عناصر الخطبة
1/حسن اختيار السيدة خديجة لزوجها 2/ سمو أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 3/حسن اختيار الزوجة 4/حكم عرض المرأة نفسها للزواج 5/أهمية وجود ولي المرأة عند تزويجها 6/حكم زواج المرأة من دون ولي 7/تحريم عضل المرأة.اقتباس
ودعاة وداعيات التحرر اليوم -زعموا- من مطالبهم إلغاء سلطة الولي، ناقلين لنا ما ليس من ديننا، ولا من ثقافتنا إلينا، وفي نفس الوقت تجد من النساء مَنْ تُصدِّق هذا؛ لأنهم كذبوا عليها حينما قالوا لها: المساواة بين الرجل والمرأة، وكذبوا عليها حينما أوهموها بالحرية المزعومة.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله.
نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسلك، وأنزلت علينا خيرَ كُتبك، وشَرعت لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
أيها الإخوة المؤمنون: استخلصنا في الخطبة الماضية من زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بخديجة أنها قدوة لنسائنا في الطهارة والعفاف، وفي رعاية الأيتام، ولنا وقفتان في هذه الخطبة مع هذا الزواج المبارك الميمون اللتان نستخلصهما من سيرة هذه المرأة العظيمة:
الوقفة الأولى: أنها أحسنت اختيار الزوج: خديجة اختارت المقياس الأول للكفاءة في الزواج وهو الدين والأخلاق، ومما قالته فيما سبق معنا: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك، وسِطَتِكَ –أي: شرفك- في قومك، وأمانتك وحسن خلقك، وصدق حديثك.
وكذلك شهد أبو طالب بنبل أخلاقه -صلى الله عليه وسلم، وقد خرج معه للخطبة- وكان مما قاله في خطبة الزواج: "أما بعد: فإن محمدًا ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به شرفًا ونبلاً وفضلاً وعقلاً، وإن كان في المال قل؛ فإنما المال ظِلٌّ زائلٌ، وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك".
وبشهادة عمرو -أخ خديجة أو عمها- قال: "هو الفحل الذي لا يجدع أنفه"؛ أي: هو الكريم الذي لا يُرَدُّ، فهذه كلها شهادات تؤكد سمو خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا على الزوج حسن اختيار الزوجة اختيارًا مبنيًّا على أساس الدين والخُلُق، ولا يضر غيرها من الأوصاف -إن وُجِدَت- قال -صلى الله عليه وسلم-: "تُنكَح المرأةُ لأربع: لمالها، ولحَسَبها، وجمالها، ولدينها، فاظْفَر بذاتِ الدِّين، ترِبَتْ يداك"(رواه البخاري: 5090).
كما على ولي البنت أن يسأل ويبحث ويستشير؛ حتى يتأكد له خُلق الرجل، فيكون قد وضع ابنته في أيدٍ أمينة، وهكذا فعل شعيب مع موسى -عليه السلام-، لما أخبرته ابنته بأهم صفتين وهما: القوة والأمانة، قال -تعالى-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[القصص: 26]، فاستغلها شعيب لطلب الزوج لإحدى ابنتيه، فقال لموسى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ)[القصص: 27].
ولذلك أقرَّ العلماء أنه يجوز للرجل أن يعرض ابنته أو أخته، أو بنات أقربائه على الرجل الصالح الكفء، وهكذا كان السلف الصالح لا يجدون حرجًا في هذا، كما فعل عمر، حين تأيَّمَتْ حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد شهد بدرًا، تُوفي بالمدينة.
قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي ألَّا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليَّ شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنكحتها إياه.
فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ، إلا أني قد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرَها، فلم أكن لأُفشي سِرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تركها لقبلتها(رواه البخاري: 4005)، وكما فعل سعيد بن المسيب الذي زوج تلميذه من ابنته الحافظة العالمة الفقيهة.
ويجوز كذلك للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح، وليس فيه عيب، بخلاف العادات التي تعتبر ذلك منقصةً في حق المرأة، واستمعوا جيدًا لهذا الأثر، فعن ثابت البناني قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلَّ حياءها! وا سوأتاه وا سوأتاه! قال: "هي خيرٌ منكِ؛ رغبت في النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعرضت عليه نفسَها"(رواه البخاري: 4005).
لكن هذا العرض ينبغي أن يكون بضوابط، وليس بطرق التوائية، وعرض مفاتنها، فإذا عرضت عليه نفسها وقبل، ترجع هي إلى وليِّها ليفاوض معه ويتأكد، وليس كما يحدث لدى الكثير من الشباب اليوم حيث تختار الفتاة لنفسها، ثم تفرض الأمر الواقع على الأسرة رضوا أم كرهوا، فيكون الولي آخر من يعلم، ولا حيلة له في الأمر، ودوره صوريٌّ فقط.
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، وارزق بناتنا أزواجًا صالحين، وأبناءنا زوجات صالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد: رأينا في الخطبة الأولى أن خديجة أحسنت اختيار الزوج المناسب، واستفدنا أن الاختيار يكون على أساس الدين والخُلُق، ويجوز للأب عرض ابنته على الرجل الصالح، كما يجوز للمرأة عرض نفسها على الرجل الصالح، ولنا وقفة أخيرة مع هذا الزواج الميمون:
الوقفة الثانية: أنها تزوجت بوليٍّ؛ اختيار خديجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- استثناء؛ لأن خديجة من النساء الكُمَّل، التي لا تلعب بها العواطف، وغالبية النساء تتحكم فيها العاطفة، وقد تسيء الاختيار لنفسها؛ ولذلك لما جاء الإسلام اشترط الولي، ولم يوكل للمرأة أمرَ نفسها في إبرام العقد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا نِكاحَ إلا بِوَليٍّ"(رواه البخاري: 5120).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأةٌ نكحَتْ نفسَها بغيرِ إذنِ وليِّها فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها باطلٌ"(رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 525. وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم: 3130).
ودعاة وداعيات التحرر اليوم -زعموا- من مطالبهم إلغاء سلطة الولي، ناقلين لنا ما ليس من ديننا، ولا من ثقافتنا إلينا، وفي نفس الوقت تجد من النساء مَنْ تُصدِّق هذا؛ لأنهم كذبوا عليها حينما قالوا لها: المساواة بين الرجل والمرأة، وكذبوا عليها حينما أوهموها بالحرية المزعومة.
وهذه أعراف لا تعرفها الجاهلية الأولى، فخديجة التي نتحدث عنها ما زوَّجَتْ نفسَها للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ بل زوجها وليُّها، جاء في بعض الروايات أن الذي زوَّجها للنبي -صلى الله عليه وسلم-خويلد بن أسد أبوها، فخطبها إليه -صلى الله عليه وسلم- فتزوجها، وقيل: إنه قد هلك، فزوجها عمُّها عمرو بن أسد، وقيل: زوَّجها أخوها عمرو بن خويلد.
والذي يهمُّنا ليس هو الشخص؛ وإنما وجود وليٍّ، فلتسمع هؤلاء اللواتي يزوجن أنفسهن بدون وليٍّ، صحيح هناك خلاف بين أهل العلم في صحة زواج المرأة من دون ولي؛ ولكن ما نراه في الواقع من مشاكل، من أسبابه سوء اختيار المرأة لمن يناسبها؛ مما يجعلنا نختار رأي الأغلبية من العلماء، ثم إن هذه المرأة حينما تقع مشاكل تحتاج إلى هذا الوليِّ مرة أخرى ليقف بجانبها، فإذا تنصَّلت منه في بادئ الأمر، سيرفض مؤازرتها حينما تحتاج إليه، فتضيع المرأة، وتضيع معها الأسرة.
ومع وجود سلطة الولي؛ فهذا لا يعني عدم استشارة هذه المرأة، فالمرأة تُستشار، ويُحترم رأيها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُنكَح الأيِّمُ -هي الثيب التي سبق لها الزواج وطلقت أو مات عنها زوجها- حتى تُستأمَر، ولا تُنكَح البِكْرُ حتى تستأذن"، قالوا: كيف إذنها؟ قال: "أنْ تسكُت"(رواه البخاري: 5970).
وعند البخاري أن خنساء بنت خذام الأنصارية، زوَّجها أبوها وهي ثَيِّب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فردَّ نِكاحَه(رواه البخاري: 5138).
فالخلاصة لا بد من رجوع المرأة إلى سلطة الولي؛ لحفظ حقوقها وحمايتها، وعلى الأولياء عدم الجور في هذه الولاية بمنع المرأة من الزواج، أو فرض الزواج عليها دون أخذ رأيها؛ كقصة الفتاة التي عضلها أبوها، فلما حضرتها الوفاة قالت: يا أبي، ادْنُ مني، فقالت: قل: آمين ثلاثًا، فقال: آمين، وقالت: يا أبي، حرمَكَ اللهُ من الجنة كما حرمتني من الزواج!
فاللهم فقِّهنا في ديننا، وأرِنا الحقَّ حقًّا، وارزُقْنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، آمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم