ذم اتباع الهوى-2

خالد بن عبدالله الشايع

2021-06-25 - 1442/11/15 2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/إحاطة الفتن والشرور بالإنسان 2/النهي عن اتباع الهوى 3/من أسباب المعاصي تقديم هوى النفس على محبة الله 4/تحذير السلف من اتباع الهوى وعواقب اتباعه والتخلص منه

اقتباس

عواقب اتباع الهوى على العبد أن يتأمل كم أضاعت معصيته من فضيلة، وكم أوقعت في رذيلة؟! وكم أكلة منعت أكلات؟! وكم من لذة فوتت لذات؟! وكم من شهوة كسرت جاهاً، ونكست رأساً، وقبحت ذكراً وأورثت ذماً، وأعقبت ذلاً، وألزمت عاراً لا يغسله الماء.

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: لقد خلق الله الإنسان، وأرسل له الرسل، وكلفه بالتكاليف الشرعية، ولم يتركه هملا، فمن أطاع رسله دخل الجنة، ومن عصاهم دخل النار، وإن من اختبار الله للناس أن جعل لهم أعداء يضلونهم عن الدين، لينظر هل يطيعونهم، أم يسلكوا الصراط المستقيم، وجعل أيضا من شياطين الأنس من يغوونهم، ويزينون لهم في الأرض، وجعل لكل إنسان قرينا يغويه، ليتبين الصادق من الكاذب، فالإنسان محاط بالفتن التي تكثر في زمن وتقل في آخر، ونحن في زمن تكالبت فيه الشرور على الإنسان من كل حدب وصوب، فعظم عليه البلاء، وصعب الامتحان، حتى صار المتمسك بالدين، والمحافظ على الشرائع، المتجافي عن الفتن، كالقابض على الجمر، وله أجر خمسين من الصحابة، كما صح به الحديث.

 

عباد الله: إن من الناس من يتبع هواه، يعني ما تهواه نفسه وتميل إليه، فليس له رادع عن الهوى، فلا شيء عنده محرم، ولا يخاف الله في أن يرتكب المحرمات التي يهواها، فقلبه خال من الخوف من الله، ولربما تعلل بقوله: إن الله غفور رحيم.

 

ولقد نهى الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن طاعة من هذا وصفه، فقال: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28]، فمن اتبع هواه فأمره منفرط عليه، ولا يهتدي للحق طالما أنه يتبع هواه، قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) أي: مَهْمَا اسْتَحْسَنَ من شيءٍ ورآه حَسَنًا في هَوَى نفسِه؛ كان دِينَه ومَذْهبَه؛ كما قال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ)[فاطر: 8].

 

ومَنْ تأمَّل المعاصي وجَدَها تنشأ من تقديم هوى النفوس على مَحبَّةِ اللهِ ورسولِه -صلى الله عليه وسلم-، وقد وصف الله -تعالى- المشركين باتِّباع الهوى في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، وكذا البِدَعُ تنشأ من تقديم الهوى على الشرع؛ ولهذا يُسمَّى أهلها: "أهل الأهواء".

 

والهوى شيء مُلازِمٌ للإنسان، لا يستطيع مُفارقَتَه، فلا يُعاقَبُ عليه إلاَّ عند العمل به، فإذا صدَّق ذلك بالعملِ؛ حُوسِبَ على هواه وعملِه، قال ابنُ تيمية -رحمه الله-: "نَفْسُ الهوى والشَّهوةِ لا يُعاقَب عليه؛ بل على اتباعِه والعملِ به، فإذا كانت النفسُ تَهْوَى وهو ينهاها؛ كان نهيُه عِبادةً لله، وعملًا صالحًا"، ومَنْ كانت هذه حاله فله الجزاء الحَسَن، قال سبحانه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40].

 

معاشر المسلمين: للأسف هذه حال كثير من الناس هذه الأيام، تجدهم في تسارع شديد في اتباع الهوى، كلما سمعوا بفتن تشيب منها رؤوس أهل التقى سارعوا إليها بلا خوف من الله ولا رادع ولا حياء، ومثل هؤلاء وبال على المجتمع، ويجرون له الويلات والعقوبات، إن لم يأخذ أهل الحل والعقد على أيديهم.

 

اللهم إنا نعوذ بك مما فعل السفاء منا. اللهم اهد ضال المسلمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: إن اتباع الهوى لدى الناس ينشأ من التربية المنزلية، كلما حرص المربون على تربية أبنائهم على معالي الأخلاق والخوف من الله، كلما نشأ عندنا جيل يخافون الله، ويجاهدون الهوى.

 

لقد كان السلف -رضي الله عنهم- يحذرون اتباع الهوى كما حذروا الأمة من ذلك ومما أثر عنهم في ذلك قول علي -رضي الله عنه-: "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة"، وقال رجل للحسن البصري: "يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: جهاد هواك"، وقال ابن تيميه: "جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم"، وقال بشر الحافي: "البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه"، وقال عطاء: "من غلب هواه عقله وجزعُه صبرَه افتضح"، وقال أبو علي الثقفي: "من غلبه هواه توارى عنه عقله".

 

وقال ابن المبارك: 

ومن البلاء وللبلاء علامة *** أن لا يُرى لك عن هواك نزوع 

العبد عبد النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع 

 

عواقب اتباع الهوى على العبد أن يتأمل كم أضاعت معصيته من فضيلة، وكم أوقعت في رذيلة؟! وكم أكلة منعت أكلات؟! وكم من لذة فوتت لذات؟! وكم من شهوة كسرت جاهاً، ونكست رأساً، وقبحت ذكراً وأورثت ذماً، وأعقبت ذلاً، وألزمت عاراً لا يغسله الماء.

 

عباد الله: لنسارع إلى التخلص من اتباع الهوى، وذلك بطلب العون من الله -تعالى-، ثم بعزيمة حر يغار لنفسه وعليها، وجرعة صبر يصابر نفسه على مرارتها تلك الساعة، وقوة نفس تشجعه، والشجاعة كلها صبر ساعة، وإبقائه على منزلته عند الله -تعالى- وفى قلوب عباده.

 

أيها الناس: احذروا من الفتن هذه الأيام، واعتزلوا مظانها، وحافظوا على من استرعاكم الله من أهليكم.

 

اللهم ارزقنا خشية منك تردعنا عن معاصيك.

 

المرفقات

ذم اتباع الهوى-2.pdf

ذم اتباع الهوى-2.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات