خطبة عيد الفطر 1443هـ

راكان المغربي

2022-05-02 - 1443/10/01 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/نعمة الملابس والستر 2/وجوب حفظ العورات 3/حث الشريعة على حفظ العورات وغض الأبصار 4/اشتداد معركة التعري الشيطانية 5/حكم التجمل في الملابس 6/أمور محرمة في اللباس والزينة.

اقتباس

وفي هذا الزمان اشتدّ لهيبُ معركةِ التعري الشيطانية، وتغلبت كثيرٌ من مداهماتِ التفسخِ على حصونِ الفضيلة، حتى صار التعري هو التقدم، والسترُ هو الرجعية. وصارت الملابسُ المتعريةُ هي الموضةُ الحديثة، والملابسُ الساترةُ هي المظهرُ القديمُ البالي، وصار الذي يربي أولادَه وبناتِه على الستر والفضيلة يُنظرُ إليه على أنه متزمّت منغلق يذيق أطفالَه الحرمان.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، والحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدِ.

 

الحمد لله على التمام، الحمد لله على إكمال العدة، الحمد لله على التوفيق للهداية (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185]، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبدُه ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.

 

أما بعد: منَّة جليلة، ونعمة عظيمة، وميزة رفيعة.. امتن الله بها على البشر منذ بدء أمر البشرية في هذا الكون.. بها كُرّم آدمُ وحواء، وبها تميزا عن غيرهم من المخلوقات، وعليها كانت حربُ إبليسَ الأولى، ليسلبَهم تلك النعمة، وليَحُطَّهم عن تلك الكرامة.

 

يقول الله -تعالى- ممتنًا على البشر بهذه النعمة (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف:26]، ولأن الشيطانَ يُسَرُّ برؤيةِ البشرِ في حال السوء والنقص، ويغيظُه رؤيتُهم في حال الحسن والكمال، فإنه سعى في أول معاركه معهم إلى نزع اللباس عنهم.

 

ونجح في ذلك كما قال سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)[الأعراف:20-22].

 

وحتى يستفيدَ البشرُ من هذا الدرس، جاء التحذيرُ من الله ليَتَنَبَّهوا إلى مكرِ الشيطان وكيدِه، قال -سبحانه-: (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف:27].

 

واللباس منه ما هو ضروريٌ يستر العورات، وهو الذي جاءت بفرضه الشرائع، وارتضاه أهلُ العقول، وتحلى به أصحابُ المروءات، فلا يبيحون لأنفسهم العريَّ ولا التفسخَ، رجالاً كانوا أو نساءً.

 

عباد الله: لقد جاءت الشريعةُ بوجوبِ حفظِ العورات، وحذرت من كشفِها وإباحتِها للناظرين ورتبت على ذلك الوعيد الشديد.

 

فمن أجل حفظ العورات شُرعَ الاستئذانُ في كتاب الله الخالد، وذلك في سورة النور التي أحاطت العفاف بأسوارٍ متينة، وكان الاستئذانُ أحدَ تلك الأسوار فقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النور:27]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِن أجْلِ البَصَرِ".

 

ومن أجل حفظ العورات حُرِّم لمسُها أو النظرُ إليها كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "احفظْ عورتَكَ إلَّا عن زوجتِكَ أو ما ملكَتْ يمينُكَ".

 

واحتاط الشرعُ للعورةِ فحرمَ أن يجتمعَ الرجلُ مع الرجلِ أو المرأةُ مع المرأةِ في ثوب أو غطاء واحد بحيث يحصل بينهما تلامس للعورة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا المَرْأَةُ إلى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، ولا يُفْضِي الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ولا تُفْضِي المَرْأَةُ إلى المَرْأَةِ في الثَّوْبِ الواحِدِ".

 

ولا يقتصر هذا على الكبار البالغين، بل حتى الصغارَ غيرَ المكلفين حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تربيتِهم على حفظ العورات، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ".

 

 فـ"إذا بَلَغوا سِنَّ العاشِرةِ يُفرَّقُ بين الأطفال بصِفةٍ عامَّةٍ، وبين الذُّكورِ والإناثِ بصِفةٍ خاصَّةٍ في النَّومِ بجانبِ بعضِهم البعضِ، ويُفْصَلُ بينَهم؛ لأنَّ هذا العُمرَ بدايةُ الدُّخولِ في مرحلةِ البُلوغِ ومعرفةِ الشَّهوةِ، حتَّى إذا وصَلوا إلى سِنِّ البُلوغِ والشَّهوةِ يَكونونَ قَدِ اعْتادوا على هذا الفَصْلِ، والْمُرادُ بالمَضاجَعِ: أماكِنُ النَّومِ"(الدرر السنية الموسوعة الحديثية بتصرف).

 

ولأن المرأةَ جعل الله فيها من سماتِ الجاذبيةِ ما يكون داعيا للفتنة، فقد خص اللهُ النساءَ بفريضة الحجاب، وأوجبها عليهن في كتاب الله، فبالحجاب تَسلمُ المرأةُ من أذى الذين في قلوبهم مرض، الذين يتربصون بالنساء ويَرمُقُونَهم بأبصارهم وألسنتهم، وبالتزام النساء بالحجاب تتقلص الفتنة، ويُحفظُ المجتمع من كثيرٍ من مراتع الرذيلةِ التي يؤدي إليها التفسخُ والعري.

 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مُرَهِّبًا من العري، وما هذا الترهيب إلا لعظم الخَطْب، وشدة الفتنة، قال: "صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا"، ومعنى "كاسِياتٌ عارِياتٌ" أي "نِساءٌ كاسياتٌ"، في الحَقيقةِ، "عارياتٌ" في المَعْنى؛ لأنَّهنَّ يَلبَسْنَ ثِيابًا رِقاقًا تَصِفُ البَشَرةَ، أو يَستُرنَ بعضَ بَدَنِهِنَّ ويَكشِفْنَ بعضَهُ"( الدرر السنية الموسوعة الحديثية).

 

تلك بعضُ الأسوارِ التي حصَّنتْ بها الشريعةُ العورات، لتحفظها من هجمات شياطين الإنس والجن.

 

وفي هذا الزمان اشتدّ لهيبُ معركةِ التعري الشيطانية، وتغلبت كثيرٌ من مداهماتِ التفسخِ على حصونِ الفضيلة، حتى صار التعري هو التقدم، والسترُ هو الرجعية. وصارت الملابسُ المتعريةُ هي الموضةُ الحديثة، والملابسُ الساترةُ هي المظهرُ القديمُ البالي، وصار الذي يربي أولادَه وبناتِه على الستر والفضيلة يُنظرُ إليه على أنه متزمّت منغلق يذيق أطفالَه الحرمان.

 

فما أشد فرح إبليس!، حين يرى أبناءَ وبناتِ المسلمين يسيرون خلفَه، ويسلكون طريقَه، ويحققون رغبتَه التي تمناها منذ أول لحظات البشرية (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)[الأعراف:27].

 

فالحذر الحذر معاشر المسلمين والمسلمات، الله يريد لكم الستر، والشيطان يريد لكم العري (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)[الكهف:50].

 

الله يريد لكم الاستقامة، وأتباع الشهوات يريدون لكم الميل والاعوجاج؛ (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النساء:27]؛ فأي الطريقين تختارون؟!

 

اللهم استرنا بسترك، واحفظنا بحفظك..

بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدِ.

 

عباد الله: ومن اللباسِ ما هو كماليٌ يُجَمِّلُ البشرَ وبه يتزيّنون، ليكون لهم متاعًا طيبًا في الحياة الدنيا، وبالحثّ عليه جاء الشرع في مختلف الأحوال. فقال -سبحانه-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف:31].

 

 وحين حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبر فقال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ"، قالَ له رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ".

 

فالتجملُ في اللباسِ عبادةٌ يتقربُ بها المسلمُ لربه -جل وعلا- لينالَ محبتَه، ومن ذلك ما تتجملون به هذا اليومَ في عيدِكم، وتُجَمِّلون به أولادَكم وبناتِكم، فكل ذلك مما جاءت به هذه الشريعةُ الغراء.

 

قَلِّبوا أنظاركم فيما حولكم من المناظرِ البهية، والثيابِ الحسنة، والوجوهِ الباسمة، وتذكروا أن كلَّ ذلك إنما هو من محاسن شريعتنا، وفضائل ربنا علينا (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة:231].

 

واعلموا أن الشريعةَ التي جاءت بتعزيز قيمةِ الجمالِ والزينة، هي ذاتُ الشريعةِ التي قامت بتهذيبها ووضع الحدودِ لها لحكمةٍ بالغةٍ علمناها أو جهلناها شرعَ أحكمِ الحاكمين –سبحانه-؛ فحرمت الشريعةُ الذهبَ والحريرَ على الرجال وأباحت ذلك للنساء، وحرمت على النساءِ إبداءَ زينتَهن لغير بنات جنسهن أو المحارم، كما حرمت عليهن التطيبَ عند مرورها أمام الرجال الأجانب.

 

وغير ذلك مما هو معلومٌ في حدودِ الشرع التي حدّها اللهُ ورسولُه، فاحفظوا حدودَ الله واحذروا من انتهاكِها وتَقَحُّمِها. فإن فعلتم ذلك فقد لبستم لباسَ التقوى الذي هو خيرُ اللباس ظاهرًا وباطنًا (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف:26].

 

اللهم ألبسنا لباس التقوى، وزينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

 

ألا وصلوا وسلموا...

 

 

المرفقات

خطبة عيد الفطر 1443هـ.pdf

خطبة عيد الفطر 1443هـ.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات