رمضان فرصتنا للتغيير

مراد كرامة سعيد باخريصة

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/ سرعة انقضاء أيام رمضان 2/ رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتزكية 3/ مجالات التغيير في رمضان

اقتباس

إننا نعيش في زمن التغيير وعصر التقلبات والتحولات والتغيير، إما أن يكون نحو الأفضل والأحسن وإما أن يكون نحو الأسوأ والأقبح، وإننا نريد أن يكون رمضاننا هذا رمضان التغيير نحو الأجمل والأفضل والأحسن. إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتزكية، وموسم مهم للانطلاقة نحو الإصلاح والتربية، ومن لم يتغير في رمضان فلن يتغير في غيره إلا أن يتغمده الله برحمته، ومن لم يغير في رمضان فمتى يغير؟!

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

ها نحن نعيش أيامًا هي خير الأيام، وليالٍ هي أفضل الليالي عند الله، إنها أيام الخير والإحسان والعفو والغفران والعتق من النيران.

 

أيام عظيمة فاضلة مباركة لا تقدر بثمن ولا يمكن أبدًا أن تعوض إذا فاتت وانتهت.

 

هي أيام وصفها الله -سبحانه وتعالى- بقوله: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، سرعان ما تنتهي، وعما قريب ستمضي، فالرابح فيها من استفاد منها واستغلها وحرص على اغتنامها، والخاسر من فاتته لياليها ومرت عليه ساعاتها دون أن يتزود منها بالتقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]، ثم يقول في آخر الآية: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

 

أيها الصائمون: إننا نعيش في زمن التغيير وعصر التقلبات والتحولات والتغيير، إما أن يكون نحو الأفضل والأحسن وإما أن يكون نحو الأسوأ والأقبح، وإننا نريد أن يكون رمضاننا هذا رمضان التغيير نحو الأجمل والأفضل والأحسن.

 

إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتزكية، وموسم مهم للانطلاقة نحو الإصلاح والتربية، ومن لم يتغير في رمضان فلن يتغير في غيره إلا أن يتغمده الله برحمته، ومن لم يغير في رمضان فمتى يغير؟!

 

إننا بفضل الله ورحمته نقبل في هذا الشهر الفضيل على الخيرات، واغتنام الأوقات والتسابق إلى الطاعات والمحافظة على الصلوات وقراءة الآيات، وغيرها من الأعمال الصالحات التي نفعلها في رمضان.

 

ولكن هل عقدنا النية من الآن على تثبيت هذه الأعمال والاستمرار عليها من رمضان هذا العام حتى رمضان العام القادم إن شاء الله؟! وهل فكرنا في أي أن يكون رمضاننا هذا منطلقاً للثبات والاستمرار؟!

 

إنها دعوة لنا جميعًا أن نجعل من رمضان فرصة لترويض النفوس على ما اعتادت عليه في رمضان وتطبيعها على المحافظة على ما حافظت عليه في رمضان وتعويدها على ما ألفته في رمضان لتألفه في سائر الشهور والأعوام.

 

إني أخاطب نفسي وإياكم بأن نحافظ على الصلاة دائمًا وأبدًا كما نحافظ عليها في رمضان، ومن كان منا لا يصلي إلا في رمضان فليعزم من الآن على المحافظة على الصلاة في غير رمضان.

 

ومن كان يصلي ويترك في غير رمضان -ويستمر على الصلاة في رمضان- أن يجعل رمضان فرصته وزاده للمحافظة على الصلاة والاستمرار عليها بشكل دائم كما قال -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المعارج: 34]، (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج: 23]، (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].

 

رمضان فرصة لمن يصلي ولكنه يصلي في بيته أن يعوّد نفسه من الآن على المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد ويستمر على ذلك، ويحاول أن يجعل رمضان بداية للكف عن الصلاة في البيوت، فإن الله -سبحانه وتعالى- شرع صلاة الجماعة وأمر الرجال بها وحثّ على بناء المساجد لأجلها فقال: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).

 

ورمضان فرصة أيضًا لتعويد النفوس على المحافظة على صلاة الفجر في جماعة، فإننا نرى المساجد بفضل الله تكاد تمتلئ بالمصلين في صلاة الفجر في رمضان.

 

فما أجمل أن يعزم الإنسان من الآن على أن تكون صلاة الفجر في المسجد في رمضان وفي غير رمضان، وليجعلها بداية للمواصلة والاستمرارية على ذلك من رمضانه هذا.

 

ووالله إن من نوى ذلك وأخلص النية لله وعزم على ذلك عزمًا أكيدًا فإن الله -سبحانه وتعالى- سيوفقه لذلك ويتولى أمره ويسهل عليه الالتزام بذلك كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 

ومن أعظم الأمور التي يجب أن نسعى إلى التغيير فيها في هذا الشهر الكريم أن يسعى من ابتلي بالإدمان بشيء من المنهيات كالدخان والشمة والقات وغيرها إلى الانتهاء منها والكف عنها، فرمضان فرصة لتركها والتخلي عنها وإبطالها نهائيًا.

 

فما دام أن الإنسان قد تركها في هذا الوقت الطويل من أذان الفجر حتى أذان المغرب خاصة، وأن رمضان هذا العام يختلف في طول نهاره عن الرمضانات السابقة، ويقول علماء الفلك إن رمضان هذه السنة هو الأطول منذ ثلاثة وثلاثين عامًا؛ فلماذا لا يترك الإنسان هذه الأمور ويقطعها رويدًا رويدًا، ويسعى بكل ما أوتي من جهد إلى الإقلاع عن إدمان هذه الخبائث، ويحاول أن يتباعد عنها ويصرف نفسه إلى ما هو أفضل منها.

 

إنها فرصة عظيمة لمن أراد الكف عن فعل هذه الموبقات والانتهاء عن ممارسة هذه المنهيات وترك هذه الخبائث التي نهى الله عنها وحرمها فقال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فأين من يغتنم الفرص ويقتنصها يا عباد الله؟!

 

لنجعل رمضاننا هذا رمضان التغيير وتحقيق التقوى والسير نحو الأكمل، ولنسع سعيًا حثيثًا للوصول إلى الأفضل؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يقول: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

 

 

الخطبة الثانية:

 

رمضان فرصة للمحافظة على صلاة الوتر التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها أشد المحافظة ولم يتركها -عليه الصلاة والسلام- لا في سفر ولا في حضر ولا في رمضان ولا في غير رمضان.

 

ومادام الواحد منا قد منّ الله عليه بالمحافظة على أدائها والحفاظ عليها في رمضان فليحافظ عليها في رمضان وفي غير رمضان؛ فإنها وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلاث؛ وذكر منها: وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ". ويقول بأبي هو وأمي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ".

 

رمضان -يا عباد الله- فرصة عظيمة لتدبر القرآن وتأمل آياته والوقوف مع معانيه وعرض النفوس عليه، ففي القرآن حل لكل مشاكلنا، وفيه شفاء لكل أدوائنا، وفيه تقويم لكل انحرافاتنا واعوجاجنا: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9].

 

إن القرآن يهدي للتي هي أقوم في كل شيء، فما علينا إلا أن نبحث عن كنوزه ونكتشف أسراره ونغوص في بحره العظيم لنستخرج منه اللآلئ والدرر.

 

فوالله لو وقفنا مع آيات القرآن وقفة صدق، وقفة نريد بها وجه الله، ونهدف منها إلى علاج أنفسنا من همومها وأمراضها، ومعالجة واقعنا من معضلاته ومشكلاته، لوجدنا الحل والمخرج لكل ما نعاني في كتاب الله، ولكن أين من يتأمل ويعتبر؟! وأين من يعرض نفسه على هذا الكتاب العظيم ليعرف حقيقة نفسه وواقعه من خلال الآيات التي يتلوها؟! يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 17]، ويقول: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29].

 

أيها الصائمون: أوصي نفسي وإياكم بكثرة التقرب إلى الله في هذا الشهر الفضيل، وتجديد النية الصالحة فيه، والانكسار بين يديه، ومد أكف الضراعة إليه، والالتجاء لجنابه بالدعاء والتوجه، وذرف الدموع هيبة لعظمته وجلاله، والخشوع والتأثر بآياته وكلامه الذي أنزله في هذا الشهر المبارك: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].

 

يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

 

 

 

 

المرفقات

فرصتنا للتغيير

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات