خُطبةُ عِيدِ الفِطْرِ 1442 (أَهَمِيةُ الأُسْرَةِ فِي الإِسْلَامِ)

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2021-05-13 - 1442/10/01 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/أهمية الأسرة في المجتمع 2/دور الأسرة في تنشئة الطفل على الأخلاق والقيم 3/توجيهات للآباء والأمهات 4/أهمية وجود قواعد تنظم حياة الأسرة.

اقتباس

أصّلوا الصدقَ بينَ أفرادِ الأسرةِ، وعلموهم حسنَ الإصغاءِ والاستماعِ, علموهم مهارةَ الاتصالِ مع الآخرينَ وأفرادِ الأسرةِ, وجهوُهُم للاهتمامِ في كلِ فردٍ من الأسرةِ، وأظهِروا مشاعرَ المحبةِ لهم, ومما تتميّزُ به الأسرةُ السعيدةُ قدرةَ أفرادِها على التعبيرِ عن مشاعرِهم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ لله كثيراً, والله أكبر كبيراً, الله أكبرُ خلقَ الخلقَ وأحصاهُم عدداً, وكلُهم أتيه يومَ القيامةِ فرداً, والحمدُ لله أنْ أدركنا شهرَ الصيامِ، ثم أدركنا التمامَ وحضرنَا هذه الصلاةَ العظيمةَ؛ فللهِ الحمدُ والمنةُ, وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ انفردَ بالخلقِ والتدبيرِ, وكلُ شيءٍ عنده بأجلٍ مُقدرٍ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِه, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أَمَا بَعْدُ:

 

أَيُها الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ: اتقوا الله -تعالى- واعرفوا نعمتَهُ علينا بأن عادَ علينا العيد، فعيدُكم مباركٌ وعيدُكم سعيدٌ,  وما أجملَ العيدَ مع الأسرةِ!؛ نعم مع الأسرة التي جعلتُها محورَ حديثنا اليوم؛ لوجودِ قُطبَيها الأبِ والأمِ في هذه الصلاةِ المباركةِ, فمن مزايا العيدِ أنه يجمعُ أفرادَ الأسرةِ فيطيبُ معهم الحديثُ.

 

أَيُها الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ: للأسرةِ أهميةٌ كبيرةٌ في تكوينِ النسيجِ الاجتماعي؛ ذلك أن اللهَ تعالى- بنى الوجودَ الإنسانيَ عليها, فخلقَ آدمَ -عليه السلام- وخلقَ منه زوجَه, قال الله --تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)[النساء:1]؛ أي: خَلَقَ اللهُ نَفْسَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وَهِيَ حَوَّاءُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-، خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَيْسَرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَسَكَنَ، وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ وَسَكَنَتْ، فتمتْ بذلك النعمةُ، وحصلَ بهِ السرورُ, وذَرَأ اللهُ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، ونَشَرهم فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

فالأُسْرَةُ -إِذاً- هي الوحدةُ الاجتماعيةُ الأولى التي يتكوّنُ منها المجتمعُ، وهي بوابةُ التكاثرِ البشري، وسِرُّ البقاءِ الإنساني.

 

والأُسْرَةُ هي اللبِنةُ الأساسيةُ في تكوينِ مجتمعٍ صالحٍ أو فاسدٍ، وهي منبتُ أفرادِهِ، وأولُ درجةٍ من درجاتِ بناءِ المجتمعِ الصالحِ؛ فمِنْ مجموعِ الأُسرِ يتكونُ المجتمعُ.

 

وَالأُسْرَةُ رباطٌ يحقّقُ الأنسَ والاستقرارَ والسكينةَ لأفرادِهِ، ويجلبُ لهم البركةَ والخيرَ، والثمراتِ الكثيرةَ في الدنيا والآخرةِ.

 

وَالأُسْرَةُ مُؤسسةٌ ممتدةُ الأثرِ والزمنِ، تستوعبُ الطموحاتِ والآمالَ، وترسمُ لكلِّ فردٍ من أفرادِها دورُهُ الْمُناطُ بهِ تجاهَ كلِّ ما حولَه, ومتى ما كانتْ الأسرةُ كذلِك؛ صارتْ أسرةً ناضجةً، وأفرادَها أسوياءَ ينفعونَ أهليِهِم وأمتِهِم.

 

ثم الأُسْرَةُ هي الضابطُ والموجّهُ لسلوكِ الذريةِ، والحافظةُ لهم -بإذنِ اللهِ- من الانحرافاتِ الأخلاقيةِ والفكريةِ، بما يقوم به رُكْنا الأسرةِ الأبُ والأمُ من توجيِهٍ ومُتابعة.

 

الأُسْرَةُ كيانٌ قليلٌ بعددِه, مهمٌ في تركيبتِهِ, خطيرٌ بأثرِهِ, صلاحُه صلاحٌ للمجتمعِ, وفسادُه إفسادٌ للمجتمعِ, بقوتِهِ وتماسُكِه قوةٌ ودعمٌ للمجتمعِ، وبضعفِهِ ضعفٌ للمجتمعِ؛ لذلِك كُلِهِ اهتمَّ الإسلامُ اهتماماً كبيراً في تلكَ اللبنَةِ، وجعلَ لها شَأناً عظيماً، ومَقاماً جليلاً, ودَوراً كبيراً؛ فصناعةُ الأمةِ تبدأُ بصناعةِ أفرادها.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

وأولُ اهتمامٍ للإسلامِ بكيانِ الأسرةِ كانَ بالتوجيهِ باختيارِ الزوجةِ؛ فهي المحضنُ الآمنُ لبناءِ أسرةٍ صالحةٍ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ"(رواه البخاري ومسلم)؛ قال ابن حجر في فتح الباري قَوْلُهُ: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ" وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: "فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ" الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّائِقَ بِذِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ مَطْمَحَ نَظَرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ, لَا سِيَّمَا فِيمَا تَطُولُ صُحْبَتُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِتَحْصِيلِ صَاحِبَةِ الدِّينِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ الْبُغْيَةِ.

 

ولقد حمَّلَ اللهُ -تعالى- الوالدينِ هذه المسؤوليةَ فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6]؛ قال الشيخ السعدي: "وقايةُ الأنفسِ بإلزامِها أمرَ اللهِ، والقيامَ بأمرِه امتثالاً، ونهيهِ اجتنابًا، والتوبةَ عما يُسخطُ اللهَ ويوجبُ العذابَ, ووقايةُ الأهلِ والأولادِ بتأديبِهم وتعليمِهم، وإجبارِهم على أمرِ الله، فلا يَسلمُ العبدُ إلا إذا قامَ بما أمرَ اللهُ به في نفسِهِ، وفيما يَدْخُلُ تحتَ ولايتهِ من الزوجاتِ والأولادِ وغيرِهم ممن هو تحتَ ولايتهِ وتصرفهِ". أ هـ

 

وقد وصفَ اللهُ -تعالى- النارَ في هذهِ الآيةِ وصفاً مخيفاً؛ ليحركَ القلوبَ ويذكي فيها المسؤوليةَ, فوصفهَا بأنهَا نارٌ عظيمةٌ فظيعةٌ متسعَّرةٌ وقودهَا الناسُ والحجارةُ, فالناسُ فيها كالحجارةِ مهانةً في رخصِها, وفي طريقةِ قذفِهم فيها دونَ اعتبارٍ ولا عنايةٍ, فما أفظعَها من نارٍ توقدُ بالحجارةِ!, وما أشدَ إحراقَها إذا كانت تذيبُ الحجارةَ, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ", قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ!, قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"(رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، فيا الله ما أشدهُ من عذابٍ يجمعُ مع شدةِ اللذعِ المهانةِ والحقارةِ, يقفُ عليه ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ تتناسبُ طبيعتُهُم مع العذابِ الذي هم به موكلون!.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أيها الآباءُ والأمهاتُ: بعقدِكم الميثاقِ الغليظِ عقدُ الزواجِ وبإنجابِكم الذريةِ تحملتُم الأمانةَ وقعدتُم للمسؤوليةِ؛ لذلكَ اعلموا -وفقكم اللهُ- أَنَّ قلوبَ الأولادِ في السنواتِ الأولى طاهرةً خاليةً من كلّ نقشٍ وصورةٍ، ولديها القابليةُ للنقشِ؛ فإن نُقِشَ فيها خيرٌ رُئِيَ, وإن زُرعَ فيها بذرٌ طيبٌ نبتَ وظهرَ, وإذا نشأَ الأبناءُ على ذلكَ نالوا السعادةَ في الدنيا والآخرةِ وصلحَ المجتمعُ، وإن زُرعَ فيهم شرٌ نبتَ وظهرَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"(رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)؛ أي: يجعلانِهِ يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً حسبَ ملتِهِما؛ بترغيبِهِما لهُ في ذلكَ, أو بتبعيتِهِ لهما. 

 

وهذا دليلٌ قاطعٌ أنَّ الطفلَ يكتسبُ الأخلاقَ والطباعَ والدينَ من والديهِ وإخوتهِ وأسرتهِ الصغيرةِ؛ فالطفلُ الذي يتعاملُ أهلهُ بالصدقِ, ويظهرونَ خوفَ اللهِ ومراقبتِهِ, ويتحلونَ بالوقارِ وحسنِ الحديثِ, واللطفِ والابتسامةِ, وحبِ الناسِ والتهللِ في بذلِ المعروفِ, ويَسمعونَ طيبَ الكلامِ ورقيقَ العبارةِ, والتعليقاتِ الإيجابيةِ على الأحداثِ, سواءً المسموعةِ في المجالسِ أو عبرَ وسائلِ الإعلامِ, لا يتكلمون بالفحشِ والبذاءةِ, دأبُهُم الحشمةُ في الملبسِ والتصرفاتِ، وديدنُهُم البعدُ عن كلِ قبيحٍ في مسلكِهِم, التغافلُ عن الزلاتِ منهجُهُم، والتنبيهُ بـ "ما بالُ أقوامٍ" طريقتُهُم, يوقرونَ الكبيرَ ويرحمونَ الصغيرَ, ويحسنونَ للجارِ ويصلونَ القريبَ, من كلِ خيرٍ قريبينَ ومن كلِ سوءٍ بعيدينَ؛ فكيفَ يكونُ خُلقُ أولادِهِم ونشأتِهِم؟!. 

 

أما الطفلُ الذي ينشأُ في أسرةٍ طَعَّانَةٍ لعانَةٍ, تحترفُ الكذبَ والتنمرَ على الضعيفِ، والتذمرَ من كلِ تكليفٍ, لا تحترمُ الأنظمةَ ولا القيمَ ولا الآدابَ العامةَ, لا توقرُ الكبيرَ ولا ترحمُ الصغيرَ, ولا تحسنُ للضعيفِ, الغشُ حرفتُهم، والاحتيالُ على الأنظمةِ مبدؤهُم، وعدمُ الحِشْمةِ باللباسِ والتصرفاتِ مسلكُهُم، دعواتُهُم لبعضِهم سيئةٌ, وألفاظُهم قبيحةٌ مقذعةٌ, يتنابزونَ بالألقابِ ويتقاذفونَ التهمَ, ويتخيرونَ من الكلامِ أسوأهُ ومنَ الأوصافِ أقذعُها؛ باللهِ عليكم: كيفَ يصلحُ صغيرٌ يعيشٌ في أكنافِهِم؟! وكيفَ يسمو بخلقٍ رفيعٍ منْ تحتَ أيدِهِم؟!, وصدقَ من قال:

وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّــا *** عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ

وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن *** يُعَــلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ

 

وقالَ آخرٌ:

قَدْ يَبْلُغُ الأَدَبَ الأَطْفَالُ فِي صِغَرٍ *** وَلَيسَ يَنْفَعُهُم مِنْ بَعدِهِ أَدَبُ

إِنَّ الغُصُـونَ إِذَا قَوَّمْتَها اعْتَدَلَتْ *** وَلَا يَلِـــينُ إِذا قَوَّمْتَهُ الخَشَـــبُ

 

ويروى أنَّ عتبةَ بن أبي سفيانَ رحمهُ اللهُ -تعالى- اختارَ لأطفالهِ معلماً، ثم أوصاهُ فقالَ: "ليكن أولَ ما تبدأُ به من إصلاحِ بَنِيَّ إصلاحُ نفسِكَ؛ فإنَّ أعينَهم مَعقودةٌ بعينيكَ، فالحسنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيحُ عندهم ما استقبحت".

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُها الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ: أبعدوا الخلافاتِ الزوجيّةَ عن الأبناءِ, وتجنّبوا المشاحناتِ أمامَهُم، وإن جرى نقاشٌ حادٌّ أمامَهم فأنهوه بسرعةٍ, واعتذروا ممن حضرَ بلباقةٍ؛ لما لهذا السلوكِ من أثرٍ سلبيٍ على نفوسِهِم.

 

حريٌ بالوالدينِ توجيهُ الأبناءِ منذُ صغرِهم إلى الإيمانِ باللهِ وتوحيدِه، بأسلوبٍ سهلٍ مبسطٍ، يتناسبُ مع عقولِهم, وزرعُ محبّةِ اللهِ -تعالى- في قلوبِهم، وتأصيلُ الشعوِر بمراقبَتِهِ والخوفِ منهُ في نفوسِهِم, وهذه أعظمُ خصلةٍ تجبُ العنايةُ بها.

 

أصّلوا الصدقَ بينَ أفرادِ الأسرةِ، وعلموهم حسنَ الإصغاءِ والاستماعِ, علموهم مهارةَ الاتصالِ مع الآخرينَ وأفرادِ الأسرةِ, وجهوُهُم للاهتمامِ في كلِ فردٍ من الأسرةِ، وأظهِروا مشاعرَ المحبةِ لهم, ومما تتميّزُ به الأسرةُ السعيدةُ قدرةَ أفرادِها على التعبيرِ عن مشاعرِهم اتجاهَ بعضِهم البعضَ.

 

قدموا النصائحَ والتوجيهاتِ برفقٍ وابتعِدوا عن أسلوبِ الانتقادِ العلني, حفزوا عندَهم السلوكَ الإيجابي بالقولِ والهديةِ, وامنحوهُم حريةَ الرأيِ والتعبيرِ وعلموُهُم حدودَ الأدبِ واللباقةِ, تعاونوا في حلِّ المشاكلاتِ وجنبوا الأسرةَ الصراعاتِ التي قد تحطمُ لحمتَها.

 

واعلموا أن الاهتمامَ بالعملِ ونقلِ ضغوطاتِهِ في الوقتِ المخصصِ للأسرةِ, وساعاتِ اللقاءِ بهم والأنسِ معهم وبهم يؤثرُ على الحياةِ الأسريّةِ، فحريٌ بالوالدين الفصلُ بين العملِ والحياةِ الأسريّةِ، فلكلٍ وقتُهُ. 

 

ولضمانِ حياةٍ سعيدةٍ للأسرةٍ لابدَ من وضعِ قواعدَ تنظمُ سيرَ الحياةِ فيها، وتنظمُ علاقةَ أفرادِها فيما بينهم ومع الآخرينَ يلتزمُ بها الجميعُ، وهذا كفيلٌ -بإذنِ اللهِ- بتقليلِ المشكلاتِ بين أفرادِها, مثلُ وجوبِ حضورِ أفرادِ الأسرةِ لأحدِ الوجباتِ الرئيسيةِ, وتناولِ الطعامِ معاً, وتبادلِ الأحاديثِ، ومنها الاتفاقُ على إبعادِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ, وعدمِ الانشغالِ بالأجهزةِ في الساعاتِ المخصصةِ للأسرةِ, ومنها تخصيصُ أوقاتٍ لاستخدامِ الألعابِ الالكترونيةِ, وتحديدُ ضوابطَ لاختيارِها، ووضعُ ضوابطَ للاتصالِ بمواقعِ التسليةِ والترفيهِ, ومنها الاحتفاءُ بإنجازاتِ أفرادِها, ومنها احترامُ الكبيرِ والعطفُ على الصغيرِ، ومنها طريقةُ التعاملِ والحديثِ واختيارِ الألفاظِ وغيرِها كثيرٌ, والدعمُ النفسيُ والماديُ عندَ حاجةِ أحدِ أفرادِها؛ لذلكَ ليشعرَ كلَّ فردٍ باهتمامِ كلِّ أفرادِ أسرتِهِ ومحبتِهِم, وأنَّهم مستعدونَ لمساعدتهِ متى احتاجَ لذلكَ.

 

وعلى الوالدينِ العنايةُ بأنفسِهم وصحتِهم, وعلى كلِ أفرادِ الأسرةِ المبادرةِ بمساعدتِهم، وإيجادِ جوٍ آمنٍ ومريحٍ للجميعِ، وتخصيصُ أوقاتٍ لراحتِهما واستعادةِ نشاطِهما.

 

اللهم إنَّا عبيدكَ أتينا إلى أداءِ شعيرةٍ عظيمةٍ من شعائرِ دينكَ؛ اللهم لا تفضَ جمعَنا إِلا بذنبٍ مغفورٍ, وأجرٍ موفورٍ, ورزقٍ واسعٍ وتجارةٍ لَنْ تبورَ.

 

المرفقات

خُطبةُ عِيدِ الفِطْرِ 1442 (أَهَمِيةُ الأُسْرَةِ فِي الإِسْلَامِ).doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات