رسالة إلى الطلاب والمعلمين والمسئولين

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ بداية عام دراسي جديد 2/ فضل العلم وشرف أهله 3/ مقاصد العالم والمتعلم في نشر العلم وطلبه 4/ متى تؤتي عملية التربية والتعليم أُكلها؟ 5/ مسؤولية المدير والمدرس والإداريين والمشرفين في تربية الشباب 6/ دور أجهزة الإعلام المختلفة في نجاح عملية التعليم 7/ معوقات نجاح عملية التربية والتعليم 8/ دور الأسرة في إخفاق أو نجاح الأبناء

اقتباس

ها هو العام الدراسي فتح أبوابه، وها هي أفواج الطلاب والطالبات ستتوجه صباح الغد إلى محاضن التربية والتعليم؛ لينهلوا منها علمًا نافعًا وسلوكًا راشدًا، ويحسن بهذه المناسبة التي تتكرر كل عام التذكيرُ بجملة أمور؛ لعلها تسهم في ترشيد العملية التربوية والتعليمية، ولعلها تسهم في تحقيق النتائج المرجوة من تعليم أبنائنا وبناتنا.

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وراقبوه سبحانه في جميع ما تأتون وتذرون؛ تفلحوا في دنياكم وأخراكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].

أيها الإخوة المسلمون: ها هو العام الدراسي فتح أبوابه، وها هي أفواج الطلاب والطالبات ستتوجه صباح الغد إلى محاضن التربية والتعليم؛ لينهلوا منها علمًا نافعًا وسلوكًا راشدًا، ويحسن بهذه المناسبة التي تتكرر كل عام التذكيرُ بجملة أمور؛ لعلها تسهم في ترشيد العملية التربوية والتعليمية، ولعلها تسهم في تحقيق النتائج المرجوة من تعليم أبنائنا وبناتنا.

أما الحقيقة الأولى: فهي أن الله -عز وجل- شرَّف العلمَ، وحثَّ على طلبه وتحصيله في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وأحاديث صحيحة عن النبي المصطفى الأمين -صلى الله عليه وسلم-.

لقد جعل الله -عز وجل- العلمَ وطلبَه معيارًا للتفاوت بين الناس، يقول الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، ويقول -عز وجل- في آية أخرى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

وأخبر نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بعلو مكانة المتعلمين، وعظيم الأجر والثواب الذي ينتظرهم، يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له كل من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في البحر، وحتى النملة في جحرها".

لكن هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل المعد لطالب العلم لا يحصله إلا إذا صح مقصده وخلصت نيته وتجردت لله -عز وجل- سريرته وطويته.

ولهذا كان من الواجب على كل طالب وعلى كل ولي أمر أن يغرس في نفوس أبنائه وبناته القصدَ الحسن من التعلم، فينبههم إلى أن المقصد من طلب العلم هو أولاً: امتثال أمر الله -عز وجل-، وامتثال أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإنقاذ النفس من الجهل ومن ظلماته، وتبصيرها بنور العلم، ومعرفة أحكام الدين حتى يعبد الإنسانُ ربَّه على بصيرة وهدى، وخدمة الدين والشريعة بنشرها بين الناس، وحملها إلى الآخرين، وخدمة الأمة والمجتمع، وسد حاجات الأمة وتوفير متطلباتها؛ حتى تستغني عن أعدائها.

إن كثيرًا من الناس يخطئ خطأً فاحشًا حين يجعل القصد من التعلم مجرد الحصول على المادة ونيل الوظيفة، فيغرس في نفوس أبنائه منذ الصغر هذا المعنى ولا شيء غيره، فينشأ الابن ولا همَّ له من تعلمه سوى الوصول إلى الوظيفة، ومن ثَم يُحرم بركة العلم وتفوته ثماره الطيبة.

صحيح -أيها الإخوة في الله- أن العلم والتعليم اليوم صار وسيلة إلى المكاسب، ولكن لا ينبغي بحال من الأحوال أن تكون نيةُ الإنسان من تعلمه هذا المقصدَ، وخاصة إذا كان يتعلم العلم الشرعي.

ثم إن الإنسان ببركة صلاح نيته، وباستحضاره للمقاصد الحسنة من تعلمه، يبارك الله -عز وجل- له في تعلمه وتحصيله، وينال ثمرة تعلمه في دنياه وأخراه.

فاحرصوا -أيها الآباء-، احرصوا -أيها المعلمون- على إيضاح هذا الأمر لأبنائكم وبناتكم، احرصوا على أن يكون قصدهم من تعلمهم وجهَ الله ونيلَ ثواب الله -عز وجل-، وخدمة الدين، وخدمة الشريعة، وخدمة الأمة والمجتمع.

وأما الحقيقة الثانية التي يجب إدراكها فهي أن عملية التعليم ينبغي أن يصحبها عمل تربوي جاد؛ إذ ليس المقصود من التعلم مجرد حشو المادة العلمية في أذهان الطلاب فقط، بل ينبغي أن يصحب ذلك دائمًا وأبدًا الحرص على تربية نفوس الطلاب، وتهذيب طباعهم، ولا خير في علم لا يصحبه حُسن خُلق.

وهذه الحقيقة حقيقة مهمة نلحظ أثر غيابها في واقع أبنائنا وبناتنا الطلاب؛ حيث التعارض الكبير بين ما يتعلمونه في مدارسهم وفي مناهجهم من حثٍّ ودعوة إلى الأخلاق الفاضلة وبين ما هم عليه من ضد ذلك في كثير من الأحيان، إلا من رحم الله.

وأما الحقيقة الثالثة: فهي أن عملية التربية والتعليم لن تؤتي أُكلها، ولن تنتج نتائجها إلا بتضافر ثلاثة عناصر لا بد من توافرها وتكاتفها وتضافرها معًا: المدرسة، ووسائل الإعلام والأسرة.

أما العنصر الأول وهو المدرسة: فإن عليها جهدًا عظيمًا في إنجاح عملية التربية والتعليم، فالطالب يتلقى من المدرسة الشيء الكثير، في المدرسة تُصنع شخصيته، وفي المدرسة يكتسب مهارات وينمي مواهب وقدرات، وكل شخص في المدرسة مسؤول مسؤولية مباشرة عن نجاح عملية التربية والتعليم، بدءًا من المدير فهو قائد المدرسة، ومرورًا بالمدرسين، وانتهاءً بالمراقبين والإداريين والمشرفين.

المدير هو قطب الرحى، وهو ربان السفينة؛ إذ بجده وحزمه ونظامه واهتمامه وإخلاص نيته يتحقق النفع على يديه، هو مسؤول عن متابعة المدرسين متابعة جادة؛ لتنبيه المقصِّر، وتذكير الغافل، وحث المتثاقل، وإنذار المتلاعب، وتذكيرهم دائمًا وأبدًا بمسؤوليتهم، وأنهم مؤتمنون على هذه النفوس التي بين أيديهم.

كما أن المدير مسؤول مسؤولية مباشرة في تطبيق اللوائح والأنظمة تطبيقًا حسنًا مرنًا يحقق النفع للجميع، ولن يتحقق ذلك كله إلا إذا كان المدير قدوة صالحة ونموذجًا حيًّا للاهتمام والجد والمتابعة وتطبيق النظام.

يجد فيه المدرسون القدوة الصالحة والمثال المحتذى في أخلاقه وتعامله وغيرته، وحماسته لمهمته ومسؤوليته، ولكن بعض الناس وللأسف الشديد صارت عنده هذه المهمة مهمة تشريف، فتراه قابعًا في غرفته لا يدري ماذا يدور حوله، ولا يجتهد في إنجاح مهمته، فيشع الكسل ويبث عدم المبالاة في صفوف الإداريين والمدرسين، لكن هذا النوع بحمد الله -عز وجل- قلة نادرة، والأمل كبير في تحسنها أو تغييرها.

وأما المدرسون فمسؤوليتهم مع الطلاب مسؤولية مباشرة، الطلاب أمامهم أغصان رطبة، يتحكمون في تعديلها كيف شاؤوا، إن الطالب يتلقى من مدرسه أحيانًا أكثر مما يتلقى من أبيه وأسرته، بل إن كثيرًا من الطلاب يحرص على محاكاة مدرسه وتقليده، وهنا تعظم المسؤولية، وتصبح مهمة المدرسة مهمة خطيرة جدًّا، فإن كان قدوةً حسنة لطلابه بالتزامه بآداب الإسلام، وأخلاقه، في مظهره وملبسه وكلامه، وسلوكه وحسن تربيته، وحسن تعليمه، انعكس ذلك إيجابًا على الطلاب، وإن كان غير ذلك فلا تسأل عن الانحراف الذي قد يصيب بعض الطلاب بسبب القدوة السيئة لمدرسهم.

إن على المدرس أن يعلم أنه مُطالَب بأداء مهمته أداءً تامًّا دون خلل أو تقصير، فهو أولاً مسؤول أمام الله -عز وجل- بأنه مؤتمن على أبناء المسلمين، مؤتمن أمانة عظيمة على أبناء المسلمين الذين سُلِّمُوا إليه من أجل تربيتهم وإفادتهم وتعليمهم، وبذل كافة ما يستطيع من جهد من أجل إيصال المعلومة لهم، وسيحاسبه الله -عز وجل- عن هذه الأمانة، وسيكون الحساب عسيرًا إن هو خان فيها.

والمدرس مسؤول ثانيًا مسؤولية دنيوية؛ لأنه يتقاضى على مهمته أجرًا، فإن قام بمهمته قيامًا كاملاً، وبذل ما يستطيع من جهد من أجل تحقيق الأهداف المرجوة كانت مهنته مكسبًا طيبًا حلالاً يبارك الله -عز وجل- فيه.

وإن خان الأمانة وضيّع المسؤولية فسيكون مكسبه الذي يتقاضاه من مهمته مكسبًا خبيثًا سحتًا حرامًا يكون له أسوأ الأثر على نفسه وأهله وأولاده الذين يطعمهم من هذا الكسب الخبيث.

فعلى الأخ المدرس أن يتقي الله -عز وجل- في أمانته ومسؤوليته، فيحرص على أن يكون قدوة صالحة لأبنائه الطلاب؛ لا يرون منه إلا المظهر الحسن والكلام الطيب، والتعامل المثمر، عليه أن يجتهد في إعداد درسه إعدادًا جيدًا، ويبذل قصارى جهده في إيصال العلم إلى الطلاب، وتفهيمهم، وتبسيط المعلومات وتسهيلها لهم، متبعًا في ذلك شتى الوسائل ومختلف الوسائل التربوية.

كما أن على المدرس أن يجتهد دائمًا في ربط الطلاب بدينهم وعقيدتهم، ويبث في نفوسهم حب الله -عز وجل-، وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب هذا الدين، ويُعلي من شأن الدين في نفوسهم، ويبين لهم محاسن الدين وشمائله وفضائله، ويغرس في أذهانهم تكريم الله لهم بأن جعلهم مسلمين، فعليهم أن يعتزوا بدينهم ويعتزوا بإسلامهم؛ لأننا نشاهد في هذه الأزمنة التي تشهد غربة للإسلام، نشهد انحراف كثير من أبناء المسلمين عن الدين حتى وصل الحال ببعضهم -وهم قلة بحمد الله- إلى الإلحاد والكفر بالدين، وتغيير الدين -عياذًا بالله- إما إلى وثنية أو إلى نصرانية. نسأل الله السلامة والعافية.

ومن هنا تعظم مسؤولية المعلمين والمربين في مدارسهم؛ فإن الأبناء ولاسيما في سني دراستهم وتعليمهم الأولى بأمسّ الحاجة إلى غرس هذه المعاني في قلوبهم، وتذكيرهم بفضائل الإسلام وشمائله ومحاسنه، وبيان عظيم نعمة الله -عز وجل- عليهم بأن جعلهم مسلمين.

ثم المشرفون في المدرسة والمراقبون عليهم مسؤولية أخرى في متابعة الطلاب، ورصد حركاتهم وتصرفاتهم، وملاحظة الجو العام للمدرسة، ومقاومة كل عادة كريهة تظهر في صفوف الطلاب، والتحذير من كل مظهر أو ملبس أو كلام أو عادة أو تصرف يتنافى مع مبادئ الإسلام وأخلاقه، ويجتهد المشرف في معرفة الطلاب معرفة قوية، فيحث المقصر ويتصل بأهله ويشجّع النشيط، ويثني عليه، وإذا تكاتفت هذه العناصر الثلاثة في المدرسة فمن المؤمل أن تؤتي المدرسة ثمارها المرجوة بإذن الله -عز وجل-.

ثم هناك أمر مهم وهو على الجهات المعنية بتعيين المدرسين وتوظيفهم، لا شك أن مهمة التعليم ومهمة التدريس من أجلّ الوظائف، ومن أشرف المهن، ومن أخطرها في ذات الوقت، ولهذا فإن من الواجب أن يُكرَّم المعلمون تكريمًا ماديًا ومعنويًا حتى يشعروا بالراحة والاطمئنان، ويقوموا بدورهم على أحسن وجه وأكمله وأتمه.

وفي الوقت ذاته على الجهات التي تُعنَى بتعيين المعلمين وتوظيفهم أن تجتهد في اختيار المعلمين الأكفاء، لاسيما في هذه الأوقات التي كثُر فيها الراغبون في التعليم والباحثون عن مهنة التعليم، فعليهم أن يتقوا الله في اختيار العناصر الجيدة والعناصر الحسنة.

لا ينبغي أن تكون مهمة التعليم ووظيفة التعليم مهنة من لا مهنة له، فيُزَجّ بكل شخص ليعلم أبناءنا أو بكل امرأة لتُعلم بناتنا، وإن كانوا غير مناسبين لهذه المهمة العظيمة.

على القائمين على التعليم أن يراقبوا، وأن يتابعوا، وأن يقيّموا مستوى المعلمين والمعلمات وحسن أدائهم، ويستغنَى عن كل مَن لا يصلح لهذه المهمة العظيمة، هذه المهمة الجليلة الخطيرة.

أسأل الله -عز وجل- أن يوفق القائمين على شؤون المدارس في مختلف المراحل لما فيه خير الطلاب ومصلحتهم في دنياهم وآخرهم، وأن يبارك في جهودهم، وأن يرزقهم الإخلاص والسداد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحب ربنا ويرضى، وأشكره سبحانه على نِعَمه العظيمة، وقد تأذن بالزيادة لمن شكرها، وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمين: إن مما يساعد على نجاح عملية التعليم: أجهزة الإعلام المختلفة، وذلك من وجوه: منها ما يُعرض في وسائل الإعلام، وبخاصة التلفاز والقنوات الفضائية، فإن لها أعظم الأثر في إنجاح عملية التعليم أو إفشالهم، فإن كان المعروض مفيدًا مثمرًا أسهم في تحقيق أهداف التعليم، وإن كان غير ذلك، فستحصل الازدواجية بين المدرسة والإعلام، وسيعيش الطالب حياةً متناقضة بين ما يقرؤه ويسمعه في المدرسة، وبين ما يراه على شاشات التليفزيون والقنوات الفضائية.

وما بُلي الناس اليوم ببلية أشد خطرًا من هذه الأجهزة التي تهدم كل ما يبنى في المدارس والمساجد ودور التعليم، وصدق القائل:

متى يبلغ البنيان يومًا تمامه *** إذا كنت تبني وغيرك يهدم

ولهذا فإن مسؤولية القائمين على هذه الأجهزة مسؤولية عظيمة، ولن يكونوا في مأمن من عذاب الله وعقابه إن هم خانوا الأمانة وضيعوا المسؤولية؛ فنشروا في هذه الأجهزة والقنوات كل ما يشيع الفتنة ويبثها في صفوف المجتمع المسلم، والله -عز وجل- يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 21].

ومما يعيق نجاح عملية التربية والتعليم: هذه الفوضوية في التعامل مع هذه أجهزة الإعلام وأجهزة الاتصال الحديثة، فهناك فوضوية مقيتة يعيشها أبناؤنا وبناتنا في التعامل مع هذه الأجهزة؛ حيث الساعات الطويلة غير المقننة يجلسونها عكوفًا على أجهزة القنوات وأجهزة التلفاز، أو عكوفًا على أجهزة الاتصال الحديثة والإنترنت دون رقيب أو حسيب من الأسر.

إن على الأسرة أن تقنن الأوقات التي ينبغي أن يجلسها الأبناء والبنات أمام هذه الشاشات والقنوات وأمام أجهزة الاتصال الحديث، لا بد من تقنين ولا بد من محاسبة.

قد لا يكون بمقدور الآباء والأمهات والأسر في هذا الزمن منع أبنائها وبناتها من هذه الأجهزة، قد يكون من المتعذر أو من العسير أن يمنعوهم منعًا تامًا، ولكن ينبغي أن يحسنوا أولاً اختيار القنوات الهادفة التي تسهم في تربية أبنائهم وبناتهم، وتعينهم أيضًا في تربية أبنائهم وأسرهم.

ويوجد -بحمد الله عز وجل- في زمننا هذا مجموعة كبيرة من القنوات الهادفة التي تساعدك -أيها الأب- في تربية أبنائك، فلا تبخل على أبنائك بهذا التوجيه الذي يعينك في أداء مهمتك وتحقيق رسالتك، ثم قنّن ورتّب الأوقات التي من خلالها يجلس أبناؤك في مشاهدة هذه القنوات، أو في متابعة أجهزة الاتصال الحديثة.

أما أن يكون الوقت مفتوحًا في الليل والنهار وفي كافة أيام الأسبوع، وفي كافة الأزمنة والأوقات، فلا شك أن هذا خلل بالمسؤولية وخلل بالأمانة وتضييع لها، وستجد الثمار السيئة لهذه الفوضوية في تعامل أبنائك وبناتك مع هذه الأجهزة.

ولهذا فإن العنصر الثالث الذي يسهم في إنجاح عملية التربية والتعليم: الأسرة التي هي المحضن الأول والمعقل الذي يؤوب إليه الطالب بعد عناء يوم دراسي كامل، فإن وجد في الأسرة ما يشجعه على العلم ويحثه عليه، نشط في دراسته ومضى قدمًا فيها، وأما إن وجد إعراضًا من الأب أو الأم، فلن يتحمس لدراسته ولن ينشط لها.

إن كثيرًا من الآباء يعجز حتى عن كلمة تشجيعية يعطيها لابنه، بل وصل الحد لبعض الآباء أنه لا يعرف في أيّ سنة دراسية يدرس ابنه، وهل رسب أم نجح!!

إن مهمة الأب مهمة متابعة لابنه، يزور المدرسة ما بين فترة وأخرى؛ سائلاً على ابنه ومشجعًا للمدرس على إفادته وتوجيهه، وشاكرًا للإدارة حرصها على الطلاب.. وهكذا تكون الحلقة موصولة بين المدرسة والبيت، ويسدّ كل منهما نقص الآخر.

وأمر مهم ينبغي عدم إغفاله وهو متابعة الأبناء والبنات بعد خروجهم من المدرسة، فيسأل عن واجباتهم، ويأمرهم بمذاكرة دروسهم، ويشعرهم بقربه منهم وملاحظته لهم، كما أن على الأسرة أن تعوّد أبناءها وبناتها على النوم مبكرًا حتى يأخذ الطالب راحته وكفايته من النوم ليتوجه إلى المدرسة بهمة وحيوية.

وإن مما يسهم في حفظ أوقات الطلاب من الضياع، ويكون له أعظم الأثر في تكوين شخصية الطالب العلمية: ربط الطلاب بحِلَق القرآن الكريم في المساجد؛ لأن القرآن مصدر كل هدى ونور، وسبب كل خير وبركة.

فاجتهد -أيها الأب- في تشجيع أبنائك وبناتك على اغتنام هذه الحلق في المساجد والدور النسائية، وتابعهم واسأل عن حضورهم.

أسأل الله -عز وجل- لي ولكم ولجميع المسلمين صلاح الأولاد والذرية: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان: 74].

هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك...
 

 

 

 

المرفقات

إلى الطلاب والمعلمين والمسئولين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات