خيانة الأوطان

ناصر القطامي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ ذم الخيانة والخائنين 2/ أوصاف الخيانة والخونة في القرآن والسنة 3/ من أعظم الخيانة خيانة الأوطان 4/ استخدام الأعداء لسلاح الخيانة ضد الأمة المسلمة قديمًا وحديثًا 5/ من صور خيانة الأقارب لأقاربهم 6/ خيانة الروافض لأوطانهم 7/ خطورة التستر على المجرمين والمفسدين، وإيواء الخائنين والمجرمين 8/ من صور الخيانة المنتشرة في الوظائف 9/ عقوبات الخائنين.

اقتباس

ومرتزقة الرافضة يغيظ قلوبهم ما فيه بلاد الحرمين الشريفين من نِعم أفاء الله –تعالى- بها عليها، فحاولوا أن يعبثوا بأمنها، ويفسدوا في أرضها، ويفرِّقوا أبناءها، والمؤلم أن ذلك وقع من أناس نشأوا على أرضها ونهلوا من خيرها، ونعموا في أمنها. لقد صيَّر هؤلاء أنفسهم لعبة في يد الرافضة يصرِّفونهم في الإساءة لأوطانهم كيف شاءوا، ومن ورائهم من يبرِّر ويحرِّض.. لقد تجللوا بعار الخيانة وتلبّسوا بجرم الجناية.. ناهيك عن تعرضهم للإثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد.

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الكريم المنان، الذي مَنَّ علينا بنعمة الإيمان، والأَمْن في الأَوطان، والعافية في الأبْدان.. فقال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3-4].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شَرِيك له، فطر الناس على حب الأوطان، واستخلفه في الأرض لتعمير الكون، فقال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61].

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، سأل ربه الأمن في الوطن، ودفع الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، علمنا حب الوطن فقال عند هجرته من بلده: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُـونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ". اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعْدُ عباد الله:

فما أقسى أن تُطعَن الأمةُ من رجالها وأبناء جلدتها، فما أشدها من طعنة! وما أبشعها من نكسة! وما أقساها من محنة!!.. إن حديثنا اليوم عن فعل دنيء، وعمل مشين، وتصرف قبيح، لعنته كل الشرائع السماوية، والقوانين الأرضية، إنها "الخيانة"، وكفى بالخائن إثمًا أنه ابتاع دنياه بسوء السيرة وآخرته بغضب الرحمن. 

ولقد جاء التحذير من الخيانة ومن الخائنين في مواضع كثيرة في كتاب الله تعالى، كما قال الله عز وجل: (إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء: 105].

ونهى المؤمنين عنه الخيانة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].

ونهى عن اتباع الخائنين فقال عز وجل: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 71].

وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون، للحديث: "لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان" (متفق عليه).

كما بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الخيانة ليست من أخلاق المسلم: "يُطبَع المؤمنُ على كل خُلق، ليس الخيانة والكذب".

أيها المسلمون:
وإذا كانت الخيانة صفة ذميمة منهيًّا عنها، فإن من أعظم الخيانة خيانة الأوطان؛ لأنها خيانة أمة، وبها يفسد حال المسلمين؛ ولهذا فإن الشريعة الإسلامية أوجبت على كل مسلم أن يشارك إخوانه في دفع أي اعتداء يقع على وطنه، أو على أي وطن إسلامي آخر، لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة. قال الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 92].

وكل مَن قصَّر في أداء هذا الواجب يعتبر خائناً لدينه ولوطنه، وبالأولى كل من مالأ عدو المسلمين، وأيّده في عدوانه بأيّ طريق من طرق التأييد يكون خائناً لدينه - فإن الاعتداء الذي يقع على أي بلد من البلاد الإسلامية اعتداء في الواقع على جميع المسلمين.
 

وخيانة هؤلاء لا شك أنها أشد على الأمة من كيد أعدائها، وصدق القائل:
يُخادعني العدو فلا أبالي *** وأبكي حين يخدعني الصديق

وما أعظم سلاح الخيانة في الأمة، ذلك السلاح الذي تجرعت الأمة وتتجرع بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجَزَ أعداءَها على مر التاريخ، فالرسول سَمَّته يهود، وعمر قتله أبو لؤلؤة المجوسي, وعثمان قتلته يد الغدر, وعلي وغيرهم ممن أغاظ أعداء الله أذاقهم صنوف العذاب والهوان في ساحات النزال، وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة، لأجل هذا جاء التحذير من الخيانة، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَـاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].

أيها المسلمون:
وها هو التاريخ يعيد نفسه، والأيام تقلِّب صفحاتها لتعيد الذكريات النجسة لأحفاد عبدالله بن أُبي بن سلول، أعظم المنافقين خيانة، وأبناء ابن سبأ اليهودي.

ومرتزقة الرافضة الذين هم فرع عن تلك النبتة الخبيثة، يغيظ قلوبهم ما فيه بلاد الحرمين الشريفين من نِعم أفاء الله –تعالى- بها عليها، فحاولوا أن يعبثوا بأمنها، ويفسدوا في أرضها، ويفرِّقوا أبناءها، والمؤلم أن ذلك وقع من أناس نشأوا على أرضها ونهلوا من خيرها، ونعموا في أمنها.

لقد صيَّر هؤلاء أنفسهم لعبة في يد الرافضة يصرِّفونهم في الإساءة لأوطانهم كيف شاءوا، ومن ورائهم من يبرِّر ويحرِّض.. لقد تجللوا بعار الخيانة وتلبّسوا بجرم الجناية.. ناهيك عن تعرضهم للإثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد.

ويأبى الله -عز وجل- إلا أن يرد كيدهم في نحورهم، ويحقق الله -عز وجل- وعده لعباده المؤمنين، وتسقط أكبر خلية تجسسية محلية تعمل لصالح منظمات خارجية، ودول رافضية، متناسين وعيد الله لهم، ومتغافلين عن مقت الله لصنيعهم. (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

 

ومن صور خيانة الدين والأوطان والرحم والقرابة والوفاء والعشرة وحسن العهد خيانة الأقارب لأقاربهم بهتك أعراضهم، أو بالتجسس على محارمهم، أو فضح أسرارهم، وأشد ذلك كله خيانة القريب بقتله، والإجهاز عليه، واستباحة دمه، والتعاون "والعياذ بالله" على ذلك، بدعوى كفره، وخروجه من الملة، من غير برهان، واستناداً لمفاهيم باطلة، وحجج داحضة ما أنزل الله بها من سلطان .

وقد عدَّ الإمام الذهبي الخيانة من الكبائر؛ حيث قال: "والخيانة في كل شيء قبيحة، وبعضها شرّ من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" (رواه أحمد 3/135).

ومن الخيانة للوطن أيضًا التستر على المجرمين والمفسدين، وإيواء الخائنين والمجرمين؛ لأن المسلم لا يقر الفساد ولعن الله من آوى خائنًا، أو أواه ونصره، ووقف بجانبه.

ألا وإن من صور الخيانة المنتشرة، وللأسف اليوم: تصوير المستندات السرية، والمكاتبات الحكومية، ونشرها بدافع التصدر والأسبقية، مع ما قد يلحق البلاد والعباد من مفاسد كبرى تسببها أمثال تلك الخيانات الوظيفية.

حمى الله بلادنا وعقيدتنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار
بارك الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أحمده سبحانه على جزيل فضله، وكريم إنعامه.

 

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلاة الله وتسليماته عليه وعلى إخوانه، وأزواجه، وذريته، والتابعين لهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار..

أما بعد: لما كان للخيانة أثر عظيم في النفس، وبخاصة أثر خيانة الأوطان وما يمكن أن يؤول إليه، كان عاقبة الخائنين أيضًا عظيمة لتقابل جرمهم وإثمهم، فقد أخبر الله تعالى أن كيد الخائن يعود عليه (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف: 52].

 

 والخيانة من أخلاق اليهود قال -جلَّ وعلا-: (وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ) [المائدة: 13]، والخيانة من أخلاق المنافقين يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ من هذا الخصال كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".

واستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من شر الخيانة فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها سوء الخيانة".

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الخائن لا تجوز شهادته، فقال: "ولا تجوز شهادة الخائن والخائنة".

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الخائن متوعَّد بعدم دخول الجنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من راعٍ يسترعي رعيةً يموت حين يموت وهو غاشٌ لها إلا حرم الله عليه الجنة".

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- عن ربه أن الله خصم الخائن في أمانته، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ".

وحذر -صلى الله عليه وسلم- من الخيانة فقال، "يُنْصَبُ لكل غَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ".

نسأل الله العلي العظيم أن يجنب بلادنا وبلاد الإسلام الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر المسلمين على أعدائهم، وأن يرد كيد الخائنين.. اللهم آمين.

ثم صلوا وسلموا..

 

 

المرفقات

الأوطان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات