عناصر الخطبة
1/محبة النبي صلى الله عليه وسلم لمكة 2/محبة كل المسلمين لبلاد الحرمين 3/كيفية التعاطي مع الأحداث العامة والقضايا المهمة 4/وجوب الحذر من الشائعات والأراجيف.اقتباس
ولا بُدّ من لفت انتباه المسلمين لما يحاوله أعداء الدين والوطن من تضخيم بعض الأحداث أو الأخطاء وجعلها مصيبة المصائب وقضية القضايا مع حملات موجَّهة وضجَّة إعلاميَّة مستأجرة يخوض في حمأتها متعدِّد الأطراف في القنوات وبرامج التواصل، وهي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ..
معاشر المؤمنين والمؤمنات: إن السنن الكونية تجري بنظام محكم وقضاء وأمر من الله مبرم ومسلّم يرحم الله بها من يشاء من عباده فتنفعه، ويبتلي بها من يشاء من عباده فتضره، فهي مسخرة بمشيئة الله، وليس لها مشيئة ولا تدبير: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[الإنسان: 30]، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)[فاطر: 13]؛ فالحوادث الكونية كلها بيد الله وبمشيئة الله لا شريك له في ذلك.
معاشر المؤمنين: إنَّ الله -تعالى- مَنَّ علينا بنِعَم لا تُحْصَى فأسبَغ علينا نِعَمه ظاهرة وباطنة بكرمه وجوده وفضله؛ فقد خلقنا لعبادته وطاعته، فيجب أن نُسَخِّر أنفسنا في طاعته في العسر واليسر، في المنشط والمكره، وفي السراء والضراء، وأن نستعمل نعمه فيما يرضيه، ونحرص أن تكون عونًا لنا على مرضاته وسببًا لدخول جناته: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162- 163].
عباد الله: يقول الله -تعالى- عن خليله ابراهيم -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إبراهيم: 35]، ويقول -جل وعلا-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت: 67]، وفي سورة قريش يقول –عز وجل-: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ)[سورة قريش: 1- 3]، وقال سبحانه: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين)[التين: 2].
وحب مكة كان في سويداء قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول المُحِبّ لوطنه مكة وهو يغادرها مهاجرًا: "والله إنك لأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت"، ولا يزال هذا الحب والانتماء في قلب كلِّ مسلمٍ.
إنَّ الدفاع عن الوطن والبلاد الإسلامية هو في حقيقته دفاع عن بيضة الإسلام وحوزة المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم، والمسلمون بنيان واحد، وأمة واحدة، وجسد واحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
فأيّ عدوان يمسُّ لَبِنَة من بناء المسلمين وبلادهم؛ فإنه اعتداء على حرمات كل المسلمين، فكيف لو كان العدوان على مهبط الوحي ومنبع الرسالة وقبلة المسلمين التي يتوجهون إليها في صلاتهم خمس مرات.
إن بلادنا بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ليست بلدنا وحدنا ولا همنا وحدنا بل هي بلد ووطن كل مسلم؛ لأنها قِبلتهم ومهوى أفئدة كل موحد، أمنها أمن المسلمين واستقرارها استقرار العالمين قال -تعالى-: (جَعَلَ اللهُ الكَعبَةَ البَيتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)[المائدة: 97]؛ فلقد صنع التأريخ في بلاد الحرمين من مكة وطابة وجرت فيها أحداث غيَّرت مجرى التأريخ كله، وما زالت ولن تزال بحول الله وقُوّته؛ فهي الرابطة الإيمانية التي يجتمع عليها العرب والمسلمون، وبها يفتخرون ويعتزون، وكتب الله لها أسباب العزة والسؤدد؛ لأنها ليست مبنية على عصبية أو عرقية أو مذهبية، ولكنها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وينعم بظلها كل مستظل فرايتها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونهجها الإسلامُ، ودستورها القرآن، وطاعة ولي الأمر دين وعقيدة، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
لقد قد حان الوقت ليعرف العالم أجمع أنَّ بلاد الحرمين الشريفين هي وطنٌ غالٍ ومكان محبَّب لكل موحِّد على وجه الأرض، ولكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله يدافع عنه بنفسه ونفيسه.
ولا بُدّ من لفت انتباه المسلمين لما يحاوله أعداء الدين والوطن من تضخيم بعض الأحداث أو الأخطاء وجعلها مصيبة المصائب وقضية القضايا مع حملات موجَّهة وضجَّة إعلاميَّة مستأجرة يخوض في حمأتها متعدِّد الأطراف في القنوات وبرامج التواصل، وهي جزء من الحرب على الإسلام ومجتمعات المسلمين هدفها التحريش والتشويش والإخلال بالأمن وإضعاف الروح المعنوية للمسلمين.
ويعظم الخطر ويزداد الضرر إذا كانت هذه الحروب والهجمات الإعلامية المرجفة هدفها وسهامها بلاد التوحيد ومأرز الإيمان؛ المملكة العربية السعودية في دينها وولاتها وعلمائها، وأمنها ومكتسباتها ومقدّراتها في محاولات يائسة بائسة لإثارة الفتن وجرّ الناس للتنازع والاختلاف الذي عاقبته الفشل وذهاب الريح: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].
فلنتق عباد الله في إحسان تعاطي الأحداث والقضايا مع لزوم الهدوء والحذر، في ظل ما يمر به عالمنا من أحداث متسارعة وتقلبات متتابعة وأن يكون القول الفصل بالرد إلى كتاب الله وسنة ورسوله وأولي الأمر وأهل الحل والعقد: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 83].
إخوة الإيمان: إن أعداء الدين والوطن يسعون لهدم كيان دولة التوحيد، وإشاعة الفوضى من خلال إطلاقهم الشائعات والأراجيف؛ فحذار حذار عباد الله من الشائعات والأراجيف فـ"بئس مطية الرجل زعموا"، و"كفى بالمرء إثمًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع"، (لَئِن لم يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً * مَلعُونِينَ أَينَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقتِيلاً * سُنَّةَ اللهِ في الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً)[الأحزاب: 60- 62].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا..
وبعد عباد الله يقول -جل وعلا-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ،إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)[الأنبياء: 105].
إن المملكة العربية السعودية كانت ولا زالت صامدةً، ولن تتنازل ولن تتزحزح عن مبادئها وقيمها الإسلامية والإنسانية حول القضايا الإسلامية والعربية، وجهودها مذكورة وسعيها موصول -بإذن الله- في نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، ونفوسنا مطمئنة بوعد الله؛ فمهما تسلط الأعداء فإن النصر حليف المؤمنين والصابرين، وللبيت رب يحميه.
فلنتق عباد الله، ولنكن على يقظة من أمرنا ولنأخذ حذرنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)[النساء: 71]، فكم من متربِّص يريد تفتيت وحدتنا وتمزيق شملنا، فلنقف صفًّا واحدًا، ولنتمثل قول ربنا -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ * وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 102- 105].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم