اقتباس
وعَليهِ؛ فقد أجمَعَ أئِمَّةُ الإسْلامِ ـ قديمًا وحديثًا ـ على تحريم كَشْفِ المرأةِ لوجَهْها في جَميْعِ الحَالاتِ المَذكُورَةِ آنِفًا وغَيْرِهَا، وقد نَقَلَ الإجمَاعَ على هَذا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلماءِ، كابنِ المُنذِرِ، وابنِ عبدِ البرِّ، والجُويني، والنَّووي، وابنِ بطَّالٍ، والعَيْني، والهِنْدَاوي، وابنِ الوَزيرِ، وابنِ رُشدٍ، وابنِ قُدامةَ، وأبي الحَسنِ بنِ القَطَّانِ، وأبي العَبَّاسِ الرَّملي، وابنِ تَيميَّةَ، وابنِ القَيَّمِ، وابنِ المُلقِّنِ، وابنِ مُفْلحٍ، وابنِ حَجَرٍ العَسْقلاني، وابنِ الوَزيرِ اليَماني، والصَّنْعاني، والشَّوكاني، وغَيْرِهم كَثِير لا يُحصَوْنَ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبْدِهِ ورَسُولِهِ الأمِيْنِ.
وبَعدُ؛ فقَد كَثُرَ السُّؤالُ هَذِهِ الأيَّامَ حَوْلَ مَسألَةِ «كَشْفِ وَجْهِ المَرأةِ»، مَا بَيْنَ مُحِقٍّ ومُبْطِلٍ، ومَا كُنْتُ أظُنُّ أنَّ أحَدًا مِنَ المُسْلمِينَ سَوْفَ يُبِيْحُ فَضلًا أنْ يُجِيزَ للمَرْأةِ المُسْلمَةِ بأنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا، لاسِيَّما في هَذِهِ الأيَّامِ التي كَثُرَ فيها الخَبَثُ وظَهَرَ الفَسَادُ ونَجَمَ النِّفَاقُ!
فسُبْحَانَ اللهِ القَائِلِ: (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ومَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الألْبَابِ) (البقرة: 269)، والقَائِلِ: «أفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأهُ حَسَنًا فَإنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» (فاطر: 8)، لِذَا قَالَ تَعَالى: (أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُم كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم: 35ـ 36)، فعِنْدَهَا يتَحَقَّقُ للجَمِيْعِ أنَّ الحِكْمَةَ رَحَمَاتٌ يُنَزِّلُها اللهُ على مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ!
لأجْلِ هَذَا فقَد أحْبَبْتُ أنْ أذْكُرَ طَرفًا مِنْ أُصُولِ هَذِهِ المسألَةِ بشَيءٍ مِنَ الاخْتِصَارِ، لاسِيَّما فِيْمَا يتعَلَّقُ بدَلالاتِهَا وأحْوالِهَا العَامَّةِ مِمَّا فِيه مَقْنَعٌ وكِفَايَةٌ لمَنْ ألْقَى السَّمْعَ وهو شَهِيْدٌ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ رِسَالَةٍ مُخْتَصرةٍ تتَضَمَّنُ في جُمْلَتِها: «عَرْضُ الحَالِ وعِرْضُ الرِّجَالِ»!
وأمَّا مَنْ أرَادَ بَسْطَ الدَّلائِلِ والمَسَائِلِ المُتَعلِّقةِ بمَسألَةِ «كَشْفِ وَجْهِ المَرْأةِ»، فإنِّي أُوْصِيْهِ بكِتَابِ «حِرَاسَةِ الفَضِيْلةِ» لشَيْخِنا بِكْرٍ أبو زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ، وكِتَابِ «الاسْتِيعَابِ فِيْما قِيْلَ في الحِجَابِ» للشَّيْخِ فرِيحٍ البَهْلال، وكِتَابِ «عَوْدَةِ الحِجَابِ» للشَّيخِ إسْماعِيلَ المُقَدَّمِ، وبغَيْرِهَا مِنَ الكُتُبِ النَّافعَةِ القَاطِعَةِ بحُرْمَةِ كَشْفِ وَجْهِ المَرْأةِ، فَدُوْنَكَهَا أخِي المُسْلِم؛ فَإنَّها زَادُكَ لاسِيَّما في هَذِه الأيَّامِ الَّتي كَثُرَتْ فِيْهَا قَالاتُ أدْعِيَاءِ السُّفُورِ، واللهُ المُوفِّقُ والهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
قُلْتُ: لا شَكَّ أنَّ الرجلَ المسلمَ إذا رَضِيَ لزوجتِهِ أو إحْدَى مَحَارِمِهِ بأنْ تَظْهرَ للرِّجالِ الأجانبِ سَافرةَ الوَجهِ، وقَد تَزيَّنت بالمسَاحِيْقِ ونَحوِها ممَّا يُثِيرُ الفِتنةَ: فإنَّه فاسِقٌ دَيُّوثٌ، ورَجُلُ سُوءٍ!
لِذَا؛ فإنَّه يَجِبُ على عُمُومِ المُسْلمِينَ الإنكارُ عليه قَولًا وفِعلًا، كَما يَجبُ على وُلاةِ الأمرِ أن يُعزِّرُوه ضَربًا أو حَبسًا؛ حتى يَتُوبَ من سُوءِ فِعلِهِ، وانْتِكَاسَةِ فِطرَتِه ... فإن عَادَ لرجُولتِه وسَلامةِ فِطْرتِه؛ وإلَّا وَجبَ على الحاكمِ ألا يُمكِّنَه مِن زَوجَتِه حقًّا خاصًّا لها، وحقًّا عامًّا لعُمومِ نِسَاءِ المُؤمِنِينَ، لكَونِه أعْرَضَ عن وَاحدةٍ مِنَ الضَّرُوراتِ الخَمْسِ التي أجمعت الرُّسُلُ على حِفْظِها، وهُو حِفْظُ العِرْض.
وقَدْ بَاتَ عِنْدَ عَامَّةِ المُسْلمِينَ: أنَّ مَنْ لا حَيَاءَ له، ولا غَيْرَةَ: فلا دِيْنَ له.
قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في «الدَّاءِ الدَّواءِ»: «أصْلُ الدِّينِ: الغَيْرَةُ، ومَنْ لا غَيْرَةَ لَه: لا دِيْنَ له؛ فالغَيْرَةُ تَحْمِي القَلْبَ، فتَحْمِي لَه الجَوارِحَ، فتَدْفَعُ السُّوءَ والفَوَاحِشَ.
وعَدَمُ الغَيْرَةِ: تُمِيتُ القَلْبَ، فتَمُوْتُ الجوارِحُ، فَلا يَبْقَى عِنْدَها دَفْعٌ البَتَّة، ومَثَلُ الغَيْرَةِ في القَلْبِ مَثَلُ القُوَّةِ التي تَدفَعُ المَرَضَ وتُقَاوِمُهُ، فَإذا ذَهَبتِ القُوَّةُ وَجَدَ الدَّاءُ المَحَلَّ قَابلًا، ولم يَجِدْ دَافِعًا، فتَمَكَّنَ، فَكَانَ الهَلاكُ!»، وقَالَ أيضًا: «فمَنْ لا حَياءَ فيه؛ فهو مَيِّتٌ في الدُّنيَا، شَقِيٌّ في الآخِرَةِ، وبَيْنَ الذُّنُوْبِ وبينَ قِلَّةِ الحَيَاءِ وعَدَمِ الغَيْرَةِ تَلازُمٌ مِنَ الطَّرفَينِ، وكُلٌّ مِنْهُما يَسْتَدعِي الآخَرَ ويَطْلُبُه حَثِيْثًا، ومَنِ اسْتَحَى مِنَ اللهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِه اسْتَحَى اللهُ مِن عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ لم يَسْتَحِ من اللهِ تَعَالى مِن مَعْصِيتِهِ لم يَسْتَحِ اللهُ مِنْ عُقُوبَتهِ» انتهى.
قُلْتُ: وبِهَذا نَطَقَتِ السُّنةُ النَّبويةُ، وهُوَ مَا قَالَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «فإنَّ الحيَاءَ مِنَ الإيْمانِ»، وقَولُه: «الحَيَاءُ لا يَأتي إلَّا بخَيْرٍ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِما.
وقَولُه: «إذا لم تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ» البُخَاري، وقَالَ أيْضًا : «إنَّ لكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسْلامِ الحَيَاءُ» أخْرجَهُ مَالِكٌ.
* * *
فَإنْ سَألتَ أخِي المُسْلِمُ عَنِ شَرِّ الرَّجُلينِ؛ فَهُو ذَلِكُمُ الجَاهِلُ الذي نَصَّبَه شَيْطَانُ الرَّذِيلةِ، وقَدَّمَه عُبَّادُ الشَّهوَةِ بأنْ يَقُوْمَ مُدَافِعًا عَنْ رَذِيْلَةِ الفُجُورِ، باسْمِ: الرَّاجحِ والمرْجُوحِ، واحْتَرامِ الرَّأي الآخَرِ، ومَا عَلِمَ هَذا العَائرُ المُسْتَعارُ أنه من خِلالِ زُخرُفِهِ للأقْوَالِ قد فَتَح بابًا للرَّذِيلةِ، وأوْصَدَ بابًا للفَضِيلةِ، يَوْمَ وَقَفَ بجَهْلهِ عند بَادِئ الرَّأي فِيْما يَتَعلَّقُ بظَاهِرِ مَسألَةِ «كَشْفِ وَجْهِ المرأةِ» دُونَ أنْ يُفرِّقَ بين صِنْفَينِ مِنَ النِّسَاءِ:
الصِّنفُ الأوَّلُ: كَشْفُ المرأةِ الشابَّةِ، أو الجميلةِ، أو المتكلِّفةِ لحُسْنِ وَجهِها ولو بالمَسَاحِيقِ، أو مِمَّنْ لا تَقِفُ عِنْدَ كَشْفِ وَجْهِها بَل قَدْ تَتَجرَّأ على كَشْفِ شَعْرِهَا ونَحْرِها ورُبَّما زَادَت على ذَلِكَ، أو مَنْ تَعِيْشُ في زَمَنِ فِتْنةٍ، أي: بَيْنَ أُنَاسٍ قد تَظَاهرَ غَالِبُهُم بالفِسْقِ، بحَيْثُ لا تَأمنُ فِيْهِ المرأةُ عند كَشْفِها للوَجْهِ مِنْ إيذَاءٍ أو تَحرُّشٍ قَولًا أو فِعْلًا.
وعَليهِ؛ فقد أجمَعَ أئِمَّةُ الإسْلامِ ـ قديمًا وحديثًا ـ على تحريم كَشْفِ المرأةِ لوجَهْها في جَميْعِ الحَالاتِ المَذكُورَةِ آنِفًا وغَيْرِهَا، وقد نَقَلَ الإجمَاعَ على هَذا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلماءِ، كابنِ المُنذِرِ، وابنِ عبدِ البرِّ، والجُويني، والنَّووي، وابنِ بطَّالٍ، والعَيْني، والهِنْدَاوي، وابنِ الوَزيرِ، وابنِ رُشدٍ، وابنِ قُدامةَ، وأبي الحَسنِ بنِ القَطَّانِ، وأبي العَبَّاسِ الرَّملي، وابنِ تَيميَّةَ، وابنِ القَيَّمِ، وابنِ المُلقِّنِ، وابنِ مُفْلحٍ، وابنِ حَجَرٍ العَسْقلاني، وابنِ الوَزيرِ اليَماني، والصَّنْعاني، والشَّوكاني، وغَيْرِهم كَثِير لا يُحصَوْنَ.
كَمَا أنَّنا لا نَعلمُ أحدًا أبَاحَ للمَرأةِ أنْ تَكْشفَ وَجهَهَا عِندَ وُجُودِ وَاحدٍ مِنَ الأحْوالِ المَذكُورَةِ إلَّا أذنابُ الاسْتِعمارِ، وعُبَّادُ الشَّهوةِ، وشَرذَمةٌ مِنَ المُنتَسِبينَ للعِلْمِ كَذِبًا وزُوْرًا ممَّن يَلْهثُونَ رَكضًا وَرَاءَ الشُّهْرةِ والظُّهُورِ!
قَالَ أبو العبَّاس الرَّملي الشَّافعي الصَّغيرُ «نِهَايَة المُحْتَاج»: «وكَشْفُ الوَجْهِ مَعَ خَوْفِ الفِتْنَةِ حَرَامٌ بالإجْمَاعِ، كَمَا قَالَهُ الإمَامُ ـ يعني: إمام الحرمين ـ»
والصِّنفُ الثاني: مَنْ كُنَّ خِلافَ ذَلك مِنَ الصِّفاتِ والاعتباراتِ، ككَشْفِ المرأةِ الكبيرةِ، أو غَيرِ الجَميلةِ، أو غَيرِهِ ممَّا جَاءَ ذِكرُهُ آنفًا.
فمَن لم يُفرِّقْ بين هَذَينِ الصِّنفَينِ مِنَ نِسَاءِ المُؤمِنِينَ لاسِيَّما في هَذِهِ الأيَّامِ التي كَثُرَ فِيهَا الخَبَثُ، وظَهَر فِيْهَا الفَسَادُ: فهو غاشٌّ للهِ ولرسُولهِ ولعَامَّةِ المُسلِمِينَ، فإنْ رَجَع ـ والحَالَةُ هَذِهِ ـ عَنْ غِشِّهِ وضَلالهِ، وإلَّا فهو تَيْسٌ مُسْتَعارٌ مُحلِّلٌ للسُّفُورِ والفُجُورِ، وعَلَيهِ لَعْنةُ اللهِ، كَمَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ لَهُ» أخْرجَهُ أحمَدُ، وهو صَحِيْحٌ.
وهَاكَ أخِي المُسلِم بَعْضًا من الأدلَّةِ الشَّرعيّةِ التي تَدُلُّ على تَحريمِ كَشْفِ المَرأةِ لوَجْهِهَا، فمِن ذَلك:
قَولُهُ تَعَالى: (يَا أيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59).
قَالَ السِّيوطيُّ رَحِمَهُ اللهُ في تَفْسِيرِ هَذِه الآيَةِ: «هَذِه آيَةُ الحِجَابِ في حَقِّ سَائرِ النِّساءِ، ففيها وُجُوبِ سَتْرِ الرَّأسِ والوَجْهِ عَلَيْهِنَّ».
وقَالَ تَعَالى: (وقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبَائِهِنَّ أوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أَبْنَائِهِنَّ أوْ أبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوَانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوَانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَوَاتِهِنَّ أوْ نِسَائِهِنَّ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُنَّ أوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ولَا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31).
والزِّينَةُ التي اسْتَثْناها اللهُ تَعَالى في هَذِه الآية: هي مَا ظَهَرَ من الثِّيَابِ السَّاتِرَةِ لجَمِيْعِ بدَنِهَا، وهِيَ الَّتي تَكُونُ تَحْتَ الجَلابِيْبِ والعَبَاءَةِ، لأنَّها الزِّينَةُ التي تَقْصِدُ المرأةُ التَّزيُّنَ بِهَا، أو مَا ظَهَر مِنْهَا مِنْ غَيرِ قَصْدٍ ولا تَعمُّدٍ.
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالى: (إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هِيَ الثِّيابُ»، وأسَانِيْدُ هَذِهِ الرِّوايَةِ مِنْ أجَلِّ الطُّرُقِ التي يُخرِّجُ بها البُخاريُّ ومُسْلمٌ، وما أُثِرَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغَيْرِه: بأنَّها زَينَةُ الكَفِّ ورقعَةِ الوَجْهِ والخِلْخَالِ والخَاتمِ والسِّوارِ والخِضَابِ ... فَكُلُّهُ مَحْمُولٌ في الزِّينَةِ الَّتي تُبْدِيهَا المَرأةُ عِنْدَ مَحَارِمِهَا لا الأجَانِبِ باتِّفاقِ أهْلِ العِلمِ دُونَ خِلافٍ، ومَنْ نَقَلَ عَنْهُم غَيرَ ذَلِكَ فهو جَاهِلٌ أو كَاذِبٌ.
وقَالَ تَعَالى: (والقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 60)، وغيرَها مِنَ الآيَاتِ.
وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ والأضْحَى، العَوَاتِقَ، والحُيَّضَ، وذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، ويَشْهَدْنَ الخَيْرَ، ودَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قَالَ ابنُ رَجبٍ رَحِمَهُ اللهُ في «فَتحِ البَاري» عِنْدَ تَفْسِيرِهِ لهذا الحَدِيثِ: «الجِلبابُ: قَالَ ابنُ مَسعُودٍ ومُجَاهِدٌ وغَيرُهما: هو الرِّدَاءُ، ومَعْنَى ذَلِكَ: أنَّه للمَرأةِ كالرِّداءِ للرَّجُلِ، يَسْتُرُ أعَلاهَا، إلَّا أنَّه يُقنّعُها فَوقَ رَأسِها، كَمَا يَضَعُ الرَّجلُ رِداءَهُ على مَنْكَبَيْهِ.
وقَدْ فَسَّرَ عَبِيدَةُ السَّلمانيُّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنّ) (الأحزاب:59): بأنَّها تُدنِيْهِ مِنْ فَوْقِ رَأسِها، فَلا تُظْهِرُ إلَّا عَيْنَهَا، وهَذَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الحِجَابِ ... فَصَارَتِ المَرأةُ الحُرَّةُ لا تَخْرُجُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا بالجِلبَابِ، فلهَذَا سُئِل النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا أمرَ النِّسَاءَ بالخُرُوجِ في العِيْدَيْنِ، وقِيْلَ لَهُ: المَرأةُ مِنَّا لَيْسَ لها جِلْبَابٌ؟ فَقَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»، يَعني: تُعِيْرُهَا جِلْبَابًا تَخْرُجُ فِيْهِ.
وإذَا عُلِمَ هَذَا المَعْنى، فَفِي إدْخَالِ هذا الحَدِيْثِ في «بَابِ: اللَّباسِ في الصَّلاةِ» نَظَرٌ! فإنَّ الجِلبَابَ إنَّما أُمِرَ بِهِ للخُرُوجِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لا للصَّلاةِ، ويَدُلُّ عَليهِ: أنَّ الأمْرَ بالخُرُوجِ دَخَلَ فيه الحُيَّضُ وغَيْرُهُن، وقَدْ تَكُونُ فَاقِدةَ الجِلْبَابِ حَائِضًا، فعُلِمَ أنَّ الأمْرَ بإعَارَةِ الجِلبَابِ إنَّما هو للخُرُوجِ بَيْنَ الرِّجالِ، ولَيْسَ مِنْ بَابِ أخْذِ الزِّينَةِ للصَّلاةِ؛ فإنَّ المرأةَ تُصَلِّي في بَيتِهَا بغَيْرِ جِلْبَابٍ بغَيْرِ خِلافٍ» انتهى باخْتِصَارٍ.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا، أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» أخْرجَه أحمَدُ، والأدِلَّةُ في هَذا البَابِ كثيرَةٌ جِدًّا، ومَنْ أرَادَها فليَنْظُرها في الكُتُبِ الَّتي ذَكَرنَاهَا آنفًا.
فأمَّا إنْ سَألْتَ أخِي المُسْلِم عَنْ شَرِّ الثَّلاثَةِ: فَهُو مَنْ رَضِيَ لنِسَائِهِ أو بنَاتِهِ أو وَاحِدةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ بأنْ يُسَافِرْنَ إلى بِلادِ الكُفْرِ والعُهْرِ، وهِي سَافِرَةُ الوَجْهِ والخَدَّينِ، ظَاهِرةُ الزِّينَةِ والقَدَمَينِ، قَدْ خَالَطَتْ واخْتَلَطَتْ برِجَالِ الغَرْبِ ... ففَسَادُ هَذَا الرُّجُلِ ودِيَاثَتُهُ لا تَقِلُّ دَرَكًا مِنْ دَيَاثَةِ الحُمُرِ والبِغَالِ!
فلا جَرَمَ أنَّ مِثْلَ هَذِه الأخْبَارِ تَتفَطَّرُ لها قُلُوبُ الرِّجَالِ، وتَنْهَدُّ لها الجِبَالُ هَدًّا.
فواللهِ وباللهِ وتاللهِ: أنَّنَا لا نَعْرِفُ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ الغَابِرَةِ قَدْ دَفَعَت بنِسَائِهَا وبَنَاتِها إلى أعْدَائِها إلَّا مَا كَانَ اليَوْمَ مِنْ أُمَّةِ الإسْلامِ، إنَّه زَمَنُ الانْحِطَاطِ والانْتِكَاسِ، يَوْمَ نَطَقَتْ فِيْهِ الرُّويبِضَةُ، ووُسِّدَ فِيْهِ الأمرُ إلى غَيرِ أهلِهِ!
أمَّا حَدِيثي عَنْ أمْثَالِ هَؤلاءِ: فهو مَحْضُ رِسَالةٍ أشْكُو فيها بثِّي وحُزني إلى اللهِ، ممَّا سَارَتْ بها أخبارُ كَثيرٍ مِنَ المُسْلمِينَ هَذِهِ الأيَّامَ، لاسِيَّما عِنْدَ مِمَّن انْسَلخُوا مِنْ أثْوابِ الحَيَاءِ، وتَجَرَّدُوا مِنْ دِثَارِ الغَيْرَةِ؛ حتى تَلوَّثت فِطَرُهُم، وانْتَكسَتْ قُلُوبُهُم، فعِنْدَئذٍ آثَرُوا الحيَاةَ الدُّنيَا، ورَضَوْا بأنْ يكُونُوا مع خَوالِفِ شُذَّاذِ الغَرْبِ، وعُبَّادِ الشَّهوَةِ، مِمَّن ارْتَكَسُوا في حَمِئَةِ الرَّذيلَةِ، وانْتَكَسُوا عَنْ كُلِّ فَضِيلةٍ!
وآيَةُ ذَلِكَ، أنَّ كَثيرًا مِنْ فِطَرِ المُسْلِمِينَ ـ هَذهِ الأيَّامَ ـ قَدْ تَوَارَتْ تَحتَ رِيْحٍ عَاصِفٍ لا تُبقِي ولا تَذَرُ، فعِنْدَهَا ذَهبَتِ الغَيْرَةُ مِنْهُم ـ على الأعراض ـ أدْرَاجَ رِياحِ البَلادَةِ والدَّياثَةِ، فَلا تَرَاهُم إلَّا في سَاقَةِ الأُمَمِ، لا يَرْدَعُهُم إلَّا الهَوَى، ولا يُرشِدُهُم إلا الخَنَا، قد تَنَكَّبُوا بُنَيَّاتِ الطَّريقِ خَلْفَ الحَيَاةِ الغَربيَّةِ ما بين تَقْلِيدٍ لهم وتَمجِيْدٍ، فعِنْدَها تَسَرْبَلُوا أثوَابَ المسَخْ،ِ وانْتَعَلُوا أحَذِيَةَ الذِّلَّةِ، وافْتَرشُوا بِسَاطَ الهَوانِ والصَّغارِ ... واللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ!
فانْظُرهُم هَذِه الأيَّام؛ وقد تجَارَت بِهُمُ الأهْواءُ في مَسْخِ ما بَقِيَ من بَلالاتِ الغَيْرَةِ، يَومَ تقَاذَفَت بِهُم أمْواجُ البِعْثَاتِ الجَاهِليَّةِ الثَّانيةِ؛ عند تَدَافُعِهِم على إرْسَالِ بنَاتِ الخُدُورِ من المُؤمِنَاتِ إلى مُجتَمَعاتِ عُلُوجِ الشَّواذِ، وإلى الحَيَاةِ البَهيمِيَّةِ الغَابرَةِ، تَحتَ مُسَمَّياتِ: البِعْثَاتِ التَّعليمِيَّةِ، والإرْسَالِياتِ الغَربيَّةِ، بحُجَّةِ الدِّراسَةِ، وأعْظَمُ مِنْ هَذَا دِيَاثَةً وخُبْثًا: مَنْ يَرْضَى لبِنْتِهِ أنْ تَسْكُنَ اللَّيَالي والأيَّامَ في بُيُوتِ الأُسَرِ الكَافِرَةِ، وهُو مَا يُسَمَّى: بنَظَامِ المَعِيشَةِ في أُسْرَةٍ كَافِرَةٍ، بدَعْوَى تَعَلُّمِ اللُّغَةِ!
فَوا أسَفِي! كيف مُسِخَتِ الغَيْرَةُ من قُلُوبِ أكْثَرِ رِجَالِ الجَزيرَةِ؟ وآحَرَّ قَلبِي على عَدْنانَ وقَحْطانَ، ومُضَرَ ورَبِيعَةَ، وهَمْدَانَ وحِمْيرَ... فَأيْنَهُمُ اليَوْمَ لَو رَأَوْا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيْرٌ مِنْ أحْفَادِهِم؟
بل أيْنَ رِجَالُ قَبَائِل: نَجْدٍ والحِجَازِ، والقَصِيمِ وحَائلٍ والشَّمالِ، والسَّراةِ وتَهامَةَ، والسَّاحِلِ والجَنُوبِ، وغَيْرِهِم مِنْ رِجالِ العَربِ الذين لم تزَلْ لهم أنْسَابٌ إلى أصْلابِ العَربِ العَارِبةِ والمُسْتعْربَةِ!
إنَّها الهِجْرَةُ الفَاجِرةُ التي فَرضَهَا عُبَّادُ الدِّرْهمِ والدِّينَارِ على بنَاتِ الخُدُورِ، تحتَ دَعْوَى الدِّراسَةِ، ولو عِنْدَ عُلُوجِ الغَرْبِ الكَافِرِ!
فقُلْ لي بربِّكَ: هل أرَادَ هَؤلاءِ الرِّجالُ لبَنَاتِهنَّ عِلْمَ الدِّيْنِ والحَياءِ؟، أم أرَادُوا لهُنَّ تَعَلُّمَ الفَضِيلةَ والعَفافَ؟
فَلا واللهِ مَا أرَادُوا هَذا ولا ذَاكَ، لكِنْ أرَادُوا لهُنَّ عُلُومَ الدُّنيا وزَخَارِفِها، بَل حَقِيقَةُ أمْرِهِم: أنَّهُم أرَادُوا لهُنَّ أيَّ عِلْمٍ يَجْلِبُ ـ لهُم ولَهُنَّ ـ الدِّرْهَمَ والدِّينَارَ، ولو على حِسَابِ كَشْفِ وُجُوهِهِنَّ أمَامِ عُلُوجِ الغَرْبِ، أو مُخَالَطَتِهِنَّ لرِجَالِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، فعِنْدَها لا تَسألُ عَنْ ذِهَابِ شَرَفِ بَعضِهِنَّ، ورُبَّما رِدَّتِهنَّ عَنْ دِيْنِهنَّ!
يُنبِّئكَ عن ذَلِكَ خَبِيرٌ، حيث تَسَامَعَ الجَمِيعُ عَبرَ القَنَواتِ الفَضَائيَّةِ واللِّقَاءاتِ الشَّخصيَّةِ بأنَّ كَثِيرًا من بنَاتِ المُؤمِنِينَ اللَّاتي ذَهبْنَ إلى بِلادِ الكُفرِ تحتَ مُسمَّياتِ البِعْثَاتِ العِلميَّةِ: أنَّهُنَّ لم يَسْلمْنَ مِنَ التَّحرُّشَاتِ الفَاجِرةِ، ومِنَ المُضَايقَاتِ العُنصُريَّةِ، ورُبَّما قُتِلَتِ المُؤمِنَةُ بَيْنَهُم بلا قَتِيْلٍ، أو أُخِذَتْ للمُضَاجَعةِ عَنْوَةً دُونَ رَقِيْبٍ… والخَبرُ لَيْسَ كالمُعَايَنةِ!
فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، والعَاقُّ، والدَّيُّوثُ»، الَّذِي يُقِرُّ فِي أهْلِهِ الخَبَثَ! أخْرجَهُ أحمَدُ، وهو صَحِيحٌ.
وقَالَ أيضًا: «ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، ولَا يَنْظُرُ اللهُ إلَيْهِم يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، والمَرْأةُ المُتَرَجِّلَةُ ـ المُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ ـ، والدَّيُّوثُ ...» أخْرجَهُ أحمَدُ بسنَدٍ حَسَنٍ.
والدَّيُوثُ: هُو كُلُّ مَنْ يُقِرُّ فِي أهْلِهِ الخَبَثَ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ إقْرارِهِ لهُنَّ بأنْ يُبْدِينَ مِنْهُنَّ مَا يُثِيرُ الفِتْنَةَ والشَّهْوَةَ أمَامَ الرِّجَالِ الأجَانِبِ، ككَشْفِ وُجُوههِنَّ بكَامِلِ زِينَتِهِنَّ أمَامَ الرِّجَالِ، وأسْوَءُ مِنْهُ أنْ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ وهُنَّ بكَامِلِ زِينَتِهِنَّ، وأسْوُءُ مِنْ ذَلِكَ أنْ يَكْشِفْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ الفَاتِنَةِ أمَامَ الرِّجَالِ، أو غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ تَعْرِيضِهِنَّ للفِتْنَةِ والشَّهْوَةِ أمَامَ الرِّجَالِ الأجَانِبِ.
ومِنْ أسْوَءِ صُوَرِ الدَّيَاثَةِ وأخْبَثِهَا: هو أنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ لأهْلِ الفَاحِشَةَ عَيَاذًا باللهِ!
أمَّا شَرُّ الأرْبَعةِ ـ عَيَاذًا باللهِ! ـ فهو مَنْ تَسَوَّرَ «فِقْه الدِّياثَةِ»؛ وتَعَالَنَ بفِسْقِهِ، وصَفَاقَةِ عَقْلهِ، ورِقَّةِ دِينِهِ، ممَّنْ كَشْفَ وَجْهِ زَوْجتِه دَليْلًا عَمَليًّا على جَوازِ كَشْفِ المَرأةِ لوَجْهِها، وذَلك حِيْنَما أقْحَمَ زَوْجتَهُ في مَسْرحِ الخِلافِ؛ ليَهْتِكَ سِتْرَهَا ويَفْضَحَ أمْرَهَا، بعد أن كَانَتْ جَوهرَةً مَكنُونَةً، ودُرَّةً مَصونَةً، حيث أظْهَرهَا سافِرةَ الوَجْهِ بكُلِّ زِينةٍ وبَهاءٍ أمَامَ أنْظَارِ العَالمِيْنَ من فُسَّاقِ ومُجَّانٍ ... وما عَلِمَ هَذَا الجَاهِلُ أنَّ النَّظرةَ إلى وُجُوهِ النِّساءِ لهي مِظِنَّةٌ لتَحرِيكِ الشَّهَواتِ ضَرورَةً!
فهَذَا واللهِ! هو العَبَثُ الأخْلاقِي بعفَافِ نِسَاءِ الخُدُورِ، والتَّلاعُبُ المَاجِنُ بحَيَاءِ بنَاتِ رِجَالِ العَربِ مِنَ المُسْلمِينَ!
قَالَ طَرفَةُ بن العَبْدُ في «دِيوانِه»:
كُلُّ خَلِيْلٍ كُنْتُ خَالَلْتُه *** لا تَرَكَ اللهُ له وَاضِحَه
كُلُّهُم أرْوَغُ من ثَعْلبٍ *** مَا أشْبَهَ اللَّيلَةَ بالبَارِحَه
فَمَا أشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحةِ، يَوْمَ قَامَ رَبِيْبُ الاسْتِعمارِ «سَعْد زَغلُول» الهَالِكُ بإرْغَامِ زَوْجَتِهِ «صَفِيَّة» على إلْقَاءِ حِجَابِها بكُلِّ دَنَاءَةٍ ووَقَاحَةٍ، ثُمَّ مَا لَبِثَ أنْ نَزَعَ بيَدِهِ الآثِمَةِ حِجَابَ «هُدَى شَعْراوي» عَنْ وَجْهِها، فعِنْدَهَا شَاهَتْ وُجُوهُهُم، واسْوَدَّتْ قُلُوبُهُم، فمِنْ هُنَا ضَلُّوا وأضَلُّوا غَيرَهُم مِنْ عُمُومِ المُسْلمِينَ ... مَا يَعْلَمُهُ القَاصِي والدَّاني!
وعَلَيه؛ فإنَّك أخي المُسْلم الغَيُور: لا تَجِدُ اليَوْمَ سُفُوْرًا ظَاهرًا، أو فُجُورًا بَاطنًا، أو تَبرُّجًا صَفِيقًا، أو رَذِيلةً دَنيئَةً، أو دَياثَةً خَبيثةً، أو قِوَادةً وَضِيعةً ... إلَّا وعلى هَؤلاءِ العُصْبَةِ إثمُها وإثْمُ مَنِ اتَّبَعهم إلى يَومِ القِيَامَةِ، كَما قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، ولَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِم شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، ولَا يَنْقُصُ مِنْ أوْزَارِهِم شَيْءٌ» مُسلِمٌ.
لَقد مَاتَ سَعْد زَغلُولٍ، وقَاسم أمِين، ورِفَاعَةُ الطَّهطَاوي، وهُدى شَعْراوي، وأمِينَةُ السَّعِيد، وغَيْرُهُم مِنْ دُعَاةِ السُّفُورِ والاخْتِلاطِ؛ نَعَم قَدْ مَاتُوا جَمِيعًا فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ والأرْضُ، بَلْ لم يَزَلْ يَلْعَنْهُمُ المُسْلمُونَ جِيْلًا بَعْدَ جِيْلٍ!
ثُمَّ اعْلم أخِي المُسْلِم الغَيُور: أنَّ النِّسَاءَ اللَّاتي كَشَفْنَ وُجُوهَهُنَّ، وأسْفَرْنَ عَنْ زِيْنَتِهِنَّ أمَامَ الرِّجَالِ الأجَانبِ ـ سَوَاءٌ كَشَفْنَ وُجُوهَهُنَّ هُنَا أو هُنَاكَ ـ، فَإنَّهُنَّ سَيَقَعْنَ ضَرُورَةً في مَحاذِيرَ كَثِيرةٍ، مِنْهَا:
ـ أنَّ غَالِبَهُنَّ يَجِدْنَ حَرَجًا مِنْ حُكْمِ الله في وُجوبِ تَغْطيَةِ وَجهِ المرأة ـ كَمَا دَلَّ عَلَيهِ الكِتَابُ والسُّنةُ والإجْمَاعُ ـ، لأجْلِ هَذا؛ فَإنَّكَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُنَّ قَدْ رَكَنَّ إلى دُعاةِ السُّفُورِ والحَرِّيَّةِ بطَرِيْقٍ أو آخَرَ، فمُسْتَقِلٌّ مِنْهُنَّ ومُسْتَكثِرٌّ!
ـ أنَّهُنَّ أكْثَرُ النِّسَاءِ تَعرُّضًا للتَّحرُّشِ والإيْذَاءِ والبَذَاءةِ مِنَ الرِّجَالِ الأجانِبِ، سَوَاءٌ مِنْ خِلالِ الأقْوَالِ البَذيئَةِ، أو الأفْعَالِ الدَّنيئَةِ!
ـ أنَّهُنَّ أقْرَبُ النِّسَاءِ إلى الفُجُورِ والرَّذِيلةِ والفَاحشَةِ مِنْهُنَّ إلى العِفَّةِ والسَّتْرِ، كَمَا هُو وَاقِعُ كَثِيرٍ مِنْهُنَّ!
ـ أنَّهُنَّ أبْعَدُ النِّسَاءِ على تَربِيَةِ أوْلادِهِنَّ وبنَاتِهنَّ على السَّتْرِ والحَيَاءِ والعَفَافِ والحِشْمَةِ، لكَونِهِنَّ حَمَلْنَ بنَاتَهُنَّ على السُّفُورِ مِنَ الصِّغَرِ، وفي هَذِه التَّربيَةِ المُبكِّرةِ مَا فِيْهَا مِنَ الفَسَادِ، كَمَا دَلَّ عَليهِ شَاهِدُ الحَالِ، وغَيرُ ذَلِكَ ممَّا يَعْرِفُهُ كَثِيراتٌ مِنَ اللَّاتي كَشَفْنَ وُجُوهَهُنَّ أمَامَ الرِّجالِ الأجَانِبِ!
أمَّا إن سَألتَ أخِي المُسْلِم الغَيُور عَنْ أحْوالِ نِسَاءِ المُؤمِنِينَ اللَّاتي وَقَرْنَ في بُيُوتِهِنَّ، وتَجَلْبَبْنَ بخُمُرِهِنَّ عَنِ الرِّجالِ الأجَانبِ، فشَيءٌ يَعْجَزُ عَنْ وَصْفِهِ البَيَانُ، ويَكَلُّ عَنْ ذِكْرِ فَضْلِهِ اللِّسَانُ!
ومَهْمَا يَكُنْ مِنْ وَصْفٍ إلَّا أنَّهُ شَيءٌ لا يَعْرِفُهُ إلَّا اللَّاتي تَسَتَّرْنَ وتَحَجَّبْنَ، فإنَّهُنَّ يَجِدْنَ مِنْ حَلاوَتِهِ وطَلاوَتِه، وعِزَّتِهِ ومَجْدِهِ، وشُمُوخِهِ وفَضْلِهِ ما يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ تَعَالى، وفَوْقَ ذَلك مَا يَجِدْنَهُ مِنْ قَوَّةِ إيْمَانٍ، وصِيَانَةِ أبْدَانٍ، وحِرَاسَةِ أعْرَاضٍ، وحِمَايَةِ أغْرَاضٍ، ممَّا يَعْلَمْنَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُنَّ مِنَ المُتَبرِّجَاتِ السَّافِرَاتِ، واللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، ويُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ!
وأخَيْرًا؛ فاحْذَرْ أخِي المُسْلم، وأخْتِي المُسْلمَة مِنْ مِثْلِ هَذِه الدَّعَواتِ المُضَلِّلةِ التي يتَحَدَّثُ عَنْهَا عُبَّادُ الشَّهواتِ بلحْنٍ مِنَ القَوْلِ، كقولهم: كَشْفُ الوَجْهِ من المسَائلِ الخِلافيَّةِ، أو أنَّه عَادَةٌ لا عِبَادةٌ، أو المُطَالبَةُ بحُقُوقِ المَرأةِ، أو تَسْويتِهَا بالرَّجُلِ، أو غَيْرُ ذَلك ممَّا يَنْتَهِي جمِيعُهُ إلى مَنَاقِعِ الرَّذيلةِ: وهُو أنْ تُصْبِحَ المرأةُ العَفِيفةُ سِلعَةً في سُوقِ الشَّهواتِ، كَمَا هو الحَالُ والمَآلُ في بِلادِ الغَربِ الكَافِرِ، فَهُم لَيْسَ لهم مِنَ المُطَالبَةِ إلَّا تَلْبيَةَ رَغَباتِهِم، وإشْبَاعَ غَرَائِزِهِم البَهيمِيَّةِ ... هُمُ العَدُّو فَاحْذَرُوهُم أنَّي يُؤفَكُونَ!
وقَدْ ذَكَرَ المَيْدَاني في «أمْثَالِهِ» عَنْ بَعْضِ حُكَماءِ العَرَبِ قَوْلَهُ: «مَا فَجَرَ غَيُوْرٌ قَطُّ»، يَعْنِي: أنَّ الغَيُوْرَ هو الَّذِي يَغَارُ على كُلِّ أُنْثَى.
ونَصِيحَتِي لكُلِّ رَجُلٍ ابْتُليَ بشَيءٍ مِنَ ابْتِعَاثِ بَعْضِ مُحَارِمِهِ إلى بِلادِ الكُفْرِ: بأنْ يتَّقِيَ اللهَ تَعَالى في عِرْضِهِ وأهْلِ بَيتِهِ، فَلَيْسَ بَعْدَ العِرْضِ شَيءٌ يُرَجَى: لا عَقْلٌ، ولا مَالٌ، ولا نَسَبٌ، فاحْذَرْ!
وقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُم وأهْلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).
وقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:«كُلُّكُم رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ، وهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» مُتَّفقٌ عَليهِ.
وقَالَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»، وقَالَ أيضًا: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُم، ويَنْصَحُ، إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ» أخْرَجَ ثَلاثَتَها مُسْلمٌ.
قَالَ النَّوويُّ رَحِمَهُ اللهُ في شَرْحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»: ومَعْنَى التَّحْرِيمِ هُنَا: الْمَنْعُ، قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ مَعْنَاهُ بَيِّنٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ غِشِّ المُسْلِمِينَ لِمَنْ قَلَّدَهُ اللهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ أمْرِهِم، واسْتَرْعَاهُ عَلَيْهِم، ونَصَّبَهُ لِمَصْلَحَتِهِم فِي دِينِهِم أوْ دُنْيَاهُم، فَإذَا خَانَ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْصَحْ فِيمَا قُلِّدَهُ؛ إمَّا بِتَضْيِيعِهِ تَعْرِيفَهُم مَا يَلْزَمُهُم مِنْ دِينِهِم وأخْذَهُم بِهِ، وإمَّا بِالْقِيَامِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ شَرَائِعِهِم والذَّبِّ عَنْهَا لكُلِّ مُتَصَدٍّ لإدْخَالِ دَاخِلَةٍ فِيهَا، أوْ تَحْرِيفٍ لِمَعَانِيهَا، أوْ إهْمَالِ حُدُودِهِم، أوْ تَضْيِيعِ حُقُوقِهِم، أوْ تَرْكِ حِمَايَةِ حَوْزَتِهِم وَمُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِم، أوْ تَرْكِ سِيرَةِ الْعَدْلِ فِيهِم: فَقَدْ غَشَّهُم!
قَالَ القَاضِي: وقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنَّ ذَلِكَ مِنَ الكَبَائِرِ المُوبِقَةِ المُبْعِدَةِ عَنِ الجَنَّةِ، واللهُ أعْلَمُ» انتَهَى.
ثُمَّ إيَّاكَ إيَّاكَ أخِي المُسْلِم أنْ تَظُنَّ باللهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وهُوَ أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الرِّزْقَ الحَلالَ ـ لَكَ أو لبِنْتِكَ ـ في أمْرٍ مُحَرَّمٍ؛ لِذَا فَلا تَبْعَثْهَا لبِلادِ الكُفْرِ، ولو أرْسَلْتَ مَعَهَا مَحْرَمًا؛ لأنَّ المَحْرَمَ لَنْ يَبْقَى مَعَها في مَدْرَسَتِها، ولا في فَصْلِهَا الذي تَجْتَمِعُ فيه مع أرَاذِلِ الخَلِيقَةِ مِنْ أوْبَاشِ وعُلُوجِ الغَرْبِ الكَافِرِ، كَمَا أنَّهُ لَنْ يَبْقَى مَعَها عند اخْتِلاطِهَا ببَغَايَا ومُوْمِيْسَاتِ نِسَاءِ الغَرْبِ!
فاحْذَرْ مَقَالَةَ السُّوءِ التي يُقَالَ فِيْهَا: لا حَرَجَ إذَا سَافَرتِ المُسْلمَةُ لبِلادِ الغَرْبِ مع ذِي مَحْرمٍ، فإنَّها مَقَالَةُ ضَلالةٍ، ممَّن لا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الأمْرِ على جِلِيَّتِهِ في بِلادِ الغَرْبِ الكَافِرِ!
لِذَا يَجِبُ عَليكَ أخِي المُسْلِم أنْ تُحْسِنَ الظَّنَّ باللهِ، إذْ قَالَ تَعَالى: «نَحْنُ نَرْزُقُكُم وإيَّاهُم ولَا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ» (الأنعام: 151)، وقَالَ تَعَالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِنْ رِزْقٍ ومَا أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ (57) إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) (الذاريات: 58).
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيئًا للهِ عَزَّ وجَلَّ إلَّا بَدَّلَكَ اللهُ به مَا هُو خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ» أخْرجَهُ أحمَدُ.
وقَدْ قِيْلَ في المَثلِ السَّائِرِ: «تَمُوْتُ الحُرَّةُ ولا تَأكُلُ بثَدْيَيْهَا»، أيْ: لا تَكُوْنُ مُرْضِعَةً، فَضْلًا أنْ تُسْفِرَ عَنْ وَجْهِها أمَامَ الرِّجالِ الأجَانبِ!
كَمَا عَليك أُخْتِي المُسْلمة: أنْ تَحْذَري كُلَّ الحَذَرِ مِنْ شَرِّ البَلايَا، وأخْبَثِ النَّوايَا، التي اتَّخذَتْ لها اليَومَ وَجْهًا كَالحًا تَحْتَ مُسَمَّى: الابْتِعَاثِ؛ لأجْلِ الدِّرَاسَةِ، فإنَّها أُمُّ الخَبَائِثِ، ودَسِيسَةُ المُخَطَّطاتِ اليَهُوديَّةِ والنَّصرانيَّةِ على حَدٍّ سَوَاءٍ!
كَمَا أُذَكِّرُكِ بشِعْرٍ كَثِيْرًا مَا كَانَ يَتَمَثَّلُ به سَلَفُنَا الصَّالِحُ عِنْدَ الفِتَنِ، وهُوَ مَا أنْشَدَهُ أمرُئُ القَيْسِ:
الحَرْبُ أوَّلُ ما تَكـوْنُ فَتِيَّـةً *** تَسْعَى بزِيْنَتِها لِكُلِّ جَهُـوْلِ
حتَّى إذَا اشْتَعَلَتْ وشَبَّ ضِرَامُها *** وَلَّتْ عَجُوْزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيْلِ
شمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهــا وتَغَـَّيرَتْ *** مَكْرُوْهَـةً للشَّمِّ والتَّقْبِيْـلِ
وأخِيْرًا؛ فإنِّي أسألُ اللهَ تَعَالى أنْ يَحْفَظَ نِسَاءَ المُؤمِنِينَ، وأنْ يَرْزُقَهُنَّ العَفَافَ والحَيَاءَ، وأنْ يَسْتُرَهُنَّ بالحِجَابِ والحُشْمَةِ ... أحْيَاءً وأمْواتًا، وعلى هَذَا الدُّعَاءِ وَجَدْنَا أُمَّهاتِنَا وجَدَّاتِنَا، فاللَّهُم سِتْرَكَ وحِفْظَكَ، آمِيْنَ!
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِهِ الآمِينِ
وكَتَبَهُ
الشَّيْخُ د/ ذِيابُ بنُ سَعْد آل حَمْدان الغَامديُّ
الطَّائفُ المأنُوسُ
(25/ 2/ 1436)
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم