خطر الشائعات والموقف الصحيح منها

علي بن يحيى الحدادي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ الشائعات خطر عظيم   2/أضرار الشائعات ومفاسدها 3/الشائعات والطعن في الدعوة والدعاة 4/سهولة نشر الإشاعة في زماننا 5/الموقف السليم من هذه الشائعات 6/ما جاء من الوعيد في التساهل بنشر الأخبار

اقتباس

عدم نقل الأخبار وإشاعتها, لا سيما ما يتعلق بمصلحة الوطن والمجتمع وماله علاقة بالسياسة العامة، بل الواجب أن نرد هذه الأمور إلى ولاة أمرنا من علماء وحكام, ونشتغل نحن بما يعنينا ويهمنا كما قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

 

فإن الأخطار التي تهدد أمن الناس واجتماعهم ووحدة صفهم وكلمتهم متنوعة متعددة, ومن أخطرها الإشاعات التي يتناقلونها فيما بينهم على أنها حقائق ثابتة دون أن يكون لها مصدر موثوق, إنما هي من باب (قالوا ويقال وسمعت وقرأت).

 

إن الشائعات تضعف الأمن وتزعزع الطمأنينة, ويعيش الناس معها في قلق وتوجس وتخوف, لذا يحرص الأعداء على نشر الشائعات في معسكرات خصومهم ومجتمعاتهم؛ ليضعفوهم ويفتوا في عضدهم فينقضوا عليهم.

 

والشائعات من أقوى أسلحة أهل الباطل في الصد عن الحق وأهله, كما كان يشيع خصوم الرسل عنهم أنهم كذابون أو مجانين أو سحرة أو ممسوسون أو سفهاء؛ حتى صدق هذه الشائعات كثير من الأتباع والهمج الرعاع, فكذبوا الرسل ولم يصدقوهم, قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون: 23 - 25] وقال تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [ص: 4], وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [غافر: 23، 24] وقال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات: 52].

 

وحين هاجر المهاجرون الأولون الى الحبشة فراراً من طغيان قريش وظلمها, شاع بينهم أن قريشاً آمنت ودخلت في دين الله, فرجعوا فرحين مستبشرين فسامت قريش كثيراً منهم سوء العذاب.

 

وفي غزوة أحد صرخ الشيطان: إن محمداً قتل, فسرت هذه الشائعة بين المؤمنين ففتت في عضدهم وأوهت قوتهم وتسلط عليهم العدو.

 

وفي السنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة المريسيع وقعت حادثة الإفك, فاتهم المنافقون عائشة أم المؤمنين بالفاحشة, وأشاعوا هذه الفرية وتلقفها كثير من الناس, وأضرت كثيراً بالبيت النبوي وباستقراره وطمأنينته, وظلت هذه الفتنة تشتعل شهراً كاملاً حتى أنزل الله براءتها من السماء قرأنا يتلى الى يوم القيامة.

 

وفي زمن عثمان أشاع عنه أعداء الإسلام وأهله ممن يتستر بالإسلام إشاعات تتهمه بالظلم والأثرة, والخروج عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر, فحقد عليه من حقد وتظاهروا عليه في المدينة وحصروه في داره, ثم قتلوه -رحمه الله ورضي عنه-.

 

ثم كان للشائعات دور كبير في الفتن التي حصلت بعد قتله وسفك بسببها كثير من الدماء بغير حق.

 

ولا تزال الشائعات موجودة متجددة في المجتمعات وتفعل فعلها وتنفث سمومها, فكم كُذب من صادق, وخُوِّن من أمين, واتُهِم من بريء, وحصل بسببها من المفاسد الخاصة والعامة ما لا يمكن حصره ولا عده.

 

وقد ازداد خطرها في هذه الأيام لسهولة نشرها وتناقلها على المستوى العالمي, من خلال وسائل الإعلام والتواصل والمحادثات بين الناس, مع ضعف الأمانة والديانة في كثير من الناس, وظهور الاختلاف والعداوات بين كثير من الناس وسعي بعضهم في إضرار بعض.

 

أيها الإخوة: إن سعادتنا اليوم في هذا البلد إنما هو بعد فضل الله تعالى بتماسكنا وتآلفنا واجتماع كلمتنا, ولا شك أن هذه الألفة واللحمة القوية بين القيادة والرعية تغيظ أعداءنا من الكفار والمشركين وأهل البدع, وغيظهم هذا يحملهم على أن يسعوا في حربنا وأذيتنا وتغيير أوضاعنا, وبعض الناس قد يكون جندياً لهم من حيث لا يشعر, وذلك بنقل أكاذيبهم وأراجيفهم التي تورث عند الناس بغضاً لقادتهم, أو تورث القلق والرعب من المستقبل القريب وغير ذلك مما يتعلق بالخوف والأمن.

 

فاحفظ لسانك وقلمك -يا عبد الله-, واحذر من نقل كل ما تسمع أو تقرأ, فليس كل ما تسمعه أو تقرأه صحيحاً, وليس كل صحيح ثابت يحسن نشره ونقله.

 

إن الموقف السليم من هذه الشائعات:

 

أولاً: أن نتثبت عند سماع الأخبار كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] وأكثر هذه  الأخبار السيئة إما أن تأتي من مصادر مجهولة, وإما من مصادر كافرة أو بدعية, فكيف يسارع المسلم الى تصديقها وتبنيها؟!.

 

ثانياً: عدم نقل الأخبار وإشاعتها, لا سيما ما يتعلق بمصلحة الوطن والمجتمع وماله علاقة بالسياسة العامة، بل الواجب أن نرد هذه الأمور إلى ولاة أمرنا من علماء وحكام, ونشتغل نحن بما يعنينا ويهمنا كما قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)  [النساء : 83].

 

ثالثاً: تحسين الظن بالمسلمين, ولا سيما إذا كانت الإشاعة تتعلق بولي الأمر أو بالعالم, وعدم المسارعة في التصديق أو الحكم عليهم بناء على تلك الإشاعات, فلما اتهمت عائشة بالزنا وتلقف تلك الفرية من تلقفها, أدب الله المسلمين فقال -سبحانه-: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور : 12].

 

فغلّبْ حسن الظن -يا عبد الله-  ولا تتقبل هذه التهم بالتصديق, وعلى فرض صدقها فصن لسانك فإنه لا مصلحة لك في نشرها.

 

وافرض أنك وقعت في زلة؛ أتحب أن يتناقلها الناس عنك, إنك لا تحب ذلك, إذاً فأحب لإخوانك ما تحب لنفسك.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين, أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: فإن نشر الأخبار الكاذبة وإذاعتها, مما جاء فيه الوعيد الشديد والنهي الأكيد, قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36] وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أن عقوبة من يكذب الكذبة فتنتشر في الأفاق؛ بأنه يشق جانب فمه إلى قفاه, ويشق جانب منخره الى قفاه, وتشق عينه إلى قفاه -والعياذ بالله-.

 

وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" [أخرجه مسلم في المقدمة]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات, ووأد البنات, ومنعا وهات, وكره لكم قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال" [متفق عليه]. وفي سنن أبي داود عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بئس مطيةُ الرجلِ زعموا".

 

وفي حديث القبرين اللذين مر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيهما رجلان يعذبان, فأخبر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة, والنميمةُ نقل الحديث بقصد الإفساد. وكثير من الشائعات شرها وضررها كالنميمة أو أشد. وثبت عن علي -رضي الله عنه- في [الأدب المفرد] أنه قال: "لا تكونوا عُجُلاً مذاييعَ بُذُرا". أي لا تكونوا مسارعين في نشر الأخبار وإفشاء الأسرار, بل كونوا أحرص شيء خزن ألسنتكم وعدم الكلام بها إلا في خير.

 

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-

 

 

المرفقات

الشائعات والموقف الصحيح منها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات