خطر الاستهزاء بالدين

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2009-09-25 - 1430/10/06 2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/خطر اللسان والاستهزاء بالدين من أعظم جرائمه 3/الإسلام يقوم على تعظيم الله وتعظيم شرعه والاستهزاء يناقض ذلك 4/بعض صور الاستهزاء المخرجة من الدين

اقتباس

عبَاد الله: الإسلام دين الله قائمٌ على التَّعظيم لله -جل وعلا-، وتعظيم شرعه، قائم على الموافقة والطواعية والامتثال، والاستهزاء مصادمٌ لذلك كلَّ المصادمة، فالمستهزئ بشيءٍ فيه ذكر الله أو آياته أو رسوله عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ليس بمعظِّمٍ لله ولا لشرعه ولا موافقٍ ولا ممتثل، ولهـذا فإنَّ الاستهزاء بالدِّين كفرٌ بالله ربِّ العالمين. فمن استهزأ بشيء من....

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد للهحمد الشَّاكرين، أحمده تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وأثني عليه الخير كلَّه، أحمده جلّ وعلا بمحامده التي هو لها أهل، وأُثني عليه لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمّا بعد: أيُّها المؤمنون -عبَاد الله-: اتّقوا الله -تعالى- وراقبوه جلّ وعلا مراقبة من يعلم أنَّ ربَّه يسمعه ويراه.

وتقوى الله -جلّ وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاءَ ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله. 

 

أيُّها المؤمنون: إنّ من أعظم ما يجب على الإنسان رعايته وصيانته: لسانَه؛ فإنّ اللسان أعظم ما يكون خطرًا، وأشدّ ما يكون ضررًا إذا لم يزمَّه العبد بزمام الشَّريعة، ولم يرعَ له الصِّيانة، ولم يعتنِ به، و "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".

 

عبَاد الله: ومن أعظم جرائم اللِّسان وأفظعها وأشدِّها وأشنعها: الاستهزاءُ بالله، أو بشيء من أسمائه وصفاته، أو بشيء من آياته جلّ وعلا، أو الاستـهزاءُ بـالرَّسول -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، أو بِـشـيء مِـمَّـا جَـاء عَـنْـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو الاستهزاءُ بالثَّواب الذي أعدّه الله للمطيعين، أو بالعقاب الذي أعدّه الله للكفرة والعاصين، فالاستهزاء بذلك أو بشيء منه ناقضٌ من نواقض الإسْلام، وكفرٌ بالله العليِّ العظيم.

 

عبَاد الله: إنَّ الاستهزاء وهي كلمة أو كلماتٌ يسيرة قد تصدر من الإنسان ولو كان لاهيًا لاعبًا مريدًا تمضية الوقت يكون بذلك هلاكه في دنياه وأُخراه، وكم من كلمةٍ قالها المرء لا يُلقي لها بالًا أوبقت له دنياه وأُخراه.

 

عبَاد الله: الإسلام دين الله قائمٌ على التَّعظيم لله -جل وعلا-، وتعظيم شرعه، قائم على الموافقة والطواعية والامتثال، والاستهزاء مصادمٌ لذلك كلَّ المصادمة، فالمستهزئ بشيءٍ فيه ذكر الله أو آياته أو رسوله عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ليس بمعظِّمٍ لله ولا لشرعه ولا موافقٍ ولا ممتثل، ولهـذا فإنَّ الاستهزاء بالدِّين كفرٌ بالله ربِّ العالمين.

 

عبَاد الله: فمن استهزأ بشيء من أسماء الله الحُسنى، أو صفات الله العليا، أو بشيء من أفعال الله -جل وعلا- العظيمة، أو استهزأ بشيء من آيات الله؛ كمن يستهزئ بسورة من سور القرآن أو بآية واحدة من آيات القرآن الكريم، أو من يستهزئ بالرَّسول -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، أو بشيء من أوصافه وأخلاقه وشمائله وآدابه وسننه، أو يستهزئ بشيء مما جاء به؛ كمن يستهزئ بالصَّلاة، أو يستهزئ بالحج أو الصّيام، أو يستهزئ بشيء من أوامر الشَّريعة، أو يستهزئ بشيء مما نهى الله عنه، أو نهى عنه رسوله -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-؛ كمن يستهزئ بتحريم الرِّبا، أو يستهزئ بتحريم الزِّنا، أو يستهزئ بتحريم شرب الخمر، أو غير ذلك مما نهى الله عنه، أو يستهزئ -عباد الله- بشيء من الثّواب؛ كأن يستهزئ بالجنة أو بشيء من نعيمها، أو يستهزئ بالنّار أو بشيء من عقابها، أو يستهزئ بشيء من ثواب الأعمال الصّالِحَـةِ، وعقوبات الأعمال السّيِّـئَـة؛ فكلّ ذلِـكم الاستهْـزاء -عباد الله- كفر بالله، وناقضٌ للإسلام، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65-66]، وقول الله -جل وعلا- في هـذه الآية: (قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) أي: أن قائلي هـذه المقالة وأهل هذا الاستهزاء كفروا بمقالتهم هـذه بعد أن كانوا من أهل الإيمان، قال: (قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) أي بهذا الاستهزاء.

 

يبيِّن ذلك ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: قال رجلٌ في غزوة تبوكَ في مجلس: ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب أَلْسُنًا، ولا أجبنَ عند اللقاء؟ فقال رجلٌ في ذلك المجلس: كذبتَ ولكنك منافق، لأُخبرنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذهب ليخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- فوجد أن القرآن نزل بذلك على النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجاء ذلك الرجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- معتذرا، قال عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فأنا رأيته متعلِّقًا بحقَب ناقة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحقبُ الناقة هو: السيْر الذي يُشد به رحلها- قال ابن عمر: فأنا رأيته متعلِّقًا بحقَب ناقة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65-66]؛ فدلّ ذلكم -عبادَ الله- على أنّ الاستهزاء بالله أو بالرّسول أو بدين الله أو بشيء من آيات الله -جلّ وعلا-، أو شرع الله أو عقابه وثوابه، كل ذلكم كفرٌ ناقلٌ من ملّة الإسلام.

ألا فليحذر كلّ مسلم من كلمة قد يقولها لا يلقي لها بالًا تُوبِقُ دنياه وأُخراه.

 

اللَّهمَّ احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين.

اللَّهمَّ وثبتنا على دينك القويم يا ذا الجلال والإكرام، وأعذنا من سبيل الضّالِّين، وطرائق المجرمين المعتدين.

 

أقول هـذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفرْ لكم إنّه هو الغفور الرَّحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمّا بعد: عبَاد الله: اتَّقوا الله -تعالى- في السِّرِّ والعلانية والغيب والشَّهادة.

واعلموا -رعاكم الله- أنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُـدى محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النَّار، وعليكم بالجماعَة فإنَّ يد الله على الجماعة.

 

عبَاد الله: وممّا نذكِّر به: صيام يوم عاشوراء وصيام يومٍ قبله؛ موافقةً للنَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكسْبًا لثواب ذلك اليوم العظيم، ومخالفةً لليهود بصيام يومٍ قبله؛ فصوموا -عبَاد الله- التَّـاسع والعاشر، يوم غَـدٍ وبعد غَـدٍ، وقـد قَـال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".

 

اللَّهمَّ أعِنَّا أجمعين على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وأصلح لنا شأننا كلَّه يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد، وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد. وارْضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء الرَّاشدين الأئمة المهديِّين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللَّهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللَّهمَّ أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشِّرك والمشركين ودمّر أعداء الدِّين.

اللَّهمَّ آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتّقاك واتّبع رضاك يا ربَّ العالمين.

اللَّهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك يا حيُّ يا قيّوم.

اللَّهمَّ وفِّق جميع وُلاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتِّباع سنّة نبيِّك محمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

اللَّهمَّ آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللَّهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ إنا نسألك غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

وصَلّى الله وسلَّم وبارك وأنعَمَ على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه أجمعين.

 

 

 

المرفقات

خطر الاستهزاء بالدين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات