عناصر الخطبة
1/فوائد من حديث: "ثلاثة لا ترد دعوتهم...". 2/جزاء الإمام العادل ودوره في صلاح أحوال الرعية 3/نفحات ورحمات شهر رمضان المبارك 4/افتراء أهل الباطل على شهر رمضان ودور المسلمين لدحض ذلك 5/نصرة القوى العزيز لدعوة المظلوم 6/الوصية باللجوء إلى الله والتضرعاقتباس
في كل عام تُقلَب الأمورُ وتُشوَّه الحقائقُ، ويُصَدِّر الإعلامُ الكاذبُ للعالَم أن شهر رمضان هو شهر التوتر والإرهاب، ويُكمِل المعتدي تزييفَه، ويدعو الدولَ لتمرير هذا الافتراء على شهر رمضان، ويناقض الباطل نفسه بنفسه، ولكن هذا التضليل لا ينطلي على المرابطين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[إِبْرَاهِيمَ: 42].
الحمد لله؛ (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 23].
الحمد لله؛ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إِبْرَاهِيمَ: 27].
الحمد لله؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شعبان: "شَهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، وأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ".
سبحانكَ ربَّنا، أذنَبْنا فسترتَنا، سبحانكَ غفَلْنا فأَمْهَلْتَنا، سبحانَكَ عصيناكَ فحلمتَ علينا، سبحانكَ ربَّنا؛ (ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 115].
اللهم انصر دين محمد، اللهم انصر مَنْ نصَر دينَ محمد، اللهم اخذل مَنْ خذل دينَ محمد، اللهم اخذل مَنْ خذَل معراجَ محمد، اللهم اخذل مَنْ خذَل المرابطينَ في معراج محمد، اللهم مَنْ رَفَقَ بأُمَّة محمد فارفُق به يا ربَّ العالمينَ، اللهم مَنِ اعتدى وشقَّ على أُمَّة محمد فاشقُق عليه، اللهم مَنْ خان أهلَ الرباط فاسلُبْه مددَ الإمهال، اللهم مَنْ تآمَر على أرض الإسراء فأَرِنا فيه قوتَكَ يا ذا البطش الشديد.
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الوجود مُلكُه، والقضاء حِكمَتُه، لا عزَّ إلَّا في طاعته، ولا سعادةَ إلا في رضاه، وكلُّ الكائنات طوعُ إرادته، قضى بين العباد بعدله؛ (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ)[غَافِرٍ: 17].
وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلاةً تملأ خزائنَ الأرض نورًا، صلاةً تكون لنا وللمسلمين نصرًا وفرجًا وسرورًا، صلاةً تكون للمرابطين في مُدُنِنا وقُرانا أمنًا وطمأنينةً وسلامًا، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم من العلماء والأولياء والمصلِحينَ، وسلامٌ على الشهداء والأسرى والجرحى والمكلومين، وسلامٌ على المحاصَرين والمرابطينَ في بيوتهم بأرض فلسطين، وعلينا معَهم يا ربَّ العالمينَ.
قال عليه الصلاة والسلام: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعُوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"، إنَّها مملكة السماء العادلة، فتحت أبوابها ليلة المعراج، في سماء بيت المقدس، وتفتح أبوابها للضارعين، أولها دعوة الإمام العادل، فكل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فرفق بهم دعوته لا ترد، ومن ولي شيئًا من أمور المسلمين فخانهم وشق عليهم فإن عليه دعوة لا ترد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ"، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ممَّا يَهدِم الإسلامَ جدالُ منافِق بالقرآن، وحُكم الأئمة المضلين، فالراعي العادل الذي يضمن كرامة الرعية ويحفظ أمنهم له دعوة لا ترد، الإمام العادل الذي يحفظ بيضة الدين تفتح له أبواب السماء لدعوته، قال الإمام الأعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ"، فالغرب المجرم يُعلِّم أبناءنا في مدارسنا مفاهيمَ ضدَّ الإسلام ضمنَ المناهج الفاسدة، والتي تُنتِج جيلًا يَحمِل العداءَ للإسلام وأهله، ولربما خرجَتْ أجيالٌ قد نَسِيَتْ قضيتَها ومقدساتِها، ولربما حملَتْ مِعولًا لتهدم وتُغلِق المساجدَ أمامَنا، وتيقَّن الغرب أن مما يؤثِّر إيجابًا على الأجيال هو المعلم، فضيَّقوا عليه بقُوتِه وأَبسَطِ حقوقِه؛ لتُهدَم القدوةُ في قلوب طلابنا، كما لا يتوافق التعليم المختلِط مع ثبات المرابطينَ.
الإمام جُنَّة، الإمام العادل حمايةٌ ووقايةٌ للمعلِّم وللرعية وللأرض وللبيوت وللدِّين؛ فحماية الدين هي التي جعلت الصحابيَّ الجليلَ أبا أيوب الأنصاريَّ يُدفَن عن أسوار القسطنطينية، وشواهدُ عُبادة وشدَّاد تُزيِّن أسوارَ المسجد الأقصى، قال صلاح الدين الأيوبي: "قد يتحوَّل كلُّ شيء ضدَّكَ، ويبقى اللهُ معَكَ، فكُنْ مع اللهِ يَكُنْ كُلُّ شيءٍ مَعَكَ".
"ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ"، فهذا شهر رمضان يتضرع إلى الله، ويشكو تشويهًا وقَع عليه من الظالمين؛ ففي كل عام تُقلَب الأمورُ وتُشوَّه الحقائقُ، ويُصَدِّر الإعلامُ الكاذبُ للعالَم أن شهر رمضان هو شهر التوتر والإرهاب، ويُكمِل المعتدي تزييفَه، ويدعو الدولَ لتمرير هذا الافتراء على شهر رمضان، ويناقض الباطل نفسه بنفسه، ولكن هذا التضليل لا ينطلي على المرابطين؛ فـ(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[الْبَقَرَةِ: 185]، شهر القرآن وليس شهر الإرهاب، شهر رمضان هو شهر الأمن والأمان، لجميع الشرائع السماوية، فما وجدت الإنسانيَّة أمانًا على أهل الشرائع مثل الإسلام، ورسم لهم الأمن على أماكن عبادتهم، وعلى صوامعهم بظل الإسلام، وعندما اغتصبت القيادة الدينيَّة من المسلمين لم يَأمَن الضارعون في مساجدهم، ولا في أماكن عبادتهم، ولا في بيوتهم، وأحرقت ليلًا الممتلكات، سائلين المولى أن يجبرنا في مصيبتنا.
شهر رمضان شهر الفتوحات العادلة، والانتصارات التي شهدت الإنسانيَّةُ عدالتَها، المسلمون بقوتهم لم يقتلوا طفلًا، ولم يروعوا شيخًا، ولم يحرقوا بيتًا، ولم يقتلعوا شجرًا، ولم يعتقلوا امرأةً، ولم يعتدِ المسلمون على عابِد في مكان عبادتِه كما وقَع على شهدائنا في المسجد الإبراهيمي.
شهر رمضان هو شهر الرحمة وليس شهر العنف، بل إن الحملة الإعلاميَّة ضد شهر رمضان تطوف بها الوفود هنا وهناك، من أقصى الأرض إلى أقصاها؛ لتمرير هذا الافتراء كي يزهد المسلمون في العالَم بأرض الإسراء والمعراج، ولكنَّ الوافدين إلى المسجد الأقصى، من جميع أصقاع العالَم في ازدياد يأتون على مدار العام في رمضان وغير رمضان والحمد لله، ونسأله -تعالى- أن يُيَسِّر قدومَهم للصلاة فيه، سائلينَ المولى -عز وجل- أن يُثِيبَهم ويُثبِّتَهم ويزيدهم حرصًا على أمنِ وسلامةِ مسجدِهم والمصلينَ فيه. لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
أيها الثابتون، أيها المصلون: أما الدعوة التي يستقبلها الله بجلاله ويقول لها: "وعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ ولو بعدَ حِينٍ"؛ إنَّها دعوة المظلوم، فدعوة الأم التي استُشهد ولدها يستقبلها الله بعظمته، ودموع أهالي الأسرى يستقبلها الله ببهائه، وشكوى المسرى من التدنيس يقبلها الله بسلطانه، وفاجعة من هدم منزله يستقبل الله مظلمته بسطوته، وأنات الأسرى يستقبلها الله بعزته؛ فحقوق الأسرى حفظتها القوانين العادلة، والأعراف الدوليَّة ترفض الإجحاف بهم، اللهم كن مع الأسرى يا ربَّ العالمينَ.
أما براءة المرابطين في عرش الله الأدنى، يفتح الله لها أبواب السماء، ويقول للمظلومين: وعزتي وجلالي لَأنصُرَنَّكم ولو بعد حين.
المسجد الأقصى أرض الإسراء والمعراج عهد الله ورسوله لكافَّة المسلمين، فاحذروا أيها المسلمون؛ فإنَّ سَهمَ المظلومِ صائبٌ، وإن دعوتَه لا تُحجَبُ، قال عليه الصلاة والسلام: "ولم يَنقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سلَّط اللهُ عليهم عَدُوًّا من غيرهم، فأخَذ بعضَ ما في أيديهم"؛ (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[هُودٍ: 113]، إنهم لا أيمان لهم.
أيها المظلوم، أيها المرابط: إن رُميت من الزمان بشدة، وأصابك الأمر الأشق الأصعب، فاضرع لربك إنَّه أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد وأقرب، فما ظنكم برب العالمين؟ ! إنا نحسن الظن بك يا الله، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله -عز وجل-"، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21].
فاللهُ قلَب الأحداث لنبي الله يوسف -عليه السلام-، يلقى في البئر، ثم يباع، ثم يُسجَن، يقلبه الحق كيف يشاء؛ تمحيصًا وابتلاء أدَّى إلى رفعته، وتولى أمر مصر، وأنصف البائسين والمظلومين، نعم إنَّه قانون: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21]؛ فبشائر النصر منطوية بالشدائد، فأبشروا بالنصر والفرج أيها المرابطون، وما أصاب بيت المقدس وأهله من البلاء والعناء، والحصار والحرق والتنكيل إنما هو رفعة لخيرة الله من عباده، فالمرابطون ميزان إيمان الأمة إلى يوم الدين -بإذن الله-، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله: وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21].
اللهم كما بلغتَنا شعبانَ ثابتينَ، بلِّغْنا رمضان مرابطينَ، اللهم أنتَ ثقتُنا ورجاؤنا اجعل حُسنَ الظن بكَ شفاءنا. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأغنانا بالقرآن، ورحمنا بسيد الأنام، سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهم اجعلنا في أمانك وفي ضمانك، اللهم ارزقنا صفاء النيَّة، ونقاء الطوية، وأصلح لنا من الذَّريَّة، وباعد بيننا وبين كل أذية وبلية، اللهم يا ذا المن ولا يمن عليك، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنتَ ظهير الأسرى والمعتقَلينَ، جارُ المرابطين والمستجيرين، أمان الخائفين والمشرَّدين، اللهم اكتبنا عندك من السعداء المرزوقين، ولا تجعل فينا شقيًّا ولا طريدًا ولا محرومًا، اللهم اكشف عَنَّا البلاءَ والغلاءَ، ما عَلِمْنا منه وما لم نَعلَمْ، وأنتَ به أعلمُ، وارحم اللهم موتى المسلمين شيوخا وأطفالًا وشُبَّانًا، اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وفُكَّ أسرَ أسرانا ومسرانا، واكشف البلاء عن محاصَرينا، اللهم اجز سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خير الجزاء، واجز عَنَّا مشايخَنا وعلماءنا خيرَ الجزاء، اللهم يا مَنْ جعلتَ الصلاةَ على النبي من القُرُبات، نتقرب إليك بكل صلاة صُلِّيَتْ عليه، من أول النشأة لا ما لا نهاية للكمالات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم