دار البوار

تركي بن عبدالله الميمان

2022-08-12 - 1444/01/14 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/التخويف من النار بذكر بعض أهوالها 2/اتقاء النار

اقتباس

وَلِلْنَّارِ دَرَكَاتٌ سَافِلَة! بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَهْلِهَا في الكُفْرِ والعِصْيَان. والمُنَافِقُونَ: هُمْ في اَلدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْهَا! وَ "أَهْوَن أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

       

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التقوى، ورَاقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجْوَى، واعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ على النَّارِ لا تَقْوَى؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

       

عِبَادَ الله: إِنَّها دَار ُالبَوَار، وَسِجْنُ الأَشْرَار، وَمُعْتَقَلُ الفُجَّار؛ وَهِيَ الخِزْيُ الأَكْبَر، وَالخُسْرَانُ الأَعْظَم؛ إِنَّهَا النَّار (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)[آل عمران:192].

 

والتَّخْوِيْفُ مِنْ النَّار، هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ المُخْتَار؛ فَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ!"، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا؛ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ؛ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا! (رواه أحمد، وصحّحه الألباني)

 

وَالخَوْفُ مِنَ النَّار؛ يَكْسِرُ حَاجِزَ الغَفْلَة؛ وَيُحَقِّقُ التَّقْوَى، (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزمر:16].

 

وَخَزَنَةُ النَّارِ: هُمْ (مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ)[التحريم:6]، و "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ: سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا"(رواه مسلم).

 

وكُلَّمَا حَاوَلَ أَهْلُ النَّارِ الخُرُوْجَ مِنْهَا؛ تَضْرِبُهُم الزَّبَانِيَةُ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيد! وتَقُولُ لَهُمْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ.

 

وَحَرُّ النَّارِ شَدِيْد، وَقَعْرُهَا بَعِيْد! وقَدْ فُضِّلَتْ عَلَى نَارِ الدُّنْيَا "بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا"(رواه البخاري، ومسلم)

 

وَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَوْتًا يَسْقُطُ على الأَرْضِ! فَقَالَ لِلْصَّحَابَة: "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟"، قُلْنَا: "اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ". قَالَ: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا"(رواه مسلم).

 

وَلِلْنَّارِ دَرَكَاتٌ سَافِلَة! بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَهْلِهَا في الكُفْرِ والعِصْيَان. والمُنَافِقُونَ: هُمْ في اَلدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْهَا! وَ "أَهْوَن أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ"(رواه البخاري، ومسلم)

 

وَلِلنَّارِ سَبْعَةُ أَبْوَاب! فَإِذَا أُغْلِقَتْ على أَهْلِهَا؛ فَلَا أَمَلَ في الخُرُوْجِ مِنْهَا، قال تعالى: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ)[الهمزة:8]. قال ابْنُ عَبَّاس: "مُغْلَقَةُ الأَبْوَاب".

 

وَهَذِهِ النَّارُ تَأْكُلُ كُلَّ شَيء! (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [المدثر:28-29]؛ أَيْ حَرَّاقَةٌ لِجُلُوْدِ البَشَر! (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُوْدُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)[النساء:56].

 

وَيَزْدَادُ حَجْمُ الكَافِرِ في النَّارِ؛ لِيَزْدَادَ عَذَابُه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ"(رواه مسلم). قالَ النَّوَوِي: "هَذَا لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي إِيلَامِهِ، وَكُلُّ هَذَا مَقْدُورٌ لِلَّهِ تَعَالَى، يَجِبُ الْإِيمَان بِهِ".

 

وَلَمَّا كانَتْ حَيَاةُ أَهْلِ النَّارِ طَافِحَةً بِالآلامِ والحَسَرَات؛ فَهُمْ يَطْلُبُوْنَ المَوْتَ؛ هَرَبًا مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ المُرْعِبَةِ؛ وَلَكِنْ هِيْهَاتَ، قال تعالى: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا)[فاطر:36].

 

وَمَهْمَا طَالَ الزَّمَان فَإِنَّ النَّارَ لا يَنْطَفِئُ لَهِيْبُهَا، وَلا يَتَوَقَّفُ عَذَابُهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: "لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا)[النبأ:30] ؛ فَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنَ الْعَذَابِ أَبَدًا!".

 

وَطَعَامُ أَهْلِ النَّار الشَّوْكُ والزَّقُّوْم، وَهُوَ (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)[الغاشية:7]، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا؛ لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ! فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟!".

 

وَأَمَّا شَرَابُ أَهْلِ النَّار فَهُوَ الحَمِيْمُ الَّذِيْ تَنَاهَى حَرُّه! وَهُوَ ماءٌ كالزَّيْتِ: يَشْوِي الوُجُوْه، وَيُقَطِّعُ البُطُوْن! (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)[محمد:15].

 

وَمِنْ شَرَابِ أَهْلِ النَّارِ الغَسَّاق: وَهُوَ ما يَسِيْلُ مِنْ جُلُوْدِهِمْ مِنَ القَيْحِ والدَّمِ والصَّدِيْد! (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا)[النبأ:24-25].

 

وَيُفَصَّلُ لأَهْلِ النَّارِ ثِيَابٌ مِنْ نَّار، قال تعالى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ)[إبراهيم:50]. قال المُفَسِّرُوْن: "أَيْ ثِيَابُهُمُ مِنْ نُحَاسٍ حَارٍّ، قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ".

 

وَيَسْتَغِيْثُ أَهْلُ النَّارِ بِرَبِّهِمْ: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)[المؤمنون:107] فَيَقُولُ اللَّهُ: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[المؤمنون:108] ؛ وَهَذَا أَشَدُّ ما يَسْمَعُهُ أَهْلُ النَّارِ، بَلْ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ الجَحِيْم.

 

وَبَعْدَ هَذَا الجَوَابِ الحَاسِم يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُمْ، وَيَأْخُذُونَ فِي الشَّهِيقِ وَالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، (لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا)[الفرقان:14].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: بَادِرُوا بِتَأْمِيْنِ أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلادِكُم مِنْ خَطَرِ النَّارِ، كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ الوَاحِدُ القَهَّار! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[التحريم:6]. 

 

فَاتَّقُوا النَّارَ، بِفِعْلِ الوَاجِبَاتِ، وتَرْكِ المُحَرَّمَات، والحَذَرِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ والشُّبُهَات، (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)[البقرة:221]، فَهُمْ: "دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا: قَذَفُوهُ فِيهَا"(رواه البخاري، ومسلم).

 

وَتَمَسَّكُوا بِالإِسْلامِ والإِيْمَان، فَهُوَ أَمَانُكُمْ مِنَ النِّيْرَان، ولا يَغُرَّنَّكُمْ (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران:196-197].

 

اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِن النَّار، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَل.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

دار البوار.pdf

دار البوار.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
18-08-2022

كتب الله أجركم ونفع الله بكم