عناصر الخطبة
1/لا يعلم الغيب إلا الله 2/تعريف الكهانة وحكم أصحابها 3/أحوال من يأتي إلى الكهان 4/صدق الكهنة في بعض الأخبار وحقيقة ذلكاقتباس
الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين، وتسترق السمع من السماء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ علَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ واقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلا-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: علم الغيب صفة من صفات الله ومختص به وحده، قال الله -تعالى-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل: 65]، قال السعدي في تفسيره: "يخبر -تعالى- أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض، كقوله -تعالى-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59]، وكقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)[لقمان: 34]، إلى آخر السورة، فكيف يدعي مدعٍ مِن جن أو إنس أنه يعلم الغيب، فيكذب ما جاء به الله في كتابه وما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فعلم الغيب من صفات الله المنفرد به -عزَّ وجل-".
ومن هؤلاء الذين يدعون الغيب الكهان والعرافون والمنجمون، وهم خطر على توحيدنا وعقيدتنا، فاحذروهم -يا عباد الله-، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- وابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "ليس منا من تَطَيَّر أو تُطُيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكِهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له، ومن أتى كاهنا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-"(صحيح، رواه البزار الطبراني).
فما الكهانة؟ وما حكمها في الإسلام؟ وما عقوبة من يرتكبها أو يصدقها؟.
الكاهن: من يدعي علم الغيب، والكهَانة: ادعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجنِّ، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن في فتح المجيد: "وأكثرُ ما يقع في هذا ما يخبر به الجنُّ أولياءَهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنُّه الجاهل كشفًا وكرامة، وقد اغترَّ بذلك كثير من الناس يظنُّونَ المخبرَ بذلك عن الجنِّ وليًّا لله، وهو من أولياء الشيطان"، والعراف والمنجم والكاهن كلهم مدعون للغيب، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العراف: اسمٌ للكاهن والمنجِّمِ والرمَّال، ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق".
وهي من الأعمال المحرَّمة في الإسلام، وكذلك يحرم على الإنسان أن يأتي كاهنًا أو عرافًا، سواء صدَّقه أو لم يصدِّقه، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاواه المجلد الثاني: الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين، وتسترق السمع من السماء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين، ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقًا لما قالوا: اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعًا في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل؛ ولهذا نقول: الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
الذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن، فيسأله من غير أن يصدِّقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين يومًا، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى عرافًا فسأله؛ لم تقبل له صلاة أربعين يومًا أو أربعين ليلة".
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن، فيسأله ويصدِّقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله -عز وجل-؛ لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب؛ لقول الله -تعالى-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل: 65]، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: "من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-".
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبيِّن حاله للناس، وإنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليلُ ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه ابن صياد، فأضمر له النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا في نفسه، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا خبأ له؟ فقال: "الدخ"، يريد الدخان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اخسأ، فلن تعدو قدرك".
هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة: الأولى: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدِّقه، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرَّم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين ليلة، الثانية: أن يسأله فيصدِّقه، وهذا كفر بالله -عز وجل- على الإنسان أن يتوب منه، ويرجع إلى الله -عز وجل- وإلا مات على الكفر، الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبيِّن حاله للناس، فهذا لا بأس به.
فالكهانة أمرُها خطير على عقيدة المسلم، وخلل في توحيده بالله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
عباد الله: قد يسأل سائل فيقول: إن بعض هؤلاء العرافين والكهان يخبروننا بالشيء، فيكون تمامًا كما أخبروا به، فما تفسيركم لذلك؟.
فنرد عليهم برد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من سأله بمثل هذا السؤال: فكما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أمِّنا عائشة قالت: سأل أناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكهان، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليسوا بشيء"، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحيانًا الشيء يكون حقًّا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليِّه قرَّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة".
فمن هنا يستغلون الناس من خلال الخبر الصحيح الذي نقلوه عن الجن، فالناس إذا رأوا أنه قد وقع ما أخبرهم به الكاهن، صدَّقوه في باقي أخباره وإن كانت كذبًا، فهؤلاء -يا عباد الله- شر عليكم وعلى عقيدتكم وتوحيدكم بالله، فلا تصدقوهم، ولا تذهبوا إليهم مهما كانت شدة الحاجة والبلاء، فلو كان أحد يعلم الغيب حقًّا غير الله، لكن ذلك أَولى الناس به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه لا يعلم الغيب، قال الله -تعالى-: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 188].
فاتقوا الله -عباد الله-، وصلوا وسلموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم