عن أنس بن مالك قال: أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب، لمّا أُهديت زينب إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، صنع طعامًا ودعا القوم فجاءُوا ودخلوا، وزينب مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في البيت، فجعلوا يتحدّثون، فجعل رسول الله يخرج ثمّ يرجع وهم قعود، قال: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب: 53] فقامَ القوم وضرب الحجاب(*).

 

وروى حَجّاج بن محمّد عن ابن جُرَيْج قال: زَعَم عطاء أنّه سمع عُبَيْد بن عُمَيْر يقول سمعتُ عائشة تزعم أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، كان يمكث عند زينب بنت جَحْش، ويشرب عندها عَسلًا، قالت: فتواصيتُ أنا وحَفْصة أيـّتنا ما دخل عليها النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فَلتقل إِنِّي أَجِدُ منك رِيحُ مَغَافِير! فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: "بل شربتُ عسلًا عند زينب بنت جحش لن أعود له"، فنزل: {يَأَيُّهَا اْلنَّبِيُّّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكَ} إلى قوله: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللهِ} [سورة التحريم:1: 4] يعني: عائشة وحفصة، {وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} قوله: "بل شربتُ عسلًا"(*). وروى أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أطعم زينب بنت جحش بخَيْبَر ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا قمحًا، ويقال: شعيرًا.

 

وروى الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومًا وهو جالس مع نسائه: "أطولكنّ باعًا أسرعكنّ لحوقًا بي". فكنّ يتطاولن إلى الشيء، وإنّما عنى رسول الله بذلك الصَّدَقة، وكانت زينب امرأة صَنعًا فكانت تتصدّق به فكانت أسرع نسائه لحوقًا به.(*) وعن عائشة قالت: يرحم الله زينب بنت جحش، لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إنّ الله زوّجها نبيهّ صَلَّى الله عليه وسلم، في الدنيا ونَطَق به القرآن وإنّ رسول الله قال لنا ونحن حوله: "أسرعكنّ بي لُحوقًا أطولكنّ باعًا"(*)، فبشّرها رسول الله بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنّة، وعن عائشة قالت: قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لأزواجه: "يتبعني أطولكنّ يدًا". قالت عائشة: فكنّا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، نمدّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفّيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ـــ يرحمها الله ـــ ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذٍ أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، إنّما أراد بطول اليد الصَّدقة، وكانت زينب قديمة الإسلام، وعن أم سلمة أنها ذكرت زينب فترحَّمت عليها، وذكرت ما كان يكون بينها وبين عائشة، قالت أم سلمة: وكانت لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مُعْجبة، وكان يستكثر منها، وكانت صالحة صوّامة قوامة صناعًا تصدق بذلك كله على المساكين. وقد وصفت عائشة زينب بالوَصْف الجميل في قصة الإفكِ، وأن الله عصمها بالوَرَع.

وروى أبو هريرة: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال للنساء عام حَجَّة الوداع: "هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ". قال: فكن كلهن يحججن إلا سودة وزينب بنت جحش، فإنهما كانتا يقولان: والله لا تحركنا دابة بعد إذ سمعنا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*).

 

وروى عبد الله بن شداد: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطّاب: ‏"‏إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهةٌ"‏. فقال رجل: يا رسول الله؛ ما الأوّاه؟ قال: ‏"‏الْخَاشِعُ المُتَضَرِّعُ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحلِيمٌ أوَّاهٌ مُنِيبٌ‏"(*) . قيل: إنَّ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، غَضِب على زينب؛ لقولها في صفية بنت حُيَيّ، تلك اليهودية، فهجرها لذلك ذا الحجّة والمحرّم وبعض صفر، ثم أتاها بَعْدُ إلى ما كان عليه معها. وروى عمر بن عثمان بن عبد الله الجحشي عن أبيه قال: ما تركت زينب بنت جحش درهمًا ولا دينارًا، كانت تَصَّدّق بكل ما قدرت عليه، وكانت مأوى المساكين، وتركت منزلها فباعوه من الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين ألف درهم.

 

روت زينب عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أحاديث، وروَى عنها ابنُ أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، ولهم صحبة، وكلثوم بنت المصطلق، ومذكور مولاها، وغيرهم، وقيل: هي أول امرأة صنع لها النعش، وقيل: بل تُوفيت سنة إحدى وعشرين، وفيها افتتحت الإسكندرية، وروى يحيىَ بن سعيد عن القاسم بن محمّد قال: قالت زينب بنت جحش حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كَفَني ولعلّ عمر سيبعث إِلَيَّ بكفن، فإذا بعث بكفن فتصدّقوا بأحدهما، إن استطعتم إذا دلّيتموني أن تصدّقوا بحَقْوي فافعلوا، وعن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْميّ قال: أوصت زينب بنت جحش أن تُحمل على سرير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويجعل عليه نعش، وقبل ذلك حُمل عليه أبو بكر الصّدّيق، وكانت المرأة إذا ماتت حُمِلَتْ عليه حتى كان مروان بن الحَكَم فمنع أن يحمل عليه إلاّ الرجل الشّريف، وفرّق سُررًا في المدينة تحمل عليها الموتى، وروى ابن كعب أنّ زينب أوصت أن لا تتبع بنار، وحُفر لها بالبَقِيع عند دار عَقيل فيما بين دار عقيل ودار ابن الحنفيّة، ونقل اللبن من السُّمينة فوضع عند القبر، وكان يومًا صائفًا.

 

وروى عبد الله بن رافع عن بَرزة بنت رافع قالت: لمّا خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جَحْش بالذي لها اثني عشر ألف درهم، فلمّا أُدخل عليها قالت: غَفَرَ الله لعمر، غيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني، قالوا: هذا كلّه لك، قالت: سبحان الله! واستترتُ منه بثوب وقالت: صُبّوه واطرحوا عليه ثوبًا، ثمّ قالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان، من أهل رَحِمها وأيتامها، حتى بقيت بقيّة تحت الثوب، فقالت لها برزة بنت رافع: غَفَرَ الله لكِ يا أمّ المؤمنين! والله لقد كان لنا في هذا حقّ، فقالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسةً وثمانين درهًما، ثمّ رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهمّ لا يدركني عَطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت، فكانت أوّل أزواج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لحوقًا به. فبلغ عمر فقال: هذه امرأة يُراد بها خير، فوقفَ على بابها وأرسل بالسلام وقال: قد بلغني ما فرّقت، فأرسل إليها بألف درهم يستنفقها فسلكت بها طريق ذلك المال. وعن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: لما حُضرت زينب بنت جحش أرسل عمر بن الخطّاب إليها بخمسة أثوابٍ من الخزائن يتخيّرها ثوبًا ثوًبا، فكُفّنت فيها وتصدّقت عنها أختها حَمْنَةُ بكفنها الذي أعدّته تكفّن فيه، وقالت عمرة بنت عبد الرحمن: فسمعت عائشة تقول ذهبت حميدة فقيدة مفزع اليتامى والأرامل. فقالوا لعمر: مَن ينزل في قبرها؟ قال: مَن كان يدخل عليه في حياتها وصلّى عليها عمر وكبّر أربعًا. وقيل: فلمّا حُملت زينب إلى قبرها قام عمر إلى قبرها فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: إنّي أرسلت إلى النسوة، يعني: أزواج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حين مرضت هذه المرأة أَنَّ مَنْ يُمَرّضها ويقوم عليها؟ فأرسلن: نحن، فرأيت أن قد صدقن، ثمّ أرسلتُ إليهنّ حين قُبضت: مَن يغسّلها ويحنّطها ويكفّنها؟ فأرسلن: نحن: فرأيت أن قد صّدَقن، ثمّ أرسلت إليهنّ: من يدخلها قبرها؟ فأرسلن: من كان يحلّ له الولوجُ عليها في حياتها، فرأيت أن قد صدقن، فاعتزلوا أيها الناس! فنحّاهم عن قبرها ثمّ أدخلها رجلان من أهل بيتها. وقيل: أراد عمر أن يدخل القبر فأرسل إلى أزواج النبيّ، فقلن: إنّه لا يحلّ لك أن تدخل القبر وإنّما يدخل القبر من كان يحلّ له أن ينظر إليها وهي حّيَّة.

 

روى أيّوب عن نافع وغيره أنّ الرجال والنساء كانوا يخرجون بهم سواء، فلمّا ماتت زينب بنت جحش أمر عمر مناديًا فنادى: ألا لا يخرج على زينب إلاّ ذو رحم من أهلها، فقالت بنت عُمَيْس: يا أمير المؤمنين ألا أريك شيئًا رأيت الحبشة تصنعه لنسائهم؟ فجعلت نَعْشًا وغَشَّته ثوبًا، فلمّا نظر إليه قال: ما أحسن هذا! ما أستر هذا! فأمر مناديًا فنادى أن اخرجوا على أمّكم. وأمر عمر بفسطاط فضرب بالبَقيع على قبرها لشدّة الحرّ يومئذٍ فكان أوّل فسطاط ضرب على قبرِ بالبقيع. وعن ثعلبة بن أَبِي مالك قال: رأيت يوم مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان ضُرب على قبره فسطاط في يوم صائف، فتكلَم الناس فأكثروا في الفسطاط، فقال عثمان: ما أَسْرَع الناس إلى الشرّ وأشبه بعضهم ببعض! أَنْشُدُ الله مَنْ حَضَر نشدتي: هل علمتم عمر بن الخطّاب ضرب على قبر زينب بنت جحش فسطاطًا؟ قالوا: نعم، قال فهل سمعتم عائبًا عابه؟ قالوا: لا.

 

وروى محمّد بن كعب عن عبد الله بن أبي سليط قال: رأيت أبا أحمد بن جحش يحمل سرير زينب بنت جحش وهو مكفوف وهو يبكي، فأسمع عمر وهو يقول: يا أبا أحمد تنحّ عن السرير لا يعنّك الناس، وازدحموا على سريرها، فقال أبو أحمد: يا عمر هذه التي نلنا بها كلّ خير وإنّ هذا يبرد حرّ ما أجد، فقال عمر: الزم الزم. وصلّى عمر بن الخطّاب على زينب بنت جحش سنة عشرين في يوم صائف ورأيت مُدّ ثوبٌ على قبرها وعمر جالس على شفير القبر معه أبو أحمد ذاهب البصر جالس على شفير القبر وعمر بن الخطاب قائم على رجليه والأكابر من أصحاب رسول الله قيام على أرجلهم، فأمر عُمر محمدَ بن عبد الله بن جحش وأُسامة وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، وهو ابن أختها حمنة بنت جحش، فنزلوا في قبر زينب بنت جحش.

 

وروى عروة عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: لما توفّيت زينب بنت جحش جعلت تبكي وتذكر زينب وترحّم عليها، فقيل لعائشة في بعض ذلك فقالت: كانت امرأة صالحة، قلت: يا خالة أيّ نساء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كانت آثر عنده؟ فقالت: ما كنت أستكثره ولقد كانت زينب بنت جحش وأم سلمة لهما عنده مكان، وكانتا أحبّ نسائه إليه فيما أحسب بعدي، وسئلت أمّ عكاشة بن محصن: كم بلغت زينب بنت جَحْش يوم توفّيت؟ فقالت: قدمنا المدينة للهجرة وهي بنت بضعٍ وثلاثين سنة وتوفّيت سنة عشرين، وقال عمر بن عثمان: كان أبي يقول: توفّيت زينب بنت جحش وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات