خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الحج دروس وعبر

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ فضل العشر الأوائل من ذي الحجة 2/ تأملات في خطب النبي الكريم في حجة الوداع واستنباط الدروس والعبر منها 3/ اعتداءات القصيم الآثمة ومخالفتها لتوجيهات النبي بلزوم الجماعة وعدم التمرد على ولاة الأمر

اقتباس

لقد حجَّ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم حجته الشهيرة بحجة الوداع، وفي تلك الحجة العظيمة خطب الناسَ غير مرة: في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي أوسط أيام التشريق؛ وقرَّر في خُطَبِهِ وبيَّن أحكامَ الحج العظيمة، وآدابَه الكريمة؛ وفي الوقت نفسه بيَّن في خُطَبه قواعد الشريعة، وأصول الإيمان، وآداب هذا الدِّين العظيم، أوصى ونصح وبيَّن ووَجَّهَ -عليه الصلاة والسلام-، وترك الأمة على مَحَجَّةٍ بيضاءَ، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك ..

 

 

 

 

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، مُبَلِّغ الناس شرعه، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعدُ:

عباد الله: اتقوا الله، فإن مَن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا -رعاكم الله- أن موسم الحج موسم عظيم فاضل يتربى فيه المؤمنون على كل فضيلة، ويتزودون فيه بخير زاد، وقد قال الله تعالى في أثناء آيات الحج: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].

وليست خيرات هذا الموسم وبركاته مختصةً بمَن حَجَّ بيت الله الحرام؛ بل هي طائلة كل مؤمن أينما كان، ونائلها كلُّ راغب في أي مكان، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما مِن أيام العمل الصالح فيهنَّ أحَبّ إلى الله من هذه العَشْر"، أي: العشر الأول من شهر ذي الحجة.

وليس هذا مختصا بالحجاج، والحجاج -عباد الله- يتقرّبون إلى الله في حَجِّهِم يوم النحر، وفي أيام التشريق الثلاثة يتقربون إلى الله بنحر الهدايا، والمسلمون في أرجاء المعمورة وأنحاء الدنيا يتقربون إلى الله بذبح الضحايا.

وأما عِبَرُ الحج ودروسه وفوائده العظيمة فهي باب مشرع للجميع، مهيأ لكل راغب ومستفيد، فينبغي علينا -عباد الله- مَنْ حجَّ منا ومن لم يحج، من كان منا عازما على الحج ومن لم يكن كذلك، أن نهيئ أنفسنا للاستفادة من هذا الموسم الفاضل، والأوقات الشريفة العظيمة، فلنأخذ منها العبرَ والعظات ونتزود فيها بخير زاد.

عباد الله: لقد حجَّ نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حجته الشهيرة بحجة الوداع، وفي تلك الحجة العظيمة خطب الناسَ غير مرة: في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي أوسط أيام التشريق، وقرر في خُطَبِهِ وبيَّن أحكامَ الحج العظيمة، وآدابَه الكريمة؛ وفي الوقت نفسه بيَّن في خطبه قواعد الشريعة، وأصول الإيمان، وآداب هذا الدِّين العظيم، أوصى ونصح وبيَّن ووَجَّهَ -عليه الصلاة والسلام-، وترك الأمة على مَحَجَّةٍ بيضاءَ، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.

وكانت تلك الخطب العظيمة خطب مودع منه -عليه الصلاة والسلام-، فكان واعظا ومعلما وخطيبا ومبينا؛ ولهذا كان من المتأكِّد علينا أن نقف على خطبه العظيمة، ومواعظه الجليلة التي خطبها في حجة الوداع، وهي خطب عظيمة مباركة أرسى فيها -عليه الصلاة والسلام- قواعد هذا الدين العظيمة، وآدابَه الكاملة، ومقاصده النبيلة.

عباد الله: وإن من أعظم ما قرره -عليه الصلاة والسلام- في خطبه في حجة الوداع، بل إنه أكد عليه غير مرة وبغير أسلوبٍ، التأكيد على حرمة الدماء والأموال والأنفس والأعراض، وقد تكرر بيانه لذلك في خطبه -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع.

جاء في صحيح مسلم في سياق جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- لحجة الوداع قال عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه لما زالت الشمس يوم عرفة أتى بطن الوادي وخطب الناس وقال في خطبته: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا.

وفي اليوم الذي يلي يوم عرفة، وهو يوم النحر، خطب الناس -عليه الصلاة والسلام- خطبة عظيمة بليغة رواها البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وغيرُه، وقال في خطبته تلك -عليه الصلاة والسلام-: " أيُّ يوم هذا؟"، قالوا يوم الحرام، قال: "أي شهر هذا؟"، قالوا: شهر الحرام، قال: "أي بلد هذا؟" قالوا: بلد الحرام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فإن دماءكم و أموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"، ثم قال: "اللهم هل بلغتُ؟ اللهم هل بلغتُ؟ اللهم فاشهد".

وجاء في صحيح البخاري، من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر: "استنصت الناس" أي: أطلب منهم أن يصغوا وأن ينصتوا، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".

فأكَّد على هذا الأمر العظيم، وحذّر من هذا الإثم الجسيم -عليه الصلاة والسلام-؛ بل إنه سمى ضرب المسلم لرقبة أخيه المسلم سمّاه كفرا وليس هو بالكفر الناقل من ملة الإسلام، لكنه ليس من خصال أهل الإيمان، ولا من أعمال المؤمنين، بل هو من خصال الكافرين وأعمالهم.

وجاء في مسند الإمام أحمد في الباب نفسه عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس في حجة الوداع فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ المؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم، والمسلم مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب".

وتأمل -رعاك الله- كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكد في مقام الإيمان وفي مقام تحقيق الإسلام البعد عن التعرض لدماء المسلمين وأموالهم.

ومما جاء في الباب نفسه ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سلمة بن قيس الأشجعي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس في حجة الوداع فقال: "ألا إنما هُنَّ أمر -يعني أمورا خطيرة وآثاما كبيرة فاحذروها يا أمة الإسلام- لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا"، فذكر هذه الأمور العظيمة.

عباد الله: وقتل النفس التي حرم الله بغير حق هذا اعتداء على الأنفس المعصومة، والزنا -عباد الله- اعتداء على الأعراض المصونة، والسرقة اعتداء على الأموال المحترمة، فرجع المعنى هنا إلى ما تقدم في حديث جابر وحديث ابن عباس -رضي الله عنهم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا".

عباد الله: وعندما نتأمل هذه الخطابة الوافية، والنصح العظيم من الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع، ندرك تماما ونتبين جليا أن المقام جدُّ خطير، وقد نصح الأمة -عليه الصلاة والسلام- بيانا ونصحا وتوجيها وإرشادا.

عباد الله: وعندما نسمع هذه الأحاديث العظيمة، والتقريرات الوافية من الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فماذا عسانا أن نقول عن تلك الاعتداءات الآثمة، والتّجاوزات المشينة على الدماء والأعراض والأموال؟ وتُفعل تلك الاعتداءات تدينا وتقربا بزعم أصحابها بسبب فكر قاصر، وأفكار رديئة، وتوجّهات سيئة، ليست نابعة من حقيقة الإسلام، ولا صادرة من توجيهاته السّديدة؟!.

ومن آخِر ذلك ما وقع في القصيم قبل أيام من اعتداء آثم، دماء تهدر، وأطفال ييتّمون، ونساء ترمَّل، وأموال محترمة يعتدى عليها، أي دين هذا؟ أي عقل هذا؟ أي فكر هذا؟ أين فاعلو هذه الآثام، ومرتكبو هذا الإجرام من توجيهات النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ونصحه لأمة الإسلام؟.

ألا فلْنَعِ ونتبصَّرْ في شرعنا، ونتقيد بهدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ولْنَحْذَرْ من هذه المنزلقات الخطيرة، وإن ألبسها أصحابها لباسا ليس لها، فالعبرة بحقائق الأمور، وموافقة شرع الله، والتقيد بهدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

اللهم بصرنا بدينك، ووفقنا لاتباع سنة نبيك -عليه الصلاة والسلام-، وأعذنا من الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، إنك سميع الدعاء، وأنت أهل الرجاء، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله وسلم عليه-، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: ولما كان حفظ الدماء والأموال والأعراض يتطلب سلامة في الصدور، ونصحا للأمة، وملازمة لجماعة المسلمين، وبعدا عن الغل والغش والخيانة، أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا المقام العظيم في خطبه في حجة الوداع، فعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخيف من منى يقول: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يَغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمور، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".

فهذه أمور ثلاثة لا يغل عليها قلب المسلم بل هو مطمئن ومرتاح لتطبيقها: إخلاص لله فلا يبتغي بأعماله إلا وجه الله، ونصح لولاة أمر المسلمين وعدم غش لهم، والأمر الثالث ملازمة الجماعة؛ فإذا وجدت هذه الأمور الثلاثة -عباد الله- استتب الأمن، وصلح الناس، واستقامت أحوالهم، وحُفظت دماؤهم وأموالهم وأعراضهم.

وكلُّ ذلك -عباد الله- لا يتحقق للناس إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة، ولما كان هذا الأمر لابد منه في تحقيق هذا المقام جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تأكيد ذلك في خطبه في حجة الوداع، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة مالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم".

فنَصّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث على طاعة ولي الأمر بما في ذلك من مصلحة عظيمة؛ بل من مصالح عديدة عظيمة، وأكد على هذا في موضع آخر كما جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حجّة الوداع: "ولو استعمل عليكم عبد حبشي فاسمعوا وأطيعوا ".

عباد الله: هذه نصائح غالية، وتوجيهات مباركة من نبيّكم الكريم، وناصحكم الأمين صلوات الله وسلامه عليه، فارعوها سمعكم، وعوها بقلوبكم، وحققوها في حياتكم، تفوزوا بجنّة ربكم.

هذا وصلوا وسلموا...

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

النبي صلى الله عليه وسلم في الحج دروس وعبر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات