رؤية الله عز وجل

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أعلى نعيمٍ يناله أهل الجنة 2/ رؤية المؤمنين لربهم في الجنة 3/ الحرمان من رؤية الله من أشد العقوبات 4/ تضييع الصلاة سبب الحرمان والخسران.

اقتباس

1/ أعلى نعيمٍ يناله أهل الجنة 2/ رؤية المؤمنين لربهم في الجنة 3/ الحرمان من رؤية الله من أشد العقوبات 4/ تضييع الصلاة سبب الحرمان والخسران.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له.

 

 وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها العباد أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه -جل في علاه- مراقبة عبدٍ يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون: إنَّ أعلى نعيمٍ يناله أهل الجنة في الجنة، وأشرفه وأسناه وأرفعه وأبهاه رؤيتهم لربهم -جل في علاه-؛ هو النعيم الأعلى والشرف الأسنى والمنة العظمى.

 

نعم عباد الله؛ إنه شرفٌ علي ومنٌّ عظيم وعطاء كريم يمنُّ الله -سبحانه وتعالى- به على أهل الإيمان في الجنة. نعم عباد الله؛ يرون ربهم -جل في علاه- حقيقةً بأبصارهم عيانًا تشريفًا لهم من مولاهم -جل في علاه-، يرونه ويسلِّم عليهم ويسمعون كلامه. ألا ما أعظمها من هناءة، وما أجله من عطاءٍ ونعيم.

 

قال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ )[يس:55-58].

 

وقال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ)[المطففين:22-23].

وقال الله -عز وجل-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة:22-23]، قال الحسن البصري -رحمه الله-: «حُقَّ لها أن تنضُر –أي: أن تكون حسنة بهية- وهي تنظر إلى الخالق -جل في علاه-».

 

وقال الله -سبحانه وتعالى-: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق:35].

وقال -جل وعلا-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس:26]، وقد جاء التفسير في الحديث المرفوع وفي المأثور عن الصحب ومن اتبعهم بإحسان للمزيد والزيادة: بالرؤية للرب الكريم -جل في علاه-.

 

وقال الله -عز وجل- في شأن من يبوؤون يوم القيامة بسخط الله (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15] قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «ولما حُجب هؤلاء في السخط دل ذلك على أن أهل الإيمان يرونه في الرضا».

 

أيها المؤمنون عباد الله: ولقد جاءت الأحاديث المتواترة عن الرسول المصطفى والنبي المجتبى -صلى الله عليه وسلم- بذكر هذه المنة العظمى والعطية الكبرى رؤية المؤمنين لربهم -جل في علاه-، جاء ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة تشويقًا للعباد وترغيبًا لهم وحثًّا على الأعمال التي ينالون بها هذه العطية ويشرُفون بهذه المنة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- دعاء الله -جل في علاه- بنيل هذا الشرف والفوز بهذه المنة.

 

جاء في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَال: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا".

 

وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن ناسًا قالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَقَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟" قَالُوا: «لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟" قَالُوا: «لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ" أي ترونه حقيقة كما ترون القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب.

 

وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي يحي صهيب بن سنان الرومي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ اللهُ -تبارك وتعالى-: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عز وجل-" ثم تلا (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26].

 

أيها المؤمنون عباد الله: وقد ثبت في الدعاء المأثور من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول في دعائه: «وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» (خرجه الإمام أحمد في مسنده والنسائي في السنن الكبرى بإسناد صحيح).

 

أيها العباد: عندما يقف المؤمن صادقُ الإيمان على هذه الدلائل على هذا التشريف العظيم والمنِّ الكبير عندما يقف على هذه النصوص تتحرك نفسه شوقًا وطمعا في أن يحظى بهذا الشرف وأن يفوز بهذا الإنعام، وليس هذا أمرًا يُنال بمجرد الأماني بل لابد من عمل واستعداد وتهيؤ وتزوُّد ومجاهدةٍ للنفس بطاعة الله وحُسن التقرب إليه -جل في علاه-، وأن لا تغلب العبدَ غوالب هذه الحياة وصوارفها كما تقدم في الحديث "فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا" أما من غُلب فما أحراه بالحرمان وما أجدره بالخسران.

 

أسأل الله الكريم -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يصلح أحوالنا أجمعين، نسأله سبحانه أن يشرِّفنا أجمعين بهذا الشرف، وأن يوفقنا لحسن الاستعداد له، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.  

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى.

 

عباد الله: ولقد دلت النصوص على الصلة بين الصلاة والرؤية وأن المحافِظ على هذه الصلاة المعتني بها جديرٌ بهذا الشرف العظيم؛ أن يرى الله -سبحانه وتعالى-، وأما من كان مضيعًا مفرطًا فهو حري بالحرمان، وقد دل على هذا المعنى الكتاب والسنة:

 

قال الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى) [القيامة:22-31]، فهذا الذي هو التضييع للصلاة سببٌ لها الحرمان ونيل هذا الخسران.

 

وقد تقدم في حديث جرير بن عبد الله قول نبينا -عليه الصلاة والسلام- بعد أن ذكر الرؤية "فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا".

 

فعلينا عباد الله أن نحافظ على هذه الصلاة وأن نعنى بها فإنها معونةٌ على كل خير ومزدجرٌ عن كل شر، قال الله -عز وجل-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة:45]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45]، وحري بعبد حافظ عليها أن يوفق لكل رفعة وفضيلة في دنياه وأخراه. والكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

 

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم أعن يا ربنا وانصر بمنِّك وكرمك جنودنا المرابطين على حدود البلاد واحفظهم واحفظ رجال الأمن يا رب العالمين.

 

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم أعنه يا حي يا قيوم وسدِّده ووفقه وبارك في مساعيه.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات

الله عز وجل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات