راحة المسلم

سلطان بن حمد العويد

2022-06-10 - 1443/11/11 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ متى يجد المؤمن الراحة 2/الجنة محفزة على فعل الطاعة وترك المعصية

اقتباس

ماذا قدمنا ثمنا لهذه الجنة ما رصيدنا من الطاعات قولا وعملا، لو أحصيت عملك في يوم من الأيام هل سترى أنك قمت بما يؤهلك...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: سئل الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- متى يجد المؤمن الراحة؟ نقول هذا في زمن قلَّت فيه راحة القلوب وكثُرت فيه الأزمات والهموم وأكثرها هموم دنيا ما بين تحصيل مال ودفع مشكلة دنيوية وما شابه ذلك! إذن متى يرتاح المسلم؟ كانت إجابة الإمام أحمد -رحمه الله- إجابة شافية لكل من تدبر قال: "إذا وطئت قدماه الجنة" نعم لن يرتاح أحد من المؤمنين راحة لا شقاء معها ولا بعدها إلا إذا دخل الجنة.

 

لا شك -يا عباد الله- أن سعادة المؤمنين لا تعادلها سعادة عندما يساقون معززين مكرمين وغيرهم مهان يساقون إلى جنات النعيم.

 

وإن مما يعين العبد على التصبر على طاعة الله: أن يعرف الجنة وأن يعرف أحوالها وأن يمتع سمعه بما ورد عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- في أمر الجنة (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) كأنها لا تفتح إلا لهم (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر:73]؛ أي طابت أعمالكم في الدنيا وطابت أقوالكم وطابت عقائدكم فأصبحت نفوسكم زاكية وقلوبكم طاهرة فبذلك استحققتم هذه الجنة.

 

أيها الإخوة في الله: ماذا قدمنا ثمنا لهذه الجنة ما رصيدنا من الطاعات قولا وعملا، لو أحصيت عملك في يوم من الأيام هل سترى أنك قمت بما يؤهلك لأن تكون من أهل الجنة أهل هذه السلعة الغالية؟.

 

أخي: إن الدنيا ساعة فاجعلها لله طاعة، يكفيك لتعلم مدى النعيم المقيم في جنات عرضها السماوات والأرض قول ربك -جل جلاله-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة:17] مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

 

أخي المسلم: هل تذكرت وتصورت يوما من الأيام أن الجنة التي تحفز لها والتي يدعوك ربك لها (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ)[البقرة:221] أن هذه الجنة من دخلها فهو خالد؟ هل تأملت في معنى الخلود لا تفنى ولا تبيد؟ قال الله تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[الدخان:56] ، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَت لَهُم جَنَّاتُ الفِردَوسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبغُونَ عَنهَا حِوَلاً)[الكهف:107- 108] "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقال لأهل الجنة ولأهل النار: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت".

 

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" لا يخاف من الشيب أبدا.

 

استمع -يا عبد الله- إلى نداء من الله نداء لأهل الجنة إذا دخلوها يناديهم ربهم وهو الذي أنعم عليهم بها "إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا وذلك قول الله عز وجل: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف:43]" لا بما نتمنى بل بما نعمل.

 

لا بد من الصبر -أيها الإخوة- على طاعة الله والصبر على الشهوات والصبر على المحرمات قال الله تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)[الإنسان:12].

 

روى مسلم عن المغيرة رضي الله عنه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة: رضيت رب فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول: رضيت رب قال رب: فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر، قالَ: ومِصْداقُهُ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ)[السجدة:١٧]".

 

أيها الإخوة في الله: كيف تضعف نفس عن صلاة أو تكسل عن واجب أو تكف عن محرم وهي تسمع عن هذا النعيم!

 

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا واجعل اللهم الجنة هي دارنا.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الحمد لله على فضله ورحمته وإحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: روى الإمام مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم -تبارك وتعالى- ثم تلا هذه الآية (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس:26]" وقد صرح الله -جل وعلا- برؤية العباد لربهم في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة:22-23].

 

أيها الإخوة في الله: الجنة درجة عالية والصعود إلى المعالي يحتاج إلى جهد وصبر طريق الجنة لا يتفق مع أهواء النفس ولا مع شهواتها؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره"، وعند مسلم: "حفت" بدل "حجبت".

 

العاقل هو الذي لا يفرط في الصفقة العظيمة من أجل شهوة زائلة يعقبها حسرات تذكر.

 

يا عبد الله: اعلم أن كل شهوة صبرت عنها، وكل عبادة جاهدت بفعلها ولفعلها، وكل مشقة وجدتها لتحصيل مرضاة الله وجنته أن كل ذلك ستحمد الله عليه -بإذن الله- ستحمد الله عليه إذا أنعم الله عليك بدخول الجنة قال الله تعالى عن أهل الجنة لما دخلوها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر:34] ، وقال -جل وعلا-: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ) تذكروا أنهم كانوا في الدنيا يستثمرون حياتهم من أجل الجنة (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)[الزمر: 74].

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم اهد قلوبنا واشرح صدورنا وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

 

اللهم أعز هذا الدين وأهله اللهم اخذل الكفر والكافرين اللهم عليك بالمتسلطين الظالمين من الكفرة العصاة. اللهم أرح الأمة من شرهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم سلط عليهم جندا من جندك اللهم ائتهم من حيث لم يحتسبوا.

 

اللهم عليك بكل عدو للإسلام والمسلمين من الظاهرين والباطنين إنهم لا يعجزونك وأنت رب العالمين.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

راحة المسلم.pdf

راحة المسلم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات