رسالة إلى طبيب

ناصر بن محمد الأحمد

2012-07-22 - 1433/09/03
عناصر الخطبة
1/ عِظَم دور الطب في المجتمع 2/ نصائح وتوجيهات للأطباء 3/ تحذيرات للأطباء 4/ ضرورة توفير عيادات نسائية متخصصة.

اقتباس

أيها الطبيب المسلم إن رسالتك عالمية، وأن عملك عظيم، ولو صاحب هذا إخلاص النية، فما أعظم أجرك، عند ربك.. كم من إنسان كان يعاني من الآلام والأوجاع سنين عديدة، ثم كتب الله شفاءه على يد طبيب، فعاش بقية حياته في سعادة وهناء، مع أولاده وأهله، وكم من إنسان أوشك على الهلاك، فكتب الله نجاته على يد طبيب، فرد الله الأمن والاستقرار إلى تلك العائلة، لو احتسب الطبيب كل هذه الأعمال، وأخلص فيها لمولاه، كم...

 

 

 

 

إن الحمد لله...

أما بعد: هناك عدد من الرسائل، أود أن أرسلها وأوجهها إلى فئات مختلفة في المجتمع الذي نعيش فيه، وسوف تكون هذه الرسائل بعد توفيق الله عز وجل، أيضاً في سلسلة لكنها متفرقة، نرسل رسالة بين آونة وأخرى، رسالة إلى مدرس، ورسالة إلى أب، ورسالة إلى موظف، وأخرى نرسلها إلى صحفي، ورسالة إلى رياضي، وهكذا في كل رسالة، نختار شريحة من المجتمع، ثم نوجه له هذه الكلمات، ورسالتنا في هذه الخطبة، نوجهها إلى طبيب.

أيها المسلمون: الطب علم من العلوم، ذات المنهج والموضوع والتطبيق، وإنه من خلال الطب، يُتعرف منه على أحوال بدن الإنسان، وذلك لحفظ صحة السليم، واسترجاعها للمريض بإذن الله تعالى.

لقد اهتم الإسلام بالإنسان في كل جوانب حياته: قلباً ونفساً وجسداً وأسرة ومجتمعاً، ويكفي الإسلام فخراً أن يحافظ على صحة الأنساب، فهو يرعى الإنسان قبل أن يكون حملاً في بطن أمه ثم إذا صار جنيناً؛ حيث يوجب رعايته، ورعاية أمه، والإنفاق عليها، ثم بعد مولده، رضيعاً وصبياً وشاباً وشيخاً ثم احترامه ميتاً.

وليس الإنسان الصحيح في الإسلام، هو السليم بدنياً فحسب، بل يُضاف إلى هذا، سلامة العقيدة، وسلامة الجوانب النفسية والعقلية والاجتماعية، وكل ما يُصلح الإنسان في الدنيا والآخرة.

بعد هذه المقدمة: نقول لك أيها الطبيب المسلم أولاً اتق الله تعالى، وراقب الله عز وجل في هذه الأمانة العظيمة، فإن عملك عظيم، ووظيفتك نبيلة وشريفة، وهي تحتاج إلى تقوى وإخلاص وصدق، لأن أجساد الناس وأرواحهم، ليست مجالاً للتجارب والاستكشاف، وإن الناس قد ائتمنوك على أرواحهم وأجسادهم، فكن عند موضع الثقة، وراقب الله عز وجل فيما تفعل وفيما تصف.

كم سمعنا بأناس ماتوا، وآخرين فقدوا بعض جوارحهم وحواسهم، والبعض أُصيب بعاهات استمرت معه طوال حياته، بسبب إهمال طبيب، وتهور آخر، صحيح أن الأعمار بيد الله عز وجل، وأن كل شيء يقع بقضاء الله وقدره، لكن لكل شيء سبب، فاحرص أخي الطبيب، ألا تكون سبباً في موت مسلم، أو في تشويه خِلقة مسلم.

أما إذا كان الطبيب متعمداً، وهو قاصد لإجراء عملية، والمرض لا يستدعي عملية، لكن وجدها الطبيب فرصة مناسبة، لزيادة خبرته، أو إضافة أبحاث في ملفه، فهذا لنا معه حديث آخر.

وقد سمعنا وسمع غيرنا، خصوصاً في حالات الوضع عند النساء، أن بعض المستشفيات، يخيفون المرأة، أو زوجها، بصعوبة الولادة، وخطورته على المولود، وأنه لا بد من عملية قيصرية، وكلها ادعاءات لا أساس لها من الصحة، ولكنها من أجل المال والمادة، لو كانت مستشفيات خاصة، أو تجارب وتمارين عملية ليتدرب الأطباء بها، أو لأمور أخرى.

فنقول بأن مهنة الطب، مهنة تحتاج إلى أمانة كبيرة، وفي نفس الوقت مراقبة شديدة، فإذا لم يوجد جهة مختصة في وزارة الصحة، تضبط هذه العملية، وتراقب وتفتش مراقبة شديدة دقيقة، على المستشفيات وعلى الأطباء، وتتخذ قرارات ومواقف صارمة، من تجده يعبث بهذه المهنة، ويتلاعب بأرواح الناس، فإن العواقب ستكون سيئة. ومع الأسف أن أجهزة الرقابة تحتاج إلى رقابة في كثير من بلاد المسلمين والله المستعان.

ثم نقول لك أيها الطبيب المسلم: ثانياً: عليك بشيء من الفقة، فإن الطبيب المسلم والذي يعالج مسلمين، يحتاج إلى الفقه الشرعي، في بعض الحالات التي يعالج بها الناس، كأن يشير الطبيب بالتيمم بدل الوضوء إذا كان استعمال الماء يضر المريض.

أو يشير بالمسح على الجبيرة، أو بالصلاة قاعداً، أو إسقاط وجوب الجماعة عليه.أو إباحة الفطر في رمضان، أو الفدية لمن لا يرجى شفاؤه، وقد يحكم الطبيب بأن هذا المرض أو ذاك هو مرض الموت، حيث يترتب عليه الهبة، والإقرار والطلاق.. إلى غير ذلك من المسائل.. فلو كان الطبيب المسلم هو بنفسه يجهل هذه الأشياء، ولا يفقه هذه المسائل، فسيضطر المريض أن يجتهد هو بنفسه، فلا يكفي الطبيب، ولا نريد ذلك الطبيب الذي فقط، حبة في الصباح وحبة عند اللزوم، لكن نريد مع تشخيص المرض، ومع وصف العلاج، أن يراعي الأمور التعبدية الشرعية، التي أمر الله بها، وماذا يفعل فيها المسلم، وماذا يدع وماذا يؤخر، بحيث لا يترك المسلم شيء وهو قادر على فعله ولا يضر فعله لكن اجتهد هو من عند نفسه وتركه.. أو العكس.

ثالثاً: نقول لك أيها الطبيب المسلم: إياك إياك أن تصف علاجاً محرماً. فإن العلاج بالمحرمات مرفوض شرعاً، وفي الحديث الذي رواه أبو داود في سننه: "لا تداووا بالمحرم"، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في صحيحه: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث. رواه مسلم في صحيحه.

فلا يمكن أن يكون الشيء محرماً ثم يكون فيه شفاء الناس من أسقامهم وأمراضهم؛ لأن الأشياء المحرمة، ربما تستلذها بعض النفوس، ثم لماّ تشفى من مرضها تميل إلى ذلك المحرم.

يقول العلامة شمس الدين ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه الطب النبوي: "إن في إباحة التداوي به - أي بالأشياء الخبيثة - ولاسيما إذا كانت النفوس تميل إليه، ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لاسيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، مزيل لأسقامها، جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضاً وتعارضاً " انتهى كلامه رحمه الله.

رابعاً: أيها الطبيب المسلم: عليك بالرفق بالناس، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، والرفق بالمرضى هو الأساس النفسي لكل علاج. والحق أن الغلظة تنافي هذه الصناعة الكريمة.

فبعض الأطباء هداهم الله، فيهم غلظة وشدة في تعاملهم مع المرضى، وهذا خطأ، لأنه يجعل حاجزاً يمنع المريض من تقبل توجيهات طبيبه.. وقد اهتم الإسلام بالجانب النفسي للمريض، فعلى الطبيب المسلم أن يراعي تطييب خاطر مريضه بالكلام الحسن، الذي يقوي طبيعته، فيسأله عن شكواه، وكيف يجده، ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، ويدعو له ويختار بعض الأدعية النبوية في ذلك "لا بأس عليك، طهور إن شاء الله".

فإن تفريج نفس المريض، وتطييب قلبه، وإدخال ما يسره عليه، له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها. فنأمل ونتمنى من أطبائنا أن يدركوا مثل هذا الكلام.

أقول قولي هذا..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد: اعلم أيها الطبيب المسلم أن رسالتك عالمية، وأن عملك عظيم، ولو صاحب هذا إخلاص النية، فما أعظم أجرك، عند ربك.

كم من إنسان كان يعاني من الآلام والأوجاع سنين عديدة، ثم كتب الله شفاءه على يد طبيب، فعاش بقية حياته في سعادة وهناء، مع أولاده وأهله، وكم من إنسان أوشك على الهلاك، فكتب الله نجاته على يد طبيب، فرد الله الأمن والاستقرار إلى تلك العائلة، لو احتسب الطبيب كل هذه الأعمال، وأخلص فيها لمولاه، كم يكون أجره عند الله عز وجل.

ومع هذا، لا يمنع من الاستمرار في توجيه النصائح والتنبيهات ، فنقول: خامساً: عليك أيها الطبيب المسلم أن تحفظ عيب المريض، وأن تكون كتوماً لأسراره، لأن المريض قد يفشي سراً هاماً لطبيبه، بينما هو قد كتمه عن أخص الناس وأقربهم إليه، مثل أبيه وأمه وربما زوجه.

فلا يصلح منك أيها الطبيب، إذا جلست مع زملائك ورفاقك، أن تنقل أسرار المرضى، التي ائتمنوك عليها، فإنها تعد خيانة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا ائتمن خان".

سادساً: أيها الطبيب المسلم قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30] عليك بغض الطرف، وغض البصر، عند علاج النساء، بحيث لا تتجاوز العلة، لا تتعدى الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وكذلك النظر إلى عورات الرجال، لا تتساهل بهذه القضية، إلا بما يحتم عليك ضرورة، ضرورة العلاج.

وما يقال على النظر، ينسحب أيضاً على لمس الأبدان، إخلاصاً لله تعالى وخشية منه، فإن راعى الطبيب ذلك، كبر في أعين الناس، وتقرب منه العامة والخاصة.

وهذه في الحقيقة أيها الإخوة، من كبرى مشكلات علاج الناس، تأتي لكثير من التخصصات، فتُجاب بعدم وجود أخصائية، والطبيب رجل، فيقع المسلم في حيرة من أمره، ويقع بين نارين، أحلاهما مر، لا يُعالج، وتبقى هذه المسكينة تعاني الآلام والأوجاع، وتصبر محتسبة لله لأنها لا تريد أن تتكشف أمام الرجال.

أم أنه يعرض محارمه، وعرضه للرجال الأجانب، لضرورة العلاج وكم من الناس، تركوا العلاج، وتحملوا آلام الأمراض، بسبب هذه القضية. فالسؤال المطروح الآن: لماذا توجد أصلاً هذه المشكلة، ولماذا لا يوفر نساء أخصائيات في كل مجال، فهل تنقصنا المادة، أو ينقصنا الإمكانيات، فبحمد الله، كل شيء موجود ومتوفر.

نسمع في دول الكفر والإلحاد، الدول التي لا تفرق في هذه القضية، وحياتهم العامة والخاصة، حياة بهيمية، والاختلاط، وكشف العورات من الأمور الطبيعية عندهم ومع ذلك، فهناك، مستشفيات بالكامل كلها نساء، ولا يعالج إلا نساء، بل سمعنا عن بعض الدول، تخصص فنادق للنساء فقط، ونحن في بلاد المسلمين، الذي الحشمة والستر دين عندنا، ليس عزماً ولا عادة، بل دين ندين لله عز وجل به حتى الآن، مستشفياتنا تشكو إلى الله عز وجل، اختلاط بين الجنسين، وقضايا يندى لها الجبين.

إلى الآن، لم نتمكن من حل هذه المشكلة إلى الآن، لم نستطع أن نوفر مستشفيات كلها نسائية.. أنا متأكد، لو وجدت العزيمة الجادة، لتحقق ذلك.

أليس العلمانيون، ينادون، صباح مساء، يريدون تغريب البلاد، وأن تحذو حذو أوربا وأمريكا، فها هي دول الكفر، قد حققت هذا الأمر، فلماذا لا نستوردها من عندهم، كما نستورد التفسخ والانحلال.

فنقول بأن هذا من كبرى مشكلات المستشفيات عندنا، وتحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن الناس هنا مسلمون ولهم عادات وتقاليد، فلماذا تفرض علينا المستشفيات على طريقة الغرب، ما المانع أن أستفيد منهم طبياً وأبقى محافظاً على ديني.

نسأل الله عز وجل أن يفرج هموم المسلمين.. اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا.

 

 

 

 

المرفقات

إلى طبيب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات