رجولة نبي

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-11-27 - 1444/05/03
التصنيفات:

 

 

أ.م.د. فواز موفق ذنون

 

تعدُّ الحياة الاجتماعية التي عاشها الرسولُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من أكثر المسائلِ التي نالَتِ اهتمام الباحثين والمهتمِّين بشخصية الرسول محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكثيرة هي الجوانبُ المشرقةُ في حياتِه التي جعلت منه رسولًا بدأ فردًا، وانتهى أمة.

 

ومن بين تلك الجوانبِ المشرقة في حياته الاجتماعيَّة ما كان يتَّصف به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من صفاتِ الرجولة وهو ما زال صغيرًا في السنِّ، الأمر الذي جعل المحيطين به يتنبَّؤون بأن له شأنًا كبيرًا في حياته المستقبليَّة، ولنا من الشواهدِ والروايات التاريخية الكثير، والتي نورد بعضَها على سبيل المثال لا الحصرِ:

 

فبعد وفاةِ والدة الرسول (آمنة بنت وهبٍ)، انتقل إلى دار جدِّه عبدالمطلب ليعيشَ تحت رعايتِه واهتمامه، وكان عبدالمطلب يتوقَّع بأن يكون للرسول مستقبلٌ عظيم؛ لِما وجدَ عليه من صفات ومعالمَ، فيذكر المُؤرِّخ ابن إسحاق بأن لعبدالمطلب فراشًا في ظلِّ الكعبة لا يُجلِسُ عليه أحدًا من أولاده احترامًا له، فجلس عليه الرسول ذات يومٍ، فأخد أعمامه يمنعونه، فنهاهم عبدالمطلب قائلًا لهم: "دَعُوه؛ فواللهِ إن له لشأنًا"، وكان عبدالمطلب كثيرًا ما يوصي حاضنةَ الرسول (أم أيمن) بألَّا تغفل عنه أبدًا؛ خوفًا عليه من أن يُؤذِيَه أحد.

 

وعندما تُوفِّي جدُّه عبدالمطلب، انتقل الرسولُ صلى الله عليه وسلم إلى دار عمِّه أبي طالبٍ، وكان الأخير ضعيفَ الحال، كثيرَ العيال، فعَمِل الرسول وعمره تسعُ سنوات في رَعْي الأغنام لأهل مكةَ؛ لقاءَ أجور بسيطةٍ يدفعُها لعمِّه لمساعدته اقتصاديًّا، الأمر الذي أثار إعجابَ عمِّه أبي طالبٍ، الذي أدرك الأهميَّة الخاصة التي كان يُوليها أبوه عبدالمطلب للرسولِ، وسبب وصيَّته قُبَيل وفاته التي أوصاها بأن يُهتَمَّ به، وكان الرسول يقول لأصحابه وهو يَعِظُهم للعمل: ((لقد رعيتُ الغنمَ لأهل مكَّة بالقراريط ...)).

 

ومما يدلُّ على رجاحةِ عقله ورجولته مقارنةً بأقرانه: أنه ذات يومٍ دخل دارًا في مكَّة، فسمع المزاميرَ والغرابيل، فسأل: ما هذا؟ قيل له: تزوَّج فلان فلانة، فقال الرسول: ((ضربَ الله على أذني فنِمْتُ، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس)) ، مما يدلل على أن الرسول لم تستهوِه مظاهرُ اللَّعب والطَّرب على عادة الأطفال من سِنِّه.

 

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرَ التفكير في النواحي الدينيَّة، يتفكَّر وهو ما زال صبيًّا في أمور الخَلْق والخالق، لم يتقرَّب يومًا إلى الأصنام والأوثان، فيقول في ذلك: ((ما تمسَّحْتُ بوثنٍ، ولا ذبحتُ لها، حتى أكرمني الله عز وجل برسالته)).

 

ولعلَّ شهرتَه بالصادق الأمين لها دلالةٌ أخرى على عظمةِ شأنِ رسولنا الكريم، فلم يُعرَف عن الرسولِ بأنه كذبَ ذاتَ يوم، فكان صادقًا مع نفسه ومع الناس المحيطين به، فحَظِي بمكانةٍ متميِّزة بين قومِه والأقوام الأخرى التي تخاصَمَتْ ذاتَ يومٍ فيما بينها حولَ من له الأحقيَّة في نيل شرفِ وضع الحجر الأسود في الكعبةِ، وبقيت على هذا الحال خمسة أيام إلى أن اجتمعت واتَّفقت على أن أول شخص يدخل على اجتماعِهم يرضَوْنَ به حَكَمًا، فكان أن دخل صلى الله عليه وسلم، فصاح الجميع: هذا الأمين، وكان حينها ابنُ العشرين أو الخامسة والعشرين عامًا وسط كبار القوم، فاقترح عليهم جَلْب ثوب، ووضع الحجر الأسود فيه، وتأخذ كلُّ قبيلة بطرفٍ من الثوبِ، وتَرفعُه حتى ينتهيَ إلى موضعه، وكان هذا الاقتراحُ موضعَ ترحيبٍ من الجميع، الذين أعجبوا برجاحةِ عقله وذكائه، رغم أن فيهم من هو أكبرُ منه سنًّا!

 

وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات