خطورة أذية المسلم

صالح بن محمد آل طالب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ حرمة المسلمين عموما وأولياء الله خصوصا 2/ من حفظ كرامة المسلمين في الشريعة 3/ من صور إيذاء المسلم 4/ من صور الإيذاء العام على المجتمع.

اقتباس


من أذية المسلمين: خلط الحقائق وتلبيس الوقائع، وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثل ذلك في مجال القيم والأخلاق والسلوك؛ كم يتأذى عموم الناس بما يعرض من مقروء ومشاهد مما يصادم الذوق العام كما يصادم الفضيلة والفطرة؟، فضلاً عن أصول الشريعة ومبادئها، أليس كل هذا أذية للمسلمين وتحدٍّ ظاهر لدينهم ومشاعرهم؟ حتى أصبح من يريد الحفاظ على نفسه وأسرته من الوقوع في الانحراف يعاني الكثير والكثير؟

 

 

 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعلى كسبكم محاسبون، وأن المصير إلى جنة أو نار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]

عباد الله: إن للمسلم عند الله حرمة وقدرا، ولجنابه احتراماً وحمايةً وخطراً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَزَوالُ الدُّنيَا أهونُ عندَ اللهِ مِنْ إِراقةِ دمِ مسْلِم" حديث صحيح، أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وهذا لفظ البيهقي.

ولقد جاءت الشريعة بالآداب والتوجيهات والأحكام والحدود التي تعظم الحرمات وتحمي جناب المسلم أن يمُس بأدنى أذى ولو كان لمشاعره وأحاسيسه، وقرر الإسلام الأخوة مبدأ يستوجب الإحسان، وينفي الأذى مهما كانت صوره وأشكاله، قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض، وكُونوا عبادَ الله إخوانَا، المسلمُ أخو المسْلم لا يظلمْهُ ولا يحقِرْه ولا يَخْذُله، التقوى هَا هُنا، وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثا، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَام دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ" رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يحبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه" متفق عليه.

بل كانت حجة الوداع إعلاناً لحقوق المسلم، وإشهاراً لمبدأ كرامته وتعظيم حرمته وقدره عند الله، وتحريم أذيته بأي وجه من الوجوه في ميثاق تاريخي نودي به في أعظم محفل.

أيها المسلمون: إن انتهاك هذه الحرمة التي عظمها الله، والتعدي على المسلمين بأذيتهم؛ لمن أعظم الذنوب والآثام، وقد قال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب:58].

وتزداد الجريمة إثما إن كانت الأذية للصالحين والأخيار من المؤمنين، وفي الحديث القدسي، يقول الله -عز وجل-: "مَنْ عَادَ لي وليًّا فقدْ آذنتُهُ بالحرْب" رواه البخاري.

فمَن المخذول الذي يتصدى لحرب الله وقد قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج:38]، وعلى قدر إيمان العبد يكون دفاع الله -تعالى- عنه، وإذا ارتقى العبد في الإيمان إلى مقام الولاية تأذَّن الله بالحرب لمن عاداه.

وقد يكون المسلم الضعيف المغمور وليًّا لله وأنت لا تدري؛ فاحذر من أذية من تولى الله الدفاع عنهم، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) -أي ينسبون إليهم ما هم برءاء منه لم يعملوه ولم يفعلوه-: (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)، وهذا هو البهت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم".

عباد الله: لقد بلغت الشريعة أن حرَّمت ما يؤدي إلى مضايقة المسلم في مشاعره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كُنْتمْ ثلاثَة فَلا يتنَاجَى اثنانِ دونَ صاحبِهِمَا؛ فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُه"، وفي رواية: "فإنَّ ذلكَ يُؤذِي المؤمِن، والله يكْرَهُ أذَى المؤمِن" أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح.

بل وصل الأمر إلى الجزاء بالجنة لمن أزال شوكة عن طريق المسلمين؛ قال صلى الله عليه سلم: "مر َّرجلٌ بغصنِ شجرةٍ على ظهرِ طريق، فقال: واللهِ لَأُنحيَنَّ هذا عنِ المسلمِين لا يؤذِيهِم؛ فأُدخِلَ الجنَّة" رواه مسلم، فانظر ثواب من كفَّ عن المسلمين أذى وإن كان يسيرا، وإن لم يتسبب فيه.

إن مجرد كف الأذى لَهُو معروفٌ وإحسان يثاب عليه المسلم؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "تكفُّ شرَّكَ عنِ الناسِ فإنها صدقةٌ منكَ على نفسِك" رواه مسلم.

ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ المسلمين خَير؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لسانِهِ ويدِه" متفق عليه، وفي رواية: "المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه"؛ قال ابن حجر -رحمه الله-: "فيقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده؛ فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب؛ إذ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة، وأذى المسلم حرام باللسان واليد".

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكمْ والجلوسُ في الطُّرقاتِ"، فقالوا: يارسولَ الله، ما لنا بدٌّ في مجالِسِنا نتحدثُ فيها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا أبيتُمْ إلا المجلِس فأعطُوا الطريقَ حقَّه"، قالُوا: ومَا حقُّ الطريقِ يارسولَ الله؟ قال: "غضُّ البصر وكفُّ الأذَى وردُّ السَّلام والأمْرُ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المنكر" متفق عليه.

فمن صور الأذى: مضايقة المسلمين في طرقاتهم وأماكنهم العامة، ورمي النفايات فيها بلا مبالاة ولا احترام، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتقُوا اللعَّانَين، قالوا: وما اللعانانِ يارسولَ الله؟ قال: الذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أو في ظلِّهِم" رواه مسلم، ولفظ رواية أبو داود: "اتقُوا اللاعنَين".

وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأنها من شُعَب الإيمان، كما أخرج الطبراني وغيره بسند صحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ آذَى المسلمين في طرقِهِمْ وجَبَتْ عليه لعْنتهم"، ومن قواعد الإسلام العظام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار" أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة .

بل حتى من كان له قصد صحيح فإنه لا يجوز له إن كان سيؤذي المسلمين، وقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال -عليه الصلاة والسلام- له: "اجلسْ فقد آذيْت" رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أكلَ البصلَ والثومَ والكُراث فلا يقربنَّ مسجدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذى منه بنُو آدم". أخرجه مسلم؛ فدل على منع أذية المؤمنين ولو لم تكن متعمدة، ولو كانت لغرض مشروع، فيكف بالأذى المتعمد في موافقة هوى النفس وشهوتها.

أيها المسلمون: إن للأذية صوراً لا تكاد تتناهى، وعلى المسلم أن يتجنبها جميعاً؛ خاصة ما ورد النص عليه تنبيها لخطره وتعظيما لأثره، كما ورد في الغيبة والنميمة وأذية الجيران والخدم والضعفاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ظلمَ معاهَدًا أو انتقصَه أو كلَّفهُ فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئاً بغير طيب نفسه؛ فَأنا حجِيجُهُ يومَ القيامة" رواه أبو داود بإسناد صحيح.

فإذا كان هذا في ظلم المعاهَدِين فكيف بمن ظلم إخوانه المؤمنين؟! عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قِيلَ يا رسولَ الله، إنّ فلانةَ تصلِّي الليلَ وتصومُ النَّهارَ وتؤذِي جيرانَها بلسانِها، فقال: لا خيْرَ فيها هي في النَّار" أخرجه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الحاكم وابن حبان، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه" متفق عليه.

فمن الإيذاء: السباب والشتام، والغيبة والنميمة، والقدح في الأعراض، والله -تعالى- يقول: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15].

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "صعِدَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع، فقال: يامعشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ، ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه". قال: ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: "ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً منك" رواه الترمذي بإسناد صحيح.

بل ورد في صحيح مسلم من حديث عامر بن عمرو -رضي الله عنه-: "أن من أغضب مسلماً فقد أغضب ربه، وأنه على خطر من عقوبته وانتقامه حتى وإن كان المؤذي من أفاضل الناس وخيارهم".

أيها المسلمون: احذروا أذية المؤمنين والإساءة إلى الناس أجمعين، إلا بحق ظاهر قام عليه الدليل البيِّن السالم من المعارض من الكتاب والسنة، والمأثور عن السلف الصالح من هذه الأمة؛ ليكون لكم برهاناً قاطعاً، وحجةً دافعة حين تختصمون إلى ربكم؛ فتؤدَّى الحقوق إلى أهلها.

إن أذية المؤمن ظلم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والصبر على أذى الخلق أفضل من الدعاء عليهم: (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ) [النحل:126]، وإن من الأذى ما لا تكفِّره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم، بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف وتعز الحسنات؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرونَ مَنْ المفلِس؟ قالوا: المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ لهُ ولا متاع، فقال: إنَّ المفلسَ مِنْ أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا وأكلَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا، وضرب هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ وهذا من حسناته، فإن فنِيَتْ حسناتُهُ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليه؛ أَخذَ منْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه؛ ثُمَّ طُرِحَ في النار" رواه مسلم.

ويعظُمُ الإيذاء ويتضاعف الإثم وتشتد العقوبة؛ كلما عظُمت حرمة الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسبة، ولئن كان الاستهزاء بالناس أذية وبلية؛ فإن الاستهزاء بالصالحين والعُبَّاد والمحتسبين أشد إثماً وأكثر خطراً، وهذا الهمز واللمز هو أول سلاح أُشهِر أمام الأنبياء والرسل.

ولئن لم يخْلُ عصرٌ أو مَصرٌ منْ هذه الخطيئة؛ فإنه يعظُم الأسفُ ويشتد حين يكون شاهراً ظاهراً معلَناً غير منكَر؛ إذ استباحة حرم حَمَلَة العلم والدين وجعل انتقاصهم ديدناً هو أمر لم يحدث في بلاد الإسلام إلا أخيراً، وسيبقى الدين محترماً ما دام أهله محترمون، وإذا تسلط عليهم مَن دونَهم في العلم والديانة، فإن ذلك نذير نقصٍ وفتنة.

أيها المؤمنون: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء في خطبة الوداع، كما وصى بهن وهو على فراش الموت.

فويل لمن آذى وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وظلم النساء، وويل لمن آذت زوجها؛ فإن الملائكة تلعنها. إن أذية أحد الزوجين للآخر من أقبح صور الأذى، كما أن تسلط الرؤساء بالأذى على مرؤوسيهم، وهضم حقوق العمال، وتأخير مصالح الناس في أي مجال هو داخل في الوعيد الشديد بقول العزيز المجيد: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب:58].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: فإذا كان إيذاء المسلمين ببعض الأمثلة التي مضت يُعَد كبيرة من الكبائر وجريمة من المحرمات؛ فما بالكم بألوان من الأذى يتضرر منه ملايين المسلمين ويقع بلاؤه على مجموع الأمة ؟!

فإن الأذية كلما انتشرت دائرتها وتوسعت، كان إثم مرتكبها أعظم وعقوبته أشد، وإذا كانت اللعنة تحق على من يتخلى في طرق المسلمين وظلهم ويؤذيهم في طرقاتهم وهو لا يتعدى أفرادا معدودين؛ فكيف بالذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوراتهم ويؤذون ألوف المسلمين؟!

إنه أذى لله ورسوله كما قال الله -تعالى- في الحديث القدسي المتفق عليه: "يؤذيني ابنُ آدم"، وفي القرآن المجيد: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) [الأحزاب:57].

كما أن من أذية المسلمين: خلط الحقائق وتلبيس الوقائع، وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثل ذلك في مجال القيم والأخلاق والسلوك.

كم يتأذى عموم الناس بما يعرض من مقروء ومشاهد مما يصادم الذوق العام كما يصادم الفضيلة والفطرة؟، فضلاً عن أصول الشريعة ومبادئها، أليس كل هذا أذية للمسلمين وتحدٍّ ظاهر لدينهم ومشاعرهم؟ حتى أصبح من يريد الحفاظ على نفسه وأسرته من الوقوع في الانحراف يعاني الكثير والكثير؟

عباد الله: صورة أخرى من صور الأذى: وهو استغلال حاجة الناس وفقرهم، والتحايل على الربا الذي غطى بسحابته السوداء بلاد المسلمين، وضرب بأطنابه في تعاملاتهم ظلماً وعدواناً؛ حتى دخل على من لا يريده في عقر داره ولو أن يصله غباره، ابتداء من المصارف والبنوك، وانتهاء بتجار التقسيط، حتى تكاثرت الديون وتضاعف العِوَز، مع قلة استفادة المدين وانعدام بركة المال.

إن على أصحاب المال والاقتصاد أن يتقوا الله فيما بين أيديهم؛ فغداً والله سوف يُسألون، واستطراداً في ذلك: حبذا لو توسعت الدولة في بنوك التسليف الرفيقة بالإقراض الحسن؛ لعل الربا وأشباه الربا يقل في المجتمعات المسلمة، ونعود لنكثر بركة المال.

وثمت جانب من جوانب الإيذاء العام في مجال المال والاقتصاد، والذي يمارسه بعض التجار وأصحاب المصالح من الاحتكار ورفع الأسعار، والتضييق على المسلمين في أرزاقهم ومعاشهم، حتى أعمى الجشع بصائرهم، وخدّر الطمع مشاعرهم.

إن التجارة باب كريم للرزق، لكن ذلك لا يعني الاتكاء على الضعيف؛ لاستنزاف آخر قطرة من دمه، وأسوأ من ذلك استدراجه بالديون، وتحميله ما لا يحتمل؛ فلنستحضر دوماً قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب:58].

هذا؛ وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية محمدًا بن عبد الله الهاشمي القرشي، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.

وارض اللهم عن الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين المرضيين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجم واتبع سنتهم يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفّق خادم الحرمين الشريفين لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة يارب العالمين.

اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى، اللهم أتم عليه الصحة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبلاد، واسلك بهم جميعاً سبيل الرشاد، اللهم كن لهم جميعاً موفقاً مسدداً لكل خير وصلاح.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقن دماءهم، وآمنهم في ديارهم، وأرغد عيشهم، وأصلح أحوالهم، واكبت عدوهم.

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصر المرابطين في أكناف بين المقدس، اللهم اجمعهم على الحق يارب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتاب وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإن لا يعجزونك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا في يرضيك آمالنا. اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت. أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم إن بالعباد والبلاد من الحاجة واللأواء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم فأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا، اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة على طاعتك وبلاغا إلى حين.
 

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

 

 

المرفقات

أذية المسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات