رسائل مؤازرة لأهل غزة وعتاب للعالم الإسلامي

الشيخ إياد العباسي

2024-02-16 - 1445/08/06 2024-02-18 - 1445/08/08
عناصر الخطبة
1/مواساة ومؤازرة لأهل غزة الصامدين 2/عظة وعبرة من قصة عبد صابر على البلاء 3/عظم جزاء أهل البلاء الصابرين المحتسبين 4/كلمة موجهة إلى العالم الإسلامي شعوبا ومسؤولين وعلماء

اقتباس

فيَا أَهْلَنا في غزة هاشم: ألا يواسيكم ويخفف عنكم أنَّه أصبح اليوم يقال: أهل غزة على أخلاق السلف الصالح؟ السلف الصالح كما سمعتم كانوا يحمدون الله على كل بلاء وكل حال، وأهل غزة يحمدون الله -تعالى- على كل حال وكل بلاء، فأهل غزة والسلف الصالح على خُلُق واحد...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وَسِعَ كل شيء علمًا، والصلاة والسلام على طب القلوب ودوائها، محمد بن عبد الله، الذي وقف عقلاء العالم فشهدوا له قائلين: "إن محمدًا عظيم في دينه، عظيم في صفاته وأخلاقه، وإن عالمنا اليوم ليحتاج إلى محمد نبي المسلمين".

 

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ الذي قال: (وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[التَّحْرِيمِ: 2].

 

فيَا أَهْلَنا في غزة هاشم: الله مولاكم، الله حسيبكم، وحسبكم أنكم ما سجدتُم يومًا إلا بين يدي الله -تعالى-، وأشهد أن سيدنا وعظيمنا، وقائدنا ومعلمنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، أفضل خلق الله أجمعين، سيدي يا نبي الله، يا أبا القاسم؛

المصلحون أصابعٌ جمعت يدًا *** هي أنتَ بل أنتَ اليدُ البيضاءُ

 

صلى عليك الله يا علم الْهُدَى ما صَحِبَ الدُّجى حادٍ وما حنَّت بالفلا وَجْنَاءُ

 

أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون، أيها الصامدون الثابتون ثبات الجبال الشامخات: خطبة الجمعة هذا اليوم من هذا البيت المقدَّس، الذي لا حق لأحد في الوجود فيه إلا للمسلمين، وللمسلمين وحدهم، خطبة الجمعة هذا اليوم من هذا البيت المُقدَّس الذي يقتحمه مَنْ يقتحمه، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينفوا عنه صفة (إسلاميّ)؛ لأن هذه الصفة من أين جاءت؟ من فوق سبع سماوات.

 

خطبة الجمعة -يا عباد الله- هذا اليوم من هذا البيت المُقدَّس الذي تحاذيه بلدة سلوان، سلوان التي يُهدَم اليومَ ظلمًا بيوتُ بستانها.

 

خطبة الجمعة هذا اليوم من هذا البيت المُقدَّس الذي بجانبه سوق قديم اسمه سوق الجمعة، تعمل ما تسمى بلجنة حماية الطبيعة على وضع اليد عليه ظلمًا وعدوانًا، مع أن ملكيته معلومة لعائلات سلوانية مقدسية.

 

أيها المؤمنون: خطبة الجمعة اليوم عنوانها: "واقعنا الذي يبكي ويؤلم"، في ضوء قصتين اثنتين.

 

أما القصة الأولى: قال علي بن الحسن: "كان في بلاد الأناضول من بلاد المسلمين عبد من عباد الله الصالحين، وكان قد ذهب نصف جسده، وذهبت عيناه -أي أنَّه قد جمع البلاء من كل جوانبه، جسد قد ذهب أغلبه، وعينان عمياوان- وكان ملقى في بيته، قال: فدخل عليه ذات يوم داخل فقال له: يا أبا محمد -وهي كنيته-: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ملك الدنيا"، هذا هو الإيمان، ماذا يفعل بالقلوب؟ "أصبحت ملك الدنيا، منقطع إلى الله -تعالى-، كل عملي عبادة الله -تعالى-، ليس لي عند الله حاجة إلا طلب واحد؛ إلا أن يتغمدني الله فأموت على الإسلام"، اللهُمَّ متى كتبت علينا الوفاة فتوفنا مسلمين مؤمنين.

 

فيَا أَهْلَنا في غزة هاشم: ألا يواسيكم ويخفف عنكم أنَّه أصبح اليوم يقال: أهل غزة على أخلاق السلف الصالح؟ السلف الصالح كما سمعتم كانوا يحمدون الله على كل بلاء وكل حال، وأهل غزة يحمدون الله -تعالى- على كل حال وكل بلاء، فأهل غزة والسلف الصالح على خُلُق واحد.

 

ويَا أَهْلَنا في غزة هاشم: ألَا يُخفِّف عنكم، وأنا أخاطب الأطفال، والنساء والشيوخ والمسعفين والإعلاميين ومن هُدمت بيوتُهم، مَنْ مُحِيَتْ من السجل المدني عائلاتهم، ألا يواسيكم أن الله -تعالى- بإذنه قد أعد لكم الجنة؟! اسمعوا يا أهل غزة، يا أهل البلاء ماذا أعد الله لكم، في بعض كتب أهل العلم أن الله -تعالى- أوحى إلى يحيى فقال: "يا يحيى، وعزتي وجلالي -ملك الملوك يقسم بعزته وجلاله- لو اطلعت على نعيم الجنة اطلاعة واحدة لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقًا، يا يحيى، وعزتي وجلالي لو اطلعتَ على عذابي في جهنمَ اطلاعةً واحدةً لذاب جسمُكَ، ولبكيتَ الصديدَ بعد الدموع، وللبستَ حديدًا بعد المسوح".

 

اللهُمَّ املأ جهنم بالظالمين، املأ جهنم بالمعتدين، املأ جهنم بالمتخاذلين، املأ جهنم بالمتواطئين، املأ جهنم بأعدائك أعداء هذا الدين.

 

أيها المؤمنون: وقصة ثانية من خلالها أُوَجِّه كلمةً إلى العالَم الإسلاميّ، إلى شعوب العالَم الإسلاميّ الذي نحبه ولا نقصد إهانته، ولا نقصد الإساءة إليه، ولكنَّها ملامة دافعها المحبة، وقد قالوا: إذا ذهب العتاب فلا وداد، ويبقى الود ما بقي العتاب، لا نسيء للعالم الإسلامي لأنَّنا نحبه، ولكن هذا حاتم الطائي عنوان الجود والسخاء نزل به ضيف فتعمد حاتم أن يجيعه، وأن يعطشه، وما علف دابته، فنام الضيف أسوأ ليلة، فلما كان من الغد ودع الضيف حاتمًا وانطلق، فقام حاتم وأخفى وجهه ولحقه، فلما لحقه قال له حاتم: من أين أتيت؟ قال: من عند حاتم الطائي؟ قال: وكيف كان المبيت عنده؟ قال: كان المبيت عنده أحسن مبيت؛ أطعمني وسقاني وعلف دابتي، فكشف حاتم عن وجهه وقال: والله لا تعود إلى قبيلتك حتى أقوم بما قلت، ثم عاد به حاتم فأطعمه وسقاه وعلف دابته، ثم سأله حاتم: يا هذا، ما الذي حملك على ما قلت؟ قلتُ: أطعمني وما أطعمتك، قلتُ: سقاني، وما سقيتك، قلتُ: علف دابتي، وما علفتها، فما الذي حملك على ما قلت؟ اسمعوا إخواني، هذا هو موطن الشاهد، وهنا موطن الاستدلال، فقال: يا حاتم، إنك بين الناس عنوان الجود والعطاء والسخاء، ولو قلت لهم: بخيل، ما أطعمني ولا سقاني، لكذبوني وأهانوني، وما صدقوني، فعدلت يا حاتم عن قولك إلى قولي؛ حِفاظًا على هيبتي لا هيبتي، قيمتي لا قيمتك، مكانتي لا مكانتك، ومن هنا أقول للعالم الإسلامي: يا أيها العالَم الإسلاميّ، هلا في أيام المحنة والشدة تجاوزتم وتجنبتم الأفعال المخزية والمواقف المخزية، يا أيها العالَم الإسلاميّ إني سائلك فهل من مجيب: أليس من المؤلم، من المحزن، من المبكي أنَّه في الوقت الذي تبكي فيه غزة هاشم وفلسطين المسلمة وجدنا منكم -وهذا الكلام ليس من عندي، كما بثته وسائل الإعلام- من يستقبل مغنيات تافهات استقبال الأبطال الفاتحين الماجدين.

 

ويا أيها العالَم الإسلاميّ: أليس من المحزن والمبكي أنَّه في الوقت الذي هناك في غزة هاشم مَنْ أَكَلُوا علفَ الحيوانات جُوعًا وهناك في غزة هاشم من إذا وجد كيس طحين بكى؛ لأنَّه منذ مئة يوم ماذا طعم الخبز، وأنتم تدفعون الملايين للتافهين، للمغنيين، للساقطين، لمن لا قيمة لهم.

 

ويا أيها العالَم الإسلامي: أليس من المحزن والمبكي أنَّه في الوقت الذي تبكي فيه فلسطين يحتفل الملايين منكم بعيد الحب، عيد الفاحشة، عيد قِلَّة الحياء.

 

ويا أيها العالَم الإسلاميّ: أليس من المحزن والمبكي أنَّه في الوقت الذي تبكي فيه غزة هاشم وجدنا منكم -وهذا الكلام ليس من عندي- بثت وسائل الإعلام من كل همه ومبلغ علمه أن يصلح بين مغنيتين تافهتين وكأن الصلح بينهما مصلحة عظمى لأمة الإسلام والمسلمين.

 

ويا أيها العالَم الإسلاميّ: أليس من المؤلم، من المبكي، من المحزن أنَّه في الوقت الذي يبكي فيه المسجد الأقصى وتبكي فيه أمة الإسلام في فلسطين بحثنا عنكم فإذا بأغلبكم في الملاعب والمقاهي والملاهي والنوادي والفنادق والشواطئ والمطاعم.

 

يا أُمَّةَ الإسلامِ: والله إن الكلام ليس من اللسان، أتكلم والله موجوعًا من قلبي، لا من لساني.

يا أُمَّةَ الإسلامِ: لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

 

أيها المؤمنون: أختِم خطبتي الأولى أسأل الله -جل وعلا- أن يعيد لهذه الأمة عزتها، ومكانتها، وهيبتها.

 

فيا أمة الإسلام، يا أمة الإيمان: ما قلنا هذا الكلام إلا حِفاظًا على هيبتكم قبل هيبتنا، ومكانتكم قبل مكانتنا، وقيمتكم قبل قيمتنا، واسمكم في العالم قبل اسمنا.

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا محمد بن عبد الله وبعدُ:

 

أيها الإخوة الأحباب: الإمام أبو حنيفة النعمان، الذي قال عنه الشافعي: "الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة"، ذات يوم الإمام أبو حنيفة يمشي، ومعه أبو يوسف محمد بن الحسن، تلميذه، وإذا بصبي يلعب في الطين، وهذا الصبي أعطاه الله نباهة وحكمة، وأعطاه فطنة، ويلعب في الطين، فقال له الإمام أبو حنيفة وقد أشفق عليه: "يا فتى، إياك والسقوط في الطين"، فالتفت الفتى إلى الإمام أبي حنيفة وقال كلمة صعقت الإمام أبا حنيفة، قال: "بل أنتَ يا إمام إياك والسقوط؛ فإن سقوط العالِم سقوط العالَم"، ومن هناك أقول لعلماء العالَم الإسلاميّ، ونحبهم ولا نهينهم، بل هم شامة وجلدة ما بين العين والأنف.

 

يا علماء العالَم الإسلاميّ: هل ما زلتُم تبحثون في أحكام الحيض والنفاس؟ هل ما زلتم تبحثون في أحكام الأضحية والعقيقة؟ هل لا زلتم تبحثون في أحكام الحوالة والكفالة؟ هل لا زلتم تبحثون في أحكام الزواج والطلاق؟

 

يا علماء العالَم الإسلاميّ: ولا أعمم، ولكن للأسف الشديد الأمة في وادٍ، وأنتم في وادٍ، هموم الأمة في واد، وأنتم في واد، أين أنتم من النووي؟ أين أنتم من جلال الدين السيوطي؟ أين أنتم من الفضيل بن عياض؟ أين أنتم من شيخ الإسلام ابن تيمية؟!

 

أختم خطبة الجمعة بهذا اليمين فاسمعوني: والذي بعث محمدًا بالحق لو وضع كل علماء الأمة اليوم في كفة، ووضع شيخ الإسلام ابن تيمية في كفة لوزن بهم، ولعدل بهم؛ أتعلمون لماذا؟ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية حمل الأمة على كتفيه، حمل الإسلام على كتفيه، وأغلب علماء المسلمين اليوم الإسلام يحملهم، ولا يحملون الإسلام.

 

اللهُمَّ إني داعٍ فأمِّنوا: اللهمَّ يا حي يا قيوم، يا عظيم يا حليم، يا من يقول للشيء كن فيكون، اللهُمَّ إن أجسادنا قد تعبت، وإن نفوسنا قد تعبت، وقد حملت هم الإسلام.

 

اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، اللهُمَّ أعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهمَّ كن مع أهلنا في غزة هاشم، اللهُمَّ حفف عنهم، فقد نزل بهم من البلاء ما لا تطيقه الجبال، اللهُمَّ يمِّمْ كتابَنا، هون حسابنا، ثقل بالصالحات موازين أعمالنا، اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.

 

وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ، أقمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

رسائل مؤازرة لأهل غزة وعتاب للعالم الإسلامي.pdf

رسائل مؤازرة لأهل غزة وعتاب للعالم الإسلامي.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات