اقتباس
أكثر من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية فلها تأثير كبيرٌ في قلوب الناس، واحرص على قراءة الآيات من غير لحن؛ فالخطأ في قراءة الآيات يهبطُ بمكانة الخطيب في أعين الناس، وكلما كنتَ للقرآن متقناً ارتفع بك القرآنُ...
إن موضوع خطبة الجمعة من الموضوعات التي تستحق العنايةَ الفائقة فهي إحدى ثرواتِ الأمة حيث يتجمع خلال فترة الخطبة في بقاع المعمورة ملايين المسلمين يستمعون للخطيب من مشارق الأرض ومغاربها، تجمعهم كلمة الإيمان؛ ويقصدون لمغفرة الرحمن، من هنا فإن الخطيبَ مسؤول عن العناية بخطبته بتقديم مادة نافعة للمصلين، يقدم لهم فيها ما يرتقي بإيمانهم، ويُرغبهم بالخير.
إليك أخي القارئ والخطيبَ بعضَ النصائح التي لاحظت من خلال ممارسة الخطابة لما يزيد على خمسةَ عشر عاما أنها ذاتُ أثر في نجاح الخطبة:
أولاً: ابدأ الخطبة بحمد الله -تعالى- وبالصلاة على رسول -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في خطبة الحاجة فهذه الخطبة تتضمن أركان الخطبة في مختلف المذاهب إذ أركان الخطبة عند بعض الفقهاء: حمدٌ وصلاة على رسول الله وقراءة آية، وذهب آخرون الفقهاء إلى أن ركن الخطبة أن يكون فيها وعظ وتذكير بالله وكل ذلك متضمن في خطبة الحاجة.
ثانياً: احرص على مخاطبة الناس من خلال حاجاتهم، فإذا حدثتهم عن الذنوب فاربط أثرَ الذنوبِ بالحرمان من الرزق، وبزوالِ البركةِ في المال، وإذا تحدثتَ عن الظلمِ فاضرب أمثلةً من حياة الناس اليومية؛ كالحديث عن ظلم الرجل لزوجته حين تتعبُ بإعداد الطعام، ثم يُعنفها الزوجُ؛ لأجل نقص الملحِ، أو برودةِ الطعام ولا يُقدِّر لها تَعَبها طوالَ اليوم ومعاناتِها مع الأبناء، وكذا تحدثْ عن ظلمِ الموظف لمراجعيه حين يؤخر المعاملات بلا مسوغ، أو يتلهى عن النظر في معاملات المراجعين، وتحدث عن ظلم الجار لجاره حين يزعجه في الليل من خلال الغناء المرتفع وفي النهار من خلال قيادة السيارات الطائش، وهكذا، ادخل في تفاصيل الحياة اليومية وتكلم مع الناس من خلال واقعهم، ولا تجعل حديثك بعيداً عن الواقع بل اربط الخطبة بواقع المسلمين؛ فذاك أدعى لاهتمامهم بما تقول.
ثالثاً: أكثر من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية فلها تأثير كبيرٌ في قلوب الناس، واحرص على قراءة الآيات من غير لحن؛ فالخطأ في قراءة الآيات يهبطُ بمكانة الخطيب في أعين الناس، وكلما كنتَ للقرآن متقناً ارتفع بك القرآنُ فاحرص على إتقانه وكن أكثر حرصاً على العمل بأحكامه.
رابعاً: استثمر الحدثَ اليومي واجذب الانتباه؛ لتكسر الجمودَ وتتجنب شرود المستمعين، فإذا كانت حرارة الجو مرتفعة؛ فاربط بين حرارة الجو وبين حرارة يوم الحشر، حيث يكون الناسُ في هولٍ شديد، ومنهم من يُلجمه العرقُ. حدثهم عن عذابِ جهنم وعن أهوال الحشر يومَ القيامة، وإذا كان الموسمُ موسمَ امتحانات فاربط ذلك بامتحان الآخرة حيث سيُسأل كل واحد وأسئلة الامتحانات معروفة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
هذه أسئلة الامتحانات فماذا أعددت من إجابة يوم ينطق جلدك، ويخاطبك الحق سبحانه: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية:29].
خامساً: كن مفهوماً، فتجنب اللغة المعقدةَ والصعبة خاطب الناس بلغة فصحى ترتفع فوق العامية وتتجنب التقعر، فالحديث بالفصحى يعطي مصداقية ويشعر بعلم المتكلم، وهي لغة القرآن الكريم.
سادساً: أعط الحلَّ إذا عرضت مشكلة، وكلف المستمعين بمهمة، فإذا تحدثت عن الفقر فتكلم عن الزكاة، واطلب من المصلين أن يتفقدوا الفقراء من جيرانهم ومن زملائهم في العمل ,و اطلب من المدرسين أن يكون لها دورٌ في تفقد الفقراء في المدرسة وبث معاني الخير بين الطلبة والقيام بالتبرع للفقراء، ولا تجعل الخطبة تخرج بلا وظيفة ومهمة اجتماعية أو إصلاحية.
وإن تحدثت عن صلة الرحم فاقترح مشاريع لتحقيق الصلة, وإن تحدثت عن تضحيات الصحابة فقارن ذلك بمن يعجز عن التضحية بنومه ليصلي الفجر بالمسجد، حاول أن توظف ما تقوله في حياة المستمعين.
سابعا: عند تناولك لقضية تاريخية فاعمل على عرضها بأسلوب معاصر، بحيث تستخدم مصطلحات من الواقع المستمعين تُقرِّبُ الموضوعَ لأذهان المستمعين: فإذا تحدثت عن عرض غطفان في غزوة الأحزاب حين عرضوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعطيهم شطرَ ثمار المدينة على أن ينسحبوا من حصار المدينة، فاستخدم مصطلحات معاصرة مثل: تعرضت المدينةُ لعدوان ثلاثي من قبل قوى الكفر الثلاث، تفاوضت غطفان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، تم توقيع المعاهدة بالأحرف الأولى قبل التصديق، قام النبي بالعرض على أهل الخبرة ونواب الأمة وهم السعدين وتم تمزيق المعاهدة حين رُدَّتْ من السعدين، فلهذه الألفاظ أثرٌ في استدعاء الواقع المعاصر والمقارنة به من خلال عرضك للسيرة النبوية.
ثامناً: إن لم تكن تبالي بشد انتباه المستمعين، فاحرص في آخر الخطبة على النزول عن المنبر على رؤوس أصابعك حتى لا يستيقظ مستمعوك!
تاسعاً: تجرد من حولك وقوتك إلى حول الله -تعالى- وقوته، والجأ إليه، سبحانه و تعالى، أن ينفع على يديك، وأن يجعلك ممن قال الله فيهم؛ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت:33].
عاشراً: احذر العُجبَ والرياء، واذكر ما رواه أبو هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ الله -تعالى- بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ الله -تعالى- لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وجاء رجل إلى معاوية بن أبي سفيان فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: "قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاسِ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ).
أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على أشرف خلق الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم