خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

الشيخ خالد القرعاوي

2021-10-08 - 1443/03/02 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/من فضائل محبة النبي صلى الله عليه وسلم 2/حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم 3/خطورة الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم 4/من صور أكل أموال الناس بالباطل 5/خطورة الغش التجاري وظلم العمال 6/حكم التستر على العمالة السائبة.

اقتباس

فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ، ومَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، ومَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ، ومَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ؛ فَهُوَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ بعثَ لَنا نَبِيّاً كَريماً، دَاعِياً إلى اللهِ بِإذنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً، وَأَشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُهُ أرْسَلُهُ اللهُ بَشِيراً وَنَذِيراً؛ صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وأتبَاعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تَسلِيماً مَزِيداً.

 

أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، وَتَعَرَّفُوا عَلى حَقِّ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلينا. فَإنَّهُ لا عِيشَةً رَضِيَّةً، إلَّا بِتَحقِيقِ المَحَبَّةِ للهِ ولِرَسُولِهِ.

 

وَمَحَبَّتُنا لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرِيقُ مَحَبَّةِ اللهِ القَائِلِ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:31]. وفي البخاري أنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ منها: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا".

 

أيُّها المُحبِّونَ للهِ وَرَسُولِهِ: حَقِيقَةُ الأمْرِ لَمْ يَثْبُتْ لِوِلادَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَأرِيخٌ مُعَيَّنٌ؛ لأنَّ الصَّحَابَةَ اهتَمُّوا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَحَافَظُوا عَلى شَرِيعَتِهِ. نَعَمْ لَقَدْ مَولِدُهُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نُورَاً، وَمَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً، لأنَّهُ مِيلادٌ دَعَويٌّ، مِيلادُ أُمَّةٍ كَانَتْ وَثَنِّيَةً، فَجَاءَ اللهُ بِرَسُولٍ نَقَّاها مِن الشَّرْكِ. وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران:146].

 

عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ إنَّ مكانةَ رَسُولِنا في قُلُوبِنَا، فَلَنْ يَنَالُوها بِشيءٍ، أَلَيسَ اللهُ تَعَالى يَقُولُ: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر:95]. فَاطْمَئِنُّوا؛ فَمَهْمَا حَاوَلَ عِلْجٌ أَيًّا كانَ مَوقِعُهُ وَدَولُتُهْ وَحِرَاسَتُهُ أَنْ يَمَسَّ رَسُولَنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسُوءٍ, إلَّا أَذَلَّهُ اللهُ وَأَخْزَاهُ. وَقَدْ تَابَعْتُمْ قَرِيبًا خَبَرَ احْتِرَاقِ مَنْ أَسَاءَ لرِسُولِنا قَرِيبًا وَتَنَاقَلَتْهُ وَسَائِلُ الإعْلامِ العَالَمِيَّةِ عَلى أَنَّهُ مِنْ أَغْرَبِ الحَوَادِثِ وَأَدْهَشِهَا.

 

عِبَادَ اللهِ: مَحَبَّةُ رَسُولِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ، فَعَنْ أَنَس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟". قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُؤمِنونَ: حَقِيقَةُ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكُونُ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً هَذا مِنْ جِهَةٍ، ومِن جِهَةٍ أُخْرى فلا يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إلَّا بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، واجتِنَابِ ما نَهى عنْهُ وَزَجَرَ وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ.

 

وَلا بُدَّ كَذَلِكَ مِن ظُهورِ تِلكَ الْمَحَبَّةِ على الجَوَارِحِ قَولاً وَعَمَلاً ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، كَمَا كانَ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ -رَضيَ اللهِ عنهم- يُبَايِعُونَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على اتِّبَاعِهِ في مَنْشَطِهِم وَمَكْرَهِهِم، بَاذِلِينَ أَموَالَهم وأَنفُسَهم فِي سَبِيلِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.

 

فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ، ومَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، ومَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ، ومَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ؛ فَهُوَ مُحِبٌّ (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157].

 

هَذا هُو الحُبُّ الصَّادِقُ، ومعَ الأسَفِ بَعضُ مَنْ يَنتَسِبُ للإسلاَمِ غَالَوا في حُبِّهم فَخَرَجُوا عن الشَّرِيعَةِ وَوَقَعُوا في الشَّركِ، فَادَّعُوا أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعلَمُ الغَيبَ، وَيَكشِفُ الضُّرَ، وَيَجلِبُ النَّفْعَ، وَذَلِكَ واللهِ شِرْكٌ عَظيمٌ وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ العالَمِينَ القائِلِ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل:65]. فَمِن أَعظَمِ المُنكَرَاتِ: مَا بُلِيت بِهِ بِلادٌ إسلامِيَّةٌ، مِن إقَامَةِ المَوالِدِ، وإنشادِ المَدَائِحِ والقَصَائِدِ، التي وَصلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ عِيَاذًا باللهِ -تَعَالَى-.

 

فَالمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ تكُونُ بِاتِّبَاع سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأخذِ بِوصِيَّتِهِ حينَ قَالَ: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

 

فاللهُمَّ ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، واحشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَداً. وأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم وَللمسلمين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاستَغفِروهُ إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.     

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ أَحَلَّ لَنَا الطَّيبَاتِ وَحَرَّمَ عَليَنَا الخَبَائِثَ، أَشهَدُ أَلَّا إِلَهَ إلِّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَمَرَ أَنْ يُعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، فَبِالتَّقْوى تَصْلُحُ القُلُوبُ وَالحَيَاةُ.

 

أَيُّها المُؤمِنُونَ: مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَأْكُلُ مَا لَيسَ لَهُ؟ يَرْتَقِي دَرَجَاتِ الغِنَى عَلى كَدِّ الضَّعَفَةِ وَالمَسَاكِينِ؟ لَمْ نَكُنْ نَتَصَوَّرُ أَنَّ مُسْلِمًا يَتَرَدَّدُ عَلَى المَسَاجِدِ، ثُمَّ يَخُونَ مُجْتَمَعَهُ، وَيَنْقُضُ عَهْدَ دَولَتِهِ. فَأَينَ هَؤلاءِ مِن قَولِ البَارِي -جَلَّ وَعَلا-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً)]الإسراء:34[.  

 

أَلَمْ يَسْمَعُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ فَقَالَ: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"؟ مَعْذُورٌ يَا ابنَ الخَطَّابِ يَومَ أَنْ قُلْتَ: "لَا تُغُرَّنِي صَلَاةُ امْرِئٍ وَلَا صَوْمُهُ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ صَلَّى لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ".

 

أيُّها الْمُؤمِنُونَ: مَعَ الأَسَفِ فِي مُجْتَمَعِنَا فَسَادٌ مَالِيٌّ مِنْ بَعْضِ الكُفلاءِ، وَمِنْ بَعْضِ العَمَالَةِ السَّائِبَةِ التي تَعْمَلُ بِدُونِ حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ. عَمَالَةٌ تَنْخَرُ بِنَشْرِ الفَسَادِ الأخْلاقِيِّ، وَتَصْنِيعِ أَقْذَرِ أَنْوَاعِ الخُمُورِ، لأَجْلِ الحُصُولِ على المَالِ بِأيِّ طَرِيقٍ كَانَ. أمَّا الغِشُّ التِّجَارِيِّ وَأَنْوَاعُ النَّصْبِ والتَّزْوِيرِ فَحَدِّثْ وَلا كَرَامَةَ حتَّى الأطْعِمَةَ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ غِشِّهِمْ.

 

عبادَ اللهِ: مِنْ أَهَمِّ الأسْبَابِ أنَّنَا فِي بَعضِ الأحْيَانِ شُرَكَاءُ مَعَهُمْ في صُنْعِ الفَسَادِ. فَمُنْذُ أنْ أَخْلَفَ بَعْضُ الكُفَلاءِ العَهْدَ والمِيثَاقَ. وَتَنَكَّرَ للعَامِلِ وَخَدَعَهُ. صَارَ بَعْضُ العَمَالَةِ إلى مَا تَرى. فَيَا أيُّها الظَّلُومُ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ".                              

 

واللهِ يَا كِرَامُ: إنَّهُ مَا تَأَكَّلَ أَحَدٌ مِنْ كَدِّ إخْواَنِهِ وَعُمَّالِهِ بِغِيرِ حَقٍّ إلَّا عَاقَبَهُ اللهُ عَلى ذَلِكَ. إمَّا بِخَسَارَةٍ مَادِيَّةٍ، أو بِأمْرَاضٍ مُتَتَالِيَةٍ، أو بِنَكَدٍ لا يَعْلَمُ مَدَاهُ إلَّا اللهُ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء:227].

 

عبادَ اللهِ: مِنْ صُورِ ظُلْمِ العُمَّالِ: تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ رَوَاتِبِهِمْ لأشْهُرٍ طِوَالٍ. فَأيْنَ هَذا الكَفِيلُ مِنْ تَوجِيهِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ".

 

إخْوانِي: نَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ انْتِشَارِ جَرَائِمِ بَعْضِ العَمَالَةِ. فَإذا عَرَفْتَ أنَّ بَعْضَنَا يَسْتَقْدِمُ العَشَرَاتِ وَيَتْرُكُهُمْ هَمَلاً وَيُطَالِبُهُمْ بِدَخْلٍ شَهْرِيٍّ. فلا تَسَلْ عَنْ أَنْواعِ طُرُقِ كَسْبٍ يَسْلُكُونَهَا. وَحَدِيثُنَا هَذا لا يَعْنِي الطَّعْنَ فِي سَائِرِ الكُفَلاءِ، فَعِنْدَنَا بِحَمْدِ اللهِ نَمَاذِجُ مُشَرِّفَةٌ، وَأُنَاسٌ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ وَيَرْحَمُونَ إخْوَانَهُمْ.

 

فَكَانَ الهَدَفُ أنْ نَكُونَ يَدَاً وَاحِدَةً ضِدَّ تَسَيُّبِ العَمَالَةِ، وَأنْ نَكُونَ حِصْنَاً نِحْمِي مُجْتَمَعَنَا وَبَلَدَنَا، مِن أيْدٍ تُرِيدُ العَبَثَ بِأمْنِنَا وَشَعْبِنَا وَأمْوَالِنَا. فَضَرَرُ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ بَيِّنٌ: فَلَنْ يَتَمَكَّنَ شَبَابُنَا مِن مُزَاوَلِةِ أيِّ نَشَاطٍ تِجَارِيِّ فِي ظِلِّ عِصَابَاتٍ تَتَحَكَّمُ وَتَحْتَكِرُ السِّلَعَ. وَبِالتَّالي سَتَكْثُرُ البَطَالَةُ عِنْدَ شَبَابِنَا وَيَكْثُرُ بَينَهُمْ الشَّرُّ مَعَ الفَرَاغِ.

 

وقد سُئِلتْ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنْ الْعَمَالَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ السَّائِبَةِ، أَوْ الْهَارِبَةِ مِنْ كُفُلَائِهِمْ: هَلْ التَّسَتُّرُ عَلَيْهِمْ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْهُمْ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مَسَاكِينُ، أَوْ أَنَّنَا بِحَاجَةٍ لَهُمْ جَائِزٌ شَرْعًا، أَمْ لَا؟ فأجابت اللجْنَةُ: "لَا يَجُوزُ التَّسَتُّرُ عَلَى الْعَمَالَةِ السَّائِبَةِ، وَالْمُتَخَلِّفَةِ، وَالْهَارِبَةِ مِنْ كُفَلَائِهِمْ، وَلَا الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَنْظِمَةِ الدَّوْلَةِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِعَانَتِهِمْ عَلَى خِيَانَةِ الدَّوْلَةِ الِّتِي قَدِمُوا لَهَا، وَكَثْرَةُ الْعَمَالَةِ السَّائِبَةِ؛ يُؤدِّي إِلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ، وَالْفَوْضَى، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَحِرْمَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ، وَالتَّضْييقِ عَلَيْه". انتهى.

 

فَاللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا، وَأَصلِح لَنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ.

 

اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ، وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم.

 

اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات

خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.pdf

خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات