رابع أيام رمضان

الشيخ خالد القرعاوي

2021-04-16 - 1442/09/04 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/فضائل شهر رمضان 2/اغتنام شهر رمضان 3/آداب الصيام.

اقتباس

حَقًّا إنَّهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَات؛ أتَدْرُونَ مَا أعْظَمُ مُبَشِّرَاتِ شَهْرِنَا؟ أنَّ مَنْ صَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَأَنَّهُ تُفَتَّحُ فِيهِ أبْوَابُ الجِنَانِ, وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَتُسَلْسَلُ الشَّيَاطِينُ.....

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا الصِّيَامَ وَسَائِرَ الأَعْمَالِ؛ حَقًّا إنَّهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَات؛ أتَدْرُونَ مَا أعْظَمُ مُبَشِّرَاتِ شَهْرِنَا؟ أنَّ مَنْ صَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَأَنَّهُ تُفَتَّحُ فِيهِ أبْوَابُ الجِنَانِ, وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَتُسَلْسَلُ الشَّيَاطِينُ, وَخَتَمَ اللهُ آيَاتِ الصِّيَامِ بِقَولِهِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186]، إنَّهُ الدُّعاءُ الذي هُوَ مَأَدُبَةُ الأَنْبِياءِ والصَّالِحِينَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء:90].

 

 وَأَبْشِروا يا مُؤمِنُونَ: فَلَن يَهلِكَ مَعَ الدُّعاءِ أَحَدٌ، فَكَم من بليَّةٍ رَفَعَهَا اللهُ بالدُّعاء، وكم من معصيةٍ غفرَها الله بالدُّعاء، وكم من نعمةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء!، قَالَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الدعاءُ هو العبادةُ"، ثمَّ تلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:90].

 

قَالَ الشَّيخُ ابنُ العثيمينِ -رحمه الله-: "الصِّيامُ مَظِنَّةُ إجابةِ الدُّعَاء؛ لأنَّ اللهَ ذَكَرَ قَولَهُ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[البقرة:186]، في آخِرِ آيَاتِ الصِّيَامِ, فَيُسْتَفادُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِي آخِرِ يَومِ الصَّائِمِ، عِنْدَ الإفْطَارِ". وَلا تنسوا أَنَّ لِلصَّائِمِ دَعوَةً لا تُردُّ، فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَإنَّ لَنَا رَبًّا سَمِيعًا قَرِيبًا مُجِيبًا، صحَّ عن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قَالَ: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيهِ"، وَقَالَ: "وَأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عن الدُّعاء".

 

وَلْتَعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ رِبْحُهُ ظَاهِرٌ وَمَضْمُونٌ فَقَد قَالَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لَيس بإثمٍ ولا بِقَطِيعَةِ رَحمٍ إلَّا أَعْطَاهُ اللهُ إحدى ثَلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّلَ له دَعْوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرَهَا له في الآخرةِ، وإمَّا أنْ يَدْفَعَ عنه من السُّوءِ مِثْلََها"، قَالُوا: إذًا نُكثرُ يا رسولَ الله؟ قال: "اللهُ أكثر"؛ فَمَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ!, وَمَا أَغفَلَ العَبدَ وَأَبعَدَهُ!

 

 فَهَلُمَّ يا عَبْدَ اللهِ إلى الدُّعَاءِ, وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، فَقَد أَوصَاَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ".

 

فَأَطِبْ مَطعَمَكَ، واحذَرِ الظُّلمَ, وقدِّم عَمَلاً صَالِحاً, ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ, وتخيَّرْ من الدُّعَاءِ أَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ وَالأَحْوَالِ أَرْجَاهَا.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الحَمْدُ للهِ أَرْشَدَ خَلْقَهُ لأَكْمَلِ الآدَابِ، أَشْهَدُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، المَلِكُ الوَهَّابُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى جَمِيعِ الآلِ وَالأصْحَابِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإحْسَانِ إلى يَومِ المَآبِ.

 

أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَحَافِظُوا عَلَى صِيَامِكُمْ, وَاعْلَمُوا أنَّ لِلصِّيامِ آدَابَاً وَاجِبَةً وَمُسْتَحَبَّةً.

 

فَمن الآدَابِ الوَاجِبةِ أنْ يَقومَ الصائمُ بما أوجبَ اللهُ عليهِ من العِبادَاتِ القَولِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا الصَّلاةُ المَفْرُوضَةُ، مِن إخوانَنا الصائِمِينَ مَن لا يَتَوَرَّعُ عَن فِعلِ الحرَامِ أَو قَول الحَرَامِ، وَيَنْسَى أنَّ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن لَم يَدَعْ قَولَ الزُّورَ وَالعَمَلَ بِهِ فَليسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".

 

وَمِن الآدَابِ المُستَحَبَّةِ أَكْلُ السُّحُورِ وَهُوَ الأَكْلُ فِي آخِرِ الَّليلِ وَفَرْقٌ بَينَهُ وبَينَ العَشَاءِ المُتَأخِّرِ فلا يُسَمَّى سَحُورَاً إلا مَا كَانَ قُبَيلَ طُلُوعِ الفَجْرِ, وَقَد أَمَرَ بِهِ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَة". وَأَثْنَى عَلى السُّحُورِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: "نِعْمَ سُحُورِ المُؤمِنِ التَّمْرُ".

 

وَينْبِغي لِلمُتَسَحِّرِ أنْ يَنوِيَ بِسُحورِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ النَّبِيِّ وَالاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَيَا صَائِمُونَ "السُّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلو أنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُم جُرْعَةً مِن مَاءٍ فَإنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينِ".

 

وَمِن الآدَابِ المُستَحَبَّةِ: تَعجِيلُ الفُطُورِ إذَا تَحَقَّقَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ فَقَدْ قَالَ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ-: "لا يَزالُ النَّاسُ بِخَيرِ مَا عَجَّلُوا الفِطْر". وَقَالَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إليَّ أَعْجَلُهُم فِطْرًا".

 

وَالسُّنَّةُ أنْ يُفطِرَ عَلَى رُطَبٍ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَتَمْرٌ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَمَاءٌ، وَيُسَنُّ أنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ بِمَا أَحَبَّ. فَالَّلهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ, وَتُبْ عَلينَا إنَّكَ أنْتَ التَّوابُ الرَّحيمُ, اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا والمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ.

 

اللهم أعِنَّا على صِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ إيمَانَاً واحْتِسَابًا, اجْعلنَا فِيهِ من المقبُولينَ, اللهم ثبتنا بِالقَولِ الثَّابِتِ.

 

 اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا وتَقَبَّلهم في الصَّالِحينَ, وَوَفِّقْ ولاةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَترضى وَأعنْهُم على البرِّ والتَّقوى, ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

المرفقات

رابع أيام رمضان.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات