عناصر الخطبة
1/ زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة 2/صداق خديجة رضي الله عنها 3/مخاطر غلاء المهور 4/بيت مؤسس على المودة والرحمة والتعاون 5/فضائل خديجة رضي الله عنها.اقتباس
ينبغي أن نُحذِّر من دعاة الحرية المزعومة للمرأة، ودعاة الفتنة، وتفكيك الأسرة الذين سوَّلوا للمرأة أنه ليس من حقِّها أن تخدم الزوج، فتأبى الخدمة، فيدب الخلاف بين الزوجين، وهؤلاء أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يخدمنه بحب وتفانٍ فيما نُقِل إلينا من سيرتهن العطرة.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله.
نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسلك، وأنزلت علينا خيرَ كُتبك، وشَرعت لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، استخلصنا في الخطبة الماضية من زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بخديجة أنها قدوة لبناتنا وأبنائنا وللأولياء في حُسن اختيار الزوج على أساس الدين والخلق، وأهمية سلطة الولي بالنسبة للمرأة في مساعدتها على الاختيار، وحمايتها وضمان حقوقها.
ولنا وقفة أخيرة في هذه الخطبة مع هذا الزواج المبارك الميمون، وإن كان يحتاج إلى وقفات كثيرة لا يتسع المقام لذكرها كلها، وسأكتفي لكم في هذه الخطبة بثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاها صداقها: قال ابن هشام: "وأصدقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين بكرة -وهي أنثى الجمل الصغيرة- وقيل: اثنتا عشرة أوقية ذهبًا"، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت -رضي الله عنها-.
وأهم رسالة في هذا المقام أود توجيهها لأخواتنا وللأولياء، صحيح أن الشرع لم يحدد أقل المهر ولا أكثره؛ ولكن تجنّبوا غلاء المهور لسببين؛ الأول: حرصًا على تيسير أمور الزواج، ولا سيما في هذا الزمان الذي أصبح فيه طلب الحلال عسيرًا، والثاني: أنه لا خير ولا بركة في زواج غالي الصداق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أعظمَ النكاحِ بركةً أيْسَرُه مؤونةً"(رواه أحمد في مسنده: 24529).
الوقفة الثانية: بيت مؤسس على المودة والرحمة والتعاون: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خديجة: "إنِّي قد رُزِقْتُ حُبّها"(رواه مسلم: 2435)، وهي كذلك تبادل النبي -صلى الله عليه وسلم- حبًّا بحبٍّ، من خلال:
مواساتها للنبي -صلى الله عليه وسلم- بمالها، وقيل في قوله -تعالى-: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)[الضحى: 8]؛ أغناه بمال خديجة، وما منَّت عليه يومًا -رضي الله عنها-، ففقر الرجل وغنى المرأة -إذا كان هناك حبٌّ متبادلٌ- كان كمالاً يُكمّل بعضهم نقص بعض.
• مواساتها للنبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسها، ومن أمثلة ذلك أنه لما نزل عليه الوحي في الغار جاء وهو يرتجف فؤاده، وقال: "زمِّلُوني، زمِّلُوني"، فزمَّلته، فلما ذهب عنه الروع لاطفته بكلمات قائلة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق"(رواه البخاري: 3).
• قيامها بشؤون البيت: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: "أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني..."(رواه البخاري: 3820).
ومحل الشاهد أن خديجة جاءت بالطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي من أعدته، وتخدمه بنفسها، والذي ينبغي التحذير منه أن نُحذِّر من دعاة الحرية المزعومة للمرأة، ودعاة الفتنة، وتفكيك الأسرة الذين سوَّلوا للمرأة أنه ليس من حقِّها أن تخدم الزوج، فتأبى الخدمة، فيدب الخلاف بين الزوجين، وهؤلاء أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يخدمنه بحب وتفانٍ فيما نُقِل إلينا من سيرتهن العطرة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما نقل إلينا يكون في خدمة أهله وهو في البيت، فيقدم العون لهن، فيحصل التكامل، فشرفك أيتها المؤمنة في حُسْن التَّبَعُّل لزوجك بخدمته، وإياك من سماع نصائح المدمرين للأسرة في ثوب المنقذين لها.
• تربيتها لبناتها: كل أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- من خديجة إلا إبراهيم، غير أن القاسم وعبد الله ماتا صغيرين، وبقيت بناته الأربع: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة حتى كبرْنَ، وماتوا في حياته -صلى الله عليه وسلم-، إلا فاطمة عاشت بعده ستة أشهر، والدليل على حسن التربية إسلامهن جميعًا بإسلام أمهن، وكذلك حب أزواجهن لهن بعد الزواج، والقرار في بيوتهن.
فلو أخذنا مثالاً لزينب -رضي الله عنها-، بعد بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعداوة قريش له، سعوا إلى أبي العاص بن الربيع كي يُطلّقها، ويُزوِّجوه أجمل بنات قريش، فقال لهم: "والله لا أفارقها ولا أطلقها بأي امرأة، ولا أرضى لزينب ببديل من قريش أبدًا"، فلما أسلمت فرَّق الإسلام بينهما، وبقي لم يتزوج حتى أسلم، وأرجعها النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه بالصداق الأول.
بهذا الحب -أيها الإخوة- تستمر الأسرة، وتستمر الحياة الزوجية، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
فاللهم اجعل بيننا وبين أزواجنا مودة ورحمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى.
أما بعد: رأينا في الخطبة الأولى ضرورة التخفيف في المهور، وعدم طلب الغلاء فيها لتيسير أمر الزواج، ورأينا أن البيوت ينبغي أن تُؤسَّس على المودة والرحمة والتعاون، ونختم بجملة أمور بوَّأت خديجة مراتب السعادة في الدنيا والآخرة:
الوقفة الثالثة: فضائل خديجة: بالإضافة إلى ما سبق الحديث عنه فإن أبرز ما يُميِّز خديجة أنها أول مَن آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مِن النساء، وأول من توضأ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأول مَن صلى بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول عفيف الكندي: "كنت امرأ تاجرًا، فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرأ تاجرًا، فوالله إني لعنده بمنى، إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها مالت -يعني: قام يصلي- قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي، قال: فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قال: فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد، قال: قلت: من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمِّه. قال: فقلت: فما هذا الذي يصنع؟ قال: "يصلي، وهو يزعم أنه نبي"، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته، وابن عمه هذا الفتى..."(رواه أحمد في المسند: 1787).
بهذا أيها الإخوة استحقت خديجة البشارة بالجنة، ففي الحديث السابق أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه، ولا نصب".
لقد خلقت جو السكينة والهدوء والراحة للحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا خرج وتعرَّض لأذى قريش يدخل على خديجة فتواسيه وتؤنسه، فحُقّ لها الآن أن تجازى من جنس عملها الطيب، فلتدخل بيتًا لا صخب فيه ولا نصب، لقد ماتت خديجة، ولم ترَ بعدُ ثمار الدعوة، ولا نصر الإسلام، والمهم أن تفعل وأن تغرس، وأن تبذر الخير، فإن لم تجنِ الثمار في حياتك فسيجنيها الأجيال، ولن تُحرَم من أجر الصدقة الجارية بين يدي الكريم الذي سيُجازيك على مثقال ذرة الخير، قال -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة: 7].
فاللهم اجعل أمهات المؤمنين قدوات صالحات لنسائنا، آمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم