دلائل النبوة

إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

2025-02-21 - 1446/08/22 2025-04-14 - 1446/10/16
عناصر الخطبة
1/ محبة الصحابة الكرام من معالم الإيمان 2/من صفات الصحابة عليهم الرضوان 3/الغيب هو سِرّ الله 4/معجزات من إخبار الرسول ببعض الأمور الغيبية 5/سرد بعض دلائل النبوة المتعلقة بالإخبار عن المغيبات 6/الصحابة شاهدوا دلائل نبوة رسول الله.

اقتباس

صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاصروا التنزيل، ورأوا المعجزات الباهرات، والبراهين الواضحات، على صدق خير البريات، رأوا دلائل نبوَّته في سمته وخلقه ودعائه ودعوته ومعجزاته، فآمنوا وصدقوا، ثم ازدادوا يقينًا بصدق حبيبهم -صلى الله عليه وسلم-.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله الذي أسبغ على عباده نعمه ظاهرةً وباطنةً، وذكَّرهم شكر آلائه ونعمه، ليزداد عليهم فضله وإنعامه، وحذّرهم من كفرها، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أيَّد أولياءه بنصره، وأمرهم بالتفكُّر في آياته وآلائه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستَنَّ بسُنَّته إلى يوم القيامة.

 

أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأوَّلين والآخرين؛ (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[النساء: 131].

 

إن من معالم الإيمان الظاهرة محبة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم أبَرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه، كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: فحبُّهم سُنة، والدعاء لهم قُربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، وهل بعد ثناء الله عليهم ثناء؟

 

قال الله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100]؛ قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: "ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نفرط في حبّ أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".

 

عباد الله: من قلَّب ناظريه في كتب السير والتراجم وجد جيلاً فريدًا ربَّاه النبي -عليه الصلاة السلام-، اتَّسَم بالصدق والتضحية والإخلاص وحب الخير للناس، ضحوا بأرواحهم وأموالهم وراحتهم؛ فداءً لدينهم، ودفاعًا عن رسولهم، وطلبًا لمرضات ربهم، فصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاصروا التنزيل، ورأوا المعجزات الباهرات، والبراهين الواضحات، على صدق خير البريات، رأوا دلائل نبوَّته في سمته وخلقه ودعائه ودعوته ومعجزاته، فآمنوا وصدقوا، ثم ازدادوا يقينًا بصدق حبيبهم -صلى الله عليه وسلم-.

 

واليوم -يا عباد الله- نريد أن نعيش معهم حتى ولكأن أعيننا تزدان برؤية المصطفى، ولكأن آذاننا تتشنف بسماع صوته ولذيذ خطابه، فنُبصر كما أبصر صحابة رسول الله دلائل نبوَّته فنتأثر بها كما تأثَّروا، ونتطلب قوة الإيمان كما طلبوا.

 

عباد الله: الغيب هو سِرُّ الله، فهو وحده الذي يعلم السر وأخفى، وهو -سبحانه- وبحمده من قال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

ولقد أكرم الله رسوله بكشف بعض الغيب له، فكان من دلائل نبوَّته -عليه الصلاة والسلام-، ففي سفره إلى تبوك أخبر الصحابة فقال لهم: "ستَهُبّ عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيِّئ".

 

يا أخي، لو كنت معهم في سفرهم وأخبرت بخبرهم ألا يزداد إيمانك ويقوى يقينك، اجعل نفسك مكان صاحب القصة تعتبر.

 

قال النووي: "هذا الحديث فيه هذه المعجزات الظاهرة من إخباره -عليه الصلاة والسلام- بالمغيب، وخوف الضرر من القيام وقت الريح، وفيه ما كان -عليه الصلاة والسلام- من الشفقة على أمته والرحمة بهم، والاعتناء بمصالحهم، وتحذيرهم مما يضرُّهم في دين ودنيا".

 

وفي الحرب العظمى بين أقوى دولتين في ذلك الزمان -الفرس والروم- يخبر القرآن بهزيمة الروم ثم انتصارهم بعد بضع سنين على الفرس، فيتلقى هذا الخبر المسلمون بالقبول فرحين بنصر الروم؛ لأنهم أهل كتاب، وأقرب إلى دينهم من هؤلاء الوثنيين مع أن ظاهر الأحداث كانت في مصلحة الفرس.

 

ولكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داوموا التصديق لنبيِّهم -صلى الله عليه وسلم-، فيُراهن الصديق أُبَيَّ بن خلف على ثلاث سنوات بانتصار الروم، ثم يذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: زد في المدة، وزد في الرهان، ففعل وتحقَّق نصر الروم على الفرس على مرأى ومسمع من الصحابة.

 

يا الله! كيف ثبتت هذه الأخبار صحابة رسول الله، وهي كما ثبتتهم يجب أن تثبتنا، قال -تعالى-: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الروم: 1 - 5].

 

تتعاقب الأحداث وتتوالى انتصارات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويعزم على فتح مكة ويُعمِّي خبرها عن الناس لمفاجأة قريش ناقضي صلح الحديبية. وأمر من علم من الصحابة أن يكتموا الخبر ليتسنى للمسلمين الانتصار؛ ولكن ضعفت نفس حاطب، فأرسل إلى أهل مكة برسالة عن طريق امرأة، فيأتي الوحي لحبيبك -صلى الله عليه وسلم-، ويخبره فتأتي الأوامر المحمدية لعلي وزيد والمقداد بن الأسود، قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها"، فأخذوه، ألا يزداد بعد ذلك الخبر إيمان أصحاب رسول الله بصدق حبيبهم.

 

قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفيه من أعلام النبوة إطلاع الله نبيَّه على قصة حاطب مع المرأة".

 

أما سمعت بخبر نبيك -صلى الله عليه وسلم- حين نعى القادة الفرسان الثلاثة في مؤتة وقد استشهدوا في الشام وهو في المدينة، اسمع لحبيبك يقول: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم"(رواه البخاري).

 

قال الإمام الطحاوي: ومنه علم ظاهر من أعلام النبوة، وحين يخبر أبا هريرة -رضي الله عنه- في قصته مع الشيطان الذي تتابع مجيئه ثلاث مرات أنه سيعود ويعود.

 

ولما انتصر النبي -عليه الصلاة والسلام- في بدر جمع اليهود وقال لهم: "يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا"، فيقولون: يا محمد، لا تغرنك نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله، لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله؛ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آل عمران: 12]، وما هي إلا سنين وينتصر -عليه الصلاة والسلام- على اليهود.

 

ولقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- عن أخبار تحدث بعد وفاته، فهذه أم حرام بنت ملحان قد سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا"، فقالت أم حرام: قلت يا رسول الله، أنا منهم، قال: "أنت منهم"، ويأتي زمان فتكون معهم وتتوفى في تلك الغزوة.

 

ولقد أخبر الرسول أُمته عن الحسن بن عليّ؛ فقال: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين"، ويتوفى عليّ -رضي الله عنه- ويتنازل الحسن -رضي الله عنه- لمعاوية فيصلح بين فئتين من المسلمين؛ فصلى الله وسلم على مَن بعثه الله رحمةً للعالمين.

 

وعمار يقول عنه النبي: "تقتلك الفئة الباغية"، ومما أخبر عنه -عليه الصلاة والسلام- مما هو كائن قدوم أويس القرني من اليمن، ولقد ذكر لأصحابه بعض صفاته، فقال: "إن رجلاً يأتيكم من اليمن يُقال له: أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فأتى أويسًا فقال: استغفر لي فاستغفر له، وكان عمر -رضي الله عنه- يتحرَّى قدومه ويسأل كل وفد أتى من اليمن حتى رأى أويسًا وسأله أن يدعو له، ثم غادر أويس مع عامة الناس.

 

ومن ذلك ما قال عنه النبي: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه -أي: السنة- ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه"؛ وصدق رسول الله، فيخرج من يسمى بالقرآنيين الذين لا يقبلون غير القرآن ويردون سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلى الله على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

 

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله واعلموا أن الصحابة شاهدوا دلائل نبوة رسول الله مما قوَّى إيمانهم، وزاد في يقينهم، ولقد رأيت ورأيتم وعد رسول الله يتحقَّق الواحد تِلْوَ الآخر مما يزيد ذلك من إيماننا ويقوي يقيننا كما كان أسلافنا عليهم رضوان الله؛ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 23].

 

المرفقات

دلائل النبوة.doc

دلائل النبوة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات