خطورة الشهوات

صالح بن محمد آل طالب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإنسان مفطور على حب الشهوات 2/ تضييق الشريعة لمنافذ الشهوات على الإنسان 3/ إشاعة الفواحش أصل كل البلايا والأمراض 4/ حاجة المجتمع إلى المبشرين بالفضيلة 5/ لذة قهر الأهواء 6/ حجب القلوب المتعلقة بالشهوات عن الله

اقتباس

إنه لا يمكن قيام أسرة ولا استقامة مجتمع في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإن الغرائز متى أثيرت فلن يقر معها قلب ولن يسكن عصب ولن يطمئن بيت ولن يسلم عرض ولن تقوم أسرة؛ فإما الخيانة المتبادلة حينئذ، وإما الرغائب المكبوتة وأمراض النفوس وقلق الأعصاب، وهذا هو الميل العظيم الذي حذر الله عباده منه وهو يحذرهم ما يريده الذين يتبعون الشهوات ومن يطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم وبسائر أدوات التوجيه والإعلام ..

 

 

 

 

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كانا لنهتدي لولا أن هدانا الله الجواد الجليل، له الشكر على ما أعطى، وله الحمد على ما قضى، وله الثناء الحسن الجميل.

وأشهد أن لا إله إلا الها وحده لا شريك له ولا ند ولا مثيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الغرة والتحجيل المذكور في التوراة والإنجيل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أكرم صحب وأعظم جيل، وعلى من سار على نهجهم واتبع السبيل.

أما بعد:

فيا عباد الله: احذروا لجة بحر الشهوات ولا تغتروا بسكونه، وعليكم بالساحل، لازموا حصن التقوى فإن العقوبة مرة، واعلموا أن الدنيا كلها بما لها من شرف ومجد لا تعدو أن تكون حاجة الجسم، حاجة البطن، حاجة ما دون البطن، حاجة أي حيوان أعجم في هذا الوجود؛ فاتقوا الله -رحمكم الله- ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، ثم اعلموا أنه لن يضر عبدًا صار إلى رضوان الله وإلى الجنة ما أصابه في هذه الدنيا من بلاء، وأنه لن ينفع عبدًا سار إلى سخط الله وإلى النار ما أصابه في هذا الدنيا من رخاء، كل شيء من ذلك كأن لم يكن: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

أيها المؤمنون: زين للناس حب الشهوات يحدوهم إليها حادي الفطرة، ويسوقهم سائق الطبع، وجاء الإسلام فلم يحرم أتباعه شيئًا من طيبات الحياة ولكنه هذبها وباركها وزكاها، وجاء ليمنع من المستنقع الآسن وما يضر الإنسان في دينه أو دنياه، وما منع الإسلام أتباعه شيئًا إلا وقد أباح لهم ما يحقق مصلحتهم وينأى بهم عن المفسدة.

عباد الله: ومع تعدد أبواب المباح واتساع آفاق الجائز إلا أن فئة من الناس تأبى إلا تقحُّم حمى الملك -جل جلاله- والتفلت من سياج الطهر والفضيلة، يتهافتون على الشهوات تهافت الفراش على النار، فكأنهم المعنيون بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري ومسلم: "مَثَلِي كَمَثَلِ رجلٍ استوقَدَ نارًا، فلمَّا أضاءتْ ما حولها جَعلَ الفراشُ وهذِه الدَّوابُّ التي في النار يقعن فيها، وجعل يَحْجِزْهُنَّ ويغْلِبْنَهُ فيتقحَّمن فيهَا، قال: فذلِكُم مثلِي ومثلكم، أنَا آخِذٌ بِحُجُزِكُم عن النارِ: هلُمَّ عنِ النَّار، هلُمَّ عن النار فتَغْلِبُوني تقحمون فيها".

عباد الله، أيها المؤمنون: وفي معرض الحديث عن الشهوة يقول ربكم -تبارك وتعالى-: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء: 27، 28].

أراد الله التخفيف عن عباده وهم يعانون عنت الشهوة وسطوة الهوى؛ فجاءت شريعة الإسلام بتضييق فرص الغواية وإبعاد عوامل الفتنة وقطع أسباب التهييج والإثارة، وإزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله المشروعة، مع شغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة حتى لا تكون تلبية نداء الشهوة هي المنفذ الوحيد.

ودعا الإسلام أتباعه إلى المشرع الطاهر؛ فأمر من استطاع الباءة أن يتزوج، وأباح للمتزوج أن يعدد، ونهى عن المغالاة في المهور، وأمر الذين لا يجدون نكاحًا بالاستعفاف حتى يغنيهم الله من فضله، ووعد من استعف أن يعفه الله، ومن أراد الزواج أن يعينه، وندب إلى ما يخفف الشهوة من الصيام وتقليل الطعام.

وحرم داعية الزنا وبريده -الخمر والمعازف- ونهى عن الاطلاع في البيوت، وأمر بالاستئذان عن عند الدخول، وأوجب غض البصر، ونهى المرأة عن إبداء الزينة للأجنبي وعن الخضوع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وحرم الله التبرج والسفور فقال سبحانه: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]، وقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب: 53].

فلا يقل أحد غير ما قال الله، لا يقل أحد: إن فتح باب الشهوات والاختلاط بين الجنسين والترخُّص في الحديث واللقاء والجلوس والعمل والتعليم أطهر للقلوب وأعف للضمائر وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة وعلى ترقيق المشاعر والسلوك، وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلقه قولاً فالقول لله -سبحانه-، وكل قول آخر هراء، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

ومنع الإسلام الخلوة بالأجنبية: "لا يَخْلُونَّ رجلٌ بامرأةٍ لا تحلُّ له فإنَّ ثالثهما الشَّيطان"، واشترط على النساء المحرم في السفر، وندبهن إلى القرار في البيوت ونهاهن عن الاستعطار عند الخروج: "أيُّما امرأةٌ اسْتعطَرتْ ثم خرجتْ فمرَّتْ على قومٍ ليجدُوا ريحَها فهِي زَانِيَة".

ونهى أن تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها، ونهى عن إشاعة الفاحشة في المؤمنين، وتوعد من فعل ذلك في الدينا والآخرة بالعذاب الأليم.

ونهى الله عن مقاربة الزنا وبيَّن عقوبة فاعله: إن كان محصنًا فالرجم بالحجارة حتى يموت، وإن كان غير محصن فجلد مائة وتغريب عام، وقال: (وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزني الزَّاني حينَ يزنِي وهُو مؤمن"، وقال: "إذا زَنَا الرجُلُ خرجَ منْهُ الإيْمَان فكان عليه كالظُّلَّة، فإذا أقْلَعَ -أي تاب من الزنا- رجَع إليه الإيْمَان"، وأخبر عن الزناة أنهم في البرزخ وأنهم في ثقب مثل التنور: أعلاه ضيق وأسفله واسع، يوقَد تحته نار وهم فيه عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا يخرجون، فإذا خمدت رجعوا فيها، يفعل بهم ذلك إلى يوم القيامة ثم ينتقلون إلى عذاب أشد كما قال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) [الفرقان: 68، 69].

فهل يقدم بعد ذلك مؤمن بالله واليوم الآخر على الزنا وقد علم وعيد الجبار -جل جلاله-؟! وهل يتقدم خطوة واحدة في طريق الفاحشة وقد سمع ما أعد الله لمرتكبها في الآخرة؟!

عباد الله، أيها المسلمون: إن هذا الدين العظيم لا يريد أن يعرِّض أتباعه للفتنة ثم يكلف أعصابهم عنتًا في المقاومة، إنه دين وقاية قبل أن يقيم الحدود ويوقع العقوبات، وهو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح، وربك أعلم بما خلق وهو اللطيف الخبير.

وفي ظل هذه التوجيهات الربانية تحيا البشرية في جو آمن عفيف طاهر نظيف، ترف عليهم فيه أجنحة السلم والطهر والأمان، وتأمن الزوجة على زوجها، ويأمن الزوج على زوجته، ويأمن الأولياء على حرماتهم وأعراضهم، ويأمن الجميع على أعصابهم وقلوبهم، حيث لا فاحشة تشيع، ولا إغراء يتبجح، ولا فتنة تظهر، ولا تبرج ينتشر، ولا تقع الأعين على المفاتن، ولا تطغى الشهوات على الحرمات.

إنه لا يمكن قيام أسرة ولا استقامة مجتمع في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإن الغرائز متى أثيرت فلن يقر معها قلب ولن يسكن عصب ولن يطمئن بيت ولن يسلم عرض ولن تقوم أسرة؛ فإما الخيانة المتبادلة حينئذ، وإما الرغائب المكبوتة وأمراض النفوس وقلق الأعصاب، وهذا هو الميل العظيم الذي حذر الله عباده منه وهو يحذرهم ما يريده الذين يتبعون الشهوات ومن يطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم وبسائر أدوات التوجيه والإعلام.

إن إشاعة الفواحش واستثارة الغرائز هو أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة، وماذا تجني الأمم والأفراد من ذلك سوى خراب النفوس وانهيار الأخلاق وتحقير الاهتمامات وتلويث المجتمع وزعزعة قوائم الأسرة وتحطيم الإنسان وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب؟! ومتى ما دمر الإنسان فلن تقوم الحضارة على المصانع وحدها ولا على الإنتاج.

فيا أيها الناس، يا عقلاء الأمة، يا علماءها، يا دعاتها، ويا ولاة أمرها: هذه نذر السوء تتوالى، ولغة الأرقام تخيف وترعب، الفضيلة تشتكي، العفاف يئن، ارتفعت نسب الخيانات الزوجية وحالات الاغتصاب والشذوذ، اغتيلت براءة الأطفال، وارتد بعض الشيوخ إلى سني المراهقة.

كانت الانحرافات الخلقية تتم في خفاء ثم صارت تبدو على استحياء، ثم تسللت تبدو في البيوت عن طريق الشبكات والقنوات، ثم صارت قانونًا في بعض البلاد، ثم انعقدت مؤتمرات عالمية تنادي إليها كما ينادَى إلى الصلاة، عجت الأرض إلى ربها والسموات، وفزعت الملائكة إلى الله من هول ما رأت من ظلم الناس وفجورهم، وإلى الله الشكوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فمن للفضيلة؟! من للعفة؟! من للحياء؟! من للشباب وهم عدة الأمة وأمل المجتمع؟!

إن الله يغار، وغيرة الله أن يزني عبده أو تزني أمته، وإن سنن الله لا تحابي أحدًا، ومتى ظهر الزنا في قوم أذن الله بهلاكهم، ومتى ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا.

ولقد أحاط الله الفضيلة بسياج عظيم وحمى حماها، فلو أن الأمة الإسلامية أخذت بتوجيه القرآن لما اشتكى شبابها العنت، ولما كان ما كان: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء: 27، 28]. قال طاووس: إذا نظر إلى النساء لم يصبر.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 24، 25].

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

أيها المؤمنون: إننا نحتاج إلى مبشرين بالفضيلة في زمن تفتحت فيه أبواب الشهوات، وتسهلت الطرق إلى المعاصي، وجاءت الفتن من كل جانب، ودخلت على الناس في كل مكان، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، أفلام وروايات وصور وإعلانات ومواقع في الشبكات، تهييج للغرائز وإثارة للشهوات وإيقاع في المحرمات.

أصبح المؤمن الصابر على دينه كالقابض على الجمر خائفًا يكبح جماح الشهوة وينهى النفس عن الهوى، يقاوم ضعفه الفطري وشهوته الطبيعية ويجاهد نفسه الأمارة بالسوء؛ الشيطان يعده ويمنيه ويسول له ويزين، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن يميلوا به ميلاً عظيمًا، فكيف يسلم؟! كيف يسلم من له عدو لا ينام عن معاداته، ونفس أمارة بالسوء، وهوى مردٍ، وشهوة غالبة، وشيطان مزين، وضعف مستولٍ عليه؛ فإن تولاه الله نجا وسلم، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه هذه القوى فكانت الهلكة.

ومع كل ذلك فإن الله -عز وجل- حين خلق الإنسان وركب فيه الشهوة وابتلاه بمخالفة الهوى وسلط عليه الشيطان لم يتركه هملاً، بل رزقه من القوة ما يستطيع به الصمود، وزوده من العدة ما يملك معه المقاومة، وما أمر الله بشيء إلا أعان عليه، وما نهى عن شيء إلا أغنى عنه.

إن طريق الجنة طريق طويل، تتناثر فيه الأشواك والعقبات، وتحفه المخاطر والمكاره، وإنه لا بديل لسالكه عن الصبر البتة، وهل التدين إلا في الصبر على نداء الشهوة؟! وفي الذكر الحكيم: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون: 111]، (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) [الإنسان: 12].

أيها المسلم: إن الدنيا مفازة، فينبغي أن يكون السابق فيها العقل، وإنما فُضِّل العاقل بتأمل العواقب، فلا تؤثر لذة تفوِّت خيرًا كثيرًا، واعلم أن في ملازمة التقوى مرارات من فقد الأغراض والمشتهيات، إلا أن العاقبة حميدة.

في قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة، وكل مغلوب بالهوى ذليل، والصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، والصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله، ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافي التقوى -وإن قل- إلا وجد عقوبة عاجلة أو آجلة: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ...) [النساء: 123].

تذوق حلاوة الكف عن المعاصي؛ فإنها شجرة تورث عزّ الدنيا وشرف الآخرة، وابتعد عن كل ما يوقظ الشهوة؛ فإنه لا أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وفي الحديث الصحيح: "ويحك لا تفتحْه؛ فإنك إن تفتحه تلجه". ومن قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وُكِل إلى نفسه، ومن وُكل إلى نفسه هلك، ألم تسمع قول الكريم ابن الكريم ابن الكريم: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].

إن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله تعالى بقدر تعلقها بها، وإن الرجل -والله- من إذا خلى بما يحب من المحرم وقدر عليه واشتد عطشه إليه تذكر نظر الحق -عز وجل-، فاستحيا من إجالة همه فيما يكرهه ربه فذهب العطش: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

وإذا خلوت بريبة فاستحي من نظر الحي القيوم، واعلم أن من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40، 41].

لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة، وإن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، ورب سهم أصاب مقتلاً، ومعظم المصائب مبداها من النظر، ورب نظرة لم تناظِر، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته، ومتى غض العبد بصره غض القلب شهوته، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

وما من عبد يكف بصره عن محاسن امرأة -ولو شاء أن ينظر إليها لنظر- إلا أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه، وكل من حدثته نفسه بذنبه فكرهه ونفاه عن نفسه وتركه لله ازداد صلاحًا وبرًا وتقوى، ومن صدق الله في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه، ومن أخلص نجا: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].

وكلما قوي الداعي إلى الشهوة قويت مجاهدة النفس على الصبر، فزاد أجر العبد عند الله، إن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله -عز وجل- من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم، وإذا اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجا إلى من عنده الري الكامل، وسله الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم إنا نعوذ بك من شهوة إلى حرام، اللهم إنا نعوذ بك من شهوة إلى حرام، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك.

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين، وارض اللهم عن الأئمة المهديين والخلفاء المرضيين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا.

اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة.

اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى، اللهم أتم عليه الصحة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبلاد، واسلك بهم جميعًا سبيل الرشاد، وكن لهم موفقًا لكل خير وصلاح.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقن دماءهم وآمنهم في ديارهم، وأرغد عيشهم وأصلح أحوالهم واكبت عدوهم.

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وولديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

 

 

المرفقات

الشهوات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات