رمضان شهر الكسب

أ زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية

2025-02-28 - 1446/08/29 2025-02-24 - 1446/08/25
عناصر الخطبة
1/رمضان موسم المحبين والمشتاقين لرب العالمين 2/مظاهر الخيرية في رمضان لا تعد ولا تحصى 3/الحث على اغتنام خير الأوقات بعمل الصالحات 4/التحذير من التفريط في خير الغنائم

اقتباس

رَمَضَانُ أَيَّامُهُ مَعْدُودَاتٌ فَلَا مَجَالَ فِيهِ لِلْغَفْلَةِ، وَسَاعَاتُهُ مُدْبِرَاتٌ فَلَا وَقْتَ فِيهِ لِلنَّوْمِ وَالدَّعَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِلدُّنْيَا وَلَا اسْتِئْنَافَ، وَلَا فُرْصَةَ لِلْعَمَلِ فِيهَا وَلَا طَوَافَ... فَانْجُ بِنَفْسِكَ، وَقَدِّمْ لِمَوْتِكَ، وَكَثِّرْ مِنْ زَادِكَ، وَاسْتَعِدَّ لِمَعَادِكَ؛ فَالْعُمْرُ يَنْقَضِي، وَالْمَوَاسِمُ تَخْتَفِي، وَالشَّوَاغِلُ...

الخطبة الأولى:

 

عِبَادَ اللَّهِ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاسْلُكُوا طَرِيقَ هُدَاهُ وَمَرْضَاتِهِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18]، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَأْتِي رَمَضَانُ فَيَزْدَادُ حَنِينُ الْمُحِبِّينَ لِيُجَدِّدُوا عَلَاقَتَهُمْ بِرَبِّهِمْ، وَشَوْقُ الْمُخْبِتِينَ لِيُعِيدُوا عَهْدَهُمْ بِمَعْبُودِهِمْ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ:

أَقْبَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قُمْ وَاسْتَعِدْ *** لِصَوْمِهِ مَعَ التُّقَى وَالصَّلَاحْ

شَهْرٌ بِهِ الرَّحْمَةُ قَدْ أُنْزِلَتْ *** وَكُلُّ خَيْرٍ لِلتُّقَى فِيهِ لَاحْ

أَحَبُّ لِلَّهِ بِأَنْ تَكُونَ *** تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الصَّبَاحْ

دَعِ الْمَلَاهِي عَنْكَ وَادْعُ بِهِ *** دُعَا النَّهَارِ وَدُعَا الِافْتِتَاحْ

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: رَمَضَانُ خَيْرٌ كُلُّهُ، نَهَارُهُ، لَيَالِيهِ، سَاعَاتُهُ وَثَوَانِيهِ، رَمَضَانُ شَعِيرَةٌ تَفِيضُ بِالشَّعَائِرِ، وَمَحَطَّةٌ غَنِيَّةٌ بِالْفَضَائِلِ؛ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ فِيهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَانْهَضْ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَفْتُرْ، لَا تُفَرِّطْ فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلِهِ دُونَ أَنْ تَغْتَنِمَ فِيهَا خَيْرًا، وَلَا دَقِيقَةً مِنْ نَهَارِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكْسِبَ فِيهَا أَجْرًا.

 

فِي رَمَضَانَ لَا تُحَقِّرْ مَعْرُوفًا، وَلَا تَسْتَكْثِرْ طَاعَةً، وَلَا تَسْتَثْقِلَ قُرْبَةً، بَلْ سَاهِمْ فِي كُلِّ وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَشَارِكْ فِي كُلِّ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَاضْرِبْ فِي كُلِّ مَقَامٍ بِسَهْمٍ، وَادْخُلْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً.

 

رَمَضَانُ عَطَاءٌ وَكَرَمٌ، وَتَزَوُّدٌ وَمَغْنَمٌ؛ فَاسْتَكْثِرْ فِيْهِ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمْ، رَمَضَانُ كُلُّهُ هِبَاتٌ فَتَزَوَّدْ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَاغْتَنِمِ الْنَفَحَاتٌ وَاسْتَغِلَّهُ بِالْقِيَامِ وَطُولِ الْمُنَاجَاةِ، وَالِانْقِطَاعِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.

 

عَبْدَ اللَّهِ: رَمَضَانُ فُرْصَتُكَ لِلتَّكَسُّبِ وَالْعَمَلِ، وَوَسِيلَتُكَ لِلسَّلَامَةِ مِنَ الزَّلَلِ، رَمَضَانُ زِينَةُ الْقُلُوبِ، وَفُرْصَةٌ لِرَبْطِهَا بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ، فِيْهِ تَصْفُوْ الْأَذْهَانُ، وَتَسْتَقِيْمُ الْجَوَارِحُ، وَتَسْلَمُ الْأَرْكَانُ.

 

يَكْفِي فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرٌ تَكْثُرُ فِيهِ الْعَطَايَا، وَتُقَالُ فِيهِ الْعَثَرَاتُ وَالرَّزَايَا، يَكْفِي فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ -يَوْمَ الْقِيَامَةِ- الشَّفِيعُ لِأَصْحَابِهِ، عَظِيمُ الْهِبَاتِ لِأَحْبَابِهِ، كَرِيمٌ لِرُوَّادِهِ.

 

مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: يُقْبِلُ الْعِبَادُ إِلَى رَمَضَانَ وَأَجْسَامُهُمْ بِالْأَوْزَارِ مُثْقَلَةٌ، وَأَرْوَاحُهُمْ بِالْهُمُومِ مُتْعَبَةٌ، وَنُفُوسُهُمْ بِشَقَائِهَا مُنْهَكَةٌ، فَفِيهِ تُطْرَحُ الْأَوْزَارُ، وَتُفْرَجُ الْهُمُومُ، وَتَطِيبُ النُّفُوسُ، وَتُجْبَرُ الْخَوَاطِرُ.

 

فِي رَمَضَانَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجِنَانِ؛ فَانْتَهِزْ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَتَزَوَّدْ مِنَ الْقُرُبَاتِ، فِي رَمَضَانَ تُغْلَقُ أَبْوَابُ النِّيرَانِ لِتُقْلِعَ عَنِ الذُّنُوبِ وَتَهْجُرَ الزَّلَّاتِ، فِي رَمَضَانَ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَتُغَادِرُ سَاحَتَكَ، وَلَيْسَ لَكَ مِنْ عَدُوٍّ سِوَى نَفْسِكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ، تُؤَدِّي مُهِمَّةَ إِبْلِيسَ وَتُمَارِسُ دَوْرَهُ؛ فَتَقُودُكَ لِمَهَاوِي الرَّدَى وَتُقْعِدُكَ عَنْ مَوَارِدِ الصَّفَاءِ، وَرَمَضَانُ فُرْصَتُكَ أَنْ تَأْخُذَ بِخِطَامِهَا لِكُلِّ مَيَادِينِ التَّنَافُسِ؛ فَتَضْمَنَ اللَّحَاقَ، وَتُجَنِّبَهَا عَثْرَةَ السِّبَاقِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تُجَّارُ الْآخِرَةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي اسْتِغْلَالِ رَمَضَانَ، وَسَطَّرُوا أَنْصَعَ الصُّوَرِ فِي اجْتِهَادِهِمْ فِيهِ، وَرَمَوْا فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ خَيْرِهِ سُهُومًا وَلَيْسَ سَهْمًا؛ فَلَا تَسَلْ عَنْ عَدَدِ مَا كَانُوا يُصَلُّونَ مِنَ النَّوَافِلِ بِلَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَلَا تَسَلْ عَنْ مَا كَانُوا يَقْرَؤُوْنَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَخَتْمِهِ، وَلَا عَمَّا كَانُوا يُحْصُونَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَشُكْرِهِ، وَهَكَذَا فِي الصَّدَقَاتِ.. وَغَيْرِهَا.

 

وَفِي الْمُقَابِلِ انْظُرْ إِلَى تُجَّارِ الدُّنْيَا؛ كَيْفَ يَسْتَغِلُّونَ الْمَوَاسِمَ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَتَقْوِيَةِ الدَّخْلِ؛ مِنْ خِلَالِ وَفْرَةِ السِّلَعِ وَحُسْنِ الْعَرْضِ وَقُوَّةِ التَّسْوِيقِ وَالتَّرْوِيجِ لَهَا! وَلِأَجْلِهَا كَمْ مِنَ الْجُهُودِ بَذَلُوهَا! وَكَمْ مِنَ الْأَوْقَاتِ صَرَفُوهَا!

 

أَلَسْنَا -يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَوْلَى بِالِاجْتِهَادِ مِنْهُمْ فِي شَهْرِ الرَّحَمَاتِ وَالنَّفَحَاتِ، وَمَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ! أَلَيْسَتِ التِّجَارَةُ مَعَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَوْلَى بِجِدِّنَا وَحِرْصِنَا! فَهِيَ التِّجَارَةُ الَّتِي لَا تَبُورُ سِلَعُهَا، وَلَا يُبْخَسُ ثَمَنُهَا، وَلَا يُهْضَمُ أَصْحَابُهَا!

 

أَسْأَلُكَ بِرَبِكَ كَيْفَ طَابَتْ نُفُوسُهُمْ أَنْ يَعِيشُوا سِبَاقًا عَلَى الدُّنْيَا وَتَنَافُسًا عَلَى مُتَعِهَا، بَيْنَمَا هُمْ عَنْ نَفَحَاتِ رَمَضَانَ غَافِلُونَ!

 

قُلْ لِي بِاللَّهِ كَيْفَ يَهْنَؤُونَ بِسَعَادَةٍ وَهُمْ يُمْضُونَ السَّاعَاتِ وُقُوفًا عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقَاتِ وَالْأَرْصِفَةِ، أَوِ انْتِظَارًا عِنْدَ مَحَلَّاتِ الْبَيْعِ وَمَحَطَّاتِ التَّنَقُّلِ، أَوْ مُتَنَزِّهِينَ فِي الْحَدَائِقِ وَالْمَلَاْهِي!

 

كَيْفَ يَجِدُ الرَّاحَةَ مَنْ يَقْضِي سَّاعَاتِهِ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ عَاكِفِاً، أَوْ عَلَى الْفُرُشِ الْوَثِيرَةِ نَاْئِمَاً! بَيْنَمَا الْغَانِمُونَ إِلَى الْخَيْرَاتِ يُسَارِعُونَ، وَبَيْنَ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ يَتَنَقَّلُونَ، وَبِلَذَائِذِ الْقُرُبَاتِ يَتَمَتَّعُونَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: رَمَضَانُ أَيَّامُهُ مَعْدُودَاتٌ فَلَا مَجَالَ فِيهِ لِلْغَفْلَةِ، وَسَاعَاتُهُ مُدْبِرَاتٌ فَلَا وَقْتَ فِيهِ لِلنَّوْمِ وَالدَّعَةِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِلدُّنْيَا وَلَا اسْتِئْنَافَ، وَلَا فُرْصَةَ لِلْعَمَلِ فِيهَا وَلَا طَوَافَ.

 

فَانْجُ بِنَفْسِكَ، وَقَدِّمْ لِمَوْتِكَ، وَكَثِّرْ مِنْ زَادِكَ، وَاسْتَعِدَّ لِمَعَادِكَ؛ فَالْعُمْرُ يَنْقَضِي، وَالْمَوَاسِمُ تَخْتَفِي، وَالشَّوَاغِلُ كَثِيرَةٌ، وَالصَّوَارِفُ مُلْهِيَةٌ، وَالْحَيَاةُ مُدْبِرَةٌ، وَالْآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ.

 

قُلْتُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ؛ فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ، وَبَعْدُ:

 

أَيُّهَا الصَّائِمُ الْمُبَارَكُ: رَمَضَانُ نِعْمَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيْكَ، أَعْطَاكَ كُلَّهُ فَأَعْطِهِ كُلَّكَ، أَقْبَلَ عَلَيْكَ فَأَقْبِلْ عَلَيْهِ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُ، مَنَحَكَ اللَّهُ فِيهِ الصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ وَالْوَقْتَ وَالْفَرَاغَ وَالرِّزْقَ وَالْمَالَ وَالْخَيْرَ وَالنِّعَمَ؛ فَهَلْ مِنْ شُكْرٍ وَامْتِنَانٍ يَتَوَافَقُ مَعَ هَذَا الْإِحْسَانِ؟!

 

وَهَلْ مِنْ شُكْرِهَا شَرْعًا وَعَقْلًا أَنْ تَقْضِيَ سَاعَاتِ نَهَارِهِ نَوْمًا وَاسْتِرْخَاءً؟ أَوْ تُمْضِيَ سَاعَاتِ لَيْلِهِ أَكْلًا وَشُرْبًا وَمُسَامَرَةً وَلَهْوًا مَعَ الْغَافِلِينَ وَالْغَوَغَاءِ؟ أَوْ صَرْفُ أَوْقَاتِهِ فِي مُتَابَعَةِ الْمُسَلْسَلَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْبَرَامِجِ عَلَى الْهَوَاءِ؟!

 

يَا مَحْرُومُ: أَلَا تَسْمَعُ أُذُنَاكَ أَصْوَاتَ الْمَآذِنِ وَهِيَ تَصْدَحُ بِالْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَرَنُّمَ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي صَلَوَاتِهِمْ؟!

 

أَلَا تَرَى جُمُوعَ الصَّائِمِينَ وَهُمْ يُلَبُّونَ الْمُنَادِيَ مِنْ كُلِّ حَيٍّ وَيُجِيبُونَ الْحَادِيَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ؟!

 

أَلَا تَرَى الصَّائِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ وَهُمْ بَيْنَ تَالٍ وَمُصَلٍّ وَذَاكِرٍ وَمُسْتَغْفِرٍ وَقَائِمٍ وَسَاجِدٍ؟!

 

أَلَا تَرَى صُفُوفَ الْمُصَلِّينَ وَهُمْ خَلْفَ إِمَامِهِمْ يُرَتِّلُ آيَاتِ الرَّحْمَنِ، فَالْقُلُوبُ وَاجِفَةٌ، وَالْعُيُونُ دَامِعَةٌ؟!

 

كَيْفَ غَفَلْتَ عَنْ هَذِهِ النَّفَحَاتِ الْإِيمَانِيَّةِ! وَكَيْفَ رَكِنْتَ إِلَى الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ! وَزَهِدْتَ عَنْ سِلْعَةِ اللَّهِ الْغَالِيَةِ!

 

عِبَادَ اللَّهِ: كَيْفَ يَصُومُ مَنْ لَا يُصَلِّي! وَكَيْفَ يَكُونُ صَائِمًا مَنْ يَنَامُ كُلَّ نَهَارِهِ؟! أَوْ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ مَقَاصِدَ الصِّيَامِ وَحِكَمَهُ!

 

كَيْفَ يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ! (وَهُوَ كُلُّ قَوْلٍ بَاطِلٍ)؛ مِنَ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ... وَغَيْرِهَا؟!

 

كَيْفَ يَصُومُ مَنْ يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا وَالْغِشِّ وَالْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ؟! كَيْفَ يَصُومُ مَنْ يُمَارِسُ الْكَذِبَ وَيَمْتَهِنُ الْخِيَانَةَ، وَيَنْقُضُ الْعَهْدَ، وَيُمَارِسُ التَّقِيَّةَ؟!

 

كَيْفَ يَصُومُ مَنْ أَدْمَنَ سَمَاعَ الْأَغَانِي وَتَحَرَّشَ بِالْغَوَانِي؟! كَيْفَ يَصُومُ مَنْ أَدَامَ النَّظَرَ إِلَى الْحَرَامِ، مِنْ مَقَاطِعَ مُخْزِيَةٍ، وَصُوَرٍ خَلِيعَةٍ، وَحَرَكَاتٍ طَائِشَةٍ؟!

 

كَيْفَ يَصُومُ مَنْ مَنَعَ النَّاسَ حَقَّهُمْ وَأَكَلَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ مَاطَلَهُمْ فِيهَا؟! كَيْفَ يَصُومُ مَنْ تَسَلَّطَ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَتَهَكَّمَ عَلَى الْغُرَبَاءِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَسَخِرَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغَلَّهُمْ فِي بَيْتِهِ وَشَرِكَتِهِ وَسُلْطَتِهِ وَهَضَمَهُمْ حُقُوقَهُمْ؟!

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَمْ يَصُمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلَمْ يَصُمْ مَنْ يَنَامُ نَهَارَهُ، لَمْ يَصُمْ مَنْ قَامَ لَيْلَهُ عَاكِفًا عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ -تَعَالَى- وَنَهَاهُ، لَمْ يَصُمْ مَنْ لَمْ يُمْسِكْ لِسَانَهُ عَنْ قَوْلِ الزُّورِ وَالْعَمَلِ بِهِ، لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ الصَّوْمِ مَنْ لَمْ يَصُنْ جَوَارِحَهُ عَنِ الْحَرَامِ، لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ رَمَضَانَ مَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ، لَمْ يَفُزْ فِي رَمَضَانَ مَنْ لَمْ يَبْذُلِ الْإِحْسَانَ، وَلَمْ يَتَفَقَّدْ بِصَدَقَتِهِ وَعَطَائِهِ الْجِيرَانَ وَالْإِخْوَانَ، لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ رَمَضَانَ مَنْ فَرَّطَ فِي الْقِيَامِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ.

 

فِي رَمَضَانَ شَيَاطِينُ صُفِّدَتْ، وَمَرَدَّةٌ قُيِّدَتْ؛ فَمَا عُذْرُكَ فِي وَاجِبَاتٍ تَرَكْتَهَا؟! وَمَا مُسَوِّغُكَ فِي مُنْكَرَاتٍ اقْتَرَفْتَهَا! أَلَيْسَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ قَوْلُنَا: إِنَّ عَدُوَّكَ هِيَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ! فَهِيَ مَنْ تَأْمُرُكَ بِالسُّوءِ وَتَدُلُّكَ عَلَيْهِ!

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: مَنْ لَمْ يُخْبِتْ قَلْبُهُ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى؟! وَمَنْ لَمْ تَسْتَقِمْ جَوَارِحُهُ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى؟! وَمَنْ لَمْ يُهَذِّبْ سُلُوكَهُ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى؟!

 

مَعَاشِرَ الصَّائِمِينَ: عُشَّاقُ الْآخِرَةِ فِي رَمَضَانَ شَمَّرُوا، وَالرَّاغِبُونَ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِمْ تَزَوَّدُوا، وَالسَّابِقُونَ مَا تَرَكُوا خَيْرًا إِلَّا سَارَعُوا إِلَيْهِ، وَلَا مَنْهَلًا عَذْبًا إِلَّا اغْتَرَفُوا مِنْهُ، فَمَا نَصِيبُ الْغَافِلِينَ؟! وَمَا حَظُّ الزَّاهِدِينَ؟!

 

رَمَضَانُ ذِكْرٌ وَذِكْرَى، وَصَفَاءٌ وَبُشْرَى؛ فَكَمْ فِيهِ مِنْ مُدَّكِرٍ! وَكَمْ فِيهِ مِنْ غَافِلٍ وَخَاسِرٍ! وَنَصِيْحَتِيْ أَنَ تُغَادِرَ سَاحَاتِ الْغَوْغَاءِ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَتَهْجُرَ مَجَالِسَ اللَّعِبِ وَالضَّوْضَاءِ، وَقُلْ: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: رَمَضَانُ ضَيْفٌ وَالنَّاسُ فِيهِ بَيْنَ غَانِمٍ وَغَارِمٍ؛ فَمَنْ أَكْرَمَهُ وَحَافَظَ عَلَيْهِ وَصَانَهُ، وَأَحْسَنَ ضِيَافَتَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَتَوْدِيعَهُ غَنِمَ، وَقَلِيلٌ هُمْ أُولَئِكَ، وَمَنْ أَسَاءَ اسْتِقْبَالَهُ وَلَمْ يُحْسِنْ ضِيَافَتَهُ وَوَدَاعَهُ، أَوْ لَمْ يَرْعَ حَقَّهُ وَلَا صَانَ حُرْمَتَهُ غَرِمَ، وَكَمْ هُمُ الْغَارِمُونَ النَّادِمُونَ!

 

عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا.

 

اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحِلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

 

اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَكُنْ لَهُمْ وَلِيًّا وَنَصِيرًا.

المرفقات

رمضان شهر الكسب.doc

رمضان شهر الكسب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات