رجاء المتقين والمذنبين في عفو رب العالمين

أحمد طالب بن حميد

2024-04-12 - 1445/10/03 2024-04-12 - 1445/10/03
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/خشية المتقين من عدم قبول أعمالهم 2/على المسيء المسرف ألا يقنط من رحمة الله تعالى 3/بعض فوائد وخيرات الاستغفار 4/الوصية بصيام ست من شوال

اقتباس

الاستغفارُ ختامُ الصالحات، يُرَقِّعُ خَرْقَها، ويُتِمُّ نَقْصَها، فكم نَرْفَأُ الخروقَ بمخيطِ الحسناتِ، ثم نقطعها بحسام السيئات، ومَنْ خاف مقامَ ربِّه استغفَر مِنْ طاعتِه، كاستغفارِه مِنْ ذَنْبِه، فارحَمِ اللهمَّ مَنْ حسناتُه سيئاتٌ، وطاعاتُه غفلاتٌ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحده باري البريات، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، إمام الْمَكْرُمات، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ نبينا محمد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، واعلموا أنَّ الصائمينَ إذا خرجوا يومَ فِطرِهم من صلاة عيدهم وُفُّوا أُجورَهم قبلَ أن يَقْصِدُوا دُورَهم، فمَنْ وفَّى وُفِّيَ له، ومَنْ نقَص نُقص منه، ومَنْ طفَّف فقد علمتُم ما قيل في المطففين.

 

والمؤمن وإن عمل من الصالحات ما عمل، فهو من عمله في خجل، ومن رده عليه في وَجَل؛ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 57-62]، قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27]، وهم الذين يعملون في طاعة الله على نور من الله، يرجون ثواب الله، ويتقون محارم الله، على نور من الله، يخافون عقاب الله، فلَقَبُولُ مثقالِ حبةٍ من خردل، أحبُّ إليهم من الدنيا وما فيها؛ فالحذرُ في العمل ألَّا يكونَ خالصًا، والخوفُ على العمل ألَّا يكون متقبلا، فكم بين من حظه القَبول والغفران، ومن نصيبه الخيبة والخسران، وكيف لمن أعتقه الله من النار أن يعود إلى رق الأوزار، أيدعوك مولاك وأنت تقحم في الهلاك؟!

 

والرحمة وإن كانت قريبًا من المحسنين، فالمسيء لا ييأس منها، والمغفرةُ وإن كانت للأوابين فالظالم لنفسه غير محجوب عنها؛ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزُّمَرِ: 53-61]، فأَحْسِنِ الظنَّ بمولاك، وتُبْ إليه؛ فإنَّه لا يَهلِكُ على الله إلا هالكٌ.

 

والاستغفارُ ختامُ الصالحات، يُرَقِّعُ خَرْقَها، ويُتِمُّ نَقْصَها، فكم نَرْفَأُ الخروقَ بمخيطِ الحسناتِ، ثم نقطعها بحسام السيئات، ومَنْ خاف مقامَ ربِّه استغفَر مِنْ طاعتِه، كاستغفارِه مِنْ ذَنْبِه، فارحَمِ اللهمَّ مَنْ حسناتُه سيئاتٌ، وطاعاتُه غفلاتٌ.

 

ومَنِ استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقودٌ، وعزمُه أن يَرجِع إليها ويَعُود، فحريٌّ أن يكون صومُه عليه مردودًا، وباب القَبول عنه مسدودًا، وثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بعدَها، وعلامةُ ردِّها السيئةُ إِثْرَها، والشُّكْرانُ آيةُ الغفرانِ، قال الذي غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه وما تأخَّر: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"، -صلى الله عليه وآله وسلم-، وختم الله آيات الصيام فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185-186].

 

فكن عبدًا ربانيًّا لا رمضانيًّا؛ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، وبهدي سيد المرسلين، وسنته -صلى الله عليه وسلم-، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبِّرْه تكبيرًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، خلَق كلَّ شيء فقدَّرَه تقديرًا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

واعلموا -عبادَ اللهِ- أنَّ مَنْ أَتْبَعَ صيامَ رمضانَ ستًّا من شوال، كان كأجر صيام الدهر فرضًا، كرمًا مِنَ اللهِ وفَضْلًا، تابَع ذلك العبدُ أو فرَّقَه، ومَنْ بدأ بقضاء ما فاته من رمضان فقد احتاط وأتمَّ، ومَنْ سارَع بعد يوم العيد فقد بادَر وحزَم، ومَنْ آنَس أهلَه وقرابتَه بالفِطْر أيامًا، ثم استأنَف الصيامَ فقد أَحْسَنَ.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا -عبادَ اللهِ- على خير الله، محمد بن عبد الله؛ فقد أمرَكم اللهُ -تبارك وتعالى- بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلم وزِدْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ وفضلك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءكَ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعَلْ ولايةَ المسلمينَ فيمَنْ خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ وفِّق إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، وهيئ له البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتُعِينه عليه، يا رب العالمينَ، اللهمَّ ووليَّ عهدِه وإخوانَه وأعوانه على الخير يا كريم.

 

اللهمَّ اغفر لنا ذنوبَنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها، اللهُمَّ كن لإخواننا المستضعَفين في فلسطين، اللهمَّ كن لهم مؤيدًا ونصيرًا، وظهيرًا يا ربَّ العالمينَ، يا قوي يا عزيز، اللهُمَّ ارفع عنهم ما نزل بهم، اللهُمَّ فرج عنهم يا كريم، اللهمَّ فرج عنهم وعن جميع المسلمين يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمَّ اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهُمَّ اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنتَ أعلمُ به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنا من الظالمين، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين؛ (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكُم، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

رجاء المتقين والمذنبين في عفو رب العالمين.doc

رجاء المتقين والمذنبين في عفو رب العالمين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات