رابطة الأخوة

عبد الرحمن بن صالح الدهش

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/عظم مكانة الأخوة الإيمانية 2/حرص النبي صلى الله عليه وسلم في زرع الأخوة الإيمانية بين أصحابه 3/من معالم الأخوة الإيمانية 4/أهمية البعد عن كل ما يزعزع الأخوة الإيمانية 5/الترفيه المخالف للدين وأثره على المجتمع

اقتباس

وحينما تقتتل طائفتان من المسلمين وتحمل كل طائفة سلاحها، ويحصل هناك قتل وجراح أمر الله بالإصلاح بينهما بالعدل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ) ونقاتل الباغية، ونقف مع المبغي عليها إن لزم الأمر حتى تفيء الباغية إلى أمر الله، ثم بعد ذلك تعقيب الله على هذا الحدث بين الطائفتين من المسلمين بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). الله أكبر! أي عظمة...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد: فما ألطف كلمة الأخوة، وأيُّ برد على القلب حينما يقال لك: هذا أخوك.

 

لنأخذ موضوع جمعتنا من منبعه الأصلي، ومعينه الصافي.

 

أيها الإخوة: لئن نجح المستعمر وخدامه من حكام العرب في تفريق المسلمين جغرافياً، ووضع الأسلاك الشائكة بين بلدين إسلاميين، وزرعوا الحدود ألغاماً؛ فلا نُقلة ولا تَنَقُّل إلا لمن رضوا عنه واطمأنوا إليه.. لئن نجحوا في ذلك وأصبحت واقعاً مفروضاً فإنه لا يجوز أن ينجحوا في وضع العراقيل القلبية، والحواجز النفسية بين أمة واحدة وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبلغ وصف وأعمق تشبيه حين قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه"(متفق عليهما).

 

وحينما تقتتل طائفتان من المسلمين وتحمل كل طائفة سلاحها، ويحصل هناك قتل وجراح أمر الله بالإصلاح بينهما بالعدل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ)[الحجرات:9] ونقاتل الباغية، ونقف مع المبغي عليها إن لزم الأمر حتى تفيء الباغية إلى أمر الله، ثم بعد ذلك تعقيب الله على هذا الحدث بين الطائفتين من المسلمين بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10].

 

الله أكبر! أي عظمة لهذه الأخوة التي لم تلغها السيوف المصلتة، ولم تمحها الحروب الدائرة!. إنها عظمة الأخوة الإيمانية رابطة لم تقم على المصالح الوقتية، ولا على الأكاذيب وخداع الجماهير.

 

أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المؤيد بالوحي- أدرك أهميتها فسعى في تثبيتها، وضرب أوتادها في نفوس أصحابه! كيف وقد رأى أن القبلية العربية أو غيرها لم تحقق رابطة للناس، ولا طمأنينة بعضهم لبعض وقد عاين عليه الصلاة والسلام عن قرب حال القبائل.

 

يقتل ابنُ العم ابنَ عمه حينما يختلفون على مراعي للإبل، وتطول الثارات لأجل نصف بيت من الشعر، وينتزع المُلك من أبيه ولو شهر السيف في وجهه وأراق دمه، وأزهق روحه!.

 

فالقبيلة إذا خلت من روح الإيمان فهي فخر وخيلاء، وظلم وعداء وصف الله حال القبائل قبل نور الإيمان بقوله: (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً)[آل عمران:103]؛ فالقلوب إذن كانت متفرقة حتى أصبحوا بنعمة الله إخواناً.

 

معاشر الإخوة: فكما أن القبلية لم تَجمع؛ فالأرض والوطن والجنسية والبطاقات الشخصية الرسمية لا تجمع قلوباً وإن جمعت أبداناً، وحققت كثافة سكانية.

 

كان من شغل النبي -صلى الله عليه وسلم- الشاغل أول بعثته جمع القلوب؛ فصار يؤاخي بين أصحابه، ويأخذ على ذلك البيعة؛ ففي مكة آخى بين أصحابه الأولين الذين سموا فيما بعد المهاجرين؛ فصار المتآخيان يداً واحدة، وقلباً في جسدين.

 

ثم لما صار إلى المدينة، وتحول إلى دار الهجرة، واستقبله الأنصار الأبطال الرجال الذين (تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ) قبل عقد مؤاخاة أخرى بين المهاجرين من أصحابه، والأنصار من أحبابه فضربوا أمثلة منقطعة النظير في حسن الضيافة والإيثار؛ فلِلَّه درهم (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الحشر:9].

 

إذن لا جامع للناس إلا دين رب الناس، لا جامع لهم إلا دين صحيح وعقيدة راسخة، وحينما يجتمع الناس بلا عقيدة ويفقدون رابطة الإيمان الصحيح يقول الله عنهم: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[الحشر:14].

 

أيها الأكارم: هذه مظلة الأخوة الإيمانية دوحة باسقة أكلها دائم وظلها؛ فأين المستظلون بها؟ فإن أردتها فلها معالم فلا تَخْطُها، ولا تَتَخَطَّها؛ فمن معالمها:

"لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا -عباد الله- إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

 

ومن معالمها: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوما".

 

من معالمها: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث" بل هو يسعى إلى أعظم من ذلك "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"، "ومن أحب في الله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"(حديث حسن رواه الترمذي وغيره).

وحتى يكون الحب متبادلاً والشعور من الطرفين مورقاً أمر عليه السلام: الذي أخبر أنه أحب فلاناً أن يلحق به ليخبره بذلك.

 

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)[الأنفال:62-63].

 

من معالم أخوة الإيمان: النصيحة؛ فالدين النصيحة؛ فإن كرهت منه شيئاً فلا تجعل عرضه فاكهة في مجلسك، والصادق هو الناصح وليس الذي يلوذ بعيوب إخوانه غيبة أو نميمة.

 

جلس رجل في مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد فاغتاب أحدَ المسلمين، فقال له عبد الله بن المبارك: يا أخي هل غزوت الروم؟ قال: لا، فقال: هل غزوت فارس؟ قال: لا، فقال عبد الله بن المبارك: سلم منك الروم، وسلم منك فارس، ولم يسلم منك أخوك المسلم!.

 

فاحفظوا حقوق إخوانكم في غيبتهم كما تحفظونها في حضرتهم.

 

من أعظم معالم أخوة الإيمان: أنها لا تنتهي بموت أهل الإيمان وانقضاء آجالهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].

 

ومن دعا لأخيه حيا أو ميتاً قال له الملك: ولك بمثل...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فتلكم الشجرة العظيمة شجرة أخوة المؤمنين من أوى إليها بصدق فإنه لا يزال أخاً لنا؛ وإن أتى ما أتى من الذنوب والمعاصي، ولا يجوز أن نعين عليه الشيطان؛ فنصحه واجب، والدعاء له متعين حتى يلقى حالا غير حاله.

 

ولعظم وصف الأخوة أثبته الله لأهل الجنة بعد انقطاع العمل ومعاينة الثوابت (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)[الحجر:47].

 

فأخوة الإيمان أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ فلا يجوز أن تكون الأخوة بين الشعوب مسرحاً يلعب به الساسة المتنفذون، ولا القادة الذين لأهوائهم منقادون، والأحداث التي تتناقلها وسائل الإعلام والتهويشات يصح منها ما يصح ويزيف منها ما يزيف هي أحقر من أن تعكر صفو إخْوة الشعوب المسلمة، أو تفت في عضد وحدتهم.

 

والمهاترات الكلامية أو الكتابية عقب موقف أو قضية أو مبارات رياضية لنترفع عنها ولو كان بحجة المزاح، والاستفزاز المؤقت؛ فمعظم النار من مستصغر الشرر!

 

فلنتق الله في أنفسنا، وألا نكون آذانا صاغية وأفواهاً وأقلاماً ناقلة؛ فتطربنا عبارات السب والتعليقات التي ينفخ فيها المفسدون، ويتولى كبرها المحللون والإعلاميون الناقمون الحاسدون، وكذا الرسوم ومقاطع الفيديو؛ فكل هذه وقودها نحن لا غيرنا؛ إن جرينا خلفها وركضنا في نشرها.

 

وترفيه المجتمعات بما يخالف تعاليم دينهم، ويوقع الآباء والمربين في حرج أمام الناشئة، وإظهار توافه الناس وحثالة البشر من المغنين والممثلين وأهل الرياضة ومهرجي السنابات والزعم أنهم نجوم وتلميعهم للجيل على أنهم قدوات هو غش لهم! وأي غش؟!

 

وتصديع لوحدة المجتمع، وإشغال له بما يميع قيمه ويضيع أخلاقه؛ فعدتنا تجاه أعدائنا تقوى الله، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، واتباع الوحي، وصدق توكل على الله.

 

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)[الأحزاب:1-3]. حينها نطمع في قوله -تعالى-: (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ)[الحج:40].

 

فهذه خير عدة نعدها، ونعتد بها في مواجهة المد الرافضي في بلاد الشام وما جاورها، ثم في بلاد الإيمان والحكمة بلاد اليمن. نسأل الله ألا يجعل لهم يداً على مسلم.

 

اللهم يا حي يا قيوم نسأل في هذه الساعة المباركة نصراً قريباً للمظلومين في بلاد الشام والعراق واليمن اللهم رد الرافضة على أعقابهم، اللهم مجري السحاب وهازم الأهزام ومنزل الكتاب اهزمهم وانصرنا عليهم.

 

اللهم احفظ تلك البلاد لتبقى بلاداً إسلامية سنية.

 

اللهم قوِّ المجاهدين في سبيلك، واربط على قلوبهم، وصوب رميهم ورأيهم، وسدد سهمهم.

 

اللهم انصر جنودنا على حدودنا، اللهم احفظهم في برهم وجوهم وبحرهم، اللهم اكتب على أيديهم نصرا لأهل اليمن، وقوة لأهل الإيمان، ونكالاً لأهل الفساد والطغيان.

 

اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير، وبارك في مساعيهم.

المرفقات

رابطة الأخوة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات