دعوة للتغيير في ظلال أحداث سوريا

عمر القزابري

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ أقل الواجب في زمن الخذلان 2/ من مقتضيات الإيمان تحقيق الأخوة 3/ من تجليات الأخوة الإيمانية 4/ متى يستعد المسلم للتغيير الحقيقي النافع؟ 5/ كيف يتغير المسلم؟ 6/ الصبر والتقوى سلاح كل مسلم 7/ تشخيص أسباب ما تمر به الأمة اليوم 8/ سنن الله لا تتغير ولا تتبدل 9/ دور المخلصين في نجاة الأمة 10/ على كل إنسان دور وواجب لنصرة أمته

اقتباس

أنت -يا من انفعلت مع القضية.. يا من مللت من السكوت.. يا من أصابتك الكآبة من الأحداث- هل أنت مستعد للتغيير الآن وأنت تسمع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، كم منا -أيها الأحباب- مستعد للتغير الآن؟ كم منا مستعد أن يتقن صلاته ويؤديها على أكمل وجه في المسجد؟ كم منا مستعد لأن يستيقظ كل يوم لصلاة الفجر ويجاهد النوم؟ كم منا مستعد الآن لترك الربا والتوبة من حرب الله ورسوله؟ كم منا مستعد لترك البدع والخرافات والمحدثات التي نخرت جسد الأمة وطعنتها في عقيدتها التي هي سرّ عزتها وسبيل مناعتها؟!!

 

 

 

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..

معاشر الصالحين: في ظلال الأمل ومن بين لسعات الألم نواصل الحديث مثقلين بمخلفات ما نرى ونسمع عن أحوال المسلمين .. منطلقين من آلام استوطنت القلب لتتدفق على الجوارح فيعبر اللسان ويترجم البنان، وذلك أقل الواجب في زمن الخذلان إنه لا يمكن أبداً لأي مسلم صادق أن يغضّ الطرف عما يجري في سوريا من أحداث لا يمكن أبدًا .. وإنْ يفعل فهو إنسان مشكوك في إيمانه؛ لأن من مقتضيات الإيمان تحقيق الأخوة، يقول ربنا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

ومن تجليات هذه الأخوة: المشاركة في الأفراح والأحزان .. يقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

إذاً فإن الأمر من صميم الإيمان وليس هو من قبيل نشر الأحزان أو إحياء الأشجان، وليس هو من قبيل عرض الوقائع والفظائع لتستقبحها النفوس وتمجّها الطبائع ثم يقف الأمر عند هذا.

لقد تحمس الجميع ورددوا الهتافات وتعالت الأصوات وتوالت الصرخات، وما زالت الأوضاع كما هي والظالمون ينتهكون الحرمات والعالم يتابع التطورات والمسلمون في الأرض الطاهرة يحاصرون ويغتالون ويعتقلون ويمتهنون ويقصفون ويعدمون وماذا بعد ؟!!

أنت يا من انفعلت مع القضية .. يا من مللت من السكوت .. يا من أصابتك الكآبة من الأحداث .. هل أنت مستعد للتغيير الآن وأنت تسمع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

كم منا أيها الأحباب مستعد للتغير الآن ؟ كم منا مستعد أن يتقن صلاته ويؤديها على أكمل وجه في المسجد ؟ كم منا مستعد لأن يستيقظ كل يوم لصلاة الفجر ويجاهد النوم ؟ كم منا مستعد للإقلاع عن التدخين الآن ودون تسويف؟ كم فتاة مستعدة لارتداء الحجاب الذي أمر به الله ورسوله ؟ كم منا مستعد الآن لترك الربا والتوبة من حرب الله ورسوله؟ كم منا مستعد لترك البدع والخرافات والمحدثات التي نخرت جسد الأمة وطعنتها في عقيدتها التي هي سر عزتها وسبيل مناعتها؟

كم منا مستعد الآن لأن يتقبل النصيحة في دينه ويعمل بها دون إحراج ودون أن تأخذه العزة بالإثم ؟ كم منا ستكون مرجعيته القرآن والسنة في كل أمر من أمور حياتنا صغر الأمر أم كبر؟

من هنا نبدأ أيها الإخوة الكرام ... من هنا تبدأ الأمة إذا أرادت أن تستعد عزتها التي ضيعتها في نفسها يوم أن ضيعت أوامر ربها وهجرت كتاب خالقها وسنة نبيها (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].

وخلاصة القول: والقول موجه لكل مسلم تعلم معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد قال الله لأشرف عباده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19]، ثم افهم معنى كونك مسلمًا، ثم اعمل بما علمت وعلمه أبناءك وازرعه في قلوب إخوانك، وانثره على جيرانك وتكلم فيه بالمجالس وادعُ إليه في عملك وشغلك، تنفسه في الهواء واشربه مع الماء، ولتكن الدعوة إلى الله على أطراف لسانك وفي دقات قلبك ووجدانك، تكلم بآيات القرآن وبالحديث في كل مكان ..

إذا قالوا لك المغنيات والمغنيين فقل: بل مجالسة الصالحين ..

وإذا قالوا السهرات والأغاني فقل: بل تدبر القرآن وما فيه من المعاني ..

وإذا قالوا دع الناس يلهون ويلعبون فقل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

لا تقل من أين نبدأ .. أنت البداية .. أنت البذرة الطيبة .. أنت أمل الأمة .. أنت الحل .. أنت الشمعة التي تضيء الظلمة .. لا تقل من أين نبدأ، بل قل: أنا أبدأ ..

نعم إخوة الإيمان: هذا هو المشروع الذي نواجه به كيد أعداء الله الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل الفتك بالمسلمين والقضاء عليهم فماذا نحن فاعلون ؟

يـا أمّـة الحـق والآلام مقبلـة *** متى تَعِينَ ونار الشر تستعر؟!
متى يعـود إلى الإسلام مسجده؟! *** متَى يعود إلى مِحرابه عمر؟!
أكلَّ يـوم يُرى للديـن نازلـة؟ *** وأمّة الْحق لا سمع ولا بصر؟

فلنرفع الغطاء عن أنفسنا، ولنكشف الغشاوة عن أبصارنا، ولنفتح بالوعي أذهاننا، ولتكن حياتنا ملئها التواصي بالحق والمصارحة والتناصح في الله والمكاشفة .

كفانا نكبات تجرح مشاعرنا .. كفانا كوارث تهز كياننا .. كفانا نكسات تسود وجوهنا ..

ألا يئسنا من تلمس النصر عند البشر من دون الله ؟!! ألم نتعظ من استجداء النصر من الغرب والشرق ؟! أما آن لنا أن نتوجه إلى الله ؟ أما آن لنا أن نجرب شرع الله ؟

لقد جربت الأمة كل النظريات والأيدلوجيات والأفكار فلم تزدد إلا انهيارا ودماراً ..

أما آن للذين يحاربون الإسلام بالليل والنهار أن يتوبوا ويؤوبوا وينظروا إلى عاقبة الذين سبقوهم في طريق الفساد والإلحاد والعناد كيف طمست آثارهم ؟ وكيف زالت أفكارهم ونظرياتهم ؟ أما آن للذين ينظرون إلى الرقي على أنه رقص وسهرا وعري أن يعلموا أنهم إلى الله راجعون وبين يديه موقوفون وعن كل شيء مسئولون ..

أما آن للأمة أن تقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 118 - 120] .

ها هو الحل لمن يطلبه .. ها هو العلاج لمن يريده (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) الصبر وحده لا يكفي (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120] .

الصبر والتقوى هذا هو العلاج الذي تنهار أمامه كل أنواع الطعن وتنهزم أمامه كل ألوان الكيد والمكر ولكن أين من يستمع وأين من يتعظ ؟!!

لا نزال نتعلق بالكافرين في حل مشاكلنا وأنتم ترون اليوم العالم كله يرى ما يتعرض له أحبابنا في سوريا من مجازر وقتل وذبح واغتصاب ولا يحركوا ساكنًا، وإذا تكلم كان صمته أولى من الكلام ..

قتل وتشريد وهتك محارم *** فينا وكأس الحادثات دهاقُ
وحشية يقف الخيال أمامها *** متضائلا وتمجها الأذواقُ
أين النظام العالمي أما له *** أثر ألم تنعق به الأبواق
أين السلام العالمي لقد بدا *** كذب السلام وزاغت الأحداق

فقولوا لي بالله عليكم ما نتيجة إقرار الناس على الجرائم والمنكرات ؟ ما نتيجة سكوت الناس عن الفواحش والضلالات ؟ ما نتيجة تقديم العصاة في المسئوليات وتأخير المؤمنين والمؤمنات؟ ما نتيجة ترك الصلوات وإهمال الزكوات ؟ ما نتيجة تسهيل المسكرات وتعاطي المخدرات؟ ما نتيجة إطلاق العنان لإرواء الملذات والجري وراء الشهوات؟ ما نتيجة الركون إلى الذين فسقوا ومداهنة الذين كفروا وموالاة الذين ظلموا ؟

وماذا ننتظر بعد المجاهرة بكل أصناف المعاصي والمنكرات والفواحش والسيئات ؟

إن ما تمر به الأمة اليوم ما هو إلا حصاد زرع سابق، ونتيجة سلوك ماحق، والنتيجة يراها الناس اليوم بأم أعينهم ..

وفي المنطق السليم والعقل الرصين والفكر الرشيد أن المريض يبحث عن الدواء، وأن المعلول يفتّش عن الاستشفاء، ووالله لا دواء للأمة إلا بشرع ربها، ولا شفاء إلا بكتاب بارئها، ومن عرف الدواء استعمله وانتفع به ونفع به غيره.

كم نحتاج أيها الأحباب إلى هذه المعاني في عصر تملؤه الظلمة، في عصر غدا كغرفة كبيرة معتمة مظلمة نبحث داخلها عن مصدر للضوء وبصيص للأمل نتمسك به علنا نخرج مما نعيش فيه.

في هذا الوقت يبصر الرأي طرقًا شتى تتفرع أمامه، ومسارات تتعدد، وأروقة تضيق تارة وتتسع أخرى .. طريق واحد هو الطريق الصحيح من بين زحام الطرق التي أمامنا، ولنجيد الاختيار لا بد من العلم والحكمة فالوصول للعزة ليس أمرًا سهلاً، وطريقه ليس طريقًا معبَّدًا، ولكن علينا أن نعرف بداية الطريق ..

فبدايته وقفة .. نعم .. وقفة صادقة مع هذه النفس الضعيفة، هذه الوقفة الصادقة لن تبذل عقولنا جهدًا بالغًا لتعرف أن الطريق الصحيح بدايته التوبة النصوح والعمل الصادق.

من هنا من أنفسنا البداية، ولنبتعد عن إلقاء التُّهَم على الآخرين وتبرئة أنفسنا، لنكن صالحين في أنفسنا مصلحين لغيرنا فهذه هي البداية وهذا هو الطريق الصحيح والاتجاه السليم وليكن شعارنا (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162 - 163].

جعلني الله وإياكم ممن ذُكِّر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا ..آمين .. آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل عز هذه الأمة مرتبطًا بالدين؛ إن أقامته تُنصر، وإن ضيعته تضعف وتشتكي، والصلاة والسلام على سيد التقين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المجاهدين الذين أدركوا عزة الإسلام فصالوا وما خانوا، ودافعوا وما باعوا، وعلى من تبعهم بنفس الفكر وعلى ذات المنهج إلى يوم الدين .

معاشر الصالحين: إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل، فالله عز وجل وعدنا بالنصر وأن يهزم عدونا، ولكن إن نصرنا وجاهدنا لإعلاء كلمته وربينا أنفسنا على طاعته والفرار من معصيته ..

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، وأخبر تعالى أنه لن ينصر إلا أهل الطاعة والإيمان لا أهل الفجور والخذلان، فقال وهو الرحيم الرحمن: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51].

وبيّن لنا سبحانه أنه إن تولينا عن نصرة دينه ورفع رايته فإنه يستبدل قومًا يقومون بحق الله وبنصرة دينه (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

أي أخي: تأمل وانظر إلى بلاد المسلمين كم يوجد فيها من ضريح يُعبَد من دون الله، ويُطاف عليه ويُستغاث بصاحبه؟!

كم هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله، بل يتحاكمون إلى الطاغوت؟!

كم من بدعة تُقام في ديار المسلمين صباح مساء، كم من فاحشة تُنتهك في ظلام الليل؟!

كم من إنسان يبخس الكيل والميزان، ولا يصدق في المعاملة مع ربه ومع الناس ؟!

كم من صرح ربوي في بلاد الإسلام يجاهر الله بالمحاربة ؟!

كم هم الناس المعرضون عن دين الله وحكمه وكتابه، والمقبلون على الملاهي والخمور؟!

كم هم الناس الذين لا يصلون ويدّعون بأنهم مسلمون ؟

انظر إلى الشوارع في بلاد المسلمين لا ترى في الغالب إلا التبرج ومظاهر الفساد، وانظر إلى معاملات المسلمين ترى العجب العجاب من غش وتدليس، وخلف للعهد، وإخلاف للوعود، وأكل للحقوق، بل من المسلمين من يأكل أموال الناس باسم الدين ..

وانظر إلى العصبيات والقبليات والعرقيات المنتنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة".

كل هذا موجود في بلاد المسلمين إلا من رحم ربك، ثم مع هذا نريد نصر الله وأن يهزم عدونا، ويكف شره ويكبت أمره ..!!!

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأقبل علينا بوجهه، وقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهنَّ -وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتَّى أعلنوها إلا ابتلاهم الله بالسنين –يعني بالجفاف والقحط- وشدَّة المؤنة وجور السلطان، ولا منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء ؛ ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلِّط عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل بأسهم بينهم" أخرجه الحاكم و البيهقي بسندٍ صحيح .

كل هذه المخالفات فينا وكل هذه العقوبات المرتبطة بها حلت بوادينا (جَزَاءً وِفَاقًا) فنفسك لُمْ ولا تَلُمْ المطايا .

وورد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد يُقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا"، وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة فإذا أقيمت الحدود وظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله حصل الرزق والنصر" انتهى كلامه رحمه الله.

وعليه فالبكاء على بلاد المسلمين دون عمل وتوبة صادقة لا يحقق نصرًا، ولا يعيد أثرًا، وقد قيل في المثل: "إيقاد شمعة خير من لعن الظلام".

فلتبدأ بالتغيير والعمل، ولنترك لوم الزمان والدهر، فهو فعل الفاشلين العاجزين، ولله در القائل:
ما لي ألوم زماني كلما نزلت *** بي المصائب أو أرميه بالتهم
أو أدعي أبداً أني البريء وما *** حملت في النفس إلا سقطة اللمم
أنا الملوم فعهد الله أحمله *** وليس يحمله غيري من الأمم

ورضي الله عن أبي الدرداء حين كان يقول للغزاة: "يا أيها الناس! اعملوا الصالح قبل الغزو، فإنما تقاتلون بأعمالكم".

ولله در الفضيل بن عياض حين قال للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم: "عليكم بالتوبة؛ فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف".

وقد روت لنا كتب التاريخ أنه في أعقاب معركة اليرموك الشهيرة وقف ملك الروم يساءل فلول جيشه المهزوم والمرارة تعتصر في قلبه والغيظ يملأ صدره قال لهم: "ويلكم! أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم أليسوا بشرًا مثلكم؟ قالوا: بلى أيها الملك، قال: أأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: نحن أكثر منهم في كل موطن، قال: فما بالكم إذاً تنهزمون؟ فأجابه شيخ من عظمائهم: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويتناصفون ببينهم، أقاموا العدل فيما بينهم" ذكره ابن كثير في البداية والنهاية .

كان يُنصَرُون لأنهم كانوا يحملون همّ الدين، واليوم اسأل كل مسلم من المسلمين، سله من صباحه إلى مسائه فيما تفكر؟ ما الذي يشغل قلبك؟ ما الهم الذي تحمله؟ ستجد أن الهم الذي يحمله الناس في الغالب: الوظيفة، المعاش، الزوجة، الأولاد، هذا بالنسبة للعقلاء فينا، أم غيرهم فتجد أمورًا أخرى لا تستحق أن تُذكر، هذا هو الهمّ في الغالب، ثم ماذا؟ ثم لا شيء!!!

ينام على الفراش ليستيقظ ليوم جديد، يقول ربنا عز وجل: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89] أي قلب هذا القلب السليم؟ قلب تجده إن جاء وكبّر في الصلاة همّه في الدنيا؟! هل هذا القلب السليم؟! قلب إن قرأ القرآن فهو لا يفكر إلا في الدنيا ؟ قلب من صباحه إلى مساءه يفكر في المال وفي المشاريع وفي السلطة وفي الكراسي؟

 

أسألكم بالله فيما نفكر ..؟! ما الذي يشغل همنا من صباحنا إلى مساءنا ؟ ما الذي يطغى على تفكيرنا وعلى قلوبنا ؟ هل هي الدار الآخرة؟ هل هي سكرات الموت ؟ ألا تفكروا في هذه الأمور ؟ هل نفكر يوم نحمل على الرؤوس ونوضع في تلك الحفرة المظلمة الموحشة حيث لا أنيس ولا جليس (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء: 77].

يقول يوسف قال لي سفيان الثوري: ائتيني بالماء، يقول: فقربت إليه كوزًا من ماء يقوم في أول الليل، يقول: فاقترب من الماء ووضع يده على خده، يقول: فتركته وذهبت ونمت، يقول: فاستيقظت لصلاة الفجر فجئت إليه فإذا هو على الحال التي تركته عليها، فقلت له: يا أبا عبدالله، أما زلت على الحال التي تركتك عليها؟، قال: نعم، قلت: ولما ؟ قال: همّ الآخرة.. همّ الآخرة.

هذا شأن المخلصين، قال تعالى (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) لا يغيب ذكر الآخرة عن بالهم ..
من الهموم التي لا بد أن تشغلك أيها المسلم همّ هذه الأمة، همّ إصلاحها، هم التزامها وهمّ الظلم الواقع عليها ..

ألا يحزنك أن تقوم بصلاة الفجر وغيرك نائم لا علاقة له براكع وساجد ؟!

ألا يحزنك أن ترى الأمة تغرق في الربا والمخالفات ؟!

ألا يحزنك الظلم الواقع بها وسوريا خير دليل وأصدق شاهد !! هذا القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي والتواطؤ الجماعي والخذلان الجماعي، ألا يحزنك هذا؟ ألا يحز في صدرك؟ ألا يمنع النوم من عينيك؟ ألا يحزنك المد الشيعي الخبيث اللعين الذي أصبح يحدق بالمسلمين بتمكين من الشرق والغرب ..

ألا يحزنك بعض من ينسبون إلى العلماء مع أهل الظلم والاستعلاء وبالمناسبة، فعما قريب إن شاء الله سينتصر الله لأهل الشام وسينتقم سبحانه لدمائهم، وسيدمر من طغى وبغى عليهم، وتلك سُنته سبحانه بمقتضى قوله: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة: 22].

إذاً أيها الأحباب من هنا يبدأ الإصلاح من عالم الأرواح قبل عالم الأشباح، ومن العقائد والأخلاق قبل القناطر والأنفاق.. (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف: 170] .

اللهم إنا نسألك بحق لا إله إلا الله، يا جبار يا منتقم، نسألك أن تنتقم من طاغية الشام ... اللهم انتقم من طاغية الشام .. اللهم انتقم من طاغية الشام ..

 

 

 

 

 

المرفقات

للتغيير في ظلال أحداث سوريا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات