عناصر الخطبة
1/من فضائل يوم الجمعة 2/من سنن وآداب الجمعة 3/الحث على الاشتغال بالطاعة يوم الجمعة 4/التحذير من التهاون في صلاة الجمعةاقتباس
اتقوا الله -تعالى- وتقربوا إلى ربكم في يومكم هذا بالطاعات، وبكل ما يقرب من ربّ الأرض والسموات، فمن حضر إلى المسجد مبكرا فله أن يصلي ما كُتب له، أو يقرأ القرآن أو يدعو، المهم أن يشتغل بالذكر والصلاة والتلاوة ما أمكنه ذلك...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أما بعدُ:
عبادَ الله: اتقوا الله حق التقوى؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: اعلموا أن من أحب وأعظم الأيام عند الله يوم الجمعة، هو خير يوم طلعت عليه الشمس؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ".
ولقد خصكم الله -تعالى- بيوم الجمعة وهداكم له عن سائر الأمم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ"(صحيح مسلم)، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أفضلُ أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء".
أيها المسلمون: إن لهذا اليوم فضائل وأحكام وآداب: ففي يوم الجمعة صلاة الجمعة التي عظمها الله -تعالى- وأمر بتعظيمها؛ قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الجمعة: 9].
وفي الجمعة رفع الدرجات وتكفير السيئات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"(صحيح مسلم)
وفي هذا اليوم ساعة يستجاب فيها الدعاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ -تعالى- شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، وهذه الساعة "أحراها وأرجاها ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة، وبقية الأوقات في يوم الجمعة كلها ترجى فيها إجابة الدعاء"(مجموع فتاوى ابن باز)، فعليكم بالدعاء وسؤال الله -تعالى-؛ لعلكم توافقون هذه الساعة، فتنالون مطالبكم وحاجاتكم.
ومن عظيم فضائل يوم الجمعة، أن من بكر إلى الجمعة ماشيًا فله بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا"، فأي فضل مثل هذا الفضل؟! بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
أيها المسلمون: إن ليوم الجمعة أحكامًا وآدابًا ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم ويغتنمها، فمن تلك الأحكام والآداب:
الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ".
الاغتسال قبل الذهاب إلى الصلاة، والتطيب والتسوك، ولبس أحسن الثياب، عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ"، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ؛ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا".
التبكير إلى صلاة الجمعة، وهذه سنة قليل من يفعلها في هذه الأزمنة، فرحم الله من أحياها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ؛ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاؤوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ".
ثم إن من الآداب الواجبة: الإنصات للخطبة، والاهتمام بما يقال فيها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ".
وإذا دخل المسجد فيصلي ركعتين حتى ولو كان الإمام يخطب؛ لحديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"(صحيح مسلم).
ويستحب قراءة سورة الكهف في هذا اليوم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله علي وسلم-: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ"(الجامع الصحيح للسنن والمسانيد).
اللهم وفقنا لهذه الغنائم وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وتقربوا إلى ربكم في يومكم هذا بالطاعات، وبكل ما يقرب من ربّ الأرض والسموات، فمن حضر إلى المسجد مبكرا فله أن يصلي ما كُتب له، أو يقرأ القرآن أو يدعو، المهم أن يشتغل بالذكر والصلاة والتلاوة ما أمكنه ذلك.
أيها المسلمون: يوم الجمعة يوم عبادة وذكر، لا ينقضي بصلاة الجمعة فحسب، بل ينبغي للمسلم أن يتقرب إلى الله -تعالى- بكل ما يقربه من الله -تعالى-؛ قال -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 10].
ومما يشرع بعد صلاة الجمعة وانتشار الناس لطلب معاشهم وفرحهم بذلك اليوم، أن يصلي بعدها سنة راتبة، وقد جاء فيها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا"(صحيح مسلم)، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَصَفَ تَطَوُّعَ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قال: "فَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ"(صحيح مسلم)، ويجمع بين الحديثين فيقال: إن صلى في المسجد صلى أربعا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله -تعالى-، والأمر فيه سعة كما ذكر أهل العلم.
أيها المسلمون: احذروا التهاون بالجمعة مع القدرة والاقامة، فمن فرط في ذلك فقد فرط في خير كثير، ومن ترك الجمعة تهاونا طبع الله على قلبه وكان من الغافلين، عن عَبْد اللهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(صحيح مسلم).
أيها المسلمون: أكثروا من ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله في يومكم هذا، وابتغوا من فضله -تعالى-، وسلوه خيري الدنيا والآخرة؛ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[الجمعة: 10 - 11].
هذا، وصلوا على من أمركم الله -تعالى- بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم