رمضان ونعمة الطعام

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2024-03-08 - 1445/08/27 2024-03-14 - 1445/09/04
عناصر الخطبة
1/الفرح بإدراك شهر رمضان 2/التعرض لنفحات شهر رمضان 3/نعمة الأمن والأمان والاستقرار 4/تأملات في نعمة الطعام والشراب 5/تصرفات تدل على عدم شكر نعمة الطعام.

اقتباس

وماذا يعني أن تَبلُغَ رمضانَ؟ يعني أنكَ قد فُزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن خَطَفَتْهُم يدُ المَنونِ، وفزتَ بعطاءٍ لم يستطعْهُ مَن حبَسهمُ المرضُ عن صيامِه وقيامِه... وفرْقٌ بين قومٍ يشتاقونَ لرمضانَ ليَزدادُوا خَيرًا، وبينَ الذينَ يشتاقونَ له ليَزدادُوا إثمًا.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الذي لا خيرَ إلا منهُ، ولا فضلَ إلا من لدنْهُ، نحمدُهُ حمداً نرجُو بهِ مَفازاً، وإلا فآلاءُ ربِنا لا تُجارَى لا تُجازَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الحقُ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمينُ، فصلى الله وسلمَ عليهِ.

 

أما بعدُ: ألا فلنفرحْ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].

 

نفرحُ لأننا بانتظارِ ضيفٍ عزيزٍ يَقدَمُ علينا، ضيفٍ عجيبٍ أمرُهُ، كريمٍ فِعلُهُ، أما العَجَبُ فيه فلِلكرمِ الذي يعطيهِ؛ فإنه يَقدَمُ ضيفًا ثم يكونُ هو المضيِّفُ؛ إنه رمضانُ يَحُلُ علينا ضيفاً فينقَلبُ مِضيافاً، ويَقْدَمُ علينا فيقدِّمُ إلينا أصنافاً من الإتحافاتِ والنفحاتِ؛ فلنتذكرْ كلَ سنةٍ أننا ربما نكونُ في ضيافتهِ للمرةِ الأخيرةِ! فهلاّ تعرضْنا لمُضِيِفِنا بنفحاتِهِ ورحماتِهِ؟!

 

وماذا يعني أن تَبلُغَ رمضانَ؟ يعني أنكَ قد فُزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن خَطَفَتْهُم يدُ المَنونِ، وفزتَ بعطاءٍ لم يستطعْهُ مَن حبَسهمُ المرضُ عن صيامِه وقيامِه.

 

والناسُ كلُ الناسِ يشتاقونَ لمَقْدَمِ رمضانَ، ولأجل اشتياقِهم يَتبادلونَ التهانيَ. أما إنه قد علِمَ كلُّ أناسٍ مَشربَهم، وفرْقٌ بين قومٍ يشتاقونَ لرمضانَ ليَزدادُوا خَيرًا، وبينَ الذينَ يشتاقونَ له ليَزدادُوا إثمًا.

 

أيُها المؤمنونَ: يزدَلفُ إلينا رمضانُ ونحنُ في زحامٍ من النعمِ، إسلامٌ ظاهرٌ، وأمنٌ باهرٌ، وصحةٌ ورغدُ عيشٍ، وحكامٌ يَحكمونَ بالشرعِ، وبلادٌ فيها الحرمانِ والأمانِ. نَعَم نِعَمٌ، نِعمٌ تُعدُّ ولكنْ لا تُحصَى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[إبراهيم: 34].

 

و"كلما نظرْنا في تواصُلِ النعمِ علينا، تحيرْنا في شكرِها! وإذا علمنا أن الشكرَ من النعمِ، فكيفَ نشكرُ؟! ولكنْ لنعترفْ لربِنا بالتقصيرِ، والاعترافُ شكرٌ ونعمةٌ أخرى"(بتصرف من صيد الخاطر لابن الجوزي ص: 427).

 

ألا فلنعُدَّ في هذهِ اللحظاتِ نعمةً واحدةً فقط من النعمِ العامةِ الظاهرةِ المحسوسةِ المتكررةِ يوميًا ونحنُ عنها غافلونَ.

 

إنها نعمةُ الطعامِ، وكثيرٌ منا لا يَفطنونَ إلى تلكمُ النعمةِ المشاهدةِ الملموسةِ يومياً في حياتِنا؛ لأنها لكثرتِها ولوَفْرتِها، ولعمومِ فائدتِها تبلَّدَ الإحساسُ بها، إلا من البائسِ الفقيرِ الذي عانَى مشقةَ تحصيلِ قُوتهِ.

 

وتظهرُ هذهِ النعمةُ بجلاءٍ، حيث تكثرُ العروضُ الرمضانيةُ للأكلاتِ والطبخاتِ، ونحن نَخُصُّ رمضانَ بمزيدِ توسعةٍ وتنوُعٍ على النفسِ والأهلِ من أطايبِ الطعامِ، ولا ضيرَ في هذا ما لم يكنْ إسرافاً أو مباهاةً. والحازمُ الموفقُ مَن يشتري مشترواتِ رمضانَ والعيدِ من الآنَ؛ ليتفرغَ للقرآنِ.

 

فالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ. والحمدُ للهِ الذي وسعَ علينا بالأرزاقِ؛ حيث يُجبَى إلينا ثمراتُ كلِ شيءٍ من بلدانِ العالمِ.

 

فيا عبدَ اللهِ: إذا أكلتَ فاستحضرْ ما رَوَاه نبيُك -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- عَنِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حينَ قَالَ: "يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ"(رواهُ مسلمٌ). فهل استشعرْنا فضلَ اللهِ علينا أننا كلَّنا جائعونَ لولا إنعامُه في إطعامِه: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[عبس: 24].

 

ثم لنشكرْ ولنُحَيِّي الشاكرينَ المقدِّرِينَ لنعمةِ الطعامِ، ولنقُلْ لهمْ: شكرًا للغيورينَ على إهدارِ الطعامِ، والمتصدقينَ بها للمعوِزينَ من الأنامِ، والشاكرِينَ ربَهم على الإنعامِ.

 

شكرًا لجمعياتِ حفظِ الطعامِ الخيريةِ، ولجمعيةِ قوت بالزلفي شكرٌ خاصٌ، فقد وزعُوا خلالَ الشهرِ الماضي فقطْ ستَ مئةٍ وستينَ ما بينَ مطعومٍ ومشروبٍ.

 

شكرًا لتلكَ المرأةِ الراعيةِ في بيتِ زوجِها، التي تَطبَخُ حاجتَهم، فإذا بقيَ وضعَتْه بالثلاجةِ، ثم سخنَتْهُ؛ ليأكلوهُ، أو يعطوهُ من يأكلُه.

 

شكرًا لذلكَ الأبِ الذي يُربِّي صبيانَه على حِفظِ نعمةِ الأكل، ويمنعُهُم بعضَ الأكلاتِ، لا بخلاً، ولكن خوفًا من الإسرافِ والتبذيرِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، وصلى اللهُ على مَن للهُدى دعانا.

 

أما بعدُ: فلنتساءلْ -ونحنُ نقتربُ من تفطيرٍ وفطورٍ وسحورٍ- عن مظاهرَ مزعجةٍ يفعلُها من أُغفِلَ قلبُه عن شُكرِ وذِكرِ ربهِ:

 

فهل من شُكرِ نعمةِ ربِنا طبخُ أنواعِ الأكلاتِ لا لأكلِها؛ وإنما للتباهيْ بشكلِها، وتشهيرِها لتصويرِها؟!

 

وهل من شكرِ نعمةِ ربِنا بهذهِ المياهِ الصحيةِ أن نشربَ بعضَها، ونتركَ باقِيها؟!

 

وهل من شُكرِ نعمةِ ربِنا أن نُلقيَ بالطعامِ للحيوانِ، وهو صالحٌ ليأكلَه الإنسانُ؟!

 

وهل من شُكرِ نعمةِ ربِنا أن نتخلصَ من باقي الطعامِ، فنعطيَه أيَّ عاملٍ نلاقيهِ، ولا نسألَه هل تريدُه أم لا؟!

 

وهل من شكرِ نعمةِ ربِنا التقذُّرُ من جمعِ وأكلِ الطعامِ الساقطِ في السفرةِ؟!

 

وهل من شكرِ نعمةِ اللهِ حينَ الأكلِ من المطاعمِ تركُ الباقي دونَ جمعِه والتصدقِ به؟!

 

وهل من شكرِ نعمةِ ربِنا في طعامِنا تناولُ الضارِّ منه صحيًّا أو المحرمِ دينيًّا؟!

 

فاللهم اجعلنا شاكرينَ لنعمِك، مُثنينَ بها عليكَ، قابلينَ لها، وأتمَها علينا.

 

اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.

اللهم يا من قلَّ شكرُنا عندَ نعمتهِ فلم يُعاجِلنا، اللهم أعنا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ.

 

اللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ.

اللهم آمنْ أوطانَنا، واخذلْ عدوانَنا، ووفقْ وسددْ أئمتَنا وولاتَنا، وطيّبْ أقواتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ اللهمَ ديونَنا.

 

اللهم يَا كَثيرَ النَّوَالِ، يا حَسنَ الفِعَالِ: نسألكَ خيرَ المسألةِ، وخيرَ الدعاءِ، وخيرَ الثوابِ، ونسألكَ الدرجاتِ العُلى من الجنةِ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

 

المرفقات

رمضان ونعمة الطعام.pdf

رمضان ونعمة الطعام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
14-03-2024

كيف لنا ان نهنئ بالافطار واهلنا في غزة لايجدون ما سدون به رمقهم لاحول ولا قوة الا بالله الظيم