خطب النبي في حجة الوداع

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2023-07-21 - 1445/01/03 2023-08-05 - 1445/01/18
عناصر الخطبة
1/ما تميزت به خطب النبي 2/ما قاله النبي في حجة الوداع 3/من فضائل يوم عرفة 4/من سنن وآداب العيد

اقتباس

قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ؛ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّـكُمْ"(الترمذي)، ومما يستفادُ أن هذه الخصالَ موجبةٌ لدخولِ الجنةِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْـحَمْدُ لِلَّـهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله؛ (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 194].

 

عباد الله: إنَّ خُطَبَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومواعظَه في حجَّـتِه التي ودَّع فيها المسلمينَ ذاتُ شأنٍ عظيمٍ، ومكانةٍ ساميةٍ؛ فقد قرَّرَ فيها -عليه الصلاة والسلام- قواعدَ الإسلامِ، ومَجامِعَ الخيرِ، ومكارمَ الأخلاقِ، بكلماتٍ بليغاتٍ، وعِظاتٍ نافعاتٍ، ممَّنْ أوتي جوامعَ الكَلِمِ، وكمالِ النُّصحِ.

 

ولما كان الحجُّ خيرَ مقامٍ لنُصْحِ العِبادِ وتعليمِ الخَيرِ، فإِنَّ خيرَ هديـةٍ تُقَدَّمُ لهم، وأتَمَّ فائدةٍ يظفرون بها، أن يقفوا على خُطَبِ نبيِّهم -صلى الله عليه وسلم- ومواعِظِهِ في حجة الوداع؛ فهو الناصِحُ الأمينُ، والمُبَلِّغُ المُشْفِقُ، والمربي الحكيم، وهو أنصحُ الناسِ للناس، بل هو قدوةُ الناصحين، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُولُ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُرْدِفٌ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- على جَمَلٍ آدَمَ فَقالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ، خُذُوا مِنَ العِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ"، فَقَالَ لَهُ أعرابيٌّ: يا نَبِيَّ اللَّـهِ، كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ، وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا، وَعَلَّمْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَنا وَخَدَمَنا؟! قالَ: فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَأْسَهُ وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَهُ حُمْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ فَقال: "أَيْ! ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ المَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُونَ بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنبِيَاؤُهُمْ، أَلا وَإِنَّ مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ" ثَلَاثَ مِرَارٍ.(رواه أحمدُ، والدارميُّ).

ومما يستفادُ مما سبقَ الوصيةُ بالعلمِ والحثِ على تحصيله.

 

وعن جابر -رضي الله عنه- في حديثه الطويل أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذا"(مسلم)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قَالُوا: "يَوْمٌ حَرَامٌ"، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟"، قَالُوا: "بَلَدٌ حَرَامٌ"، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قَالُوا: "شَهْرٌ حَرَامٌ"، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا"، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَـقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ"؛ "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"(البخاري).

 

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ"(البخاري ومسلم).

 

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِنًى: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قَالُوا: اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: "فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟"، قَالُوا: اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قَالُوا: اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهْرٌ حَرَامٌ"، قَالَ: "فَإِنَّ اللَّـهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"(البخاري)، وعَنْ جَرِيرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ"، فَقَالَ: "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"(البخاري ومسلم)، ومما يستفادُ تحريمُ الدماءِ والأموالِ والأعراض.

 

وعن جابر -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فاتَّقُوا اللَّـهَ في النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّـهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّـهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْـرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ"(مسلم)، ومما يستفاد: الوصيةُ بالنساءِ.

 

وعن جابر -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّـةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْـحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْـجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانا رِبا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"(مسلم)، وفيه إبطالُ أمورِ الجاهليةِ.

 

وعن أَبَي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ؛ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّـكُمْ"(الترمذي)، ومما يستفادُ أن هذه الخصالَ موجبةٌ لدخولِ الجنةِ.

 

وعَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: "ولَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْـكُمْ عَبْـدٌ يَـقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّـهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا"(مسلم)، وفيه السَّمعُ والطَّاعة لمن وَلِيَ أمرَ المسلمين في غير معصيةِ الله.

 

وعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْـخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّـهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْـمُؤْمِنِ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الأمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرائِهِ"(ابن ماجه)، وفيه الدعوةُ لحمَلةِ السُّنةِ بالنضْرةِ.

 

وعن زَيْدِ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "نَضَّرَ اللَّـهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُـبَلـِّغَهُ غَيْـرَهُ؛ فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثُ خِصَالٍ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلّـهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ"، وَقَالَ: "مَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ؛ جَمَعَ اللَّـهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا؛ فَرَّقَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ"(أحمد).

 

وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ -رضي الله عنه- قال: حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: "يَا أَيُّها النَّاسُ، أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَباكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، ولا أَسْوَدَ على أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: "بَلَّغَ رَسُولُ اللـهِ -صلى الله عليه وسلم-"(أحمد)، ومما يستفادُ: إن أكرمكم عند اللـهِ أتقاكم.

 

عباد الله: هذهِ بعض مما جاء في خُطبه -عليه الصلاةُ والسلامُ- في حَجةِ الوداعِ، ولعل اللـهَ أن ييسر إتمامَ البقيةِ في خطبةٍ أُخرى.

 

ألا فاتقوا الله -عباد الله- (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال: 24].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، وصلاة وسلاما على عباده الذين أصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المجتبى.

 

إخوة الإيمان: إِنَّ يوم عَرَفَةَ من أَيَّامِ اللهِ الجليلةِ؛ فهو من أَيَّامِ عَشْرِ ذي الحجَّةِ ذاتِ الفضيلةِ، ولهُ مع ذلك فضائلُ أُخرى جَزِيلَةٌ، فمنها: أَنَّ اللـهَ أَكْمَلَ فيهِ الدِّينَ، وأَتَمَّ فيهِ النِّعْمَةَ.

 

ومن فضائلِ يومِ عَرَفَةَ: أَنَّ دعاءَهُ خيرُ الدُّعاءِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمـُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(التِّرْمذيُّ).

 

ومن فضائلِه: أَنَّ صيامَهُ يُكفِّرُ سنتينِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللـهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(مسلم).

 

معاشرَ المُؤمنين: من فجر يوم عرفة يبدأ التكبير المُقَيَّدِ لغيرِ الحاجِّ، وهو الَّذي يتقيَّدُ بأَدبارِ الصَّلَواتِ، وهو لا يمنعُ من التكبيرِ المُطْلَقِ في كلِّ وقتٍ، بل يتصاحبانِ إِلى آخرِ أَيَّامِ التشريقِ فأكثروا من التهليل والتحميد والتكبير وكبروا الله في سائر أحوالِكم. 

     

عباد الله: يومُ العيدِ من أفضلِ الأيامِ عندَ الله، ويُسَنُّ لَنَا في يوم العيد: الاغتِسَالُ والتَّطيُّبُ ولُبسُ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ، أَمَّا النِّساءُ فَيَخرُجنَ مُحتَشِمَاتٍ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ. 

 

وعلى المسلم أن يحرصَ على شهودِ صلاةِ العيدِ وأن يشكرَ اللـهَ على نعمه، وفي الحديث: "فَإِنَّ اللَّـهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ"(أحمدُ وغيره).

                                   

 

المرفقات

خطب النبي في حجة الوداع.doc

خطب النبي في حجة الوداع.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات