عناصر الخطبة
1/ خطر تضييع الصلاة 2/ عقوبة النوم عن الصلاة وتضييعها 3/ الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة والحفاظ عليها.اقتباس
إذن فعلى المسلم أن ينام مبكرا ليستيقظ نشيطا لصلاة الفجر وأن يحذر السهر الذي يكون سببا في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة؛ حقا إن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم وفي المقدار الذي يكفيهم منه؛ فلا يمكن تحديد ساعات معينة يفرض على الناس أن يناموا فيها لكن على كل واحد أن...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
يا أيها المؤمنون: ما أعظم عطايا الرب لخلقه، وكم هي العطية التي هي في نفسها نعمة، وتجلب نعما، وتدفع نقما؛ فهي نعمة تحوي نعما عظيمة، وهذا لا يأتي إلا من الكريم المنان، ولو تأملنا نعم الرب علينا لوجدنا أن الله وهب العبد هبة عظيمة؛ فقربه بها ورفع درجته وبين منزلته لسائر الخلق، وأعظم العطية له عندما كلفة بفعلها وتوعده بالعقوبة إن قصر فيها؛ فألزمه بما فيه الخير والنفع العظيم له، ولكن للأسف أن كثيرا من المسلمين هداهم الله قد قصروا فيها ولم يعرفوا قيمتها، بل أصبحوا يتثاقلونها، ويجعلونها من الحمل الثقيل، كل ذا لأنهم لم يذوقوا حلاوتها ولم يتنعموا بها؛ فهل عرفتم -عباد الله- ما هذه الهبةُ العظيمة، إنها الصلة بين العبد وربه، إنها الصلاة، ولقد سبق الحديث عن الصلاة وعن فضلها، وعن عقوبة تاركها، وعن حكم المتكاسل عنها، غير أننا في هذه الخطبة سنتحدث بإذن الله عن النوم عنها؛ فما أكثر من ابتلي بذلك، حتى المحافظين عليها عندما يكونوا على اليقظة، ولكنهم متى ما ناموا مر عليهم وقتها وهم خامدون في فرشهم، وإن النوم عن الصلاة لمعصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب.
وإن النائم عن الصلاة مهمل ومفرط في أداء ركن من أركان الإسلام، ولهذا استحق العقوبة في البرزخ وبعد قيام الساعة كما سيأتي بيانه، بل إن المفرط في الصلاة لينبئ عن قلة اهتمامه بالصلاة وقلة الإيمان المنغرس في قلبه، حتى عد في ميزان الشرع من المنافقين، ومما توعد الله به النائم عنها، قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59]، والنائم عن الصلاة ممن أضاع الصلاة، ومعنى (غَيّاً): قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "خسرانا"، وقال قتادة: "شرّاً"، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم"، وقال سبحانه متوعدا أهل التفريط والإهمال، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4-5]؛ قال ابن مسعود: "ذلك أي: ذلك الوعيد على مواقيتها؛ يعنى عن تأخيرها عن وقتها قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن ذلك إلا على تركها".
ومن العقوبات التي توعد بها الذي ينام عن الصلاة ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سمرة بن جندب قال -صلى الله عليه وسلم-: "في رؤياه التي رآها في المنام ومروره على المعذبين في البرزخ حتى قال وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة ٍ وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذا قال قالا لي انطلق انطلق وقد فسرها في نهاية الرؤيا بقوله أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر؛ فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة".
عباد الله: مع ما يكتب للعبد من عقوبة عندما ينام عن الصلاة المكتوبة؛ فإنه قد فرط في أجور كثيرة؛ فإن الشكاية في النوم عن الصلاة إنما هي صلاة الفجر والعصر غالبا، وإن النائم عنهما يكون قد فرط في أجر عظيم؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة ٌ بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم؛ فيسألهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون".
فكم من مسلم جاءت الملائكة للصلاة؛ فوجدته نائما وتركته وهو نائم والنائم قد فرط في آخر معقل من معاقل الإيمان؛ فقد أخرج الحاكم وغيره من حديث أنس قال -صلى الله عليه وسلم-"أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، و آخره الصلاة".
اللهم أعنا على أسباب مرضاتك وجنبنا أسباب سخطك أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: فيا أيها الناس، إن على العبد أن يراجع نفسه وأن يحتاط لدينه، و إن القلب إذا صار يقضا، ومهتما لأمر الصلاة لم يثقل نومه عنها، بل يستيقظ فزعا، عند وقتها، ومن اهتم بشيء جعل أسبابا توقظه للصلاة وسوف نتعرض لأسباب القيام المعينة على ذلك؛ فمن علم أن النوم عن صلاة العشاء والفجر من علامات المنافقين، سعى جاهدا في التخلص من الأسباب التي جعلها الإسلام من صفات أهل النفاق، ومن الأسباب المعينة على القيام:
التبكير في النوم؛ فقد أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي برزة، قال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها".
فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاء، والمُشاهَد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحالة تشبه المرضى، ولا ينبغي أن يتحدث بعد صلاة العشاء وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها؛ فقالوا: لأنه يؤدي إلى السهر ويخاف من غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها أما ما كان فيه مصلحة وخير؛ فلا يكره كمدارسة العلم ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم ومحادثة الضيف ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة؛ فما الحال إذا تفكرنا؛ فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام.
إذن فعلى المسلم أن ينام مبكرا ليستيقظ نشيطا لصلاة الفجر وأن يحذر السهر الذي يكون سببا في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة؛ حقا إن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم وفي المقدار الذي يكفيهم منه؛ فلا يمكن تحديد ساعات معينة يفرض على الناس أن يناموا فيها لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوم يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطا فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحادية عشرة ليلا مثلا لم يستيقظ للصلاة فإنه لا يجوز له شرعا أن ينام بعد هذه الساعة، وهكذا.
ومن الأسباب المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر، الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم؛ فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر.
ومنها صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه؛ فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية.
ومنها ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ في أول الأمر ثم لا يعاود النوم مرة أخرى، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عقد الشيطان وصار ذلك دافعا له للقيام؛ فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان؛ فإذا صلى أخزى شيطانه وثقل ميزانه وأصبح طيب النفس نشيطا.
ومنها أن يتذكر أنه ربما إذا نام لم يقوم من نومه هذا؛ فالله سبحانه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فلقد كان محمد بن واسع يقول لأهله قبل أن يأخذ مضجعه: أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم فيها.
ومن الأسباب المعينة على القيام للصلاة البعد عن فضول النظر والأكل والكلام ومراقبة الله في الخلوات، كما قال أحد السلف "اتق الله في النهار وهو يقيمك بين يديه في الليل".
معاشر المسلمين: من طبق هذه المعينات على القيام للصلاة؛ فسيستيقظ للصلاة لا محاله بإذن الله، وإن لم يستيقظ؛ فهو معذور لأنه استوفى كل المطلوب منه وعندها يصح أن يقال ليس في النوم تفريط.
أيها المؤمنون: مساكين أولئك الذين استثقلوا العبادة حتى لا يأتونها إلا دبارا؛ فمثلهم جاء النذير لهم بقوله "ولا يزال قوم يتأخرون حتى يأخرهم الله في نار جهنم".
اللهم اجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون، اللهم وفقنا لهداك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم