خطر الذنوب وضرورة التوبة منها

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/حقيقة المعاصي 2/ من تفاصيل القرآن والسنة لأنواع العقوبات 3/ نتائج المعاصي وآثارها

اقتباس

ليس من شرور وبلاء تحدث بالناس إلا وسببها المعاصي من الداني والقاصي؛ فللمعاصي شؤمها، وللسيئات عواقبها، بسببها يحدث الهم والحزن والعقد النفسية والأحوال الجنونية، ومنها ينشأ العجز والكسل، وتحصل البطالة عن نافع العمل، وبها يكون الجبن والبخل، وسيء الخلال، وضعف الرأي، وكثرة الدين، وغلبة الرجال ..

 

 

 

 

 الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ونشكره سبحانه على فضله الذي لا نحصيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العظيم الرحمن، الذي أمر بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسوة المؤمنين، وإمام المتقين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يقولون بالحق وبه يعدلون، وعلى أتباعهم على الحق إلى يوم يبعثون.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واقبلوا ما جاءكم من ربكم من النور والهدى، واحذروا معصية الله والإعانة عليها، فإنهما من أسباب الشقاء وموجبات الردى في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: إن المعاصي هي المخالفات التي تقع من الناس قصداً وعمداً بأن يتركوا ما أمر الله بفعله، وأن يرتكبوا ما نهى الله عنه؛ اتباعاً للهوى، وإيثاراً للشهوة، وطاعة للنفس الأمارة بالسوء، واغتراراً بتزيين الشيطان وإغوائه، وكم توعد الله من يرتكب المخالفات بألوان الوعيد وشديد العقوبات في الحياة وبعد الممات، يقول تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

وقال -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام:65] (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) [المرسلات:16-18].

أيها المسلمون: كم في القرآن والسنة من النصوص المفصلة لأنواع العقوبات التي تصيب المخالفين، وقد أهلك الله بجنسها العصاة من الغابرين، وتهدد بها المخاطبين ومن يأت بعدهم من اللاحقين، قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40]. وقال -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة:78-80]. وقال -تعالى-: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء:160-161].

أيها المسلمون: ومن تفاصيل ما جاءت به السنة من جنس العقوبات والبليات التي تنزل بالمخالفين وتحيق بالعاصين - ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما طفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله القطر من السماء، وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم "، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: " ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعذابه ".

أيها المسلمون: ليس من شرور وبلاء تحدث بالناس إلا وسببها المعاصي من الداني والقاصي؛ فللمعاصي شؤمها، وللسيئات عواقبها، بسببها يحدث الهم والحزن والعقد النفسية والأحوال الجنونية، ومنها ينشأ العجز والكسل، وتحصل البطالة عن نافع العمل، وبها يكون الجبن والبخل، وسيء الخلال، وضعف الرأي، وكثرة الدين، وغلبة الرجال، وبها تزول النعم، وتحل النقم، ويستوحش القلب، ويضيق الصدر، وتظلم البصيرة، وتكثر الحيرة.

ومن جراء المعاصي ما تصاب به المجتمعات من الأعاصير المدمرة، والزلازل المهلكة، والفيضانات الجارفة، ورياح الثلوج العاصفة، ومن عقوباتها الخسوف والكسوف، وذهاب صالح المألوف، ومن جرائها تهلك المحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية، وتحدث الحروب الأهلية، وتسلط الظلمة على الشعوب بالغارات الوحشية والأفاعيل الهمجية؛ وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]. ويقول: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام:129].

فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا المعاصي؛ فإنها ما ظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا على أهل نعمة إلا منهم سلبتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها وأضلتها، ولا انتشرت في أمة وهي أعز ما كانت إلا أذلتها وأهانتها (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) [الأنفال:53-54].

فاعتبروا يا أولي الأبصار، واحذروا مكر الليل والنهار، وبادروا إلى ربكم بالتوبة والاستغفار إلى العزيز الرحيم الغفار.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

المرفقات

818

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات