رجولة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-11-27 - 1444/05/03
التصنيفات:

 

أحمد فهمي أبو سنة

 

نعني بالرجولة مقومات الإنسان الكامل من العزة والشجاعة والنجدة والشهامة والإباء والكرامة والحكمة والرحمة. والصبر والثبات في شدة الملمات وقسوة الحادثات، وقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل أولئك بالمحل الأرفع. ألقى على الناس بأقواله وأفعاله في صفات الرجولة أنفع الدروس وضرب للأمة أعلى المثل وظل وسيظل ما بقى الدهر أستاذ العالمين وإمام الرجال في مواقف البطولة والشرف. تلقى المحن والشدائد والأذى والاضطهاد والكيد بعزم جبار وصبر شديد وثبات لا يضارع فلم يهن ولم يستسلم ولم يمالئ في الحق أحداً من الناس.

 

حصرته قريش مع عشيرته في شعب بني هاشم وضيقوا عليهم وقاطعوهم ومنعوا عنهم كل وارد حتى أكلوا أوراق الشجر فلم تلن منه قناة ولم يرهبه وعيد.

 

عرضوا عليه أن يملك عليهم على أن يترك دعوته التي صدعهم بها فأبى إباء الرجل الكامل وقال كلمته المشهودة: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».

 

كان أشجع الناس في السلم والحرب. فقد سمع أهل المدينة مرة جلبة فركب فرسه غير مسرج فسبق الناس إلى الصوت وحده، وبينما هو راجع إذ لقيه الناس فزعين وإلى مكان الخوف من المدينة متجهين فقال لهم: «لن تراعوا» فعجبوا من سبقه وشجاعته.

 

ويقول علي -وهو من هو شجاعة وبطولة- كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وموقفه في حنين لا ينساه التاريخ حين أجلت عنه المسلمين ثقيف وهوازن بخيلهم ورجالهم وكانوا أشد القوم في الحرب وتفرق جنده من شدة ضغط الأعداء وقوتهم فقد ترجل عن بغلته البيضاء واستقبلهم بنفسه وهو يقول: «أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب».

 

رجولة زادته في أعين القوم عزة ومهابة واضطربت منها قلوبهم فولوا الأدبار. وأين من هذا موقف قواد الحروب اليوم الذي لا يكونون إلا خلف الصفوف حيث العصمة والأمن.

 

كان عليه السلام رجلا في الرخاء والشدة لم تعرف رجولته الشطط والتهور. يعفو ويصفح ما كانت الاساءة إلى شخصه الكريم.

 

يأتيه أعرابي يسأله فيجذبه من ردائه حتى يؤثر في صفحة عنقه ويقول له في جفاء البادية: احملني فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فيعفو ويصفح ولا يمنع عنه الرفد بل يعطيه حتى يرضى.

 

فإذا كانت الاساءة إلى دين الله، والعدوان على محارم الله اشتد غضبه وامتلأ قلبه الشريف غيرة على الإسلام فأقام أحكامه ونفذ حدوده وانتصر لله تعالى.

 

ولم يكن يزدهيه الزهو عند الانتصار أو يدفعه الفوز إلى القسوة والانتقام بل كان يقف عند الحد الذي تزول معه الفتنة ويقوم به أمر الدين ثم يعفو ويصفح. انظر ما فعله بأسرى بدر فقد اختار الفداء ولم يقتلهم مع ما كان منهم من النكاية بالمسلمين.

 

وانظر ما كان منه يوم فتح مكة حين انتصر على قريش وأمكنه الله من رقابهم حيث قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين» كان غيوراً على الحق يروي أن الصحابة حين عجبوا من غيرة سعد بن عبادة على محارم الله قال لهم «تعجبون من غيرة سعد. لأنا أغير منه والله أغير مني».

 

ولما أخره الأعداء عن الصلاة في غزوة الخندق غضب ودعا عليهم بقوله: «اللهم املأ بيوتهم ناراً».

 

وكان رجلا في وفائه. للعدو بعهده وللصديق بوعده، فقد روى أنه عليه السلام حين كان يقسم بعض الغنائم يوم خيبر قال له رجل يا رسول الله اعدل فقال له «ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر دعني أضرب عنقه فإنه خائن فقال عليه السلام: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي».

 

تلك صفات من المجد والعظمة والرجولة الحقة لم يبلغها قبله عظيم ولم تجتمع كلها في رجل واحد وحسبه ما وصفه الله به في قوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

 

وكان لهذه الرجولة والعظمة أثرها في تربية أصحابه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فصنعتهم رجالا أبطالا وقواداً عظاما وخلقت من أتباعه الأبطال في السياسة والقضاء والإدارة وفن الحكم فكان منهم خليفته الأول أبو بكر الصديق الذي تجلت عظمته في حروب أهل الردة حتى حفظ الدين والملة وقضى على الفتنة بعزيمة جبارة ويقين وثبات منقطع النظير. وفي مواقفه العظمة الخالدة.

 

وكان منهم خليفته الثاني عمر بن الخطاب الذي يضع للناس أسس الشخصية القوية فيقول: يعجبني الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول «لا» بملء فيه ويضع دستور الحكم العادل فيقول: «اجعلوا الناس في الحق سواء قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم إياكم والرشا والحكم بالهوى».

 

ما أحوج الناس في هذا العصر إلى رجولة محمد وأصحابه.. يجاهدون بها هذا الانحلال الخلقي الذي دب دبيبه في النفوس وهذا التخاذل والتردد والفساد الذي نشأ في المجتمع.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات